عندما يقول أصحاب المنتجعات الفاخرة «نحن نختار زبائننا»

رفعوا شعار «الجار قبل الدار» ووضعوا عملاءهم تحت الاختبار

TT

«نحن ننتقي زبائننا.. ليس المال وحده الفيصل عندنا.. المستوى الاجتماعي والثقافي له الأولوية على المستوى المادي.. رفضنا في مرات كثيرة طلبات شراء لوحدات في منتجعنا». عبارات مثيرة للاهتمام، بعيدة عن مفهوم السوق المفتوح وعن الشائع في عالم العقارات بشكل عام حيث من يدفع اعلى يملك، لكنك تسمعها بين الحين والآخر من بعض المسوقين لمشروعات سياحية كبيرة في هذا المعرض العقاري او ذاك وهي عادة تثير الاستغراب والتساؤل لماذا؟ كانت احدى اهم الإجابات ما رد به المدير الإداري لمشروع سياحي من هذا النوع هو وهيب رفيق على استغرابي، أن هدفهم هو خلق مجتمع متجانس مع بعضه، متحرر في أفكاره وفي رؤيته ونظرته للحياة. وقال: «إن مناقشة هذه الفكرة امر حساس بعض الشيء، ولكنه اتجاه بدأ يظهر الآن في العالم كله، ويجب ألا نتخلف عنه. مبررا سياسة شركته التسويقية بأن «ثروة الإنسان في أسرته، وللحفاظ على هذه الثروة يجب اختيار من يسكن بجوارها بغض النظر عن الثمن». نحن نعمل بمبدأ «اختيار الجار قبل الدار».. ويبدأ الاختيار بطريقة «من فضلات القلب يتكلم الإنسان»، أي بدردشة بيننا وبين العميل، يتبعها ملء استمارة بها أسئلة، يجيب عليها ومنها يظهر اتجاهه الفكري والثقافي، ونعرف إذا كان ملائما للوسط الاجتماعي المفترض أننا نسعى لأن يكون متجانسا ام لا.

ولفت وهيب إلى أن هذا «الاختبار» هو الفيصل في الأمر وبه نوافق أو لا نوافق على أن ينضم العميل المتقدم للشراء إلى جيرانه الذين انتقيناهم في منتجعاتنا، ويضيف: ليست كل وحداتنا متساوية القيمة المادية، لكنها في أقصى درجات رفاهيتها ليست مرتفعة الثمن، ونعتبرها مناسبة جدا «للصفوة» الحقيقية من المثقفين وأصحاب الرؤية المتحررة اجتماعيا، لأننا نؤمن أن الانسجام الاجتماعي ينبع من المقدرة على التفاهم والتواصل، وأن «الانسجام» بين الجيران في منتجعنا يؤسس على انفتاح فكري وثقافي للإنسان تجاه الآخرين.. لذلك رفضنا في حالات كثيرة طلبات للشراء اكتشفنا منها أن أصحابها لن يكونوا قادرين على الانسجام مع الوسط الاجتماعي الذي نرغب في تحقيقه في منتجعاتنا، واذكر والكلام لوهيب، انه في احدى الحالات كان راغب الشراء حاصلا على دكتوراه من كندا، وطلب منا تخصيص حمامات سباحة ومناطق خاصة للسباحة للنساء فقط وهذا يوضح ما اعنيه بالقول بالتقارب الثقافي. لقد اندهش كثيرون من أصحاب الشركات العقارية والمسوقين والخبراء في السوق العقاري من سياسة اختيار الزبون بحسب مفاهيمه وسلوكياته الاجتماعية، واعتبرها البعض مجرد وسيلة جديدة للتسويق، وانتقدها آخرون ووصفوها بأنها وسيلة غير مناسبة للدعاية والتسويق»، ومنهم مدير عام المبيعات في شركة إيدار للتسويق العقاري احمد ممدوح الذي قال: «هناك من يختار العملاء بالفعل، لأنه من المهم أن يكون هناك تجانس في المنتجعات، ولكن طريقة الاختيار لابد أن تكون مناسبة وغير مستفزة، ولا تجرح مشاعر الزبون في حال الرفض».

موضحا أن فكرة اختبار العميل من خلال استمارة بها أسئلة مستفزة، تتدخل في خصوصيته، ليست وسيلة مناسبة في التسويق العقاري وتنطوي على نوع من التمييز الذي يستدعي الاحتجاج عليه. واكد ممدوح انه حتى في حال القيام بكل الاختبارات، فلا يمكن ضمان الا يحدث بين ملاك ومستأجري الوحدات اختلافات، وتفاوت ثقافي واجتماعي. ولفت ممدوح الانتباه إلى أن هناك قيمة كبيرة للتنوع والتباين داخل الوسط الاجتماعي الواحد.

واعتبر رجل الأعمال وصاحب مجموعة «بلبع للفنادق والمنتجعات السياحية» احمد بلبع اختيار العميل وسيلة للدعاية والتسويق غير معروفة في مصر. ولم يعرف احدا لجأ اليها بشكل مكشوف، ولا يمكن أن يكون مقبولا في قطاع الفندقة كمبدأ عام ممارسة هذا التمييز. وقال: «هذه الطريقة في الاختيار عن طريق الاستمارات تكون في الوظائف وليس في نشاط قائم على الـ «بيزنس» مثل العقارات، فالحكم بيني وبين العميل هو العرض والطلب والشروط العامة التي ترد في اي عقد».

وينفي رئيس جمعية مستثمري جنوب سيناء هشام علي أن يكون هناك بالفعل من ينتقي عملاءه، ويضيف: «ومن يقول ذلك فانه يقوم بدعاية بها «فظاظة» ما. وأرى أنها وسيلة غير مناسبة، وغير لائقة على الإطلاق في التسويق، بل اني أتأسف لمن يمكن أن يقول هذا مشيرا إلى أن المتعارف عليه، والذي تقوم به جميع الشركات، هو أن تكون استمارة حجز الوحدة للتعاقد تتضمن فقط الثمن والمساحة وتسهيلات وطريقة الدفع، واسم الشخص وعائلته، لكن حتى المهنة لا تذكر.

واوضح ممدوح ان الخبرة تجعله يشك في مثل هذه الأفكار، ويقلق من تأثيرها على السوق. واضاف: «يأتي لنا عملاء من أحياء شعبية، مثل بولاق الدكرور، ومن أحياء راقية مثل الزمالك، وقد نجد أحيانا أن "البولاقيين"يتصرفون ويتحدثون أحيانا بطريقة أفضل من سكان الزمالك». مشددا على أنه لا يجوز مهنيا ولا يمكن، في حال ما إذا كان الإعلان عن الخدمة المقدمة علنيا ومفتوحا للجميع، رفض عميل ما على أساس أنه يعمل في مهنة معينة أو يسكن في أماكن بعينها أو لديه أفكار وتصورات معينة، فالعلاقة الأساسية بيني وبين العميل هي «البيزنس»، اي الخدمات التي أقدمها له، مقابل السعر المناسب والذي يقبل أن يدفعه.. هذا هو التعاقد بيننا».

وتساءل ممدوح: «ماذا يمكنني أن أفعل بعدما تعاقدت مع عميل ما «اختبرته» ووافق تصوراتي، ثم تبدل، وتغيرت سلوكياته وأفكاره أو مكانته التي «اخترته» على أساسها،ماذا أفعل؟ وقد ترك هشام الاجابة لنا.

ومن ضفة اخرى ينبه خبير التسويق العقاري مجدي المحلاوي إلى أن العميل يعرف مسبقا ما ينسجم معه، فلن يذهب إلى وسط اجتماعي منافر له من الأساس. مشددا على أن حساسية العميل تتضح من أسئلته، ومن خلال الأجوبة التي يتلقاها يعرف إن كان هذا يلائمه أم لا. أما في حال أرادت شركة ما أن تضع «شروطا» لعملائها فهذا من حقها،على أن تكون صريحة بصورة مطلقة في ذلك ووصف الطريقة التي تتبعها الشركة التي «تنتقي» عملاءها بأنها «خداع» لأن العميل لا يعرف الغرض من «الدردشة والاستمارة» وسيكون شيئا غير مقبول إنسانيا أن يقال له: «نأسف أنت غير مناسب لنا» متسائلا: «هل من حق ذلك الشخص التمسك بالشراء طالما يمتلك الثمن ومستوفيا الشروط المعلنة.. هل من حقه مثلا إقامة دعوى ضد الشرك»؟! وشدد الباحث الاجتماعي شكري مصطفى على أن التجانس الاجتماعي والثقافي بين السكان، سواء في الوحدات السكنية أو المصايف والفنادق والمنتجعات شيء مهم. ولفت مصطفى الانتباه إلى أن الإنسان في فترة الراحة والاجازات يحتاج أكثر لجو الألفة والانسجام مع المحيطين به، وأن أي نشاز سيكون أثره حادا. وقال: «الإنسان بطبعه يكره الشعور بالنبذ أو الاغتراب تجاه المجتمع الصغير الذي يعيش فيه، فالإحساس بالاغتراب يولد مشاكل اجتماعية ونفسية معقدة، ربما يتولد منها الحقد الطبقي والعنف والتطرف». ويؤكد أن لهذه الفكرة وجهاتها اجتماعيا ونفسيا، ولكنها يمكن أن تكون مدخلا يؤدي إلى أن ينقسم المجتمع على نفسه، وتعيش كل مجموعة في جزيرة منعزلة عن بعضها البعض،وهذا ربما يكون أسوأ من أن يعاني البعض من وجود آخرين غير منسجمين.

ويخلص إلى أن الفكرة بصفة عامة تستحق التفكير الجيد فيها دون رفضها تماما أو العمل بها دون تروٍ ودون دراسة اجتماعية وثقافية ونفسية سليمة ودقيقة، طالما أن الأولوية بالنسبة لها المستوى الفكري والثقافي.