المغرب: تزايد الطلب على الإيجار مع ارتفاع ثمن الشقق

نتيجة الإقبال الكبير للأجانب على الاستثمار

TT

بعد السنوات العجاف التي اجتازها قطاع الكراء «الإيجار» العقاري خلال السنوات الأخيرة، في سياق ظرفية غير ملائمة، يتوقع المراقبون تحولا باتجاه إقلاع قطاع الكراء ونمو سريع لنشاطه خلال الأشهر المقبلة بسبب غلاء الشقق نتيجة لارتفاع الطلب الأجنبي، من جهة، وإصلاح الإطار القانوني للكراء العقاري واتخاذ الحكومة لتدابير تحفيزية لفائدته من جهة أخرى.

فقد شكل قطاع الكراء العقاري الأخ الفقير في إطار إستراتيجية الإسكان التي انتهجتها الحكومة المغربية خلال السنوات الأخيرة، والتي تتجه إلى توفير شروط تمليك السكن استجابة للشغف المزمع لدى المغاربة بامتلاك مساكنهم. ويختزل الشعار الإعلاني «الشراء بثمن الكراء»، الذي شكل محور السياسة التواصلية في الترويج لهذه الإستراتيجية، هذا التوجه الإستراتيجي المرتكز على إطلاق الحكومة لمجموعة من المنتجات العقارية الجديدة والملائمة لتمليك مختلف شرائح المجتمع، انطلاقا من برامج «السكن الاقتصادي» البسيط و«السكن الاجتماعي» المنخفض التكلفة، وهي منتجات موجهة للفئات الدنيا من المجتمع، وصولا إلى إطلاق برامج «الفيلا الاقتصادية» و«الدار الكبيرة» الموجهة لأفراد الطبقة الوسطى، والتي تمت مواكبتها بتوفير تسهيلات التمويل من خلال إنشاء صناديق ضمان متخصصة ومدعومة من طرف الدولة ومنح إمتيازات ومساعدات للمنعشين العقاريين الخواص ضمن التزامات تعاقدية مع الحكومة في إطار تنفيذ هذه البرامج.

وفي هذا السياق تراجعت نسبة حيازة السكن عن طريق الكراء من 35% في الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 1994 إلى 18.5% في الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2004، فيما ارتفعت نسبة حيازة السكن عبر التمليك من 44.9% في 1994 إلى 65.1% في سنة 2004. كما لوحظ هبوط حاد في السومة الكرائية للشقق السكنية خلال الثلاثة أعوام الأخيرة، التي صادفت مرحلة التطبيق الفعلي لهذه السياسة، إذ بلغت نسب الانخفاض في مدينة الدار البيضاء ما بين 10 و30% حسب المناطق وفقا لتقديرات الوكلاء العقاريين؛ وعرفت المدة الفاصلة بين إخلاء المحل وإعادة كرائه ارتفاعا كبيرا نتيجة استقطاب الطلب من طرف مشاريع التمليك التي باتت تقترح «الشراء بثمن الكراء» في إشارة إلى كون الأقساط الشهرية لسلفات شراء الشقق أصبحت في نفس مستوى الرسوم الكرائية.

غير أن المراقبين يتوقعون انقلاب هذا التوجه خلال الأشهر القليلة المقبلة. ويرى سمير بنمخلوف، مدير عام الفرع المغربي لمجموعة «سانتوري 21» الدولية للخدمات العقارية، أن الطلب على الكراء بدأ يعرف نموا متزايدا مع ارتفاع ثمن الشقق نتيجة الإقبال الكبير للأجانب خاصة الأوروبيين على الاستثمار في المغرب. وأوضح بنمخلوف في تصريح لـ «الشرق الأوسط» أن الثمن الحقيقي لشقق السكن الاجتماعي أكبر بنحو 20% إلى 30% من الثمن الرسمي لهذه الشقق، والذي لا يجب أن يتجاوز 200 ألف درهم «23ألف دولار» حسب القانون. وقال ان المنعشين العقاريين يفرضون على المشتري دفع الجزء الإضافي من الصفقة تحت الطاولة بحيث لا يتم التصريح به، ويصرحون فقط بأثمان تقل عن 200 ألف درهم «23 ألف دولار» ليتمكنوا من الاستفادة من الإعفاءات الضريبية والإمتيازات المرتبطة بالسكن الاجتماعي. وأضاف أن هذه الكلفة الإضافية الباهظة التي أخذت ترتفع مع انخفاض العرض وارتفاع الطلب أصبحت تنفر المستثمرين وتدفعهم لإختيار الكراء بدل الشراء. وأضاف بنمخلوف أن انحسار الكراء العقاري في المغرب خلال السنوات الماضية يعود أيضا في جزء منه إلى انعدام الشفافية والتكافؤ في العلاقات بين الكاري والمكتري. وقال «هناك نحو 123 ألف عقار غير مستغل، حسب إحصاءات رسمية، أغلبها بسبب النزاعات بين المالكين والمكترين، وعزوف عدد من المالكين عن عرض عقاراتهم للكراء خوفا من المشاكل». وأوضح أن المشكلة الأكثر شيوعا تتمثل في تراكم مستحقات الكراء الناتجة عن التهاون في أداء واجب الكراء من طرف المكتري أو التهاون في تحصيله من طرف المالك. ويرى بنمخلوف أن الحل لهذه المشاكل يتطلب من جهة، وضع عقود كراء واضحة ودقيقة تحدد التزامات الطرفين وحقوقهما وواجباتهما، وتكليف مهنيين محترفين في مجال تدبير الأصول العقارية من طرف المالكين للإشراف على عمليات الكراء والتحصيل.

وتشكل التكاليف الباهظة للمنازعات القضائية من المال والوقت وبطء إجراءات تنفيذ أحكام الإخلاء التي تصدر في حق المكترين المخلين بواجباتهم أكبر مثبط لعزم المالكين على الكراء. وغالبا ما يفضل المالك إبقاء عقاره غير مستعمل بعد تجربة قاسية مع مكتر مخل بالتزاماته، والتي قد تكلفه حسب الخبراء نحو 20 ألف درهم كمصاريف التقاضي وعدة شهور من الانتظار.

وبمبادرة من الفريق البرلماني لحزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، صادق مجلس النواب «الغرفة الأولى من البرلمان المغربي» في دورة يونيو «حزيران» الماضي على مقترح قانون يضبط العلاقات بين المالك والمكتري، خاصة فيما يتعلق بمسألة الزيادة في سومة الكراء أو التخفيض منها، والتي تشكل أبرز سبب لنشوء نزاعات بين الطرفين. ويرتقب أن يحصل القانون على المصادقة النهائية خلال دورة أكتوبر المقبل بعد أن يناقش ويعتمد من طرف مجلس المستشارين «الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي» .

وفي تصريح لـ «الشرق الأوسط» أوضح النائب الاشتراكي عبد الكبير طبيح أن مقترح القانون يهدف من جهة إلى تسريع وتبسيط الإجرءات القضائية في المنازعات المتعلقة بالكراء العقاري، خاصة فيما يتعلق بإجراء الخبرات التي تأخذ وقتا طويلا وتكلف كثيرا، ومن جهة ثانية يسعى القانون إلى تقنين مسألة الزيادة في الكراء من خلال تحديد مدة ونسبة الزيادة في سومة الكراء. وقال طبيح ان مقترح القانون ينص على أن تتم الزيادة في سومة الكراء كل ثلاث سنوات، وذلك بنسبة 8% للعقارات السكنية وبنسبة 10% للعقارات الموجهة للإستعمال التجاري أو الصناعي. وأضاف أن القانون لا ينص على أن تتم الزيادة بشكل آلي وإنما يعطي الحق للمالك في المطالبة بالزيادة كل ثلاث سنوات ضمن حدود النسب التي حددها القانون، ويتم التوصل إلى حل تفاوضي بالتراضي بين الطرفين. وأشار طبيح إلى أن مقترح القانون يحدد أيضا إجراءات وشروط مطالبة المكتري بتخفيض السومة الكرائية. وقال ان هذا القانون سيسهل عمل المحاكم الإبتدائية التي خولها صلاحية البت في قضايا الكراء العقاري، كما أن مقتضياته سوف تساهم في حل العديد من القضايا دون حاجة للجوء إلى القضاء.

ويتوقع مهنيو العقار أن تكون لإصلاح الإطار القانوني للكراء العقاري انعكاسات إيجابية على القطاع والتحفيز على بروز هيئات مختصة في الاستثمار في العقار الموجه للكراء، خاصة إذا ما رافقت الحكومة هذه الإصلاحات بتدابير تحفيزية لفائدة المستثمرين، الشيء الذي سيمكن الكراء العقاري من لعب أكبر دور في التخفيف من العجز السكني في المغرب.