أبحث في تاريخ العقار قبل الشراء: العقارات «المسكونة» نقمة على مشتريها

الأشباح لا تعفي المقترضين من التزاماتهم المالية

TT

قد يكون من الصعب الحديث في القرن الحادي والعشرين عن الاشباح او الارواح التي تسكن بعض العقارات، ولكنها ظاهرة واقعية يعرفها جيدا من تعرض لها او عاش بعض جوانبها. وفي العادة لا يطرح موضوع الاشباح عند الحديث عن العقارات لان مجرد الشبهة في وجود اشباح من شأنها ان تقضي على قيمة العقار. ومن هنا كان من المفيد اعتبار موضوع «العقارات المسكونة» من ضرورات البحث المتعلقة بسعر العقار قبل الشراء لانها من الجوانب المؤثرة في القيمة سواء كان المستثمر يعتقد في وجود الاشباح في العقار او لا يعتقد. فالامر يتعلق اولا واخيرا بسمعة العقار ورغبة المشتري. ولا يفيد نفي الشبهات بعد الشراء، لان المستثمر ببساطة لن يجد من يشتري العقار.

وفيما تأخذ الكثير من الثقافات والحضارات موضوع الاشباح او الارواح كأحد المسلمات الراسخة في التراث، فإن الامر يختلف في اوروبا التي يخضع فيها موضوع العقار الى البحث العلمي والتقييم المالي ايضا. ولكن حتى في اوروبا توجد حالات لعقارات «مسكونة» يعجز العلم عن تقديم تفسير لها، على رغم ادخال هذا الجانب الى برامج الدراسة الجامعية في مجال البارا سيكولوجي، او علم النفس الغيبي. وخضعت العديد من الحالات للبحث العلمي ولكنها لم تصل الى نتائج محددة يمكن معها تأكيد او نفي الظاهرة قطعيا. وفي مثل هذه الحالات يكون من الصعب تحديد قيمة للعقار او حتى التصرف فيه بالبيع.

ويقول استاذ علم النفس الغيبي في جامعة مين الاميركية كيري مارك ان ظاهرة وجود الاشباح مؤكدة في بعض المجتمعات الشرقية ولكن العجيب ان الغرب ما زال ينظر الى الموضوع على انه خرافي أو غير واقعي. ولكنه لاحظ ان القناعات الغربية اخذت تتغير في السنوات الاخيرة ازاء موضوع الاشباح بحيث تحول من موضوع اثارة يظهر فقط في افلام الرعب من الدرجة الثانية الى مجال الابحاث الجامعية الجادة. ومع تعمق الدراسات في هذا المجال تقدم كثيرون بقصص عاشوها كان من الصعب تصديقها قبل اجراء الدراسات واستجواب اصحاب هذه التجارب.

وتوجد في لندن جمعية للابحاث الروحانية اسمهاSPR تأسست في القرن التاسع عشر وقامت بعشرات الابحاث في هذا المجال. ولا يتردد رئيس الجمعية، موريس غروس، وهو فوق الثمانين من العمر، في تأكيد وجود الاشباح ويقول انه شاهد بنفسه حالات لاشباح تحرك لعب الاطفال على الارض وتدفع الاطفال بعيدا عنها وتلقي بالملابس عبر الغرف. وهو يفسر ذلك بحدود استيعاب الانسان للبيئة التي يعيش فيها حيث تقتصر حواسه على خمس حواس فقط بينما قد تكون هناك عشرات الظواهر الاخرى التي لا يمكن للانسان ان يتعرف عليها او يشعر بها.

ولكن هناك العديد من الاكاديميين الذين يختلفون في الرأي عن غروس وينفون وجود الاشباح ويعتقدون ان الظاهرة يجب ان تبقى بلا تفسير علمي لعدم وجود الادلة المقنعة التي تؤكد ان وراء هذه الظواهر اشباح أو ارواح بقت في مكان الاقامة السابق بعد وفاة اصحابها. ولا يستبعد الدكتور كريس فرنش من جامعة لندن ان تكون بعض هذه القصص من خيال اصحابها او خدع مدروسة لتحقيق غايات معينة (مثل شراء العقار رخيصا؟)، او حتى تفسير خاطئ لظواهر طبيعية اخرى غير معروفة.

ومهما كان الامر فإن تخليص العقار من شبهة الاشباح يعتبر قراراً مالياً صحيحاً. ويقول مستشار اقتصادي متخصص في تقييم العقارات «المسكونة» انه في حالات العقارات التجارية مثل الفنادق، لا تؤثر الاشباح كثيرا في القيمة بل قد تكون عاملا جاذبا للزبائن المنبهرين بالظاهرة، ولكنها في حالات العقارات السكنية تضر ضررا كبيرا بقيمة العقار خصوصا في حالات وجود قصص درامية وراء ظهور الاشباح. وهو يشير الى حالة العقار الشهير في سانتا في كاليفورنيا الذي انتحر فيه 39 شخصا من مذهب متطرف في عام 1997. فعلى الرغم من تعدد استفسارات الشراء عن العقار الا ان كل محاولات البيع باءت بالفشل لمجرد دخول المشترين الى العقار ومرورهم بين الغرف التي جرى فيها الانتحار الجماعي. وحتى هؤلاء الذين جاءوا من خارج الولايات المتحدة ولم يكن لديهم معرفة بخلفية العقار تراجعوا عن قرار الشراء بعد المشاهدة الاولى. وفشلت محاولات مالك العقار في بيعه بأي ثمن، وانتهى به الامر الى تسليمه الى البنك لوفاء القرض العقاري المتراكم عليه، مع الاستغناء عن حصته في قيمة العقار. وفي النهاية تمكن البنك من بيع العقار لمقاول، كان اول عمل قام به بعد الشراء هو هدم العقار بالكامل واعادة بناء عقار بتصميم جديد واستخدام تجاري.

وعلى نمط ما اظهرته بعض الافلام السينمائية هناك بالفعل شركات متخصصة في تخليص العقارات من الاشباح تستخدم اجهزة تلتقط الموجهات الكهرومغناطيسية التي تصدر عن اي وجود غريب في الفراغ. وتلجأ هذه الشركات الى عدة اساليب لتخليص العقارات من الاشباح، ويؤكد من استخدمها انها ناجحة تماما في مهام تنظيف العقارات من الاشباح.

وتشير بعض الدراسات الى ان العديد من اصحاب العقارات يتعايشون مع الاشباح الساكنة معهم في العقار بنوع من التعود والتفاهم الذي ينمو مع السنين. ويقول صاحب مزرعة في مقاطعة ويلز انه تعود على اطياف تمر عبر الحوائط وكلمات بلغة ويلز القديمة تكتب على الجدران ووقع اقدام في الليل واصوات لا تفسير لها. وكانت هذه الظاهر في البداية تفزع اصحاب العقار الذين يهرعون فورا الى موقع الضوضاء ويحاولون تفسير ما يجري. اما الان، وبعد سنوات طويلة من السكن في المزرعة، فإن صاحب العقار يقول انه لا يقطع مشاهدة التلفزيون من اجل استطلاع ضوضاء في غرفة اخرى. فهو يستطلع الامر فيما بعد. ولكنه مع ذلك يضيف انه يصاب بالذعر من قصص الاشباح ولا يستطيع تحمل التعامل مع اشباح غريبة في منازل اخرى، ولأنه تعود على الاشباح التي يتعايش معها منذ سنين.

من ناحية اخرى، لا يعتقد خبراء التمويل في قصص الاشباح ويشيرون الى حالات حاول فيها بعض المديونين الهروب من قروضهم العقارية بادعاء وجود اشباح في العقارات واعادتها الى البنوك. ويحذر هؤلاء ان الاشباح لا تعفي المقترضين من التزامتهم المالية. من التفسيرات الاخرى التي ينفي فيها الخبراء قصص الاشباح ان الذين يسردون قصص هذه الاشباح لا يعرفون ان مصدر الاصوات او المشاهد قد تكون ظواهر طبيعية نابعة من طبيعة العقارات القديمة غير المعزولة صوتيا وان الامر لا يعدو سوء تفسير مصدر الصوت، مثل وقع الاقدام او خربشة الاظافر قد تكون اصوات صادرة من جيران او فئران. كما ان اصوات الرياح عبر النوافذ غير المغلقة جيدا قد تصدر صفيرا او اصواتا غير معهودة يساء فهمها.

وفي كل الاحوال فإن مجرد شبهة وجود اشباح في العقار من شأنها تدمير قيمته. وهي مشكلة تكاد تنحصر في العقارات التاريخية والقديمة او تلك التي شهدت جرائم او احداث عنف. وفي مثل هذه الحالات يتعين على المشتري ان يدرس بدقة تاريخ العقارات التي يتقدم لشرائها خصوصا اذا كانت تعرض في السوق بأسعار دون معدل الاسعار السائد في السوق. ولا بد من استقاء هذه المعلومات من اطراف محايدة غير مرتبطة ببيع العقار، ويمكن الاعتماد على المعلومات المتاحة في المنطقة من الساكنين فيها لفترات طويلة. وتأكد قبل الشراء ان العقارات خالية من الاشباح والا اصبحت الاشباح مشكلتك.

* 37 % يعتقدون في وجود الأشباح

* قالت احدث دراسة حول ظاهرة العقارات «المسكونة» ان نسبة 37 في المائة على الاقل يعتقدون في وجود اشباح في بعض العقارات وينسبون الظاهرة الى العالم الاخر. وهم يؤكدون شعورهم بوجود احساس غريب في هذه العقارات مصحوب بانخفاض في درجات الحرارة وسماع اصوات غريبة. وهم يؤكدون ان هذه المشاهدات ليست من الخيال وان معظم هذه الحالات تقع في العقارات العتيقة.

من هذه الحالات عقار اسمه كلاندن هاوس في مقاطعة ساري تم بناؤه في عام 1730 ولم يتغير في تصميمه وحدائقه منذ ذلك التاريخ. وهو يعتبر من الآثار التاريخية التي يزورها السياح ويؤكد العاملون في العقار التاريخي ان قصة الشبح الذي يسكن العقار معروفة جيدا لانها تحكى احيانا داخل العقار على لسان الشبح نفسه. وهم يؤكدون انه من نوع الاشباح غير المضرة.

وتسرد القصة على لسان زوجة مالك العقار الاصلي التي «تقول» للزوار ان الاقامة في العقار كانت امنيتها وامنية اللورد اونسلو ايضا، وانهما بذلا فيه الكثير من الجهد لاعداده لسكنهما معا في عام 1730. ولكنها توفيت فجأة قبل اكتمال البناء على رغم رغبتها الشديدة في الاقامة فيه مع زوجها. وهي تؤكد ان الموت لم يمنعها من زيارة منزلها المحبوب والاقامة فيه لبعض الوقت كل عام.

وهناك العديد من العقارات المشابهة التي يعود تاريخها الى العصور الوسطى التي تأتي ومعها شبح يسكنها قد يكون احد العمال الذين قتلوا اثناء البناء او احد سكان العقار السابقين الذين قتلوا في ظروف دموية او حتى من المقيمين في عقارات مجاورة وفضلوا الاقامة في عقارات غير تلك التي سكنوها في حياتهم، لمجرد انها بقيت شاغرة بعض الوقت.

ويحتفظ متابعو هذه الظواهر برزنامة سنوية لتوقيت ظهور بعض الاشباح في مواقع معينة تتكرر سنويا. وفي الاسبوع الماضي كان موعد ظهور شبح في عقار اسمه «نتلي آبي» في مقاطعة هارتفوردشير البريطانية وكان لاحد الخدم الذين يعملون في العقار وهو يظهر سنويا في يوم محدد هو 31 اكتوبر (تشرين الاول) من كل عام. ويتجول هذا الشبح بين الغرف ليلا عبر الحوائط ويترك وراءه مسحة من الضوء وانخفاضا ملحوظا في درجة الحرارة، ورائحة غير معهودة. ثم يختفي عن الانظار حتى العام التالي.