السياسات الجديدة لتوزيع الأراضي تجذب كبريات الشركات الخليجية

تطورات مؤسسية مؤثرة في حياة أكبر تاجر أراض في مصر هدفها الشفافية ومنع المضاربة

TT

هيئة «المجتمعات العمرانية» من أهم الكيانات التي يتعين على أي مستثمر عقاري أو إسكاني أن يتعرف عليها ويتعامل معها في مصر. وكانت الدولة قد تبنت إقامة هذا الكيان في إطار استراتيجيتها لوضع التصور المستقبلي للبلاد طبقاً لما كان قد ورد في ورقة أكتوبر‏ (تشرين الأول) 1974، وصدر القرار الجمهوري بإقامتها قبل وفاة السادات بعامين، وهو القرار رقم ‏59‏ لسنة ‏1979، واستكمله الرئيس مبارك فصدق على باقي القرارات والقوانين التي تحكم عمل الهيئة. وأهم هذه القوانين، أن تتبع الهيئة رئاسة مجلس الوزراء وان يتشكل مجلس ادارتها من مجموعة من الوزراء او من ينوب عنهم من المختصين بالشؤون المالية، الاجتماعية، الري، الكهرباء، الإسكان، التجارة والصناعة، الثروة المعدنية، وخمسة من أهل الخبرة. وتم تعيين حسب الله الكفراوي رئيسا للهيئة عام 1980، لكن في عهد رئيس الوزراء السابق كمال الجنزوري حدثت بعض التغيرات، فقد ألزم الجنزوري بحضور الوزراء وليس من ينوب عنهم، ثم تغيرت تبعية الهيئة عام 1996 إلى وزارة الإسكان والتنمية والمرافق بنص قانوني في عهد وزير الاسكان السابق محمد ابراهيم سليمان، وذلك بعد ان كانت تتبع رئاسة مجلس الوزراء. وحدثت خلافات سياسية معلنة لبسط النفوذ على الهيئة التي تعد واحدة من أهم المؤسسات المصرية التي تدير مورداً طبيعياً وهو الأرض والذي كان الاتجار فيه ـ اى المورد ـ أحد اهم المداخل إلى تكوين الثروات في مصر في وقت من الأوقات بسبب الفساد والمضاربة وسوء الأداء. ولذلك فان التصور الذي نرسمه اليوم للهيئة يكتسب أهميته من ضرورة قراءة دروس التطور المؤسسي لهذا الكيان والتي تبين بجلاء مدى ارتباط جودة وشفافية الأداء بحفز النمو والاستثمار. وقد بدأت الهيئة عملها قبل صدور القانون الخاص بها، وكانت أولى مهامها تخطيط الجيل الأول من المدن الجديدة مثل «السادات» والعاشر من رمضان، و6 أكتوبر وجميعها على مسافات ليست بعيدة عن القاهرة وقد بلغ عدد هذه المدن ـ حتى الآن 22 مدينة جديدة، وقد نجحت حكومة أحمد نظيف الحالية التى تتمتع بنهج ليبرالي واضح وتتخذ من الشفافية شعارا لها، بأن تجعل بعض المدن الجديدة قبلة للمستثمرين المصريين والخليجيين حيث أقدمت شركات تطوير عقاري معروفة على ضخ عشرات المليارات من الجنيهات في مشروعات مختلفة لأول مرة في مصر (مثل «إعمار» و«الفطيم» و«الحبتور»...)، وتهدف الهيئة حاليا لانشاء 60 مدينة جديدة فى عام 2017 ، بالاضافة الى انشاء وحدات سكنية لمحدودي الدخل، إضافة إلى توزيع الاراضي لاستغلالها عقارياً وسياحياً وصناعياً. وقد بلغت مساحة الأراضي المجهزة بالمرافق في المدن الجديدة والتي خصصتها الهيئة 164 ألف فدان (الفدان = 4200 متر) منها حوالي 92 ألف فدان للإسكان، وحوالي 33 ألف فدان للصناعة، وحوالي 39 ألف فدان للتجارة والخدمات والمشروعات السياحية، وبلغ إجمالي استثمارات الهيئة 27 مليار جنيه فى جميع القطاعات (مرافق ـ خدمات ـ اسكان ـ زراعة). لقد كان أول رئيس للهيئة هو حسب الله الكفراوي الذي عرف بصرامته الاخلاقية وادائه الرفيع وان كان الناقدون قد عابوا عليه عدم تكامل المشروعات التي اقامها في الساحل الشمالي وهو رئيس للهيئة او وهو وزير لاحقا لكن الهيئة مرت بوقت عصيب فى غير فترات الكفراوي وزادت عمليات التلاعب بالارض المخصصة والاتجار فيها في وقت من الأوقات. وحاليا قال لنا رشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة أن الهيئة اصطبحت نموذجا للتنسيق الحكومي لخدمة الاستثمار. مضيفا أن التفكير الجاري حاليا لإدخال وزراء إلى مجلس إدارة هيئة البترول يقتفي خطى هيئة المجتمعات العمرانية. وبرغم من محاولة وزارة الإسكان مع وزيرها الجديد رجل الأعمال سابقا احمد المغربي دفع البيروقراطية والروتين، والعمل على مزيد من الشفافية عبر العمل بأسلوب المزادات العلنية والمظاريف المغلقة، إلا انه ما زال هناك خلط وتداخل بين الهيئات المختلفة المعنية بالأراضي مثل «هيئة التنمية السياحية والزراعية»، «المجلس الوطني لسياسات الأراضي»، «هيئة التنمية الصناعية». وحسبما يؤكد شيخ المعماريين المصريين صلاح حجاب الذي وضع مع مجموعة من الخبراء أسلوب إدارة المدن الجديدة عند بداية إنشاء الهيئة في عهد الرئيس الراحل السادات، فان الأسلوب الذي تدار به الهيئة الآن لا يتوافق مع الغرض الذي أسست من اجله وهو إعادة توزيع السكان عن طريق اعداد مناطق جذب مستحدثة خارج نطاق القرى والمدن القائمة»، ولكن تحول دورها الى سمسار أراض، ومنشئ مدارس ومستشفيات،.. الخ وهذا ليس دورها، بل دورها الحقيقي أن تقوم بعمل بنية أساسية عصرية للمشروعات المستهدفة أكانت سكنية ام تجارية ام صناعية ام تعليمية، وتسلم المهام للقطاع الخاص وللوزارات المعنية للتنفيذ. وأضاف أن ما يحدث الآن للتنمية العمرانية ما هو الا خلط بين ادوار الوزارت التي تقوم بأداء لا يتفق مع بعض القوانين بدعوى حسن النية. وأشار الى أن الدعوة لتشكيل شركة قابضة لإدارة المدن الجديدة ما هي إلا للتخلص والهروب من الأعباء التي تثقل الهيئة وخاصة مواردها المادية التى تزايد العجز بها إلى 363 مليون حسب تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات دون البحث عن اصل المشكلة، ويضيف بعدا اخر هو ان البيروقراطية ما زالت تدير عمل الهيئة، واستدرك حجاب قائلاً إنها قد تتجمل وتسال الخبرات الفنية، وقد تضعها في الاعتبار شريطة ان تتطابق مع رؤيتها التي تؤثر فيها السياسة كثيرا او احيانا سياسية. والحل يكمن كما يقول حجاب في أن يكون لكل مشروع كبير تقيمه الهيئة الشخصية الاعتبارية وكامل السلطة لكي تكون هناك جدية وسرعة في التنفيذ، مثلما كان معمولا به فى قانون هيئة المجتمعات العمرانية عام 1980. وأضاف حجاب بأنه لا بد ان ترجع تبعية الهيئة الى رئاسة مجلس الوزراء. وبرغم ان النزاعات بين هيئة المجتمعات العمرانية وأملاك الدولة التى وصلت الى 50 نزاعا فى مدينة برج العرب بمحافظة الإسكندرية وحدها مثلما قال عادل لبيب محافظ الإسكندرية في إحدى تصريحاته مؤخراً لإحدى الجرائد اليومية، إلا أن النائب الأول لوزير الإسكان محمد الدمرداش، يقول إنه لا يوجد تعارض او خلط في الأدوار بين المجتمعات العمرانية والهيئات الأخرى «هيئة التنمية الصناعية، السياحية، الزراعية»، فالمدن الجديدة تصدر بقرار جمهوري بحدود المدينة ولا يستطيع ان يتدخل بها احد، بل وأشار ان انشاء الهيئة لمدارس ومستشفيات وغيره لا يتعارض مع دور الوزارات الأخرى. وفي ما يخص الدعوة لإنشاء شركة قابضة لادارة المدن الجديدة، رفض الدمرداش كلمة شركة، مفضلا «كيان مستقل»، وقال إن إنشاء هذا الكيان ليس معناه ان هناك مشكلة في الهيكل التنظيمي للهيئة، وقال انه تجري الآن دراسة يعدها مكتب «ماكنزي» الأمريكي على منطقتي الشيخ زايد و 6 أكتوبر، لبحث الأسلوب الأمثل لإدارة هذه المدن الجديدة بعد ان تفرغ الهيئة تماماً من إنشائها، حتى تستطيع هذه المدن ان تقوم «بتمويل نفسها بنفسها او على الأقل ان تأتي بايرادات تعادل المصروفات. وأوضح الدمرادش أن الهيئة «كيان هلامي» وان الانجازات الحقيقة تقوم بها اجهزة المدن الجديدة ذاتها، وما الهيئة الا منظم يضع القواعد والشروط. ورفض الدمرداش أن تكون هناك أوجه مقارنة مع الهيئات المشابهة فى الدول الاوروبية مثل فرنسا وانجلترا والإمارات، مضيفاً أن لكل دولة ظروفها. وأضاف الدمرادش أن أهم التغيرات التي طرأت على الهيئة في الفترة السابقة، هي تغير في القواعد الحاكمة في توزيع الأراضي، من التخصيص الى المزادات العلنية بالمظاريف المغلقة، وتتبع فيها الهيئة كل امور الشفافية والمصداقية مع الجميع، ومن لم تثبت جديته يتم سحب الارض منه دون الكيل بمكيالين. وقد سحبت الهيئة ما يقرب من 20 مليون متر من مستثمرين عرب وأجانب حتى الآن دون معرفة أسمائهم وما زلنا على استعداد لسحب الأرض من أي أحد إذا أخل بالقواعد التي حصل على الأرض بمقتضاها فقد انتهى عهد الاتجار بالأرض وحان وقت التعمير الحقيقي والمدروس والجاد .

وأكد المستشار الاعلامى لوزير الإسكان عبد الحميد شعير، أن الوزارة تسعى الآن للجوء الى اللامركزية فى ادارة هيئة المجتمعات العمرانية، وتفعيل دور اجهزة تنمية المدن الجديدة، لتكتفي الوزارة بالمتابعة والرقابة، كما تسعى الهيئة الى الاعتماد على مواردها الذاتية خلال الـ3 سنوات القادمة، وأضاف أن أهم ما تم انجازه هو القرارات الإجرائية، التي أدت إلى تقليص الوقت اللازم لأداء الخدمات للمستثمرين والأفراد أيضا إلى ما يقرب من 70% مما كان عليه، بالإضافة إلى إنشاء «جهاز المتابعة» للقرارات الوزارية التي يتم إصدارها والتأكد من مدى فاعليتها.

ومن وجهة نظر أخرى، يقول رئيس المعهد العالي للتخطيط العمراني والتنمية بهاء بكري: «هناك أخطاء كبيرة ترتكب باسم العمران في الهيئة منذ إنشائها في سبعينات القرن الماضي، خاصة في المدن الجديدة، وقد قدمت اقتراحاً للكفراوي، بأن نؤسس هذه المدن على ان تكون صناعية وليست سكنية، على أن يقيم المستثمرون السكن لعمالهم ، ولكن حدث العكس، وظلت هذه المدن لا يسكنها إلا القليل وخدماتها ضعيفة للغاية، والكارثي انه تم «لحم» هذه الكتل ـ المدن الجديدة ـ مع القاهرة .. برغم تقديري لحجم التركة الثقيلة التي ورثها الوزير الحالي، إلا أن ما يؤخذ عليه أنه تعامل مع السكن على انه سلعة وليس خدمة، وانتهاج سياسة البيع بالمزاد في توزيع الاراضي مما أدى إلى ارتفاع أسعار الاراضى بشكل جنوني، واصبح السكن وسيلة للتربح.