فرنسا قبلة مستثمري العقارات المفضلة في أوروبا

رغم تحقيق إستونيا أسرع زيادة بالأسعار في العالم

TT

إذا تحدثت لمستثمري العقارات هذه الأيام فسوف يكثرون الكلام عن الفرص الاستثمارية الهائلة التي يمكن حصدها في الأسواق الجديدة في أوروبا الشرقية، أو في الأسواق العقارية المماثلة خارج أوروبا مثل المغرب ودبي. إلا أن فرنسا تظل رغماً عن ذلك سوقاً مفضلة للغاية ولأسباب وجيهة جداً. فقد ارتفع متوسط أسعار العقارات الفرنسية بنسبة 10.3% خلال الـ 12 شهراً الأخيرة منذ يونيو (حزيران) الماضي. ومع 60 مليون زائر يتوقع أن يزوروا فرنسا هذا العام فمن المستبعد أن يتقلص سوق العقارات على المدى القريب.

وكانت تقارير في مجلات عقارية متخصصة قد وصفت طفرة سوق العقارت في دولة الإمارات بقولها إن خُمس رافعات البناء العالية (الكرينات) في العالم تتمركز حاليا في بقعة صغيرة جداً على خريطة الكرة الأرضية يبلغ طولها 48 كيلومتراً تمتد على ساحل الخليج العربي بين مدينتي دبي وأبو ظبي. وتعمل هذه الرافعات بنشاط متواصل طوال الـ 24 ساعة. كما تحدثت تقارير أخرى عن نشاط مماثل في بعض مدن المغرب وانتعاش في عقاراتها باعتبارها أحد الأسواق العقارية الناشئة القريبة من أوروبا. لكن لذات السبب، أي كونها أسواقا ناشئة، فإن كثيراً من المستثمرين يفضلون اللجوء الى الأسواق القديمة الأكثر استقراراً مثل فرنسا واسبانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى حيث يعرفون عبر السنين نسبة ارتفاع قيمة العقار، وكذلك استقرار سوق الايجار.

وبينما يتوقع السوق أن يسعى المستثمرون الطموحون إلى العائدات المرتفعة في بلدان مثل بلغاريا، إلا أنهم «لن يطيلوا المكوث هناك» على حد قول ستيوارت لوو من وكالة «آسيتز» البريطانية للاستشارات العقارية. ويضيف لوو قوله: «صحيح أن ارتفاع قيمة العقارات في فرنسا بطيء بالمقارنة مع أسواق ناشئة أخرى إلا أن سوق الإيجارات في فرنسا مستقر للغاية نتيجة لاستقرار وازدهار قطاع السياحة، وهذا في حد ذاته يقوّي سوق العقارات على المدى الطويل لأن مشتري العقارات للاستثمار لا يقبلون على فعل ذلك الا اذا ضمنوا وجود مستأجرين لتلك العقارات». ويجدر بالذكر هنا أنه على الرغم من الارتفاع الذي طرأ على أسعار العقارات في فرنسا فهي تظل أقل من نظيراتها في بريطانيا.

ومن أجل زيادة كمية المساكن في المناطق السياحية ورفع عائداتها قامت الحكومة الفرنسية بابتداع ما يُسمى بـ«نظام المساكن السياحية» وهو في الأساس مشروع لإعادة الحيازة يمكّن المشتري من شراء شقة على أساس الملك الحر بدون دفع الضريبة الإضافية إذا نال المبنى صفة «مسكن سياحي»، ومن ثم تأجيرها مرة أخرى لملاكها السابقين (عادة ما تكون الشركة التي قامت بالبناء)، لمدة متفق عليها مقابل إيجار سنوي مضمون يتراوح بين 3 إلى 7% من قيمة العقار. وفي نهاية مدة الإيجار تعود ملكية العقار إلى المالك الأصلي.

ومن اجل أن تضمن شركة التأجير إيجاراً لمدة 9 سنوات فيجب أن يكون العقار في منطقة جيدة الخدمات يزداد فيها الطلب على الإيجار، ما يوفر عادة نسبة معقولة من ارتفاع قيمة العقار. وتتحمل شركة التأجير المصاريف الجارية وتدفع فواتير الخدمات (كهرباء وخلافه)، بينما يتحمل المالك الضريبة المحلية على العقار. وتبلغ قيمة تلك الضريبة بالنسبة لشقة ذات غرفتي نوم في جنوب فرنسا حوالي 300 يورو (نحو 430 دولاراً) في العام. ويلاحظ أن المباني الجديدة لا تدفع ضريبة عقارات محلية في العامين الأولين. وعلى الرغم من أن المالك على أساس الملك الحر يستطيع أن يبيع عقاره في أي وقت فإن سعر العقار سوف يتأثر بطول المدة المؤجر لها. كما أن الحكومة سوف تجبر البائع على رد نسبة من القيمة الإضافية التي كانت قد أعفته منها.

ويبقى سؤال في ذهن المستثمرين عما إذا كان من الأربح لهم شراء عقار وتأجيره بالطريقة العادية؟ والإجابة هي نعم، إلا أنه ينبغي وضع ثلاثة عناصر في الاعتبار، أولاً: لن يكون عائد الإيجار السنوي مضموناً. ثانيا: إذا استخدمت وكالة تأجير فينبغي عليك أن تدفع لها 25% من الإيجار. ثالثاُ: يجب عليك تحمل أعباء الإعلان والصيانة وتكاليف التبديل وإجراءات الطوارئ. وعادة ما تترتب على شراء مبنى قديم في فرنسا رسوم تبلغ حوالي 10%، بينما تبلغ قيمة الضرائب في حالة شراء العقارات على أساس «عقد الايجار» بين 4 ـ 5 بالمائة فقط. وبالطبع، فهناك مثالب أيضا لعقارات «عقد الايجار»، فكما يقول بيني زولدان من شركة «لاتيتيود» التي تدير موقعاً معروفاً على الإنترنت للعقارات الفرنسية، «إن بعض العقارات لا يسمح فيها بالتأجير من الباطن، وعدد قليل من الناس يبيع العقار أثناء فترة الإيجار. فغالباً ما ينتظرون حتى نهاية مدة العقد وعندها فقد يتفقون على تجديد الإيجار أو بيع العقار». ويوضح زولدان أن شقق عقود الايجار المقامة في بنايات خاصة بهذا النوع من العقود قد تخلق سوقاً منفصلاً وعليه فإن شقق عقود الايجار لن تُقيّم دائماً بنفس النسبة التي تقيّم بها المساكن الأخرى في المنطقة. وعلى أية حال فإن هذا المشروع الفرنسي يعتبر واحداً من العروض النادرة التي تقدم إيجاراً مضموناً طويل المدى للمستثمرين بصرف النظر عما يجري في السوق.

اليونان وإستونيا: من ناحية أخرى فإن أسعار العقارات في الجزر اليونانية تتزايد بشكل ثابت، وأحد أسباب ذلك هو قيام الحكومة في عام 2004 بسن قوانين جديدة للتحكم في بناء المساكن خارج المناطق المسموح فيها بالبناء، ما أدى إلى تقليص العرض بالنسبة للأراضي المتاحة. ووفقاً لباريس جابرييل، مدير المباني اليونانية في عقارات ليبتوس، فإن هناك عدداً متزايداً من الزوار يشترون عقارات في جزرهم المفضلة، وذلك من أجل استخدامها في العطلات أو عند التقاعد أو كاستثمار. وقد ساعد ذلك في تحقيق زيادة نسبتها 20% عما كان متوقعاً في عام 2006. ويضيف جابرييل أنه على الرغم من ذلك فإن الجزر اليونانية لا تزال أرخص بما قد يصل إلى 50% من بعض الأماكن الأخرى مثل إسبانيا والبرتغال وفرنسا. «ولكن عليك أن تفكر بعناية قبل أن تشتري في واحدة من الجزر الصغيرة. إذ من السهل الوصول إلى العديد من تلك الجزر في فصل الصيف، لكن في الشتاء حيث من الممكن أن تكون العديد من المقاهي مغلقة، فإن الرحلات الجوية والبحرية لتلك الجزر تكون شحيحة للغاية إن وجدت أصلاً».

أما في إستونيا فقد كانت هناك مفاجأة في انتظار مستثمر العقارات البريطاني ستيفن باريت أثناء آخر زيارة عمل له، التي وصفها بقوله: «لقد ذهبت بنية شراء شقة في منتصف البلد ثم انتهيت بشراء غابة بقيمة 100 ألف دولار ومساحتها 45 فداناً تحتوي على غزلان ودببة». وتقع غابة باريت في «بارنو» وهي مدينة ساحلية تتميز بمساكنها الخشبية الملونة وتقع على بعد ساعة ونصف الساعة بالسيارة من العاصمة تالين. كما استثمر أيضاً مبلغ 78 ألف دولار في فيلا على شاطئ تاهكانا ببارنو، و110 آلاف دولار في شقة في مدينة تالين. ويقول باريت «فور حصولي على الإذن بالبناء، فسيصبح بإمكاني بيع الأرض بربح مقداره 185 ألف دولار، ومن الممكن أيضا أن أقسم الأرض إلى 80 قطعة على أن أبيع القطعة الواحدة بمبلغ 30 الف دولار، كما يمكنني بناء منتجع سياحي وسكني سيكون جذاباً للاسكندنافيين الذين يقضون عطلاتهم في إستونيا».

وتتمتع استونيا بازدهار اقتصادي إذ وصلت نسبة النمو الاقتصادي في العام الماضي إلى 9.2% وارتفعت أسعار العقارات بنسبة 30% في نفس الفترة. ووفقاً لتاجر العقارات نايت فرانك من وكالة «فرست جلوبال هاوس» فإن استونيا حققت أسرع معدلات الزيادة في أسعار العقارات في العالم. وتتركز أبصار المستثمرين نحو مدينة تالين المقدِمة على ازدهار كبير في مجال تكنولوجيا المعلومات. فبمجرد أن يكتمل بناء البرج المزدوج بشققه التجارية والسكنية في حي الأعمال فإن من المتوقع أن تصل الأسعار إلى 8000 دولار للمتر المربع. ويعتقد العديد أن بارنو سوف تصبح تالين الثانية. ويقول كريس تونكينسون من شركة «كريشتون» للمباني إن بارنو هي «المكان الذي يتعين عليك أن تتوجه نحوه». وتبيع شركة «كريشتون» شققاً في منتجع جولف بجوار مصايف «فالجايرنا» و«أودور» برمالها البيضاء. وتبدأ أسعار الشقق في هذه المنطقة من سعر 50 الف جنيه إسترليني. وعلى الرغم من أن تألين قد شهدت صعوداً مذهلاً لأسعار العقارات منذ أن انضمت استونيا للاتحاد الأوروبي في عام 2005، إلا أن دافيد لايتي من سوق العقارات في استونيا يتوقع صعوداً آخر قبل أن تتبنى استونيا عملة اليورو في عام 2008. ويضيف لايتي أن «استونيا تشهد ازدهاراً كبيراً وسوف تصبح خلال خمس سنوات أغنى بلد في أوروبا».