سوق العقارات في الهند يجذب كبار الشركات الأجنبية

بسبب التحول نحو الاقتصاد المفتوح

TT

على الرغم من الدمار الذي تحدثه كل عام رياح الخريف في الهند المعروفة باسم «منسون» فإن سوق العقارات في العاصمة التجارية مومباي (بومباي سابقاً) لا يتأثر بهذه الأعاصير. وعلى سبيل المثال فقد باعت الحكومة الهندية في مزاد علني الأرض التي كان يقوم عليها مصنع النسيج التاريخي «ألفينستون» الذي تبلغ مساحته 8 أفدنة، بنحو 4.4 مليار روبية هندية (أي أكثر قليلا من 100 مليون دولار). أما المشتري فهي شركة العقارات «إنديا بولز» التي تملكها مجموعة «إنديا بولز» المتخصصة في أسواق الأوراق المالية والبورصات. كما شهدت مدينة مومباي أيضا، وفي نفس الفترة، 5 مبيعات أخرى لا تقل في قيمتها عن صفقة أرض «ألفنسون». فالهند تشهد طفرة عقارية مثلها مثل كثير من الدول حول العالم، خصوصا الدول الصاعدة اقتصادياً. لكن الجديد في الهند منذ العام الماضي هو الاهتمام الكبير الذي بدأت تبديه شركات العقارات الأجنبية. فشركة «إنديا بولز» الهندية مملوكة بنسبة 60% من قبل شركة «فارلون كابتل مانيجمنت» الأميركية التي تعمل في مجال صناديق الاستثمار المالية في سان فرانسيسكو وكانت الشركة الأميركية قد أغلقت مؤخرا صناديق استثمارية في الولايات المتحدة بقيمة 150 مليون دولار لتحوّل هذا المبلغ الى سوق العقارات في الهند. كما من بين كبار المستثمرين الأجانب الذين اكتشفوا السوق الهندي للعقارات هم: بنك «غولدمان ساكس» وبنك «ميرل لينش» ومجموعة «فيديلتي». وقد بلغ معدل الارتفاع السنوي في عقارات بعض المناطق في الهند مثل ضواحي دلهي ومومباي أكثر من 30 %. ويعتبر تجار العقارات أن هناك سببين أساسيين يقفان وراء الطفرة العقارية في الهند، خصوصا في العقارات التجارية. السبب الأول هو التحوّل نحو الاقتصاد المفتوح والاستهلاكي، الأمر الذي زاد بشدة الطلب على بناء المحلات التجارية الحديثة ومراكز التسّوق ومراكز الترفيه والرياضة والفنادق. كما يعتقد البعض أن سوق تجارة التجزئة سينفتح أيضا أمام المستثمرين الأجانب بحيث تدخل شركات كبرى مثل «وول مارت»، ومن ثم تشعل بدورها الطلب على العقارات التجارية. والسبب الثاني يعود لكون الهند تتحول تدريجيا لكي تصبح مركزاً تجارياً إقليمياً. وعلى سبيل المثال فقد أعلنت مؤخراً شركة «جي إي كومرشيال فينانس»، وهي الذراع الاستثماري لمجموعة «جنرال الكتريك» العملاقة، أنها ستستثمر 63 مليون دولار في صندوق عقاري يعمل في الهند برأسمال يبلغ 350 مليون دولار وتديره شركة «أسيداس» العقارية السنغافورية. ويتخصص هذا الصندوق العقاري في تمويل اقامة مجمعات «تكنولوجيا المعلومات» على شاكلة مدينة الإنترنت في دبي. وسيحقق الصندوق أرباحه من ارتفاع قيمة الأرض، وأيضا من تأجيرها للشركات التي ستقيم عليها معارضها. ورغم أن مجموعة «جنرال الكتريك» العالمية تملك أنشطة تجارية عدة في الهند منذ فترة طويلة، فإن دخولها في هذا الصندوق العقاري يدشن بدء اهتمامها بسوق العقارت الهندية.

ومن الأسباب أيضا التي أنعشت سوق العقارت في الهند تخفيف القيود على الاستثمارات الأجنبية المباشرة منذ فبراير (شباط) من العام الماضي. وسمحت القوانين الجديدة للشركات الأجنبية بالدخول في شراكة مع مستثمرين محليين أو بتسجيل فروع محلية لها بشرط أن تبقى الأموال المستثمرة داخل الهند لمدة ثلاث سنوات، كما يُشترط أيضا حدٌ أدنى لمساحة الأرض أو العقار المُشترى.

وبالطبع فإن الشركات والمصارف الهندية نفسها لم تفت عليها الطفرة التي تمر بها بلادهم. لذا فقد أقام بنك «إتش دي إف سي» (أكبر بنك للقروض العقارية) بالتضامن مع بنك «ستيت بانك أوف أنديا» (أكبر بنك تجاري في الهند) صندوقا استثماريا لمدة 7 سنوات برأس مال يبلغ 10 مليارات روبية من أجل اقراض المستثمرين المحليين الراغبين في الاستثمار في سوق العقارات. كما أن أحد أكبر البنوك الهندية أيضا خصص 250 مليون دولار لصندوق يستثمر في العقارات التجارية والسكنية.

من جهة أخرى، يتخوف بعض المستثمرين الأجانب من أن سوق العقارات في الهند لا يزال غير منظم وغير متطور من حيث القوانين التي تحمي المستثمرين. وفي هذا الصدد يشير جاغان بنغا، أحد المديرين في شركة «إنديا بولز» الى أن صفقة بيع مصنع «ألفينستون» تمت في المحاكم لأن المالك الأصلي للأرض، قبل أن تؤممها الحكومة لتبني عليها مصنع النسيج، تحدى قرار التأميم في المحاكم وطالب بإعادة الأرض له بدلا من بيعها في مزاد علني. ومن بين الفوضى القانونية أيضاً انه من غير الواضح ما اذا كان المستثمرون عبر صناديق الاستثمار مطالبين بدفع الضرائب. وأخيرا، لا ينسى المتشائمون التذكير والتحذير بأن الارتفاع الكبير والسريع في أسعار أي سلعة ـ بما في ذلك الأرض ـ يمكن أن يؤدي الى انهيار أيضا سريع وكبير. وبالطبع هنالك العديد من الأمثلة في التاريخ التي يمكنهم الاستشهاد بها، أشهرها شركات التكنولوجيا أو الـ «دوت كوم» التي انتفخت وانتفخت ثم انفجرت بصوت مدوٍ. وأشار ديباك باركيه، رئيس مجلس إدارة بنك «إتش دي إف سي»، إلى أن الأسعار في إحدى ضواحى مدينة دلهي التي كانت العام الماضي قد جذبت عدداً كبيراً من الشركات الأجنبية بدأت الآن تتراجع بعد أن تضاعفت خلال 12 شهراً فقط. ويرى البعض أن الارتفاع الكبير الذي شهدته أسهم شركة «إنديا بولز» العقارية في فترة وجيزة من الزمن يذكرهم بما حدث لشركات التكنولوجيا في أواخر التسعينات. وكان ثلاثة مهندسين هنود قد أسسوا الشركة قبل خمس سنوات وطرحوا أسهمها في البورصة بواقع 19 روبية للسهم الواحد. أما الآن فقد وصل سعر السهم الى 225 روبية، بينما ارتفعت القيمة السوقية للشركة من ملياري روبية الى 30 ملياراً. وكان من بين أوائل المستثمرين فيها الملياردير لكشامي ميتال الذي يتربع على أكبر امبراطورية لصناعة الحديد والفولاذ في أوروبا ويجيء على رأس قائمة أثرى أثرياء بريطانيا لأنه يحمل الجنسيتين الهندية والبريطانية.

لكن المتفائلين في سوق العقارات يشيرون الى أن الصورة العامة للاقتصاد الهندي تبشر بانتعاشة غير مسبوقة، الأمر الذي سينعش بدوره سوق العقارات على المديين المتوسط والبعيد. فقد تخطى الاقتصاد الهندي هذا العام جميع التوقعات، إذ نما بمعدل 9.3% خلال الربع الأول من هذا العام. وخلال السنوات الماضية نما الاقتصاد الهندي من عام إلى آخر بمعدل 8.4% متفوقا على التوقعات الحكومية لنموه بمعدل 8.1%. وتعني زيادة النمو الاقتصادي أن الهند تقترب من معدلات النمو الصينية التي تتراوح ما بين 9% و10%. ومع ازدياد ثروة سكان المدن في الهند نتيجة الانتعاش الاقتصادي، أصبحت هناك وفرة في السيولة النقدية للإنفاق على السلع الاستهلاكية والإسكان والعقارات. غير أن بعض الاقتصاديين يعربون عن قلقهم من أن يكون النمو الهندي محدودا ما لم تتم زيادة الاستثمارات العامة في قطاعات البنية التحتية، بما فيها الموانئ والمطارات والطرق وإمدادات الكهرباء. ومن جانبه حذر وزير المالية بي تشيدامبارام مراراً من أنه دون القيام بإصلاحات فإن النمو الاقتصادي قد لا يستمر. ويقول بعض المحللين إن الانخفاض الذي شهدته البورصات الهندية مؤخرا ليس تراجعا وإنما تعويضا عن فترة من المكاسب السريعة. ومع ذلك ثمة مخاوف من احتمال سحب المزيد من المستثمرين الأجانب لأموالهم إذا استمرت أسعار الأسهم في التدني. كما هبطت الروبية الهندية لأقل سعر لها أمام الدولار منذ ثلاث سنوات بسبب المخاوف من بيع الأسهم. لكن هذه المخاوف قد تبدو مضخمة اذا نظرنا لما فعلته شركة الحاسوب العملاقة «اي بي ام» التي أعلنت مؤخرا انها تخطط لاستثمار ضخم في الهند تبلغ قيمته 6 مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات. وتعتبر هذه الصفقة التي تبلغ ثلاثة أضعاف ما استثمرته الشركة في الهند حتى الآن أكبر مبلغ تستثمره شركة متعددة الجنسيات في الهند في الفترة الأخيرة. ويعتبر عدد الذين تستخدمهم شركة «اي بي ام» في الهند الأكبر خارج الولايات المتحدة إذ يصل الى 43 ألف شخص منتشرين في 14 مدينة هندية.