ازدهار سوق العقارات في دبي .. إلى متى؟

7 آلاف شقة ملك للبريطانيين

TT

وصف شيريل ماركوزي، من صحيفة الدايلي تلغراف البريطانية، مدينة دبي بأنها «مهرجانٌ من المباني الفاخرة وناطحات السحاب»، التي حلت محل خيام البدو والطرق الرملية القديمة الممتدة عبر الصحراء. فقد تحولت الإمارة العتيقة وعبر طفرة عمرانية مكثفة، إلى مدينة حديثة مليئة بالعمارات الشاهقة على الطراز الأميركي. ثم راحت المدينة تتوسع في البحر لتضم جزرا اصطناعية مصممة على هيئة نخيل، لذا فقد أخذ المستثمرون يتسابقون إلى الاستثمار في هذا الفردوس العربي الجديد، الذي وصفه البعض بأنه أشبه بخليط بين ولاية فلوريدا ومدينة لاس فيغاس في الولايات المتحدة. ويتطلع المستثمرون إلى تحقيق أرباح من الدخول المرتفعة للأجانب الذين تم جلبهم للعمل في مجالات، مثل المصارف والمؤسسات المالية وقطاع الإلكترونيات والإعلام الحديث.

وعلى الرغم من تدفق أعمال البناء، فإن مايكل غرانت من مكتب دبي لشركة «كلوتون» العقارية البريطانية يقول: ان هناك نقصاً في المساكن، مؤكداً ان «القادمين الجدد يشترون مساكن تحت التشييد لن يكتمل بناؤها إلا بعد نحو 3 سنوات، كما ان أسعار الفيلات المنتهية البناء تضاعفت أربع مرات، وزادت أسعار الشقق في حي المارينا بنحو 6500 دولار خلال الشهرين الماضيين فقط. وعلى سبيل المثال، فقد اشترى ستيفن إيفانز، وهو خبير كومبيوترات، قبل ستة أشهر شقة تحت التأسيس تحتوي على 3 غرف في منطقة عيون النخيل في جبل علي، بمبلغ 350 ألف دولار عن طريق وكالة «لايف دبي»، وذلك بغرض السكن فيها خلال العطلات مع زوجته وعائلته لمدة 4 أسابيع، ثم تأجيرها لبقية العام. ويعترف إيفانز، الذي اشترى شقة دون أن يراها، ان الأمر يعد مجازفة، على الرغم من أنه حصل على مشورة قانونية قبل الشراء، لكنه يؤكد أن ما فعله يبدو استثماراً ممتازاً، خاصة في ظل حكومة ملتزمة بالتنمية والتطوير العمراني.

من ناحية أخرى. فقد عانى سوق الأسهم في دبي ـ مثله مثل بقية أسواق الخليج ـ من أول انخفاض كبير له، الأمر الذي أدى الى التفات الأنظار إلى سوق العقارات، الذي يبدو انه نفد من دون جروح. فقد انخفضت مبيعات الأسهم في سوق دبي في أول مايو (أيار) 2006، بنسبة 55 بالمائة أقل من أي وقت مضى. ويبدو ان ما حفظ أسعار العقارات من نفس المصير، هو القرار الذي صدر اخيرا بالسماح للأجانب بشراء أراض بالملكية الحرة، الأمر الذي حمّس الأجانب للشراء في المباني الفاخرة من المساكن الجديدة. ويلاحظ ان كل مشتريات الأجانب من العقارات كانت تتم تحت عقد ايجار طويل الأمد، وليس ملكية حرة. ورغم ذلك فقد اشترى أكثر من سبعة آلاف بريطاني شققاً وفيلات في مجموعة من المباني التي بنيت في هذه الإمارة. فقد خصصت قوانين الشراء الجديدة مناطق للمستثمرين الأجانب يُسمح لهم فيها بالملكية الحرة للعقار. وسيسري هذا القانون في مناطق أخرى من المقرر أن تُبنى في السنوات القليلة القادمة. لذا فإن الملكيات العقارية في دبي سوف تكون في المستقبل ملكاً حراً، طالما كانت مبنية بواسطة واحد من الثلاثة العظام في دبي وهم: «اعمار» (حالياً أكبر شركة بناء للمساكن على مستوى العالم من حيث القيمة) و«النخيل» و«عقارات دبي».

كما انه من الممكن لملاك العقارات المبنية بواسطة واحد من الثلاثة الكبار، ان يتقدموا لتغيير ملكيتهم إلى ملكية حرة، بشرط ان يكون العقار واقعاً في المناطق التي حددها القانون. وبالطبع يعني تحويل نوعية الملكية تكلفة إضافية على الملاك مقدارها ما بين 1.5 إلى 2% من قيمة العقار. وقد أنشأ القانون الجديد سجلاً للأراضي، لأن غياب السجل في الماضي شكل أمراً مقلقاً لعدد من وكالات العقارات العاملة في دبي. ويقول ويستون بايكر «إن وجود هذا السجل شيء مطمئن، وعلى الرغم من ان غياب صفة الملكية الحرة لم تمنع المشترين من بريطانيا، إلا ان الملكية الحرة تغير الصورة تماماً، وسوف تشجع مزيداً من المشترين، بالإضافة إلى زيادة حجم البنوك العاملة في مجال القروض العقارية. ويؤكد صحة ذلك الاستنتاج اقبال بنك «باركليز» البريطاني على تقديم قروض طويلة الأجل لمشتري العقارات البريطانيين في دبي، كما ان بنك «إتش إس بي سي» بدأ يقدم قروضا لمساكن في بنايات محددة اكتمل بناؤها، سواء كانت جديدة أو مستخدمة من قبل. ويوضح متحدث باسم البنك ان القروض الممنوحة في دبي مماثلة للقروض الممنوحة في بريطانيا، وقد أخذنا في الاعتبار استقرار السوق في دبي، وسلاسة الملكية على الرغم من النقص النسبي في القواعد المنظمة للسوق».

من جانبه يقول أليكس أوبتون، من وكالة «كلوتون» البريطانية، التي تعمل في عقارات دبي، إن الملكية الحرة سوف تؤدي إلى نشاط محموم في المرحلة المقبلة، لأنها ستجلب مزيداً من الاستقرار في هذا السوق الجديد، ودون الملكية الحرة، فلن تكون هناك إمكانية لأي استقرار مستدام في سوق العقارات». ويضيف أليكس، ان جاذبية سوق العقارات في دبي واضحة فالانخراط فيها يعني القدرة على التأقلم مع اقتصاد ناشئ بقوة ومجتمع يتغير بسرعة. وتخلو عقارات دبي من ضرائب مثل ضريبة القيمة المضافة، كما لا توجد ضرائب على أرباح العقارات أو دخل الايجار أو توريث العقار، كما هو الحال في بريطانيا، حيث يدفع الأبناء ضريبة على العقار، الذي يرثونه عن آبائهم، كما أن سوق العقار في دبي لا ينحصر في الشقق والفيلات، بل يشمل الفنادق ومنتزهات الملاهي أيضا. ففي دبي تُوجد 30 ألف غرفة فندق، وأكثر من 35 مجمعاً تجارياً رئيسياً، ويزور المدينة سنوياً أكثر من 5 ملايين زائر. ويقدم مطار دبي خدمات لأكثر من 100 شركة خطوط طيران تعمل على 145 خطاً. وقد تضاعف عدد المسافرين على هذه الخطوط ثلاث مرات ليبلغ 60 مليون مسافر في العام. وتوجد بالمنطقة الحرة، جوار وسط المدينة، مكاتب لنحو 2600 شركة، كما توجد في مدينة الإنترنت المكاتب الإقليمية لـ «سايمنز»، و«أوركيل» و«ديل» وبالطبع «مايكروسوفت» و «اي بي ام». ومع تزايد المنجزات الحضارية والاقتصادية في دبي، فإنه من غير المستغرب ان التواضع لم يعد أحد خصائص هذه المدينة. وتضم منجزات دبي أكبر جزيرة اصطناعية في العالم، وكذلك برج العرب الذي يعد أطول فندق على سطح الأرض. وقد أضفى عليه جهاز العلاقات العامة درجة السبعة نجوم وهي درجة خاصة به لتمييزه عن بقية الفنادق الفاخرة ذات الخمسة نجوم.

أما برج دبي، فسوف يكون أطول برج سكني في العالم، وهو مكوّن من 160 طابقاً، ويمتد ارتفاعه إلى نحو 810 أمتار في السماء. ومن أكثر المناطق إثارة هو مشروع «ووترفرونت» وهو عبارة عن سلسلة من قنوات وجزر اصطناعية مليئة بالفنادق والشقق الفاخرة، التي تتسع لـ 400 ألف شخص. ومن المخطط أن يكون حجمها سبعة أضعاف جزيرة منهاتين في نيويورك، وان تحتوي على مساحة 800 كيلومتر من المنتجعات الساحلية. وهناك أيضاً مشاريع أخرى قيد التنفيذ، مثل «دبي لاند»، الذي يضم 6 حدائق متخصصة، بما في ذلك حدائق رياضية وترفيهية. وبينما تعتبر الطبيعة الاستهلاكية للامارات منفرة لحد كبير بالنسبة للبعض، فإن المثير للقلق بشكل جاد هو العدد الضخم للشقق الذي تتضمنه تلك المشاريع التي سيكتمل بناؤها ما بين 2007 و2011. وتحاول وكالات العقارات ضبط أعصابها على الأقل في الوقت الراهن. ولعل أفضل تلخيص للوضع جاء على لسان أليكس أوبتون من وكالة «كلوتون» إذ قال: «فقط بعد ان تكتمل معظم المباني فإننا سوف نعلم ما إذا كان العرض يفوق الطلب».