هل تنفجر فقاعة العقار الدولية من إسبانيا؟

مظاهر الضعف بدأت في أميركا

TT

لم يشهد العالم من قبل موجة انتعاش عقاري متواصلة كما شهد في العقد الاخير، حيث ظل تصاعد الاسعار متواصلا بلا هوادة وبنسبة عالية وعلى بقعة جغرافية واسعة. ولكن يبدو ان مؤشرات نهاية الانتعاش، الذي يطلق عليه البعض اسم «فقاعة العقار الدولية»، بدأت بالفعل من اسبانيا. فقد انتشرت فجأة حمى بيع اسهم شركات العقار ووحدات الاستثمار العقاري لقناعة المستثمرين بان موجة الانتعاش العقاري والبناء انتهت، على الاقل في اسبانيا.

ولكن قبل التفكير في الهروب من القطاع العقاري الاسباني لا بد اولا من دراسة الظاهرة بعمق اكبر لمعرفة مدى تأثيرها على السوق الاسباني من ناحية ومدى انتشار عدواها الى الاسواق الاخرى. حتى الآن، وبعد اسابيع من موجة الهلع العقاري في اسبانيا، لم تتأثر سوى العقارات في فئة المدخل وعقارات القمة. الاولى لوجود فائض فيها وارتفاع اسعارها عن قدرة الفئة التي تنشط في اول درجات السلم العقاري. اما فئة القمة فهي ظلت لفترة طويلة مقومة بأكثر من قيمتها. ويتوقع خبراء العقار الاسباني هبوط اسعار هذه الفئة بنسة 20 في المائة على الاقل في السنوات الثلاث المقبلة.

والنصيحة هي الابتعاد عن السوق الاسباني في المدى القصير لان التوجهات فيه سلبية حاليا. اما هؤلاء الموجودون في السوق بالفعل فالحل هو عدم التسرع باتخاذ اي قرار الآن لان السوق هبطت في نسبة النمو ولكنها ما زالت تنمو بنسبة سبعة في المائة سنويا بدلا من 17 في المائة. وتنظر الصناعة الى موجة الهبوط على انها تصحيح يحتاجه السوق حتى تتوقف موجة البناء السريع التي كان بعضها غير قانوني. كما ان التصحيح سوف يبعد عن السوق المضاربين وعصابات غسيل الاموال وبائعي العقارات من على الخرائط.

وربما كانت مظاهر الضعف قد بدأت في الولايات المتحدة اولا، حيث تراجعت اسعار العقار في الشهور الاخيرة، كما اعلنت شركات تمويل عقارية إفلاسها، في ظل خمول الاسواق وارتفاع اسعار الفائدة. ولكن الاسواق نظرت الى الحالة الاميركية كحالة محلية، ولم يتأثر بها المؤشر العقاري بل ان البورصات الاميركية حققت معدلات قياسية في الاسابيع الاخيرة.

ولكن الحالة الاسبانية تختلف، فقد تبلورت عبر فترة زادت عن العام وساهمت فيها عدة تطورات سلبية. من ناحية ظهرت حالات فساد في منطقة ماربيا السياحية التي ما زال بعض موظفي بلديتها في السجن ينتظرون المحاكمة في قضايا فساد. كما زادت المنافسة للعقارات الاسبانية من جهات اخرى ارخص مثل المغرب وبلغاريا، الامر الذي استنفد الكثير من الطلب الدولي على العقارات الاسبانية. واكد اكثر من خبير عقاري اسباني عن اعتقاده بأن مستوى اسعار العقار في اسبانيا سوف يستقر هذا العام ويتراجع في العام المقبل، بعد فترات من الزيادة التي تخطت العشرة في المائة سنويا وكان اخرها بنسبة تسعة في المائة في العام الماضي.

ويسود الاعتقاد بأن العقارات الممتازة سوف تحافظ على قيمتها وعوائدها، ولكن الكساد المتوقع سوف يؤثر سلبا على العقارات التي تقع في مناطق مزدحمة بالانشاءات السياحية التي يبدو انها تفيض عن الحاجة في الوقت الراهن.

والاسواق التالية تشير الى حال العقار في بقاع مختلفة في العالم، بعضها يتراجع والآخر خامل، بينما ما زالت اسعار البعض الآخر تتجه الى ارتفاع. والصورة الآن ابعد ما تكون عن الوضوح فيما اذا كان ما يشهده سوق العقار الدولي حاليا موجة تصحيح عامة او أزمة اسبانية عابرة.

الولايات المتحدة

* الوضع لا يقل درامية في الولايات المتحدة التي تراجع فيها نمو اسعار العقار من 13 في المائة في بداية العام الماضي الى اقل من اربعة في المائة في نهاية العام. وبوجه عام تبدو الاسعار الاميركية مجمدة في الوقت الحاضر. وكانت بداية النهاية في الاسواق الاميركية عندما تخطت اسعار العقار فيها قدرة المشترين الجدد الذين يدخلون السوق للمرة الاولى. واضطر هؤلاء الى اللجوء الى وسائل تمويل غير تقليدية تشمل قروضا يتم سداد الفوائد فقط فيها، او قروضا بلا مقدم تكون تكاليفها باهظة. وبدأت المتاعب بتعثر بعض المقترضين بهذه الاساليب الباهظة، ولكن السوق استمر بعد ذلك في التقدم لفترة عدة اشهر بفضل نشاط المضاربين وتسهيل اجراءات الاقراض للجدد في السوق لمساعدتهم. ولكن السوق ما لبث ان تراجع بقوة.

من ناحية تراكمت الديون العقارية وتعددت حالات عدم الدفع والديون الرديئة، ثم انهار قطاع الاقراض الثانوي الذي يسمى (Sub Prime) الذي يتخصص في تسليف ذوي الملاءات المالية المنخفضة.

وما زال الوضع حرجا في السوق الاميركية بين الخمول والانهيار الذي قد يحدث اذا جرت مصادرة عدد كبير من المنازل التي تم الاستيلاء عليها وفاء للديون الرديئة وطرحها في السوق مرة اخرى للبيع، فقد تهبط الاسعار في هذه الحالة بأكثر من عشرة في المائة.

الهند

* في مؤتمر عقاري عقد أخيرا في مومباي، حذر خبراء عقار دوليون ومحليون من احتمالات سقوط الاسعار. وقال احدهم ان من العبث توقع استمرار ارتفاع الاسعار بلا توقف للمدى البعيد. واضاف ان السؤال الآن ليس اذا كانت الاسعار سوف تهبط ام لا وانما بأي نسبة سوف تهبط.

في مدينة مومباي، المشهورة بالصناعات التقنية، كان الانتعاش العقاري الهندي هو الاكبر بين المدن الهندية. وزادت الاسعار فيها خلال العامين الاخيرين بنسبة الضعف. ولكن نصف تعداد المدينة تقريبا ما زال يعيش في احياء فقيرة تفتقر الى الخدمات الاساسية. وما زال المواطنون الهنود يشترون العقارات بنسب اكبر من اي وقت مضى. كما يدخل السوق ايضا مشترون ومضاربون من الخارج. ويسود الشعور العام بأن سوق العقار الهندي على وشك التراجع.

وفي المرة الاخيرة التي انهارت فيها الاسعار في الهند، في الفترة ما بين 1995 و2001، وصل الانهيار الى نسبة 70 في المائة في بعض الحالات. اما هذه المرة فان التراجع متوقع له ان يكون في حدود 30 الى 40 في المائة.

لاتفيا

* كانت لاتفيا حتى وقت قريب هي نجم العقار الاوروبي من حيث نسبة ارتفاع الاسعار. فمنذ ان دخلت هذه الدولة الشمالية الصغيرة الى الاتحاد الاوروبي في عام 2004 والاستثمار العقاري ينهمر عليها من روسيا والمانيا وبريطانيا. في العام الماضي وحده ارتفعت الاسعار في لاتفيا بنسبة 66 في المائة. وكانت العاصمة ريغا هي اسخن بقعة في ارتفاع الاسعار، التي نشط فيها تداول العقار بشكل محموم. وغذى ارتفاع اسعار العقار نموا اقتصاديا مكثفا بنسب لم يعرفها اقتصاد هذه الدولة من قبل.

ولكن حتى لاتفيا يسودها الآن القلق من انهيار عقاري مفاجئ، الى درجة ان حكومتها اتخذت العديد من الاجراءات للوقاية من الانهيار منها فرض ضرائب على ارباح بيع العقار اذا تم البيع قبل مرور ثلاث سنوات على عملية الشراء. وكان القانون يشترط قبل ذلك الاحتفاظ بالعقار لمدة سنة واحدة فقط لتجنب الضرائب. وتريد الحكومة تبريد نسبة النمو الاقتصادي ومنع قطاع العقار فيها من الانهيار المفاجئ.

دبي

* على رغم عدم ثبات صحة التوقعات السلبية اكثر من مرة خلال العقدين السابقين، الا ان مصادر العقار الدولي تخشى من سرعة النمو في دبي، وتشير الى عدد الرافعات فيها التي يقال انها تمثل نحو 20 في المائة من المتاح في العالم. وتسعى دبي الى توفير 75 الف وحدة عقارية جديدة بحلول العام المقبل ترتفع الى 260 الف وحدة في عام 2015. وتقول شركات عقار ان هذا المعدل قد يفيض عن الحاجة.

ولكن تيار النمو مستمر بلا هوادة في دبي، مدفوعا بتدني تكلفة البناء نسبيا بالمقارنة مع اوروبا وارتفاع اسعار البيع. وحتى هؤلاء الذين اشتروا من على الخريطة منذ عامين حققوا زيادات رأسمالية مع وصول العقارات الى السوق. ولكن تبقى الاجابة مجهولة فيما يتعلق بتحولات المستقبل. ومن الممكن التكهن بان دبي اضحت الآن جزءا من سوق عالمية مفتوحة، وهي سوق تتأثر سلبا وايجابا بمجريات احداث قد تكون خارج نطاق دبي جغرافيا واقتصاديا.

الايجابيات في سوق دبي انها لم تعد ترتبط بالقدرة الشرائية في السوق المحلي، فلا يهم حتى اذا كان سكان دبي لا يتحملون تكاليف الشراء فيها، فهناك من يستطيع ذلك من خارجها. اما السلبيات فهي ان هذا الارتباط العالمي يعرّض دبي لهزات تعود في طبيعتها الى اسباب عالمية قد تؤثر سلبا على سوق العقار فيها حتى ولو كان الاقتصاد المحلي في افضل معدلات انجازه. كما ان هناك بعض المخاطر السياسية المترتبة على توتر الوضع الدولي ازاء ايران والقرب الجغرافي في منطقة الخليج وبالقرب من العراق.

أستراليا

* كانت استراليا من اكبر نماذج الانتعاش العقاري حيث تضاعفت فيها الاسعار بين عامي 1996 و2003، ولكن سلسلة من ارتفاعات اسعار الفائدة انعكست على السوق بهدوء في النمو. واستطاعت الحكومة الاسترالية منع انهيار السوق. بل انه استمر في الصعود وبنسبة 8.3 في المائة في العام الماضي. وتعتبر اسعار العقارات حاليا في استراليا قياسيا بالمقارنة مع معدل الاجور. وساهم على هذا النمو انجاز جيد في البورصة وسوق المعادن والمواد الاولية. والمؤشرات الحالية لا تشير بأي حال الى تراجع وانما الى استمرار حال الانتعاش لمدة عام مقبل على الاقل. وقد تتأثر استراليا فقط بحالة كساد عالمية وهو الامر المستبعد حاليا.

بريطانيا

* ما زال السوق البريطاني يعاند التوقعات ويرتفع في اسعاره وإن كان بمعدلات اقل كثيرا عما قبل. وارتفعت الاسعار خلال الربع الاول من العام بنسبة 2.8 في المائة فقط، مقارنة بنسبة 4.2 في المائة في الربع السابق. ويختلف هذا العام عن سابقه باختلاف المناطق، حيث ما زال بعضها يسجل ارتفاعات سعرية خصوصا في ضواحي لندن، بينما يعاني بعضها الاخر من خمول السوق والاسعار. وتزداد في الوقت الحاضر الفجوة في الاسعار بين عقارات الشمال وعقارات الجنوب حيث زادت في العام الماضي اسعار مناطق في الجنوب بضعف معدل الزيادة في الشمال.

وهناك جماعات تتوقع انهيار الاسعار مع خروج رئيس الوزراء الحالي توني بلير من رئاسة الوزارة لكي يتكرر سيناريو سقوط الاسعار الذي حدث بعد رحيل ثاتشر من الحكم قبل عشر سنوات. ولهؤلاء المتشائمين موقع الكتروني اسمه (housepricecrash.co.uk) يجمعون فيه كل الدلائل على قرب انفجار فقاعة العقار. ولكنهم ينتظرون انهيار السوق لفترة زادت عن الستة أشهر حتى الان. وقد يكون رفع بنك انجلترا اسعار الفائدة المتوقع الى 5.5 في المائة مسمارا آخر في نعش اسعار سوق العقار التي بدأت تتراجع بالفعل في بعض مناطق شمال انجلترا ولكنها تعاند التيار العام في لندن ومنطقة الجنوب الشرقي.