عمارة مدينة عمان استخدمت الحجارة لإضفاء لمسة جمالية على طابعها المعماري

حفاظا على إرثها اليوناني والروماني والإسلامي

TT

أضفت الحجارة المستخدمة في بناء مدينة عمان فناً تميزت به هذه المدينة وأضفت على طابعها المعماري لمسة جمال يتسابق المهندسون لإضافة شواهد عمرانية فيها تحمل بصماتهم الى المستقبل.

وتتفرد عمان بالاستعمال الواسع لحجر البناء الذي جادت به طبيعتها الجغرافية والطبوغرافية كمدينة احيطت بسبعة جبال كانت الشريان الرئيس لتزويد المدينة بحاجتها النهمة من هذه الحجارة التي امتدت لمحافظات في جنوب الأردن بعدما اعتلت الجبال مساكن اقيمت على عجل كان ايقاع المدينة انذاك. وبحسب مجموعة من المهندسين المعماريين حملوا على انفسهم ان ينتجوا نماذج من فن العمارة في عمان اكدوا تأثر العمارة في الاردن بالموروث الحضاري لمدينة عمان المعماري الاسلامي والروماني واليوناني الا ان معظمهم اكد ان الفن الاسلامي هو غاية وأمنية بالنسبة لهم. ويعيب المهندسون على بعض الابنية والتي يسمونها ابنية «التجميع» والتي يحمل التصميم فيها سمات عمارة الغرب المتزاوجة مع تصميمات المنطقة بدون الاخذ بعين الاعتبار الطابع المعماري الذي يميز المنطقة وتاريخها والاعتبارات الثقافية والحضارية الاخرى. وبعضهم يصمم مبنى تحمل واجهاته اكثر من ثقافة وتراث اسماه المهندسون «اسلوب الابهار» والخالي من المضمون والموروث والفاشل هندسيا وذكروا عددا من تلك النماذج في اماكن متعددة في عمان.

ولم ينكر المهندسون الحاجة احيانا الى ادخال بعض المواد العصرية للبناء مثل الزجاج والصفائح المعدنية ضمن تصميم مدروس يراعي تطوير العمارة العربية مبينين ان هذا التداخل مطلوب ولا غبار عليه.

احد اشهر المهندسين المعماريين الدكتور وضاح العابدي قال: ان العمارة شهدت تطورا متسارعا في الاردن منذ نشأتها في عشرينات القرن الماضي مبينا ان عدد سكان عمان في العام 1900 حسب الاحصائيات كان حوالي الفي مواطن ورغم ان كلية الهندسة أسست في العام 1976 الا انه كان في الاردن خريجون في الهندسة من جامعات في الخارج اضافة الى الرسامين الهندسيين المجازين.

وبين ان استعمال الحجر الاردني في غالبية مباني مدينة عمان والذي امتد الى محافظات الأردن ادى الى اعطاء وحدة عضوية ساحرة. وقال العابدي: ان استاذ العمارة في جامعة عين شمس عندما زار عمان وصفها بأنها احدى اجمل مدينتين عربيتين وقصد تونس وهو ابن مدينة تحتضن روائع التراث العربي الاسلامي ومدينة الالف مسجد وعلى رأسها التحفة المعمارية الفريدة مسجد السلطان حسن الذي نال استحسان كل زائريه، خاصة المتخصصين من المعماريين والذين وصفوه وصفا غزليا.

وقال: ان المعماريين المسلمين انتجوا تحفا رائعة ما زالت شواهد وستبقى على مر التاريخ ومن تلك الشواهد قصر الحمراء في غرناطة والجامع الازرق في استنبول ومساجد القاهرة على تنوعها كالازهر وقايتباي والسلطان حسن والرفاعي، وتجلت ابداعات المعماري المسلم في الزخارف والخطوط والاشكال الهندسية والنسب والتجريد والتعبير والتي ركز عليها وصرف جهده الابداعي لها لتحريم الاسلام التصوير، وأبدع المسلمون العديد من الاشكال التي ما زالت مستخدمة حتى يومنا الحالي.

وعرض المهندس العابدي عددا من نماذج العمارة التي نفذها في عدد من احياء عمان الراقية وعلى مدى السنوات السابقة. ومن تلك النماذج تصميم منزل يحاكي الشجرة واتبع فيه الدكتور العابدي مذهب العضوية، وفكرته العامة ان التصميم مثل الشجرة في الساق والاغصان والحمل والورق ويتألف المبنى من ثلاثة طوابق: الارضي خدمات والاول لاستقبال الضيوف والمطابخ ومنامة الضيوف والثاني منامات العائلة وفي الوسط ساحة مظللة تشكل امتدادا لغرفة الجلوس الداخلية.

وقال العابدي: ان اساليب العمارة في الاردن عديدة ولا يمكن حصرها وتتعدد بتعدد الثقافات المعمارية التي حملها خريجو الهندسة الاردنيون من الشرق والغرب وعادوا بعد تخرجهم ليزرعوا ثمارها في جنبات الوطن وما حملوه من مذاهب معمارية متعددة. وبين العابدي انه كان لتنتشر نتيجة لذلك التشكيل المتعدد فوضى معمارية هائلة لولا الاستعمال الموحد للحجر الاردني في جميع هذه المباني.

ومن البيوت التي تحمل فنا معماريا: «فيلا الناجي» وفيلا «ابو عيد» و«تادرس» و«عوده» والذي بين انها تعبر عن فكرة الصخر الصحراوي والحوائط المائلة والشكل الهرمي الذي يعطي ايحاءً بالحماية من المناخ الصحراوي.

ويبين الدكتور وضاح العايدي والذي هو اضافة الى كونه معمارياً مبدعاً وناجحاً مشهوداً له في الاوساط الهندسية فهو اكاديمي عشق التصميم منذ نعومة اظافره، ان هذه البيوت التي صممها حاول ان يعبر من خلالها عن العقلية العربية والتي تفكر بطريقة «الانحناء». وعند سؤاله عن تلك الطريقة، قال انها استخدام العاطفة المتدفقة والعلاقات العائلية الحميمة ضمن اسلوب التفكير.

واستطاع الدكتور العابدي اعادة تشكيل الحجارة، فقد استخدم حجر «الطبزة» القاسي الصلب في تشكيل الحوائط المنحنية ووصف المهندس العابدي الحجر الصلب «باللدائن التي تستطيع ان تفعل بها ما تشاء وتطيع تلك الحجارة طارقها اذا ما احسن عليها الطرق». وفي نهاية حديثه ابدى الدكتور العابدي وهو ينقل فكر اكثر من معماري حريص على الطابع المعماري في الاردن وعمان تحديدا تخوفه من المد العمراني الجارف وغير المنظم الذي طال عمان في اتجاهين، اولهما عمارات الاسكانات المتماثلة ويحكمها المنطق التجاري اكثر من الابداع وغائبة عن منطق المكان وبيئته تصميما وتنفيذا، والثاني الابراج الطابقية الموعودة في عمان والتي وصل بعضها الى 50 طابقا مستعرضا الآثار السلبية لهذه الابراج.