المستثمرون في بريطانيا يتخلون عن الأسهم من أجل شراء العقارات

مع انتعاش قطاع التأجير بسبب الأرباح الجذابة

TT

تبدو الحياة وردية لملاك العقارات في بريطانيا، إذ تواصل الإيجارات ارتفاعها بينما يواجه مستثمرو الأسهم أوقاتاً عصيبة. وبالطبع فقد شكل هذا الوضع إغراءً للمستثمرين بالتحول من سوق الأسهم إلى سوق العقارات الأكثر ثباتاً وأعلى ربحية في الوقت الحالي. إلا أن الفارق في الحقيقة ضئيل. فعندما انهارت فقاعة الأسهم في قطاع التكنولوجيا المتطورة في عام 2000 دفع الآلاف من المستثمرين بأموالهم إلى سوق العقارات. واستمرت أسعار الأسهم في الانخفاض بينما واصلت أسعار العقارات الارتفاع مما خلق اعتقاداً بأن العقارات هي أفضل وسيلة لتحقيق الأرباح. وكان ذلك موضوعاً ساخناً في حفلات العشاء، وصرح مجلس البنوك العقارية بأن حجم القروض التي حصل عليها مستثمرون بغرض شراء العقارات وتأجيرها، زاد بنسبة 483% بين عامي 2000 و2005.

ويقول جستين أركوهارت ستيوارت، مستشار الاستثمارات في مكتب «سفن» للاستثمارات،: «كان المستثمرون فزعين من سوق الأسهم... وكانت العقارات جذابة لأن الناس يفضلون الاستثمارات التي تأتي بعائد مباشر، خاصة في أوقات عدم الاستقرار في الأسواق المالية. وبعد 3 أعوام من الانفراج تحسنت ثقة المستثمرين في سوق الأسهم إلا أنها تزعزعت مرة أخرى بعد الاضطراب الأخير في منتصف العام الجاري، والذي أخشى أنه سيؤدي الى تدفق مكرر نحو شراء العقارات بغرض التأجير. أنا لا أرى أي خطأ في شراء العقارات ولكن يجب ألا يضع الشخص كل بيضه في سلة واحدة». يذكر أن أسعار العقارات في بريطانيا قد ارتفعت خلال السنوات العشر الماضية بأكثر مما ارتفعت أسعار الأسهم. ووفقاً لمؤشر هاليفاكس (أكبر بنك عقاري في بريطانيا) فإن أسعار العقارات حالياً أعلى بنسبة 183% مقارنة بزيادة 57% فقط لإجمالي الأسهم حسب مؤشر الفاينانشيال تايمز في بورصة لندن. إلا أن العقارات لم تتفوق دائماً على الأسهم، ففي العقد قبل الأخير 1986ـ1996 ازدادت أسعار الأسهم بنسبة 138% بينما ارتفعت أسعار العقارات بنسبة 62% فقط. ومع ذلك فقد افترض العديد خطأً أن العقارات ظلت أفضل أنواع الاستثمارات في السنوات الأخيرة.

وعلى الرغم من تقلبات البورصة الأخيرة فإن أداء الأسهم تفوق على العقارات في السنوات الثلاث الأخيرة، إذ ارتفع مؤشر أسعار العقارات بنسبة 38% بينما ارتفع مؤشر الأسهم بنسبة 50%. ويجب ألا ننسى أن من الممكن أن تنهار أسعار العقارات أيضاً، فقد تناقصت قيمة العقارات إبان الركود الاقتصادي بين أعوام 1990ـ1994 بنسبة 9%، بينما ارتفعت أسعار الأسهم بنسبة 24% في نفس الفترة. اذن فإن الاستثمار في العقار لا يخلو من المخاطر أيضاً، لكن العديد من المستثمرين يرى أن سوق العقارات أقل تقلبا واضطرابا من أسواق الأسهم والأسواق المالية الأخرى. لقد وجدت البنوك العقارية أن عدداً من المشترين لعقارات بغرض التأجير كانوا يعتزمون زيادة مشترياتهم في الـ 12 شهراً المقبلة. وفي هذا الصدد يقول جون هيرون «لقد حدث انتعاش في الشراء بغرض التأجير منذ الخريف الماضي، إذ يشتري الملاك المتفائلون عقارات واثقين من أن هناك طلباً جيداً على الإيجارات في المباني الفاخرة وفي الأماكن المناسبة». كما أن هناك زيادة في الطلب على العقارات من قبل العمال المهاجرين. وتقول جمعية وكالات الإيجارات السكنية إن حوالي نصف أعضائها يعتقدون أن عدد الراغبين في الإيجار أعلى من عدد المساكن المعروضة للإيجار. وسوف يساعد ذلك على رفع قيمة أسعار الإيجارات. ووفقاً للمعهد الملكي للمساحين القانونيين فإن أسعار الإيجارات ستشهد أسرع ارتفاع لها في الخمس سنوات القادمة. ويؤثر ارتفاع أسعار الإيجار بشكل إيجابي على إيرادات الإيجارات ـ وتحسب بنسبة الدخل من قيمة العقار ـ ومع بقائها عند نسبة 5% فإن إيرادات الإيجارات لا زالت منخفضة نسبياً. لقد تضاءلت الإيرادات في السنوات الأخيرة لأن أسعار المنازل زادت بأسرع من الزيادة في أسعار الإيجارات. وعلى الرغم من التحسن الذي طرأ مؤخراً على الإيجارات فقد يظل من الصعب أن ترتفع بشكل ملحوظ. وقال مضارب من وكالة «سافيل» الخاصة للتمويل: يجب أن تقوم بمسح دقيق حتى تتأكد من أنك اشتريت في منطقة يكثر فيها المستأجرون.

وكانت دراسة حديثة قامت بها شركة «يو سي بي» للقروض العقارية التابعة لبنك «نايشن وايد» قد وجدت أن الارتفاع في أسعار الإيجارات لم يواكب السرعة التي زادت بها أسعار المنازل. ونتيجة لذلك فإن عدداً من المستثمرين يجدون صعوبة في الحصول على تمويل. كما أن هناك طلباً متزيداً في مدينة «ليفربول» على المساكن، لكن نسبة للعدد الكبير من مشاريع البناء الجديدة في مركز المدينة فإن هذا الجانب من سوق الإيجارات قد تمت تغطيته. ووجدت دراسة «يو سي بي» أن الإيجارات في مناطق معينة من مدينة برمينغهام ثاني أكبر مدن بريطانيا بعد لندن لا تغطي قيمة أقساط القرض الذي استخدم في شراء المنزل.

يقول مارك ديورانت، رئيس شركة تعمل في إدارة استثمارات العقارات، «إنني أشتري عقارات بشكل دائم، وأنا قادر على الحصول على تخفيضات كبيرة نسبة لأنني أشتري بقيمة كبيرة. فأنا أشتري دائماً منازل حديثة البناء ولكن يتعين أن تكون دقيقاً في اختياراتك». ويحذر لي جراندين، مضارب من «لاندلورد» المستثمرين الجدد من محاكاة ديورانت، ويقول «يعرف المستثمرون المخضرمون أي العقارات يشترون كما أنهم يشترون بأثمان رخيصة. والخطورة أن يحاول المستثمرون عديمو الخبرة فعل نفس الشيء. فقبل خمس سنوات عندما كانت أسعار المنازل ترتفع بشكل سريع كان من الممكن أن ترتكب بعض الأخطاء ولكن ذلك في غاية الخطورة في سوق يتميز بأسعار ثابتة كالذي نعايشه الآن. فإذا اشتريت العقار الخطأ فإنك سوف تعاني كثيراً». وحتى إذا جعلك الاضطراب الأخير في سوق الأسهم قلقاً من الاستثمار في الأسهم وميالاً للاستثمار في العقارات فإن الخبراء يوصون بألا تبيع أسهمك لذلك الغرض. ومن جهته قال كليم شامبرز الذي يدير موقع «أدفن» المالي على الإنترنت «يجب ألا تبيع أسهمك على الإطلاق إلا إذا كنت تعتقد أن معركة نهاية العالم وشيكة الحدوث. لقد باع العديد من الناس أسهمهم في عام 2000 ثم تعذر عليهم العودة مرة أخرى وخسروا فرصاً كبيرة للربح في السنوات اللاحقة».

لقد هبط مؤشر الفاينانشيال تايمز بنسبة 0.5% في الشهر الماضي وهو أقل بـ 184 نقطة من القمة التي بلغها في إبريل (نيسان). ويتوقع العديد من المحللين للاضطراب أن يستمر في الأشهر القليلة القادمة ولكن أغلبهم يرونه كمصحح وليس كبداية لسوق مواتية للمشترين. ويقول ماستيفن وايتاكر الذي يدير شركة نيو ستاركس: «لا زالت الشركات تحقق ما هو متوقع من إيرادات أو تزيد عليها. ولا زالت تعطي إيرادات جذابة للتداول الحر لأموالها، وهناك الكثير من الربح المتوقع من أنشطة المضاربة. لقد كان الهبوط أسرع وأعمق من توقعات أكثرية الناس، وقد يأخذ أكثر من بضعة شهور حتى يهضم المستثمرون الصعود المفاجئ في تقلبات البورصة. إنني أعتقد أن السوق سوف يستقيم وسوف يحقق أرباحاً جيدة قبل نهاية العام».