هجمة من أصحاب المدخرات على أعمال الوساطة والمتاجرة بالشقق

ظاهرة عادت من جديد وتشعل الأسعار في السوق المصري

TT

ظاهرة ليست بالجديدة عادت لتطل برأسها مرة أخرى في السوق العقاري المصري وتساهم في تشكيله وهي إقبال مواطنين افراد على شراء الوحدات السكنية (الشقق) خصوصا المطروحة من خلال الحكومة او البنوك او الجمعيات التعاونية الاسكانية او النقابات المهنية، وإعادة بيعها مرة أخرى بعد فترة زمنية قصيرة بأسعار مرتفعة استفادة من النمو السريع في الاسعار حاليا.

ويكمن الاختلاف بين الظاهرة التي تفشت في الثمانينات في القرن الماضي وحتى 1997 (العام الذي شهد بداية ركود عقاري طويل) وبين الآن، في أن الاولى ظهرت نتيجة قلة المعروض من الشقق السكنية في مواجهة تعاظم الطلب الناتج من الزيادة السكانية الكبيرة وجمود القوانين والتمحور حول القاهرة الكبرى. وهي العوامل التي أدت الى انتهاز المواطنين لأي فرصة لحجز شقق سكنية واستلامها بعد سنوات ليسكنها أبناؤهم فيما بعد وخلق هذا النوع من الطلب تجارة عقارات كان يقوم بها موظفون في الحكومة وفي القطاع الخاص وبعض الهواة بهدف تحسين دخولهم.

أما الان وفي ظل تغير القوانين وتوسع المجتمعات العمرانية الجديدة وكثرة «الكومباوندز» وتصاعد الطلب العربي على العقارات بل ودخول أجانب كثيرين لشراء منزل في مصر عادت الظاهرة ولكن في شكل مختلف وبفاعلين مختلفين منهم شباب من الطبقات الثرية وسيدات مجتمع ومستثمرون افراد وخريجو جامعات أجنبية ومهنيون (منهم صحفيون) للمتاجرة بالشقق حيث تصل نسبة الربح أحيانا الى100% متفوقة على الاستثمار في أي مجال آخر، ولذلك يجدها أصحاب المدخرات فرصة رائعة للاستثمار خاصة السيدات اللاتي تقاعدن عن العمل ويرغبن في استثمار أموالهن بصورة آمنة.

وتجسد ذلك النموذج سامية حمدي التي أمضت حوالي عشرين عاما تعمل وزوجها في السعودية ثم عادت للاستقرار في مصر وهي ترفض ايداع أموالها في البنوك موضحة بأن عوائد البنوك لا تمثل شيئا بجانب الاستثمار في الوحدات السكنية وتضرب مثلا بسيطا في أسعار الشقق في مدينة السادس من اكتوبر، والتي تسكن فيها وتتخذها مقرا لاستثماراتها، بقولها: «عندما سكنت المدينة في بداية افتتاحها كان ثمن متر الأرض 20 جنيها، الا أنه ارتفع حاليا الى ألف جنيه، وفي حين كان ثمن الوحدة السكنية 22 ألف جنيه بلغ الان 70 ألف جنيه واذا لم اجد المشتري المتوافق مع الثمن الذي أطلبه أقوم بتأجير الشقة إيجارا جديدا لفترة زمنية وأشترط تأجيرها اما لعائلة أتوسم فيها الاحترام وعدم تسببها للمشاكل أو لطلاب الجامعات الخاصة ثم اعرضها للبيع مرة أخرى».

وترفض سامية أن تتجاوز باستثماراتها مدينة أكتوبر لأنها من وجهة نظرها مدينة نظيفة وجديدة ونظرا لسكن بعض المسؤولين فيها فسوف يتم المحافظة على نظافتها على حد قولها. كما ان الاستثمار فيها مضمون وهناك حراك دائم في أسعار الشقق فيها.

وتشرح سامية أسلوب عملها وكيفية انتقائها للفرص الاستثمارية بقولها «بالنسبة للشقق التى تعرضها البنوك أو التعاونيات يتم الاعلان عنها في الصحف وشرح الشروط اللازمة للتعاقد وكثيرا ما أفضل شراء شقق التعاونيات حيث يكمن الربح نظرا لانخفاض قيمة الأقساط، وبمجرد تعاقدي عليها واستلامها أقوم ببيعها أما لو حصلت عليها من أفراد فأحقق ربحا قليلا نظرا لمغالاتهم، فإذا تعاقد شخص على شقة ودفع فيها 18 الف جنيه وما زال عليها أقساط فهو يطلب على الاقل 10 آلاف جنيه زيادة على المبلغ الذي دفعه، لذلك لا بد من اليقظة المستمرة لاقتناص أي عرض لهذه التعاونيات.

وتكشف سامية عن بيزنس يتم تحت الطاولة في هذا الإطار بقولها: «وهناك شقق لا يعرف أحد عنها شيئا وهي التي يتم سحبها من أصحابها المتعاقدين عليها، نظرا لعدم انتظامهم في سداد الأقساط ولا يتم الاعلان عنها ولكني أعرف بواسطة السعاة وهم الوسيط غالبا بيني وبين الموظفين، وبالتالي أتقدم لشرائها وتتميز بربحها المرتفع حيث تقوم الشركة ببيعها بسعرها الأصلي، بالإضافة الى الأقساط المتأخرة فقط».

وترفض سامية تشطيب الشقق وبيعها بعد التشطيب لأنها لا تحقق الربح المطلوب بالاضافة لعدم خبرتها في التعامل مع فئة عمال التشطيب وترفع شعار من يريد ان يستثمر فلا يجب أن «يشطب» حتى يضمن أكبر ربح ممكن، وهي تبتعد قدر الامكان عن شراء الأراضي نظرا لاشتراط البنوك، وكذلك الدولة بناء الأراضي خلال فترة زمنية محددة، أما العيب الوحيد في هذا الاستثمار كما توضح فهو عدم سهولة تسييل الأموال في حالة الاحتياج الملح لها ما دفعها أثناء مرورها بضائقة مالية إلى بيع إحدى الوحدات السكنية ومساحتها 150 مترا بأقل من ثمنها الذي اشترتها به وهو 104 آلاف جنيه، وهي الحالة التي تجنبت بسببها الاقتراب من المكان الذي توجد فيه الشقة نظرا لارتفاع ثمنها حاليا الى 200 ألف جنيه مما يسبب لها الألم كلما تذكرتها.

ورغم عدم ابتعاد منطقة الجيزة عن مدينة أكتوبر إلا أن الوضع يختلف بعض الشيء نظرا لعدم تمتعها بنفس مميزات المدن الجديدة كما توضح المحامية ايمان منصور بقولها «لم أكن أمارس هذا النوع من الاستثمار ولكني تنبهت له عندما اضطررت الى الانتقال مع أسرتي بين أكثر من شقة خلال فترة زمنية قصيرة لذلك بدأت في ممارسته ولكنه لا يحقق دائما الأرباح التي سمعت عنها، فقد اشتريت أنا وزوجي ثلاث شقق بمنطقة الجيزة ولم تزد الأسعار بصورة كبيرة كما كنت متوقعة نظرا لغياب السيولة الممكنة للشراء حيث لا يقل ثمن الشقة عن 150 ألف جنيه، ولا بد من انتظار موسم الصيف حتى نستطيع بيعها في موسم عودة المصريين العاملين في الخارج، ومن هنا تعلمنا أهمية توقيت الشراء. وتفضل ايمان منصور الاستثمار في الأراضي حيث اشترت قطع أراضٍ في مدينة الشيخ زايد ومنطقة حدائق الأهرام تضاعفت أسعارها بصورة كبيرة خلال ست سنوات فقط.

وقد تجيء هذه الهواية عن طريق الصدفة مثلما حدث مع احدى السيدات حيث اشترت فيلا بمنطقة الجولف بمدينة الشيخ زايد وعندما شطبتها وقامت بتأثيثها لم تشعر بالارتياح، لذلك عرضتها للبيع وحققت فيها ربحا كبيراً فاشترت فيلا اخرى ونفذت نفس السيناريو خاصة وانها تتمتع بذوق راقٍ في الديكور.

الأمر يختلف بالنسبة للرجال المحترفين في هذه المهنة حيث يوضح احمد نشأت رئيس شركة استثمار عقاري بمنطقة مصر الجديدة بأن الاستثمار العقاري مضمون الربح، ويضرب مثلا لذلك بإحدى الشقق التي يملكها بمنطقة مصر الجديدة والتي عرضها للبيع منذ أربع سنوات بمبلغ 350 ألف جنيه ولم تحقق الرقم المطلوب فلم يبعها وقام بتأجيرها بنظام الايجار الجديد المحدد المدة والمتزايد القيمة الايجارية كل عام، أما الآن فقد بلغ ثمنها 750 ألف جنيه ولا يحبذ بيعها انتظارا لصعود آخر وهو يقول: هي ليست أموالاً راكدة.. بالعكس فهي تحقق أرباحاً أكثر من أرباح أي فوائد بنكية حيث لا تتعدى فائدة البنك 9% أما الشقق فتحقق أرباحا تصل الى 100%. الخطر يحدث فقط عندما تظهر علامات لركود عقاري طويل وهذه يدركها المحترفون بسهولة غالبا.

لكن عمرو عبد التواب رئيس شركة وساطة عقارية بمنطقة التجمع الخامس يقول «لقد أضر الهواة بالاستثمار العقاري بصورة كبيرة فهم يقومون برفع أسعار السوق عشوائيا وتتعدد الأمثلة ففي مدينة الرحاب كان متوسط ثمن الشقة ذات مساحة التسعين مترا 120 الف جنيه وبعد تدخل هؤلاء المدمرين وليس المستثمرين ارتفعت الأسعار بصورة كبيرة ولا يحتفظ السعر باستقراره لاكثر من أسبوعين ويزيد احيانا بمبلغ 10 آلاف جنيه اسبوعيا مما يؤثر على حركة السوق ويشوه العوامل المنطقية المؤثرة، وتساعد هؤلاء المدمرين على حد قوله في ذلك، المواصفات المتميزة في المدينة واستمرار الدعاية لها.

ويضرب عمرو عبد التواب مثلا آخر بقوله «كانت أسعار شقق مدينة الرحاب التي تبلغ مساحتها 155 مترا بين 160 الى 180 الف جنيه خلال الاعوام من 1998 الى 2000 اما اليوم فهذه الشقق تحقق اسعارا تتراوح بين 320 الفاً الى 370 الف جنيه بسبب المضاربة التي يمارسها هؤلاء وغيرهم فضلا عن العوامل الطبيعية. ويحدد عمرو مواسم دخول الهواة السوق بشهري يوليو وأغسطس من كل عام حيث تجتذب مصر السياحة العربية والسعوديين بصفة خاصة، وكذلك الفترة الزمنية بين العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى حيث يشهد السوق بعض الرواج بعد حالة الكساد التي يسببها شهر رمضان.

ويوافق منير سالم صاحب شركة وساطة عقارية بمدينة السادس من اكتوبر على الرأي السابق من حيث التأثير السلبي لهذه الظاهرة على السوق العقاري بقوله «انهم يحرمون الشباب من امتلاك شقق في متناول مدخراتهم ولعملهم انعكاس سلبي على حركة مكاتب الوساطة العقارية، حيث يتم تضييق العرض بشكل متعمد وحبس الوحدات انتظارا للارتفاع وهنا يضيع جهد الدولة في توفير مساكن رخيصة.

اما فتحي رجب صاحب شركة وساطة عقارية بمنطقة حدائق القبة فيرى انها ظاهرة تجلب المزيد من العمل فهي تقوم بتنشيط السوق بصورة كبيرة وتعمل على زيادة الطلب على العقارات وتصل لزبائن لم نكن نصل اليهم، ويفرق رجب بين من يشتري الشقق لإغلاقها لابنائه وهو ما يصفه بان له تأثيراً سلبياً على السوق، اما من يشتريها ليعاود بيعها مرة أخرى فهي تعود للسوق ولكن بثمن مختلف ولا يجب تحميل المستثمرين تبعة ارتفاع الأسعار. ويوضح رجب «لكنها ترجع الى ارتفاع اسعار مواد البناء والتي تزيد بصورة مستمرة مما يؤثر على تكلفة الانشاء ويتحملها المشتري في النهاية». ويقر رجب بأن هناك شريحة كبيرة من المواطنين لا تجد الشقق التي تسعى اليها نظرا لاحتكار شريحة أخرى في المجتمع لا تتعدى نسبتها 25% للشراء وذلك لامتلاكها السيولة الجاهزة للشراء في الحال.