البحث يشتد عن مواقع عقار غير عادية في عام 2007

على رأسها ماليزيا والمغرب وسانت لوشيا

TT

يبدو ان الاستثمار العقاري في عام 2007 ينشط في البحث عن وجهات جديدة. فالبنوك البريطانية تمول قروضا عقارية حاليا بحوالي مليار استرليني يوميا. ويذهب معظم هذا التمويل الى عقارات محلية بينما تتوجه البقية الى تمويل شراء عقارات حول العالم. وفي عام 2007 لم يعد المستثمر العقاري يكتفي بمواقع الاستثمار المعهودة، ومعظمها داخل اوروبا، بل يتطلع الان نحو مواقع غير عادية يأمل ان يكون سّباقا في اكتشافها وان يحقق معها عوائد اعلى مع نسبة نمو اعلى في قيمتها عبر السنين.

وبالاضافة الى المزايا التقليدية للعقار التي كان المستثمر يبحث عنها في الماضي، فإن الشراء في المواقع الجديدة يأخذ ايضا في الاعتبار عوامل اخرى عند الشراء، منها نوعية الحياة المحلية وامكانية التقاعد في مواقع شراء العقار. فالمستثمر ينظر الى الخدمات الصحية المتاحة ومعدلات التضخم والتسهيلات المعيشية وقوانين التمويل والاستثمار للاجانب. وهو ايضا يدرس امكانيات المواقع السياحية ليعرف مدى ملاءمة العقار للتأجير لاطول موسم ممكن. ويتطلع المستثمر ايضا الى المناخ السائد الذي مازال يفضله حارا وليس باردا، خصوصا في فصل الشتاء في نصف الكرة الارضية الشمالي. واخيرا يدرس المستثمر ايضا سهولة الوصول الى مواقع الاستثمار العقاري سواء بالطيران الرخيص او المنتظم.

ويبحث المستثمر ايضا عن الجديد وغير العادي وربما لمسات من الماضي ايضا، ولكنه في النهاية يبحث عن القيمة، لان المواقع الواعدة التي يمكن ان تضاعف الاستثمار في اقل من عشر سنوات هي المواقع التي تجذب المستثمر. فكل الحوافز الاخرى لا تبدو مؤثرة اذا كانت توجهات اسعار العقار سلبية.

من الاختيارات غير العادية المتاحة للمستثمر في العام الجديد يمكن القول ان ماليزيا والمغرب وجزر البحر الكاريبي تمثل ثلاثة نماذج ـ او مدارس ـ عقارية متباينة يحاول معها المستثمرون كسر القاعدة التقليدية وتدعيم قيمة اختياراتهم في العام الجديد. ولكل من هذه الاختيارات مزايا ومخاطر، ولكن المستثمر يحدد اختياره في النهاية على اساس ما يتوقعه من عوائد مادية ومعنوية.

* ماليزيا من الاختيارات غير العادية في سوق العقار على رغم قربها الجغرافي من تايلاند التي تعتبر من النقاط الساخنة سياحيا وعقاريا. وبالاضافة الى العاصمة الحديثة كوالالمبور التي تضم اعلى ناطحة سحاب في اسيا حتى الان، هناك العديد من المناطق الواعدة في ماليزيا التي بدأت تعي قيمة الاستثمار العقاري الاجنبي.

المناخ الاستوائي في ماليزيا جذاب والطبيعة خلابة وقيمة العقار جيدة خصوصا فيما يخص المساحات المتاحة لكل عقار. وهي ايضا دولة حديثة بها خدمات صحية جيدة ومستوى المعيشة فيها مرتفع بالاضافة الى انخفاض التكاليف. فمازال لتر البنزين فيها مثلا لا يزيد سعره عن 30 سنتا.

ولكن المخاطر متعددة ويذكرها هؤلاء الذين اشتروا عقارات في ماليزيا في عصر طفرة النمور الاسيوية في بداية التسعينيات. فبينما حافظت العقارات على اسعارها، انهارت قيمة العملات المحلية وخسر المستثمرون الكم الاكبر من قيمة استثماراتهم. وحتى الان لم تستعد معظم العقارات الماليزية القيّم الاسمية التي كانت عليها قبل عشر سنوات. ولكن المستثمرين الجدد يأملون ان تكون الحكومة الماليزية قد استوعبت الدرس حتى لا يتكرر مثل هذا الانهيار في المستقبل.

ويرى المراقب الاقتصادي لماليزيا ان اقتصادها مرتبط ارتباطا قويا بالاقتصاد الصيني الذي يعد من اسرع اقتصادات العالم نموا في الوقت الحاضر. كما انها كانت الاقل تضررا من انهيار العملات الاسيوية في الماضي وتقدم الان فرصة جيدة للاستثمار الاجنبي.

ويرى المستثمر الاجنبي فرصتين للاستثمار العقاري الماليزي: الشراء بغرض التأجير في العاصمة او الشراء في المنتجعات في المناطق السياحية. في كوالالمبور يمكن شراء وحدات سكنية تتدرج في السعر بين 60 و200 الف دولار وهي تؤجر بالنيابة عن المستثمر للمستأجرين المحليين. وتستضيف العاصمة الماليزية العديد من المراكز الرئيسية لشركات اقليمية ودولية. كما انها تنمو بسرعة وتقدم عوائد ايجارية جيدة.

اما في المنتجعات السياحية فإن الفلل والشاليهات تقدم افضل القيمة من حيث التجهيز والمساحة والمواصفات. وتضمن الشركات التي تدير هذه العقارات عوائد سنوية لا تقل عن سبعة في المائة. ولكن الاسعار فيها لا تقل في العادة عن 150 الف دولار.

وهناك عقارات ارخص من ذلك في المنتجعات التقليدية القديمة، ولكن الخبراء يحذرون من ان المناخ الاستوائي القاسي يستهلك العقارات بسرعة ولذلك من الضروري معاينة العقارات القديمة واجراء مسح هيكلي عليها قبل الشراء للتأكد من سلامتها.

الملكية العقارية الاجنبية مسموح بها في ماليزيا، ولا توجد تعقيدات في الاجراءات التي تستغرق اسابيع قليلة كما ان التكلفة لا تزيد في العادة عن اربعة في المائة من قيمة العقار. ويتعين على كل المستثمرين الاجانب الحصول على موافقة لجنة الاستثمار الاجنبي، وهي وان كانت موافقة روتينية الا انها تستغرق في العادة عدة اشهر بسبب بطء الاجراءات الحكومية. ولا يترتب على شراء العقار الحصول على الاقامة بصفة تلقائية، ولكن تأشيرات الاقامة تمتد الى خمس سنوات في العادة ويمكن تجديدها.

وتوفر البنوك الماليزية ايضا تمويل العقار للاجانب بحد اقصى يصل الى 85 في المائة من قيمة العقار. ويعم الاستقرار النسبي حاليا على اسعار العقار في ماليزيا. وتشير احدث الاحصاءات المتاحة عن عام 2004 ان قيمة العقار في العاصمة زادت بنسبة 13 في المائة بينما لم تحقق المناطق الاخرى الا نسبة 5.7 في المائة. اما تقديرات العام الماضي فتشير الى حوالي 10 في المائة زيادة في اسعار عقارات كوالالمبور وحوالي ستة في المائة خارجها.

واخيرا فان الضرائب على القيمة المضافة في ماليزيا تفرض وفقا لطول مدة الملكية، وهي تصل الى 30 في المائة من زيادة قيمة العقار اذا تم البيع بعد عامين من الشراء وتلغي تماما اذا استمرت الملكية الى خمس سنوات. اما الضرائب على الايجار فتصل الى حوالي 12 في المائة.

* المغرب على سفوح جبال الاطلس بالقرب من مراكش يجري العمل الان على توسيع منطقة سياحية هائلة تقدم المنتجع الوحيد في افريقيا الذي يجمع بين رياضتي الغولف والتزلج على الجليد في آن واحد. ويشمل المشروع الاف الوحدات السياحية ومنشآت مكاتب على مساحة 25 الف متر والفي غرفة فندقية. وبلغ من نشاط المنطقة ان اسعار الاراضي فيها زادت خمسة اضعاف خلال السنوات الخمس الماضية. وينشط ايضا بناء الفلل والشاليهات السياحية في المنطقة نفسها لانها تقدم موسما سياحيا مستمرا طوال العام.

ويجري في بريطانيا حاليا تسويق فيلات في المغرب اقامتها في المنطقة شركة «اعمار» الاماراتية باسعار تبدأ من حوالي 350 الف دولار. وتقول الشركة المسوقة لمشروع «دومين دولاخضر» ان المقيم في هذه العقارات يستمتع بشمس المغرب الدافئة شتاء ثم يتزلج على الجليد على مقربة ساعة واحدة من العقار.

ويبدو ان مسألة تسويق جبال اطلس على انها بديل لجبال الالب الاوروبية ازعجت القائمين على تسويق المناطق السياحية السويسرية الى درجة مهاجمة المشروع المغربي بأنه يفتقر الى البنية التحتية وان الوصول الى طبقات الجليد على جبال اطلس يتطلب الصعود لارتفاعات شاهقة ويتطلب لياقة بدنية عالية. وهذا الهجوم في حد ذاته يعني ان مناطق التزلج الاوروبية التقليدية تخشى المنافسة المغربية.

وبالطبع فان المغرب يقدم العديد من المزايا الاخرى بالاضافة الى التزلج على الجليد وهذا ما لا تملكه المنتجعات الاوروبية. كما ان العديد من الاوروبيين الذين وقعوا في حب المغرب واقاموا فيه فترات طويلة يؤكدون لكل زائر ان ما جذبهم الى المغرب بعد الطقس الدافئ هو حرارة الضيافة المغربية.

ومع ذلك فان المغرب لم يقطع الكثير من الشوط السياحي بعد، وهذا يعني ان هناك الكثير من الامكانات غير المستغلة التي يمكن ان تترجم فيما بعد الى قيمة حقيقية للمستثمر الان.

ولكن المخاطر ايضا موجودة، وفقا للمفهوم الاوروبي، وهي تشمل تدني مستوى المعيشة لقطاعات كبيرة من الشعب والفارق الكبير بين الاثرياء والفقراء وارتفاع نسبة الامية والميل الى التطرف الى درجة ان 30 في المائة من السكان تقريبا يؤيدون منظمة القاعدة. ولكن جهود الحكومة المغربية تعمل في اتجاه الغاء معظم هذه السلبيات.

* سان لوشيا وانتيغا وهما من اهم جزر البحر الكاريبي سياحيا ولكن التطورات الواقعة حاليا يمكنها ان تعزز قيمة العقار فيهما في المدى المنظور. فجزيرة سان لوشيا تطمح لكي تكون افضل موقع لرياضة الغولف في المنطقة الكاريبية بينما تتطلع انتيغا الى التركيز على سياحة النخبة.

وقد يبدو طموح سان لوشيا غير مبرر لانها لا تحتوي الان الا على ملعب غولف واحد. ولكن مجموعة من كبار لاعبي الغولف في العالم، وهم ايضا من الاثرياء، قرروا ان يبنوا فيها اربعة ملاعب اضافية وان يحولوها الى مقصد لهواة ومحترفي هذه الرياضة على مدار العام.

والتركيز الاهم لن يكون على ملاعب الغولف وانما على التنمية العقارية المصاحبة لها. احد المشروعات المطروحة حاليا تتكون من 72 فيلا تطل مباشرة على ملاعب الغولف وتقدم للمستثمر عضوية مجانية وستة اسابيع كل عام منها ثلاثة اسابيع في ذروة الموسم وثلاثة خارجه. وتخضع العقارات الى ادارة متخصصة طوال بقية اسابيع العام من اجل تحقيق اعلى العوائد. وتضمن شركات الادارة عوائد بنسبة خمسة في المائة خلال العامين الاولين. وتبدأ الاسعار من نصف مليون دولار لفيلا من غرفتين.

اما جزيرة انتيغا المجاورة التي ترى انها في حالة منافسة دائمة مع جارتها سان لوشيا، فهي تشكك في امكانية نجاح ملاعب الغولف المتخصصة فيها خصوصا ان سان لوشيا ذات مساحة محدودة. وتحاول انتيغا ان تبني مستقبلها على اساس التوجه نحو سياحة النخبة من دون التخصص في نوع معين من السياحة.

وهذا التوجه يمكنه ان ينعكس ايجابا على اسعار العقار فيها لو كانت الاستراتيجية صحيحة. ففي الثمانينات ارتكبت انتيغا خطأً استراتيجيا عندما توجهت نحو السياحة الرخيصة. ولكنها استوعبت الدرس بعد ذلك وتخصصت في النخبة.

ومن معالم نجاح استراتيجيتها الجديدة ان العديد من النجوم والمشاهير يمتلكون عقارات فيها منهم روبرت دينيرو وايريك كلابتون. وتحاول حكومة الجزيرة مزج السياحة فيها بشراء العقار. وهناك العديد من المشروعات الجارية حاليا في انتيغا التي تضمن عوائد نسبتها ستة في المائة خلال العامين الاولين من الاستثمار. وتتراوح اسعار الوحدات السياحية في انتيغا ما بين 375 الف دولار الى 700 الف دولار.

ومما شجع على انتشار الاستثمار العقاري في سان لوشيا وانتيغا وجود رحلات الطيران المنتظمة اليها والتي تنطلق على نحو يومي من لندن. وكان الطيران الرخيص من عوامل تشجيع الاستثمار في مناطق المغرب كما ان ماليزيا ايضا تستفيد من خدمات طيران متألقة من شركتها الوطنية والشركات الاسيوية والاوروبية.

هذه هي بعض ملامح توجهات العقار في عام 2007، ولكن المؤكد ان شهور العام الجاري سوف تحمل في طياتها الكثير من المفاجآت السارة والمحبطة لمستثمري العقار في انحاء العالم. مما يذكر ان العديد من هذه المواقع الجديدة على خريطة الاستثمار العقاري الدولي لم تكن جذابة قبل عدة سنوات مما يعني أن الفرص متاحة عربيا للنهوض بقطاع يمكنه ان ينافس صناعة السياحة في عوائده.