القاهرة: حفلات إطلاق المشروعات العقارية الفاخرة.. «بيزنس» وتسويق وأغراض أخرى

ظاهرة موروثة عن تجار السيارات الكبار

ظاهرة تسويق العقارات عبر الحفلات تنتشر في مصر («الشرق الاوسط»)
TT

"حفلة إطلاق". هذا هو أحدث مصطلحات التسويق العقاري في السوق المصري، والتي ظهرت في الآونة الأخيرة مدفوعة بدخول الشركات العربية متعددة الجنسية. من الطبيعي ألا يتوقف الخيال التسويقي عند نقطة بعينها في عالم قال عنه رجل الأعمال المصري المعروف فريد خميس ذات مرة انه يشهد وفرة في المعروض من كل السلع والخدمات وحتى الصواريخ ، لكن ظهور "علامة" تسويقية جديدة عادة ما يلفت الانتباه ويثير نقاشات حول جدواها وأهميتها وجودة تنفيذها.

ويلاحظ مراقبو الأسواق ان اعتماد حفلات الإطلاق كآلية تسويقية للمشروعات العقارية الكبرى بصفة خاصة جاء في أعقاب دخول الشركات العربية إلى المجال العقاري واشتداد التنافس بينها وبين الشركات المصرية. والمثير أن أول حفلة رغما عن ذلك كانت لشركة مصرية مملوكة لرجل الأعمال هشام طلعت مصطفى الذي كان شريكا لفترة طويلة للأمير الوليد بن طلال وكان قد استعان فيها بالمطرب العراقي كاظم الساهر وحضرتها حرم الرئيس، وذلك للترويج لمشروع "سان ستيفانو" بالإسكندرية.. فإلى أين ستذهب هذه الوسيلة وما العائد الحقيقي منها وإلام ستفضي؟. ورث عالم العقارات عمليات الإطلاق في مصر من موزعي السيارات الكبار، لكنه أضاف إليها ان جعلها أكثر إبهارا وإثارة ، باجتذاب شخصيات ذات صيت عالمي، سواء كانت غنائية أو رياضية أو اجتماعية، تلقى قبولا شعبيا فى ذات الوقت، لجعل السلعة التي تروج لها الحفلة كما يقول اللبنانيون "مهضومة كتير". وقد قامت مجموعة شاهين صاحبة مشروع "سيرينيا" الموجه لأغنى أغنياء العالم في سهل حشيش بالبحر الأحمر بدعوة المطربة اللبنانية نانسي عجرم والمطرب الاميركي "ليونيل ريتشي" والموسيقار عمر خيرت الذي أعد وعزف مقطوعة موسيقية باسم "سيرينيا" على اسم المشروع، وأقام محمد شفيق جبر رئيس شركة "اعمار مصر"، قبل التخرج مع اعمار الاماراتية، حفل إطلاق كبير للترويج لمشروع "مراسي" في الساحل الشمالي.

وبرغم ذلك فإن مصر ما زالت تحبو فى هذا الاتجاه وقد تفوقت دول الخليج خاصة، "دبي" في هذا النشاط بجدارة من حيث "التكنيك" وحجم الإنفاق، ويكفى أن "داماك " عندما أطلقت سلسلة "البنتهاوس" الفاخرة في شهر ابريل (نيسان) الماضي قامت بدعوة عارضة الأزياء ايفانا ترامب التي أطلقت قبل ذلك مشروعا عقاريا وسط العاصمة اللبنانية حمل اسم "لاريزيدنس من ايفانا ترامب" لنفس الشركة. وقبل ذلك عمد الإماراتيون إلى تمليك المشاهير في الوحدات قيد التسويق كأداة تسويقية، لكن هذا النوع لم يصل إلى مصر بعد على الأقل طبقا للمعلن.

وتستخدم الشركات العربية أسماء المصممين العالميين للمباني وملاعب الغولف وحمامات السباحة والبوابات والأسوار أيضا كأحد عناصر التسويق ويقل نسبيا في مصر أيضا اللجوء إلى ذلك.

وذكر أستاذ التسويق وإدارة الأعمال حاتم قابيل إن التطور والابتكار حركة دائمة في مجال الرباعية المعروفة في علم التسويق بـ 4Pوعناصرها هي المنتج والتوزيع والترويج والتسعير، مشيرا إلى أن حفل الإطلاق ربما ينتهي تأثيره قبل انتهائه، لذلك يحرص القائمون عليه على دعوة الصفوة المستهدفة لحضوره مدركين ان تأثير وجودها سيتجاوز قيام أفراد من الحاضرين بانتقاء وحدات لشرائها، ويبقى أن الأهم خدمات ما بعد البيع، لزيادة الثقة بين صاحب المشروع وعملائه من الشريحة المستهدفة.

ولفت قابيل إلى أن التركيز على الترويج أكثر من العناصر التسويقية الأخرى، يتوقف على الجمهور المستهدف ومدى احتياجاته، فمثلا دعوة المشاهير من السياسيين وعارضي الأزياء ولاعبي الكرة فكرة ترويجية جيدة وفعالة إذا كانت هذه الشريحة مستهدفة للترويج المباشر. والمعروف ان هناك أهدافا مختلفة للشراء فهناك من يشتري لأنه يرى ان ذلك هو المكان الذي يتعين عليه بحكم وضعه الاجتماعي ان يكون فيه، وآخرون يريدون السكنى بجوار المشاهير، ويلعب خليط من عوامل المنفعة والسعي إلى "البرستيج" (المكانة المتميزة) وتبادل المصالح دورا في أساس السعر في مثل هذه المشاريع.

وأوضح من جانبه باهر سلامة، رئيس مجلس إدارة شركة "ايدار" العقارية، ان حفلات الإطلاق تسعى لترويج ما يقارب من 15% من إجمالي وحدات المشروع أثناء الحفل، وهى مكلفة لكن قياسا إلى عائدها للمشروعات الفاخرة فإنها وسيلة مقبولة ومطلوبة وفى بعض الحفلات يتم بيع المشروع كاملا، ويقول ان المنظومة الدعائية للمشروع - الحفل أحد مفرداتها - تتكلف من 4 - 8% من القيمة الإجمالية للمشروع.

وعلق عادل البنداري، رئيس إحدى شركات العلاقات العامة، بأن العبرة ليست بصرف مليون دولار على حفلة أو استقدام مشاهير إنما بتحديد الرسالة والجمهور المستهدف بدقة وعناية لتكون النتيجة ايجابية، وضرب مثالا بإقامة أحد البنوك في منطقة الخليج حفل إطلاق قدم فيه عرضا لشريط فيديو استمر 4 دقائق فقط مع عناصر إخراج فني وموسيقى مثيرة للدهشة ومبهرة، وفي صباح اليوم التالي ارتفعت أسهم البنك في البورصة بنسبة 15%!.

ويفضل البنداري استخدام "أنشطة تسويقية" أخرى أعم وأشمل من حفلة الإطلاق الترويجية، ولكن باهر سلامة يعود ليقول إن بعض هذه الحفلات يكون مجالا لإبرام اتفاقيات بين صاحب المشروع والمستثمرين يبيع بمقتضاها المتر بسعر خاص لرواد الحفل منهم، وبعد شهرين يتم فتح الباب للجمهور بزيادة 20%، والرهان هنا ان الزيادة، خاصة في فترات الرواج العقاري، ستحدث بالضرورة بعد تداعيات حفل الإطلاق والقصص التي ستنشر أو تشاع عنه، وأكد أن الحفلات بصفة عامة نقطة بداية العمل الحقيقي لجميع العاملين في المشروع، لأن وجود هذه الصفوة في مشروع أنت الذي سينفذه أو تعمل فيه يمنح دفعة قوية، كما أن الحفل يكون مؤشرا سوقيا على قوة واسم الشركة. على الصعيد نفسه تتبع بعض الشركات تقاليد غريبة لاجتذاب أكبر عدد من العملاء مثل الذي قامت به شركة "الحبتور" عند إطلاق السيارة الجديدة "ميتسوبيشي غالانت" - 170 حصانا، إذ أحضرت إلى ساحة العرض 170 حصانا حقيقيا بلون أسود وتم استقبال ضيوف الحفل بقاعة مستوحاة من معمار إسطبل الخيول. فما هو يا ترى نوع الابتكار التسويقي أو الإطلاقي الذي يمكن أن تشهده المشروعات العقارية الكبرى مستقبلا؟.

مبدئيا يقول أحد الخبراء ان "العلامة" المقبلة هي إقامة قاعات عرض شديدة الفخامة ومتخصصة وعرض نماذج حقيقية للفيلات والوحدات التي ستباع واللعب على أرقام ادوار الأبراج بعمل تحف فنية أو ديكورات تجسد هذا العلو أو مقلوب البرج أو فكرة المشروع نفسه، وربما عقد لقاءات بين المصممين والاستشاريين خلال حفلات فنية باذخة وبين راغبي الشراء من كل مكان في العالم وبواسطة الـ "فيديو كونفرانس". ويؤكد سلامة أن عصر حفلات الاستقبال كوسيلة لإطلاق أي مشروع، سواء كان عقاريا أو غير عقاري قد انتهى، وبالطبع لدى خبراء التسويق أكثر من هذا بكثير فالسباق بين الصحافي وبين المسوق الحداثي محسوم في هذه الناحية للأخير.