لبنان يشارك في مشروع متوسطي لإنقاذ تراثه السكني التقليدي

المساكن التقليدية دمرت أو شوهت.. والقناطر الثلاث سمة المسكن البورجوازي

TT

يشارك لبنان في مشروع «كوربوس» المكون من 17 مشاركاً متوسطياً، والممول من المفوضية الاوروبية في اطار برنامج «اوروميد اريتاج». كما يشارك في المشروع المتفرع منه «كوربوس ليفان» الذي ينكب على التعرف الى الهندسة التقليدية في لبنان وبعض دول المتوسط المشرقية. وسيتم التعرف على ذلك من خلال ثلاثة محاور هي: الاشكال الهندسية، تقنيات البناء، والمهارات.

وينظم المشروعان معرضا متنقلا للعمارة التقليدية في لبنان، وأصدرا منذ فترة دليلا خاصا بصيانة وإعادة تأهيل العمارة التقليدية اللبنانية.

وتقول المهندسة اسامة كلاب، المشاركة في الفريق المتعدد الاختصاصات الذي شكلته المديرية العامة للآثار، لـ«الشرق الاوسط»: «ان لبنان بلد غني بالمعالم والآثار التاريخية التي تضم أسرار الحضارات والشعوب التي تعاقبت على اراضيه منذ العصر البرونزي وصولا الى حكم العثمانيين، مرورا بزمن الكنعانيين. والمساكن التقليدية وإن لم تكن غاية في الفخامة والأبهة، فانها تضم بين اجنحتها ثقافة عريقة، وهي لا تزال حتى اليوم عملية وقابلة للاستعمال، ولها دور حيوي في المدن والارياف المعاصرة، سواء بقيت على حالها او اعيد تأهيلها».

وتضيف كلاب: «ان هناك عائلتين كبيرتين من المساكن التقليدية تميز المدن والارياف في لبنان، وهما خاضعتان لمنطقين سكنيين مختلفين؛ الاولى هي كناية عن وحدات سكنية تتضمن مساحات خارجية (ساحة، حديقة، مصطبة، مساحة مكشوفة...) تتجانس معها لناحية المنفعة المنزلية والتنقل والاستعمالات الاجتماعية. وتتألف هذه الوحدات من قطعة سكنية واحدة او اكثر تجتمع مع مساحات مكشوفة للهواء الطلق. والمسكن الاكثر تميزاً في هذه العائلة هو البيت ذو الفناء. ويمكننا ان نذكر هنا ايضا البيت البدائي، او البيت ذا الايوان او الرواق، وكلها مبنية على مرتفع او في حقل حيث يمضي الساكنون قسطا كبيرا من حياتهم اليومية. واما العائلة الثانية فهي الوحدات او المنازل المتكتلة حيث تتم الاعمال والنشاطات المنزلية في داخلها، غير ان المساحات المفتوحة (شرفة، حديقة، فناء خلفي...) فلا تلعب هنا دوراً اساسياً. ويبقى البيت ذو الثلاث قناطر النموذج المثالي لهذا النوع من البيوت».

وتعبر كلاب: «ان مساكن العائلة الاولى كانت حتى منتصف القرن التاسع عشر هي الاكثر انتشاراً، الا ان النماذج التي لا تزال قائمة على حالها واصلها نادرة جدا. فمعظم هذه المنازل قد دمر او تحول رأساً على عقب، وذلك من خلال اقفال المساحات المفتوحة، واضافة الطبقات الجديدة عليها، فضلا عن «الحشو» من كل نوع. وتعود اصول بعض هذه المنازل الى زمن بعيد جدا. فبعض عينات البيوت ذات الفناء التي تعود الى الالف الثاني قبل الميلاد قد ابتكرت في بلاد ما بين النهرين وسورية وفلسطين. وقد عثر على نماذج اخرى بدائية ذات عارضات في مدينة جبيل، وهي تعود الى العصر البرونزي. اما النوع الثاني من المساكن فقد ابصر النور خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهو يمثل خير تمثيل تطوير العمارة العثمانية. وخلال الانتداب الفرنسي، وبالتحديد في الاربعينات، تغيرت الموضة. وكما في الحالات السابقة كان القسم الاكبر من النماذج الخاصة بهذا النمط يخضع لعمليات تحول، وذلك عبر اعادة هيكلة داخلية وخارجية، واضافة عدد من الطبقات. وصورة المسكن المركز على قاعدة واحدة قديمة جدا ايضا. ولكن التدرج بين هذه المساكن والنموذج المثالي العثماني، الذي ظهر في القرن التاسع عشر ليس واضحا».

وترى كلاب: «ان هذين المنطقين العمرانيين الاساسيين لا يترجمان ظاهرة ثقافية مختلفة جذريا. واما الثورة الكبرى في تنظيم المساحات المنزلية في لبنان فقد حصلت بعد الحرب العالمية الثانية عندما تم الاتيان بمخططات فيها فصل واضح بين وظائف الليل والنهار. لكن المخطط المركز الذي اشتهر به المسكن التقليدي، فقد استمر رغم كل شيء في العديد من المساكن، وحتى في المباني المعروفة باسلوبها العالمي في الستينات. غير ان ما قضى فعلا على النماذج العمرانية القديمة كان اختفاء العقد، نتيجة لاستخدام الخرسانة التي سمحت باعداد نماذج فتحات اخرى في الواجهات الاساسية».

وتشير الخبيرة العمارية والتراثية الى «ان البيت ذا الاقواس الثلاثة كان هو المسكن النموذجي للعائلات البورجوازية في المدن والبلدات الجبلية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وتطلق على هذا المنزل تسمية بيت. اما النسخة الفخمة لهذا النمط فتسمى قصرا. والنسختان يكللهما القرميد الأحمر».