وداعا للسمسار.. الوساطة العقارية نشاط ينمو في مصر ويبحث عن «ميثاق شرف»

الشركات الأجنبية تزاحم «البيه البواب»

TT

اختلف المشهد الآن، فبعد أن كانت وسائل الاستدلال عليه، إما يافطته المعلقة على شجرة في أحد شوارع الأحياء الراقية، او أمام واجهة مقهى شعبي، أو سؤال المارة مباشرة عن «سمسار» المنطقة. وبعد أن كان مظهره التقليدي قريب الشبه بمظهر الفنان الراحل أحمد زكي في فيلم «البيه البواب» وهو يرتدي الجلباب والعمامة الصعيدية، أصبح الباحثون عن شقة للإيجار أو للتملك في القاهرة والمدن المصرية الكبرى يتجهون إلى مكاتب فاخرة، مكيفة الهواء، يستخدم العاملون فيها الحواسب لخدمة عملائهم، يرتدون ملابس «أنيقة» على أحدث الموضات، ويمزجون في حديثهم الكلمات العربية بكلمات وعبارات إنكليزية. إنهم الوسطاء العقاريون الجدد الذين يدفعهم النمو المطرد لنشاط قطاع البناء والآمال المتزايدة بأن يكون سوق العقار محركا قويا لقاطرة تجر الاقتصاد المصري خطوات ملموسة للأمام. الاختلاف ليس مظهريا فقط، يتعلق بالملابس والكلمات والديكور، لكنه تغير كبير للغاية في علاقات السوق وتكوينه وحدوده، وهو تغير مرتبط بحزمة من القوانين والتغييرات أدخلتها الحكومة المصرية أخيرا إلى السوق العقاري، كان في مقدمتها قوانين التمويل العقاري، والتسجيل العيني للثروة العقارية في مصر، وتبسيط إجراءات التسجيل والإشهار، وتخفيض رسومها.

كل هذا يدل على أن البيئة التشريعية والاقتصادية المنظمة لسوق العقار المصري تتغير بسرعة ملحوظة. ويعتبر خبراء عقاريون أن دخول عدد من الشركات العالمية الكبرى المتخصصة في التسويق والوساطة إلى السوق المصري مؤشر على واقعية الآمال المعقودة على نمو السوق بمعدلات عالية.

هكذا تتحول بسرعة مهنة السمسرة من نشاط جانبي عابر كان البعض يصفها بأنها «مهنة من لا مهنة له» وكان يحتكرها في الغالب «البواب»، ليس فقط في أحياء الطبقة الوسطى، بل في الأحياء الراقية أيضا مثل حي المهندسين «حي العرب الأول في مصر» إلى مهنة منظمة لها قواعد وأسس وقوانين تحكم سير العمل.

وطال التغيير بالتأكيد الاسم فلم يعد أحد يحبذ لفظ «سمسرة» وأصبح تعبير «الوساطة العقارية» متداولا بكثرة حتى بين «السماسرة» التقليديين، ويتجه الذين يملكون منهم مقدرة مالية وطاقة ورغبة في التطور ومواكبة متغيرات السوق، للتوافق مع قانون التمويل العقاري الصادر في عام 2001 والذين ينص على «أن يكون من ضمن اختصاصات هيئة التمويل العقاري، إعداد وإمساك جداول تقيد بها أسماء الوسطاء العقاريين الذين سيكون نشاطهم قائما على التعاون مع الشركات والبنوك التي تقرض «العميل» الراغب في شراء وحدة سكنية، بتمويل من البنك، مع تسديد الاقساط على فترة زمنية معينة بحد اقصى 20 سنة.

ويحدد وسيط التمويل العقاري محمد جابر، الذي تتعامل شركته مع هيئة التمويل العقاري، متغيرات المهنة وفقا لهذا القانون فيشير إلى عدة أطر وشروط معينة، منها ضرورة أن يكون العقار مسجلا في الشهر العقاري أو قابلا للتسجيل، وضرورة إثبات الدخل الشهري للعميل، وأن يأتي كل من البائع والمشتري باربعة مستندات: «صورة العقد المسجل، آخر إيصال للعوائد للتأكد من انه خالص من الضرائب والعوائد، نموذج 19 عقاري، رخصة المباني».

ويضيف جابر «بعد ذلك يأتي دور الخبير المثمن أو المقيم العقاري، ليقوم بنوعين من الحسبة الهندسية والتجارية، لوضع سعر للعقار، الذي لا بد ألا يزيد القسط الشهري عن 40% من قيمة الدخل الشهري للمشتري.

ويلفت جابر إلى أنه بالرغم من الانتعاش النسبي للسوق، ألا أن الإقبال على مكاتب الوسطاء العقاريين المقيدين في هيئة التمويل العقاري ما زال ضعيفا، فهناك الكثير من الراغبين في الاستفادة من القانون، «يأتي لنا الكثيرون لكن من تنطبق عليهم الشروط لا يتعدون نسبة واحد من كل ألف، ما يعني أن السوق يتحرك ولكن ببطء، وربما كان ذلك لأننا في البداية».

ويفرق الخبراء بين «الوكلاء العقاريين» وهم المسجلون لدى هيئة التمويل العقاري ويمارسون نشاطهم وفق لوائحها، وبين الوسيط العقاري الخاص، التابع لشركة خاصة. فالوكيل يتابع ويدقق في كل أركان عملية البيع، لكن الوسيط العقاري تنحصر مهمته في التوسط بين البائع والمشتري، ويحصل مقابل ذلك على نسبة 2.5 % من قيمة العقد من البائع، و1.5 % من المشتري، هذه النسبة يحددها عليه العرف، وليس القانون، فما زالت مهنة الوساطة العقارية ينقصها الكثير من الضوابط، كما يؤكد نائب رئيس مجلس ادارة شركة «ايدار» للتسويق العقاري ماجد عبد العظيم: «إن هذه المهنة تحتاج الى مزيد من الوضوح في القوانين، لتحديد الالتزامات والواجبات، وأيضا العقوبات لمن يخالف هذا القانون».

وينتقد عبد العظيم الأسلوب القديم ويقول: «إن صورة السمسار التقليدي ومعاملاته التي غالبا ما يشوبها التدليس والتضليل، والمبالغة في تقدير عمولته أحيانا، صورة سلبية راسخة في أذهان الناس، وقد تنعكس على نشاط وصورة «الوسيط» العقاري، حتى وإن اختلف الشكل والمضمون بيننا».

ويشدد عبد العظيم على أن مهمة الوسيط العقاري ليست عرض العقارات المتداولة في السوق العقاري فقط على العملاء، وتسهيل عملية تبادل عقاري بصورة سليمة وواضحة دون تضليل او تدليس لمصلحة أي طرف من الطرفين، بل تقديم جميع المعلومات التي يمتلكها، مع ضرورة التحري عن العقار جيداً.

واضاف عبد العظيم «ان الوسيط العقاري هو المرجعية الرئيسية للعملاء عند رغبتهم في الدخول إلى السوق العقاري، إما للتملك أو التأجير أو الاستثمار. ويلاحظ أن الوساطة العقارية تفتقد لقواعد بيانات منظمة ودقيقة ومتجددة عن حجم السوق ومتغيراته».

وعن أثر دخول عدد من شركات الوساطة العقارية الأجنبية الكبرى للسوق المصري، يقول عبد العظيم «بيننا تنافس، ونحن نحاول تحسين أدائنا طوال الوقت، فوجودهم مهم، لأنه في مصلحة السوق بكل أطرافه» يتفق محمد فرج مدير فرع شركةE.R.A للخدمات العقارية بمنطقة المعادي الراقية، مع عبد العظيم حول ضرورة وجود قوانين تحكم سير المهنة، ووضع «مواثيق شرف» ليس فقط لضبط التعامل مع العملاء ولكن أيضا لتحديد أسلوب التنافس والتعامل بين شركات السمسرة نفسها.

وأشار فرج إلى أن مثل هذه المواثيق ستحمي الأطراف الثلاثة: «البائع، المشتري، والوسيط» وتحفظ لهم حقوقهم المادية والتجارية، وتحد من إمكانيات الغش الذي من الممكن ان يحدث.

وكشف عن ثلاثة أنواع من الغش العقاري الذي يعاني منه السوق ويجب القضاء عليه: «العميل يمكن أن يغش الشركة، والشركة قد تخدع العميل، والموظف قد يغش الطرفين، ولا توجد جهة رقابية أو قانونية تحمي هذا الكيان «الوساطة العقارية» الذي يتسع مع السوق ومتطلباته».

وأشار فرج إلى «أنه بالرغم من حداثة شركات الوساطة العقارية على السوق المصري، عمرها لا يتجاوز خمس سنوات، ألا أن عددا كبيرا من الشركات أصبح لها وجود قوي، وسحبت البساط من تحت أقدام «البوابين» أو السمسار التقليدي، بالرغم من ان السمسار التقليدي ما زال له وجود ليس فقط في أذهان الناس، وفي المهنة نفسها».

ويتوقع فرج أن يختفي السمسار التقليدي في المستقبل القريب، معللا ذلك بمتطلبات السوق العقاري الجديد التي لا يقدر عليها السمسار التقليدي، فهناك طفرة عقارية تشهدها البلاد، نظرا للاستثمارات العربية والأجنبية التي تزداد يوما بعد اخر، وتحتاج معرفة علمية دقيقة بالسوق العقاري، والتوسع في الاستثمارات العقارية يقابلها توسع في شركات الوساطة العقارية، التي أصبحت تستحوذ على ثقة الشركات والأفراد معهم.

وعن ضرورة التدريب والتأهيل للمهنة يقول الخبير العقاري أحمد ممدوح: «هذا شرط أساسي، ولا بد من عقد دورات تدريبية مستمرة نظرا لضرورة توافر معلومات علمية دقيقة عن السوق العقاري الذي يشهد متغيرات سريعة بصورة دائمة. «وينبه ممدوح إلى أن السمسار التقليدي ما زال منافسا قويا لأنه يعرف أدق التفاصيل عن المنطقة والحي الذي يمارس نشاطه فيه، وغالبا ما يكون احد ساكنيه من أعوام كثيرة».

لكن همام عبد الفتاح سمسار العقارات في حي المهندسين، يسأل: «من قال ان دورنا سينتهي؟ إذا كان ذلك صحيحا، فلماذا يلجأ إلينا الأخوة العرب خلال فصل الصيف للبحث عن شقة للإيجار أو للشراء، ولا يذهبون لشركات الوساطة العقارية الأنيقة والفاخرة ؟».