سوق العقار الأميركي بين الركود والانهيار

TT

تعد منطقة "شانتيلي" من المناطق الحديثة في ولاية فرجينيا . منطقة مروج خضراء وغابات تسرح فيها الغزلان ، لذلك أقبل كثيرون على السكن في هذه المنطقة، خاصة انها وبسبب قربها من مطار "دالاس" استفادت كثيراً من الطرق السريعة التي شيدت من أجل انسيابية الحركة من والى المطار . في الوقت نفسه لا يسمع السكان ضجيج الطائرات على الاطلاق.

هذه الخصائص جعلت المنازل سواء كانت منازل صغيرة او ما يعرف باسم "تاون هاوس" ، او الدور الاكبر "منازل الأسر" تعرف رواجاً كبيراً عندما شيدت المنطقة في بداية التسعينات. وسرعان ما ارتفعت اسعار المنازل فيها من 120 الف و 150 الف دولار الى حدود 350 الف دولار للمنزل من الحجم الصغير خلال الصيف الماضي ، بيد ان منطقة "شانتيلي" مثل كل المناطق الاخرى في واشنطن الكبرى وكذا في معظم الولايات المتحدة عرفت ركوداً في حركة بيع المنازل وانحدرت نسبة المنازل المباعة الى مستويات قياسية. وقالت وزارة التجارة الاميركية الاثنين الماضي إن حركة البيع تراجعت الى مستويات لم تصل اليها منذ سبع سنوات. ويقول كثيرون من الذين يعملون في مجال المضاربات العقارية ان الاعتقاد التقليدي بان العقار يعد ملاذاً آمناً للمستثمرين اصبح اعتقاداً غير صحيح.

ويؤكدون إن تباطوء حركة البيع وتراجعها على نحو متسارع وحاد خلال السنوات الاخيرة زاد من زخم المشاعر الميالة للابتعاد عن الاستثمار في العقار وهجرة القطاع .

وفي منطقة "شانتيلي" التي كانت تعد جنة عقارية ناهضة ، ظلت بعض اللافتات التي تشير الى ان المنزل معروض للبيع في مكانها تعبث بها الرياح الصيفية والشتوية على حد سواء منذ سبتمبر (ايلول) الماضي .

تقول جينفر روبرتسون التي تدير وكالة عقارية في ولاية فرجينيا " اسباب كثيرة جعلت عملية الاقبال على شراء المنازل تتباطأ ثم كادت ان تتوقف نهائياً بسبب تراجع الاسعار ...منذ اكتوبر ( تشرين الاول ) الماضي لم ابرم ولو صفقة واحدة مما اضطرني لتسريح اربعة من الموظفين في مكتبنا العقاري"، وتضيف قائلة ل"الشرق الاوسط" ربما كان السبب الاهم هو عجز عدد كبير من المقترضين الذين اشتروا منازل في السابق الايفاء بديونهم مما اضطرهم التنازل عنها لشركات القرض والبنوك وهو ما جعل هناك وفرة في العرض مقابل قلة الطلب ".

وثمة شعور وسط صغار الملاك الذين اشتروا منازل صغيرة على أمل بيعها باسعار أعلى وشراء منازل أكبر بان ،العصر الذهبي لهذه الفترة قد ولى الى غير رجعة. وهذا ما يقوله ديفيد ناسنر الذي يعمل في وظيفة فيدرالية في منطقة "روزلين" . وقال ناسنر ل " الشرق الاوسط " سانتقل الى ولاية ثاوث داكوتا بعد عطلة المدارس (يونيو المقبل) لانني استطيع توفير نصف المبلغ الذي اسدده الآن لقرض المنزل ، ولم يعد لي أمل ان اربح شيئاً اذا قررت بيع منزلي الحالي بل ربما اخسر الكثير ".

إن الوضعية اقرب الى "الكارثية" بالفعل كما تقول وزارة التجارة حيث هبطت اسعار المنازل التي بيعت بنسبة 3.9 بالمائة (تمثل النسبة حوالي 848 الف منزل) ليس فقط في واشنطن بل في جميع انحاء الولايات المتحدة خلال شهر فبراير (شباط) ، في حين هبطت بنسبة 15.8 بالمائة في يناير(كانون الثاني) وهو اكبر تراجع خلال 13 سنة .

وخلال شهر فبراير (شباط) الماضي ارتفعت المنازل غير المباعة بنسبة 1.5 ، قد تبدو هذه النسبة ضئيلة، لكن ولمعرفة حجم الكساد العقاري تجدر الاشارة الى ان هذه النسبة تعني عملياً حوالي 56 الف منزل ، وهو ما يشير الى ان الامر يتطلب الانتظار ثمانية أشهر اخرى لبيع جميع المنازل المعروضة للبيع خلال فبراير (شباط) . واذا سارت الامور بهذه الكيفية فإن ذلك سيعني "كارثة عقارية" في الولايات المتحدة تمتد آثارها الى عدة قطاعات مرتبطة بمواد البناء ...وتطال حتى شركات الاثاث.

يقول البرت مانسون الذي يدير شركة قروض في منطقة فيرفاكس (فرجينيا) إن مسؤولية هذا الكساد تقع ايضاً على عاتق شركات القروض . وأوضح ل"الشرق الاوسط" " هذه الشركات دأبت على تقديم قروض لشراء منازل لاشخاص تاريخ معاملاتهم المالية سئ ويفتقدون للمصداقية أو في أحسن الحال معاملاتهم المالية ضعيف للغاية ولا تؤهلهم للاقتراض لشراء منزل " واشار مانسون الى " إن حرص مجلس الاحتياط الفيدرالي على إبقاء اسعار الفائدة على ما هي عليه والتطلع لرفعها لمكافحة التضخم ساهم بدوره في هذه الأزمة ".

وتضرر كثيرون من صغار الملاك الذين كانوا يأملون في بيع منازلهم خلال الصيف المقبل والحصول على ارباح تتراوح ما بين 70 الى 100 الف دولار ، وشراء منزل آخر آكبر مساحة . كل ذلك اصبح الآن أحلام يقظة .

أرقام وزارة التجارة الأميركية

* اسعار 848 الف منزل تم بيعها خلال شهر فبراير الماضي هبطت بنسبة 3.9 % في واشنطن وجميع انحاء الولايات المتحدة . وهبطت اسعار هذه المنازل بنسبة 15.8 % في يناير، وهو اكبر تراجع خلال 13 سنة .

* ارتفعت اسعار 56 الف منزل غير مباع خلال فبراير بنسبة 1.5 % ، والوضع العقاري يتطلب الانتظار ثمانية أشهر اخرى لبيع جميع المنازل الشاغرة .

* بيع المنازل في جميع انحاء الولايات المتحدة تراجع من 7 ملايين عام 2005 الى 6 ملايين عام 2006.

* عدد المنازل التي بنيت في الربع الاخير من عام 2006 كان اقل بنسبة 24% من عدد المنازل التي بنيت في نفس الفترة عام 2005 . واسعار المنازل التي بيعت في نفس الفترة تراجعت بنسبة 2% .

* اسعار المنازل لا تزال ترتفع بنسبة 15 % في بيمونت وتاكساس هذا العام .

* الاسعار في ساراسوتا وفلوريدا تراجعت بنسبة 18% هذا العام .