الازدهار الاقتصادي ينعكس على أرباح العقارات في المدن الآسيوية

هونغ كونغ الأغلى في العالم بعد لندن

TT

بلغ من نشاط سوق العقار الآسيوي ان مصممي العقار في الغرب يكتشفون ان قبول تنفيذ مشاريع مدنية آسيوية سرعان ما يتحول من تصميم مشروعات محدودة الى بناء مدن كاملة. وتشرح شركة عقار المانية، انها كانت بصدد تصميم ميناء حاويات في شنغهاي في الصين، ولكنها توسعت رويدا في المشروع، حتى وجدت نفسها تبني مدينة حول الميناء تتسع لحوالي 800 الف نسمة. وبلغ من سرعة النمو المدني الآسيوي ان مدنا آسيوية كاملة نشأت في السنوات العشر الاخيرة. وفي الصين يعيش الان نحو ثلث التعداد البالغ 1.3 مليار انسان داخل المدن، وهي نسبة سوف تصل الى النصف بحلول عام 2020.

ويعم الانتعاش المدن الآسيوية بسبب نشاطها الاقتصادي المحموم، الذي ما زال يسجل اعلى معدلات النمو في العالم. في الوقت التي تعاني فيه البورصات الغربية من مخاوف سقوط شركات الاقراض العقاري الاميركية، وتزحف شركات الاستثمار العقاري الى انحاء آسيا سعيا وراء الصفقات الكبيرة من ناحية، والحصول على اعلى معدلات الارباح من ناحية اخرى. ويبدو ان المدن الآسيوية في الصين وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية وسنغافورة تتسابق الى جذب الاستثمار الاجنبي اليها في مجال العقار.

ويشهد هذا العام الذكرى العاشرة لانتقال هونغ هونغ الى الادارة الصينية، مع انطلاق المستعمرة السابقة من نجاح الى نجاح، فهي تشهد اعلى معدلات النمو خلال العشرين عاما الماضية، وحققت في العام الماضي نسبة 6.5 في المائة، متخطية بذلك توقعات صندوق النقد الدولي. وزاد الناتج المحلي بنسبة 20 في المائة بين عام 2003 و2006. كما تدنت معدلات البطالة الى اقل من اربعة في المائة مما يعني ان البطالة تكاد تكون منعدمة في المنطقة.

وتنفذ حكومة هونغ كونغ هذا العام مشروعا عملاقا على ارض مطار «كاي تيك» السابق، الذي يمتد على مساحة 300 فدان. ويماثل المشروع مدينة مصغرة توفر السكن لحوالي 86 الف نسمة مع فندق ضخم يرتفع مائتي متر ومنشآت سياحية وترفيهية اخرى ومكاتب. ويشمل المشروع ايضا ميناء مجهزا يتسع لثلاث سفن كروز كبيرة. ويرتبط المشروع ببقية هونغ كونغ بخط ترام جديد بثماني محطات وجسر يربط ضفتي الخليج البحري. وتصل تقديرات هذا المشروع الى عدة مليارات من الدولارات.

وتنعكس ثقة حكومة هونغ كونغ في قوة الاقتصاد المحلي على قطاع العقار فيها، الذي يشهد اقبالا غير مسبوق من شركات الاستثمار العقاري الدولي.

وما زالت اسعار العقار في هونغ كونغ هي الاغلى بين كل انحاء آسيا، والثانية في العالم بعد لندن، حيث يصل سعر المتر المربع فيها الى 98 يورو، مقارنة بحوالي 142 يورو في غرب لندن و108 يوروات في حي السيتي اللندني. وبينما تساهم المنشآت الجديدة في الحد من ارتفاع الايجارات في هونغ كونغ هذا العام، الا ان منطقة المركز ما زالت تلقى اقبالا عليها اكبر من الطلب. وتتجه اسعار الايجار الى الارتفاع، حيث يثبت ذلك الاقبال العقاري الدولي الذي بلغ حجمه في العام الماضي 1.8 مليار يورو، بزيادة تصل الى 26 في المائة عنه في العام الاسبق.

وبلغت استثمارات الشركات الدولية في قطاع المكاتب في العام الماضي 800 مليون يورو، اي سبعة اضعاف الاستثمار في العام الاسبق. وانعكس ذلك على استمرار ارتفاع اسعار العقار في هونغ كونغ، الامر الذي انعكس على العوائد التي تراجعت كنسبة مئوية من الثمن الى ما يقرب من 4.5 في المائة في الوقت الحاضر.

ولكن اذا كانت العوائد الايجارية متراجعة في هونغ كونغ، فإنها ما زالت على مستويات عالية تبلغ ما بين 7 الى 10 في المائة في سيول، عاصمة كوريا الجنوبية. وتشير احصاءات الحكومة الكورية الى زيادة الشفافية والطلب في السوق المحلي. ويساعد على ذلك زيادة الطلب الاجنبي على العقار الكوري، الذي ظل الى حد بعيد حكرا على المستثمرين المحليين حتى سنوات قليلة ماضية. وتصل نسبة العقار الكوري المملوكة من مستثمرين محليين حوالي 55 في المائة في الوقت الحاضر.

وفي الصين تقول الاحصاءات الرسمية ان مائة مدينة جديدة سوف يتم تأسيسها خلال الـ15 عاما المقبلة، لكي تستوعب الهجرة الهائلة، التي تستمر من الريف الى المدن سعيا وراء الاستفادة من الانتعاش الاقتصادي. وتعتبر الصين حاليا رابع اكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة واليابان والمانيا. ولكن قياسا بالقوة الشرائية الناتجة عن الناتج المحلي، يعتبر الاقتصاد الصيني الثاني في العالم بعد الولايات المتحدة.

وفي عام 2005 بلغ الناتج الصيني المحلي للفرد 1700 دولار، وهو ثلاثة اضعاف ما كان عليه منذ عشر سنوات فقط. ويستمر نمو الاقتصاد الصيني بمعدلات ما زالت تعتبر الاعلى في العالم، على الرغم من توقعات البنك الدولي بتراجعها. وتنمو الصين حاليا بنسبة نمو تصل الى 10.5 في المائة سنويا.

وفيما ينمو الاقتصاد يزداد الطلب على العقار بأنواعه من مساكن ومكاتب ومصانع. وتعتبر الصين حاليا من اكبر اسواق العقار التي يرصدها المستثمرون الاجانب. وخلال عام 2005 تم التعامل في عقارات صينية قيمتها 2.6 مليار دولار. ويعتبر السوق المفضل حتى الان للاستثمار الاجنبي في الصين هو الشريط الساحلي الشرقي، الذي يمتد جنوبا من شنغهاي. ومن المتوقع ان يرتفع الاهتمام العقاري في الصين، خصوصا بعد الموافقة البرلمانية فيها على مبدأ الملكية الفردية للعقار، التي تدخل الان عداد الوضع القانوني بعد عقود من الاحكام الشيوعية.

ويرتفع الطلب من الشركات متعددة الجنسيات، التي تنافس بقوة لتأسيس مواطئ قدم لها في السوق الصيني، سواء بغرض الاستثمار المحلي او لاتخاذ الصين قاعدة تصنيع للصادرات.

وخلال السنوات الخمس الاخيرة زاد الطلب العقاري في الصين بنحو 3.5 في المائة سنويا، كما ارتفعت الايجارات بنسبة سبعة في المائة. وتتوقع شركة لاسال العقارية من مقرها في لندن، ان يزداد تنافس صناديق الاستثمار على الاستثمار العقاري في الصين ضمن سعيها الدائم لتحديد فرص الاستثمار محدودة المخاطر مرتفعة الدخل.

ولكن السوق الصيني يحمل ايضا بعض الاخطار، حيث تعمل الحكومة الصينية بنشاط لمنع عمليات المضاربة على العقار في اسواقها. وتفرض الصين حاليا ضريبة قيمة مضافة على عمليات بيع العقار السريعة بعد الشراء، كما تراقب الصفقات الكبيرة حتى تضبط اي عمليات تلاعب في الاسواق قبل استفحالها. وتشرف ادارات من الحكومة المركزية على مجالس التسجيل في الاقاليم الصينية المختلفة حتى تتأكد من اتباع القوانين والنظم الجديدة.

ولا تؤثر هذه الاجراءات بالطبع على المستثمرين الجادين، الذين ينظرون الى المدى البعيد في استثمارهم في السوق الصيني. وكانت اخر الصفقات الكبيرة شراء مجمع مكاتب كبير في شنغهاي بمبلغ 250 مليون دولار من شركة استثمار اوروبية، وما زالت هذه الصفقة غير معروفة الهوية من حيث المشترى ولا تفاصيل الدفع ولكنها تعبر عن حجم الصفقات الفردية التي تتوجه حاليا الى سوق الصين.

وتنافس اسواق كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان الزخم العقاري الصيني بعوائد ايجارية اعلى، وان كانت على حساب نسب نمو اقل في رأس المال المستثمر. ويقابل هذا من جهة المستثمرين رغبة قوية في رفع نسب الاستثمار العقاري في الاسواق الآسيوية من كبار المستثمرين العالميين. وكشف احصاء ان ثلاثة ارباع مستثمري العقار في اوروبا يريدون زيادة حصة محافظهم الاستثمارية في آسيا، مقابل 18 في المائة يرغبون في خفض هذه المحفظة وخمسة في المائة يرغبون في المحافظة على حجمها الحالي.

وشمل الاحصاء 143 مصرفا وشركة تأمين وصندوق معاشات قال معظمها ان الرغبة في زيادة الاستثمار الآسيوي تعود الى الحاجة الى تنويع المخاطر، ولان العوائد الاعلى من آسيا تبدو مضمونة اكثر منها في اي موقع اخر. ويقارن هؤلاء المستثمرون عوائد العقار الآسيوي بعوائد السندات، وهم يطمحون الى زيادة الاستثمار العقاري الآسيوي الى حصة لا تقل عن 23 في المائة من مجمل المحافظ الاستثمارية.

وتشير خريطة العوائد العقارية الدولية الى ان الاسواق الآسيوية تقع في المقدمة حاليا بنسبة متوقعة هذا العام تصل الى سبعة في المائة في المتوسط، وتليها اسواق شرق اوروبا بنسبة 6.6 في المائة ثم الدول الاسكندنافية بنسبة 5.3 في المائة، ونسب متقاربة للاسواق البريطانية والفرنسية والالمانية تبلغ 5.2 و5.1 و4.8 في المائة على التوالي.

ومن ناحية الايجارات تتفوق المراكز الاقتصادية الرئيسية مثل طوكيو وهونغ كونغ، التي يبلغ فيهما ايجار المتر المربع حاليا 108 و52 دولارا على التوالي، بزيادات تصل الى 24 في المائة و30 في المائة تباعا. ولكن ايهما لم يصل الى مرتبة لندن التي ما زالت تحتل القائمة بسعر 130 دولارا للمتر المربع بزيادة 22 في المائة عن العام الماضي.