بولندا: الاستثمار في العقارات يزداد 61% خلال عامين

17 مشروعا لمبان فاخرة في العاصمة وارسو

TT

شهدت السنوات الأخيرة اندفاع العديد من مستثمري العقارات من دول غرب أوروبا الغنية نحو شراء العقارات في شرق القارة بسبب العائد المغري للاستثمار هناك. وجاء الاقبال على عقارات هذه البلدان من مستثمرين أجانب يسعون الى الاستفادة من النهضة الاقتصادية التي تمر بها الدول الاشتراكية السابقة والحديثة الانضمام للاتحاد الأوروبي. وقد ساعدت حكومات شرق ووسط أوروبا سوق العقارات في بلدانها عبر تسهيل قيود وبيروقراطية تصاريح البناء وعقود البيع والشراء، كما سّهلت أيضا الحصول على القروض العقارية من المصارف. ولكن رغم هذا التسهيل يحذر الخبراء من أن قدرا لا بأس به من البيروقراطية والقيود لا يزال موجوداً. وتعتبر بولندا من أكثر الدول الأوروبية الشرقية التي جذبت انتباه المستثمرين العقاريين، إذ بلغت نسبة زيادة الأسعار فيها خلال العام الماضي 33 في المائة. وأوضح تقرير أصدره مؤخراً «المعهد الملكي البريطاني للمساحين العقاريين» أن بولندا حققت أيضا ارتفاعاً في عام 2005 بلغت نسبته 28 في المائة، أي أن عقاراتها زادت بأكثر من 60 في المائة خلال عامين فقط. وتبلغ مساحة بولندا 120.7 ألف ميل مربع ويصل تعداد سكانها إلى 40 مليون نسمة. وهناك 6 مدن كبرى لكن الاستثمار الأجنبي يتركز في العاصمة وارسو وفي المراكز الثقافية التاريخية مثل مدينة «كراكو» ومدينة «وروكلاو» في الجنوب الغربي المشهورة بوفرة العمالة الماهرة فيها وخطوط المواصلات المتصلة بألمانيا. أما في وارسو فهناك سوق ضخم للإيجارات، خلقه العدد الكبير من موظفي الشركات الدولية ذوي المرتبات العالية. فقد انجذبت الشركات الدولية للمدينة تحت إغراء الحوافز الضريبية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لبولندا. ومثال على ذلك فإن المبنى الضخم الذي كان في العهد البائد قصراً للثقافة الستالينية الشيوعية ومضاء طول الليل، يجاهد الآن كي يحتل مكاناً بين ناطحات السحاب البولندية الحديثة. وستنضم إلى تلك الناطحات قريباً بناية «زلوتا 44» التي تضم 251 شقة فاخرة تشّكل مجمعاً سكنياً يضم روضة أطفال وحماما صحيا وحديقة على السطح. وتبدأ أسعار الشقق في مثل هذه البنايات الحديثة، التي تستهدف الأثرياء ورجال الأعمال، من 874 ألف دولار للشقة ذات الـ3 غرف نوم. كما تروج شركة «أوكرو» التي بنت أفضل فندق في بولندا (حسب تقديرات مجلة فوربس) لشقق فاخرة في مناطق ثرية من العاصمة للراغبين في مساكن راقية في وسط المدينة. وفي الوقت الحالي هناك حوالي 17 مشروعاً كبيراً لمبانٍ فاخرة في وارسو، أكبرها مشروع «مايستكزو ويلانو» في ضاحية «ويلانو» العتيقة. والمبنى الآن قيد التشييد ومن المقرر أن تكتمل المرحلة الأولى منه في سبتمبر (أيلول) المقبل، بينما تكتمل آخر شقة ـ من أصل 8 آلاف شقة ـ في عام 2012.

أما الشقق الرخيصة ذات المستوى المتواضع التي كانت تعتبر عصب سياسة الإسكان الشيوعي في الماضي راحت تختفي بشكل مطرد نتيجة للطلب العالي على الشقق متوسطة المستوى أو الفاخرة. وبينما زادت أسعار العقارات في بولندا بنسبة 33 في المائة خلال العام الماضي، إلا أن معدل دخل الفرد لا يزال ضعيفاً يتراوح في حدود 7.893 دولار مقارنة بـ 23.448 دولار في بريطانيا مثلاً. لذا فقد دفعت الزيادة الحادة في أسعار العقارت العديد من البولنديين للبحث عن عمل خارج بولندا من أجل توفير رأس المال اللازم لشراء مسكن في بلدهم. وتتضح المفارقات الضخمة بين الشقق الفاخرة وتلك الرخيصة في المثال التالي، حيث تعرض وكالة «ريدوتا» العقارية شقة من غرفة واحدة بمبلغ 682328 دولاراً، وهي تقع في المدينة القديمة جوار مجمع تجاري كبير ومتنزه مائي، بينما تعرض وكالة «نايت كونكس» شقة من غرفة نوم واحدة أيضاً بمبلغ 105052 دولاراً، وهي شقة ضمن مجمع سكني ضخم يحتل مساحة 17.5 هكتار ويُحاط بأنواع مختلفة من الأشجار وببحيرة جميلة تصب في قناة كليمازكا.

ولا شك في أن هناك ازديادا في عدد المنازل في بولندا، إلا أن الزيادة في العرض ما زالت بعيدة جداً عن تلبية الطلب المتزايد بشدة. ولا بد هنا من الاشارة أيضا إلى النقص المطرد في عدد سكان بولندا بسبب انخفاض معدلات الولادة وارتفاع معدلات الهجرة إلى الخارج، لكن رغم ذلك فمن المتوقع أن يزداد الطلب على شراء العقارات لأن البولنديين بشكل عام أصبحوا قادرين على شراء العقارات، بمن فيهم هؤلاء الذين هاجروا للعمل في دول أوروبا الغربية. من جهة أخرى، ينبغي على المستثمرين الأجانب الراغبين في شراء عقار في بولندا أن يكونوا قادرين على تحمل الإجراءات البيروقراطية المكثفة، إذ يجب على كل من لا يحمل الجنسية البولندية أن يتقدم بطلب للحصول على موافقة من وزارة الداخلية أو أن يكون مستعداً لتأسيس شركة أو شراء العقار عن طريق شركة بولندية. لكن شراء شقة أسهل كثيراً من شراء منزل لأن المنزل يتطلب ملكية حرة للأرض. ويقول هنري ويلكز، رئيس فرع شرق ووسط أوروبا في شركة «سافيل» العقارية إن على الراغبين في شراء عقار في بولندا توقع المصروفات التالية: رسوم لوكالة العقارات تبلغ 3 في المائة من قيمة العقارات، ورسوم محام مقدارها 285 دولارا أو نسبة واحد في المائة من العقار الذي تزيد قيمته عن 18 الف دولار. كما على المشترين دفع 10 في المائة من قيمة العقار مقدماً (عربون) ثم دفع الباقي عند اكتمال العقد. أما الضرائب فقيمتها 5 في المائة من سعر البيع، ثم رسوم محكمة بغرض التسجيل تبلغ 2 في المائة من سعر البيع أيضاً. وفي حالة إعادة البيع فقد تصل الرسوم الضريبية إلى 10 في المائة لأي عقار يُعاد بيعه خلال 5 سنوات إلا إذا كان البائع سيستثمر العائد في شراء عقار آخر داخل بولندا.

لكن المستثمرين الأجانب عادة ما يدفعون نسبة الـ 10 في المائة العربون نقداً ثم يموّلون بقية المبلغ من دخل الإيجار الشهري للعقار. أما البولنديون فيلجأون للقروض من المصارف العقارية التي انتشرت في بولندا في السنوات الخمس الأخيرة. وقبل أن تلتحق بولندا بالسوق الأوروبية كان معظم المشترين المحليين والأجانب يشترون العقارات نقداً. لكن اقتصاد بولندا تحول إلى اقتصاد السوق مع انهيار الحكم الشيوعي. وتوج هذا التحول في عام 2004 بانضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي. وتستخدم بولندا حوالي 60 في المائة من مساحتها للزراعة، لذا أضحى القطاع الزراعي أهم أعمدة الاقتصاد، الذي ينقصه الاستثمارات والاصلاح. وأهم المنتجات الزراعية هي الحبوب، البطاطس، الشمندر السكري، الخضروات والفاكهة. من المتوقع أن تصبح بولندا أهم منتج زراعي في الاتحاد الأوروبي خلال الأعوام القادمة. كما تملك البلاد ثروة حيوانية ضخمة، بالاضافة إلى الفحم بأنواعه والرصاص. وأهم الصناعات هي بناء السفن وتكرير النفط، والورق، والمنسوجات، والصناعات الكيميائية والالكترونية. وتجذب المدن البولندية مئات الآلاف من السياح سنوياً. وتعد بولندا بلداً مهماً في ما يتعلق بالتجارة والنقل بين شرق وغرب أوروبا، وبين البلقان وشمال أوروبا. وهناك شبكة طرق برية كبيرة لكن تنقصها الطرق السريعة. وأهم الموانئ البحرية هي غدانسك وشتاتشن وغدينيا. وأخيراً يعد معدل النمو في أسعار العقارات في بولندا من الأعلى بين الدول الأوربية. ويتوقع سافيل ودافيد ستابس، وهما اقتصاديان مرموقان في المعهد الملكي البريطاني للمساحين العقاريين، أن يتواصل النمو في السنوات القليلة المقبلة «لأن سعر الفائدة منخفض، كما لا توجد مشكلة تضخم باعتبار أن بولندا غير منضمة لليورو».