احذر من شركات العقار التي تقدم لك الوعود والهدايا

حوافز شرائية مغرية لبيع العقارات غير المرغوب فيها في بريطانيا

TT

انتشرت في الآونة الاخيرة، وعود وضمانات وهدايا شركات العقار للمستثمرين، التي يفسرها البعض بأنها فرص جيدة للمستثمر تقلص له المخاطر وتفتح له افاق السوق. ولكن خبراء العقار المستقلين عن شركات العقار يحذرون من الظاهرة، ويرجحون انها مؤشر واضح على تراجع اسواق العقار، او على الاقل بعض قطاعاته، ودليل على قلق شركات التطوير العقاري من تخطي حدود الطلب المتاح في الاسواق لانواع معينة من العقار غير المرغوب فيه تريد تسويقه والتخلص منه بأي وسيلة.

العروض المتاحة الان في الاسواق، ومنها بعض الاسواق العربية، تشمل تقديم ضمانات لمعدلات الايجار لفترات تصل في اقصاها الى ثلاثة اعوام وفي نسبتها الى 7.5 في المائة، من قيمة العقار سنويا، كما تضمن بعض الشركات قيمة العقار لمدة خمس سنوات، وتؤكد للمشتري انها سوف تعوضه عن فارق الثمن لو تراجعت قيمة العقار الذي اشتراه. وهي فكرة تكشف، في حد ذاتها، ان الشركات تعرف مخاوف المشترين من تراجع القيمة.

هناك ايضا الكثير من الحوافز التي تقدمها شركات بيع العقار الجديد، منها تجهيز العقار بمعدات المطابخ والموبيليات الحديثة بلا مقابل، واعفاء المشتري من اقساط القرض العقاري لفترات تصل الى اكثر من عام. وتغري شركات اخرى المشتري بدفع مقدم العقار له كما تعفيه من تكاليف اجراءات التسجيل والرسوم القانونية.

وتوجد في الاسواق الان «بروشرات» من الورق المصقول بالصور الرائعة التي تغري بمزيج من هذه الحوافز والهدايا، لقاء اتخاذ المشتري قرار الشراء الفوري. وهي للمستثمر العادي تبدو مغرية حقا، ولكن الحرص والحذر يجب ان يلازما المستثمر، وكذلك التركيز على اصل الاستثمار وقيمته الرأسمالية وليس على الحوافز والهدايا التي تبدو مجانية، ولكن ثمنها قد يكون باهظا.

فالخطوة الاولى الضرورية في اي استثمار عقاري، هي اجراء الابحاث الميدانية بسؤال اطراف محايدة ومستقلة لتأكيد وعود التسويق المكتوبة في منشورات الشركات قبل اتخاذ قرار الشراء. ويقول خبير تأجير في شركة بريطانية، ان الاستشارات قبل الشراء لا تكلف الا بعض الوقت والجهد، ولكنها قد تنقذ المشتري من شراء عقار صعب البيع او التأجير قد يعرضه الى الكثير من الخسائر على المدى البعيد. فالعقارات يجب ان تكون متناسبة في الحجم والقيمة مع المنطقة التي تقع فيها ومع انماط المستأجرين او الساكنين المتاحين في المنطقة، فالمدن الجامعية تحتاج الى مساكن تليق بمجموعات الطلبة، والمناطق الريفية تحتاج لمنازل منفصلة وهادئة، ومراكز المدن الكبيرة يزيد فيها الطلب على الشقق الصغير التي تصلح لسكن المديرين وموظفي الادارة المتوسطة واصحاب المهن. ويجب ان تكون امدادات هذه الانواع المختلفة من العقار وفقا لحجم الطلب عليها وليس عشوائيا، لمجرد انها تدر ربحا اكثر على شركات العقار، كبناء الشقق في مناطق لا يوجد فيها طلب الا على المنازل.

هناك ايضا ملاحظة اخرى في مسألة ضمان عوائد الإيجار لفترات معينة تصل في المتوسط الى عام. فالشركات التي تضمن الايجار لمدة عام لا تقبل على مخاطرة كبيرة في الواقع، لان من السهولة العثور على سكان يريدون الاستمتاع بالسكن في عقار جديد لم يسكنه احد من قبل. ولكن بعد نهاية فترة الضمان، قد تكون فرصة ايجاد الساكن التالي اصعب للمستثمر الذي اشترى العقار.

كذلك تستخدم الشركات ضمان الايجار لطمأنة المستثمر في المواقع الاجنبية الجديدة غير المعهودة، حيث تنتشر هذه الايام موجة الاستثمار العقاري في مواقع جديدة، مثل جزر الرأس الاخضر وبلغاريا وقبرص التركية وغيرها. وتبيع شركات عقارية بريطانية عقارات في جزر الرأس الاخضر التي تقع غرب افريقيا بأسعار تبدأ من حوالي 65 الف جنيه استرليني لشقق صغير من غرفتين، وتصل الى 200 الف جنيه استرليني لفلل من ثلاث غرف وحمام سباحة. وهي تضمن في الوقت نفسه عوائد ايجار تصل الى خمسة في المائة من الثمن لمدة عامين، مع تسهيلات في تدبير القروض العقارية.

من الامور التي يجب ان تؤخذ في الاعتبار ايضا في الاستثمار العقاري توجهات اسواق العقار في مجملها وفق ما يراها خبراء هذا المجال، من شركات استشارة او سماسرة تأجير. فهناك معدل متوسط للايجارات التي يمكن للمستأجر ان يدفعها شهريا وفقا لكل سوق، قد تكون خمسة الاف درهم في دبي او الف جنيه في القاهرة او 700 استرليني في ضواحي لندن. وكلما ابتعد المستثمر عن المعدلات المتوسطة وذهب الى قمة السوق بالاستثمار في عقارات فاخرة للتأجير، تقلصت فرصته في التأجير السريع.

ومن الغريب ان هيئة بريطانية متخصصة في الاستثمار العقاري تعارض تقديم ضمانات إيجارية للعقارات الجديدة، حيث ترفض هيئة وكلاء الايجار البريطانية هذه الضمانات وتصفها بأنها حسومات خفية. ويقول متحدث من الهيئة ان ضمانات الايجار ليست الا وسيلة لتهدئة مخاوف المستثمرين من تقلبات السوق في المدى القصير. ولكن الواضح من تردد العديد من المشترين في الوقت الحاضر ان مخاوفهم ليست من عوائد الايجار في المدى القصير، وانما من تأثر قيمة العقار الرأسمالية في المدى البعيد. وهذا هو السبب الذي قررت من اجله بعض شركات العقار تقديم ضمانات للمشترين للتعويض عن تراجع القيمة خلال السنوات الخمس الاولى بعد الشراء. وتقول شركات العقار التي تقدم هذا النوع من الضمان انها المرة الاولى التي ترى فيها الاسواق ضمانا للقيمة لمدة خمس سنوات، وتصف الضمان بأنه «اسلوب ذكي وحافز مطمئن للمستثمر الذي يريد عقارا جيدا واستثمارا مضمونا».

العديد من المستثمرين الذين اشتروا بأسلوب ضمان القيمة اعترفوا بان الضمان هو الذي شجعهم على الشراء، خصوصا ان احوال السوق حاليا ليست قوية، كما كانت منذ عدة سنوات، كما ان اسعار العقار المرتفعة حاليا قد تتعرض لتصحيح في المدى المنظور.

من الحوافز التي تعتبرها الاسواق البريطانية جيدة ما تعرضه بعض شركات العقار الجديد التي تطور مشروعات كبيرة وتعرض على المستثمرين شراء النماذج الاولى Show Houses التي تستخدمها لعرض مزايا العقار على المستثمرين الجدد الاخرين. ولقاء الزيارات المتكررة واستخدام العقار كنموذج عقاري، تضمن الشركة للمستثمر عوائد تصل في قيمتها الى نسبة 7.5% من ثمن الشراء لفترات تتراوح ما بين ستة اشهر و18 شهرا.

ولكن السوق البريطاني بوجه عام يعاني من تخمة في عدد الشقق الجديدة التي بنيت منذ عام 2003، وهذا هو السبب الاساسي في تقديم الحوافز والهدايا في سوق العقار البريطاني. من النماذج الصارخة مشروع برج سكني جديد على مشارف مدينة مانشستر اسمه «سالفورد كي»، استكملته شركة البناء منذ عام كامل. ولكنها في العام الاخير لم تستطع بيع اكثر من 129 شقة من اصل 203 شقق. وبيعت نسبة 80 في المائة من الشقق لمستثمرين بغرض التأجير، بينما لم يتعد عدد الشقق التي بيعت بغرض الاقامة فيها 25 شقة فقط. وما زالت معظم الشقق خاوية حتى الان. اسباب هذا الوضع تتراوح بين السعر الباهظ لهذه الشقق من ناحية، وعدم رغبة البريطانيين المعيشة في شقق سكنية بدلا من المنازل.

ويتكرر الوضع في العديد من المدن البريطانية، حيث يؤدي الضغط على الطلب العقاري الى هدم المنازل القديمة وبناء ابراج الشقق بدلا منها. في وسط مدينة ليفربول بيعت 21 شقة فقط في وسط المدينة خلال الربع الاول من هذا العام، وفقا لاحصاءات الملكية العقارية، من مشروع كبير فيه اكثر من مائتي شقة. ودفع هذا الوضع الصعب شركة العقار الى تقديم حوافز غير مسبوقة، مثل دفع اقساط القرض العقاري نيابة عن المشتري لمدة عامين من تاريخ الشراء! وبصفة عامة لا بد ان ينظر المستثمر بحذر الى الحوافز، لانها ان دلت على شيء فإنما تدل على ان شركة بيع العقار تعاني من مشكلة ما في تسويق العقار تسويقا عاديا، وفقا لسعر العرض والطلب في السوق. ولا يعم هذا المنطق على كل الحوافز بالطبع، وانما يحتم على المشتري ان يتحقق بنفسه ومن مصادر محايدة، عما اذا كان الاستثمار العقاري في مشروع ما مربحا من الناحية الاقتصادية البحتة على المدى البعيد بغض النظر عن الحوافز الفورية والهدايا الرمزية.

فحتى في اسواق العقار الصاعدة هناك قطاعات خاسرة وتتراجع قيمتها. فالاحصاءات البريطانية الاخيرة تشير الى ان اسعار الشقق انخفض في بريطانيا في العام الاخير بنسبة خمسة في المائة مقابل ارتفاع في اسعار المنازل بنسبة ستة في المائة خلال الفترة نفسها. وعلى المستثمر الماهر تجنب القطاعات الخاسرة مهما كانت الحوافز.