مصر: نهاية عصر التمليك في مارينا.. وتسهيلات السداد أهم من السعر

مزاد في مصيف النخبة المصرية.. الشرق الاوسط كانت هناك

TT

فى الطريق اليها وضعتني صدفة اختيار سائق الأتوبيس لفيلم «صايع بحر» لعرضه من خلال الفيديو على الركاب، في أجواء المزاد الذي يقيمه البنك الأهلي المصري ( قطاع أمناء الاستثمار)، ومكتب خبير مثمن، لبيع عدد من الوحدات في مصيف النخبة المصرية و«درة» شواطئ البحر المتوسط، مدينة مارينا، منذ بدأ الأتوبيس يخرج من القاهرة. ففي المشاهد الافتتاحية للفيلم تظهر الفنانة سعاد نصر، وهي تحاول أن تأخذ بعض النقود من محفظة ابنها «أحمد حلمي» وهو نائم، وحين يجادلها؛ حال استيقاظه متفاجئا من حركتها، في أنها تأخذ نقوده من دون إذنه، تستعطفه وتخبره أن كل ما تريده 40 جنيها لحاجتها الماسة لها، وعندها يسألها ألم أقل لك من قبل «اللي بيسرق بيروح فين؟» ويسارع بالرد قبلها: «أوعي تقولي اللي بيسرق بيروح مارينا!» ويعطي الابن لأمه 50 جنيها ويمضي، لكنها «تناكفه» مصّرة على أن «اللي بيسرق يروح مارينا».

رغم براعة سعاد نصر وحبي لها، الا انني حاولت الانصراف عن متابعة الفيلم، لأن دعابة مؤلفه «بلال فضل» عن سكان مارينا لم ترحني، فالتعميم، حتى وإن كان في فيلم كوميدي، يولد موقفا ومشاعر غير سليمة، وهو مضر للغاية بالنسبة لي وأنا ذاهبة لمتابعة المزاد فقد يهز «حيادية» الصحافي.

وانتبهت إلى أن الحديث عن مارينا وبحث شؤونها أمر شديد الأهمية، ليس فقط باعتبارها «مصيف النخب المصرية» من السياسيين واعضاء الحكومة والمعارضة، رجال المال والصناعة والفنانين والرياضيين وأساتذة الجامعات وكبار الأطباء والمهندسين والمحامين ورجال الجيش والأمن، ولكن أيضا باعتبارها صالحة كمقياس لأوضاع الاقتصاد المصري، ومن هنا صعوبة الحديث العابر والساخر فقط عنها، فمارينا بهذا التكوين تصلح كمختبر لدراسات اقتصادية واجتماعية باعتبارها تضم بين سكانها «صفوة» المجتمع وقواه الأكثر سطوة.

وجهت تفكيري لمراجعة المعلومات التي جهزتها استعدادا للمزاد. فبدأت بما كتبه الدكتور ميلاد حنا، أستاذ الهندسة الإنشائية والخبير العمراني و«عمدة مارينا» كما يحب أن يطلق عليه سكانها. فهو يؤكد أن مدينة مارينا التي وصل طولها الآن نحو14 كيلومترا هي «أكبر كيان عمراني على طول هذا الشاطئ الجميل، وهي تكوين معماري وتخطيطي رائع يمكن بشيء من «الكياسة» تحويله ليكون عاصمة لإقليم تنموي جديد». وينتقد حنا نظام تمليك الوحدات، ويعتبره: «انتهى إلى مأزق اقتصادي، أهدر مدخرات الأفراد والعائلات». وكان حنا قد طرح على رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف ضرورة التفكير في خطة جديدة لكسر الجمود الاقتصادي «بسبب الاستثمارات الهائلة التي أهدرت في الساحل الشمالي الغربي لمصر، من منطقة «سيدي كرير» إلى «سيدي عبد الرحمن»، على أجمل شواطئ مصر، وبطول نحو100 كلم. فالاستثمارات الهائلة التي تقدر بعشرات المليارات أنفقت في إنشاء قرى سياحية تمليك، لا تستخدم لأكثر من7 أسابيع كل عام، وهذا أمر له تأثيره السيئ على اقتصاد مصر، وأحد الأسباب الكثيرة لحالة الكساد والبطالة». ووصف حنا ان الـ«80» قرية سياحية المتلاصقة المقامة على طول الساحل الشمالي الغربي لمصر بأنها «نزيف استثماري لتشييد سور صيني أعظم على البحر المتوسط»، لكنه سور لا يحمي حتى المال المستثمر فيه».

نجحت كلمات «عمدة مارينا» في إخراجي من أجواء «صايع بحر» الذي تجري أحداثه في عروس البحر المتوسط «الإسكندرية، لتضعني في خضم الحديث عن علاقة مزاد مارينا ومؤشراته بسوق العقار، ليس في الساحل الشمالي فقط بل في مصر كلها، وعلاقة هذا السوق وتأثيراته على مجمل الاقتصاد المصري.

واستعدت الأخبار التي أكدت أن هناك خطة لتعمير الساحل الشمالي، واستثمارات سياحية بمليارات الجنيهات.

لكن السؤال هو: «ما هو أسلوب الاستثمار الأفضل؟» واستعدت كذلك أخبار المزادين السابقين اللذين أقامهما بنك التعمير والإسكان، وأحد مكاتب الخبراء المثمنين، والذي وصلت فيهما أسعار الوحدات المباعة في المزاد الأول من: فيلات وشاليهات وشقق لأرقام غير متوقعة في ارتفاعها. وانعكس تأثير ذلك سلبيا على المزاد الثاني الذي تم دون ضجة إعلامية، ولم تبع فيه وحدة سكنية واحدة.

وذكرت تصريحات وزير الإسكان أحمد المغربي عن انتهاء سياسة «تخصيص» الوحدات، واعتماد المزاد كأسلوب وحيد لبيع الوحدات المملوكة للدولة، ليس في مارينا والساحل الشمالي فقط، بل في كل مصر.

وهكذا دخلت مارينا وأنا مهيأة لمتابعة المزاد الذي يجريه البنك الأهلي المصري قطاع أمناء الاستثمار، ومكتب الخبير المثمن عمر طوسون، على 21 وحدة متنوعة :12 فيلا، 6 شاليهات، شقتين، ومحل تجاري واحد. وحدد البنك شروطا للدخول في المزاد، فالراغب في البيع عليه أن يسدد، كضمان جدية البيع، مبلغ 5 آلاف جنيه عن الفيلا، و3 آلاف جنيه عن الشاليه أو الشقة. وعلى كل راغب في دخول المزاد تسديد مبلغ 150 ألف جنيه لكل فيلا، كتأمين جدية الشراء، وخمسين الف جنيه للشقة أو الشاليه. وتضمنت شروط المزاد أن يسدد من يرسو عليه المزاد نسبة 25% من إجمالي سعر الوحدة خلال أسبوع من تاريخ جلسة المزاد، ويعد هذا المبلغ استكمالا للتأمين، و25% أخرى خلال ثلاثة اشهر من تاريخ جلسة البيع، والـ50 % الباقية تسدد خلال 9 اشهر. ولا يتم تسليم الوحدة المباعة للمشتري إلا بعد تسديد كامل قيمتها، وعلى المشترى دفع نسبة 3% من إجمالي قيمة الوحدة عمولة خبرة وتثمين، ونسبة 3., % ضريبة المبيعات.

وكانت الملاحظة الأولى أن عدد المتقدمين للمزايدة على الوحدات المطروحة قليل للغاية، فقبل جلسة المزاد كان قد تم سحب 80 كراسة شروط، وعند الفتح لم يكن قد دفع مبلغ التأمين سوى 22 متزايدا فقط. وكان هذا مؤشرا قويا على أن المزاد يمكن أن يمنى بالفشل، فمن الصعب أن تتم مزايدة حقيقية ناجحة، تحقق للبائعين والمشترين أغراضهم، في مثل هذه الظروف. وهذا ما أثبته سير المزايدة، فبعد عرض تفصيلي لمميزات الوحدات المطروحة للمزايدة، ترافق مع عرض فيديو لمكونات وموقع كل وحدة، بدا حماس المشاركين في المزاد فاترا للغاية، ومخيبا لكل التوقعات ولم تبع إلا شقة واحدة بنسبة أقل من 5% من الوحدات المطروحة، وهي شقة دور أرضي بيعت بمبلغ 400 ألف جنيه، اشتراها تاجر أقمشة من بولاق الدكرور، وكان مالكها مترددا في الموافقة على البيع، مصّرا على الحصول على السعر الذي حدده سلفا وهو 650 ألف جنيه.

كانت المنافسة ساخنة على شاليه واحد فقط، ولم أتبين ميزته عن سواه من الوحدات المطروحة بما فيها المجاورة له. بدأت المزايدة من 150الف جنيه وتنافس عليها 12 مزايدا، ووصل أعلى طرح إلى 730 ألف جنيه لكن المالك رفض البيع بهذا السعر، وتمسك بألا يبيعه بأقل من 800 ألف جنيه، وحاول ممثل البنك والخبير المثمن إقناعه بأن الفرق ليس كبيرا وأن هذا سعر معقول جدا، وقد لا يحصل عليه في المرة القادمة، لكنه ظل متمسكا بما حدده سلفا. ومع استمرار هذه الأجواء «الباردة» حاول القائمون على المزاد التغاضي بعض الشيء عن شروط وإجراءات المزاد، ففيما يتعلق بالتأمين تم تسهيل الأمر بحيث يمكن لمن يسدد أية فئة في القيمة التأمينية أن يدخل المزاد على أية وحدة. وتمت إعادة عرض فيديو عن الوحدات مرة أخرى. مع تكرار ذكر مزاياها وإمكانيات استثمارها، أو بيعها بعد فترة قصيرة بسعر أعلى. لكن كل تلك المحاولات لم تفلح في حفز المزايدين على الشراء.

عقب انتهاء المزاد أكد احد المسؤولين في البنك الأهلي، انه لم يكن متوقعا على الإطلاق أن تكون النتيجة بهذا الشكل، وقال: «توقعنا أن يتم بيع نصف المعروض على الأقل» وأرجع السبب في تلك النتيجة إلى أن توابع مزاد بنك التعمير والإسكان لا زالت مستمرة، فأسعار البيع في ذلك المزاد كانت أعلى من كل التصورات، مما جعل الراغبين في البيع يغالون كثيرا في أسعارهم. فالبائع يرفع سعر عقاره إلى أكثر من 200% من قيمته السوقية، والمشتري متردد وخائف من الشراء بهذه القيم المبالغ فيها». وأوضح المسؤول أن الإقبال الملحوظ على شراء وحدات مزاد بنك التعمير والإسكان يعود إلى أن تسهيلات السداد كانت مغرية للغاية بحيث أنست المشترين القيم المرتفعة التي اشتروا بها.

وشدد على أن البائعين من المشاركين في المزاد رفعوا أسعار وحداتهم بمبالغة شديدة استنادا إلى نتائج ذلك المزاد من دون أن يلتفتوا إلى مسألة تسهيلات السداد التي لا يستطيعون تقديمها للمشتري، ولم يلتفتوا لنصائح خبراء البنك والخبير المثمن.

ورفض الخبير المثمن احمد عمر طوسون أن يوصف المزاد بالفاشل، لافتا إلى أنه سيتم إعادة طرح الوحدات في جولة أخرى للمزايدة، مذكرا بأنه كان هناك مزاد سابق على مزاده، ولم تبع فيه ولو وحدة واحدة. ونفى طوسون أن تكون نتائج المزاد دلالة على أن البساط بدأ ينسحب من تحت رمال مارينا كسوق عقاري نشط وجاذب، لصالح التوسعات العمرانية الجديدة المستهدفة لتعمير الساحل الشمالي. وقال: «لا يوجد منافس لمارينا حتى الآن، ولن يكون لها قبل 4 سنوات على الأقل، فنسبة الإشغال بها مرتفعة من المصريين قبل العرب، وما زالت محافظة على جمالها وجاذبيتها، وخدماتها وحسن إدارتها».