أسعار المنازل في لندن تنخفض.. ومؤسسات الإقراض تراجع شروطها والحذر والترقب يسيطران

أزمة الرهون العقارية الأميركية تطرق باب بريطانيا

المؤسسات المالية في لندن ستعيد ترتيب اوراقها الخاصة بالقروض العقارية («الشرق الاوسط»)
TT

يتساءل الخبراء منذ فترة عن مصير سوق العقار البريطاني بعد سنوات طويلة من الازدهار المعبر عنه في ارتفاع الاسعار وتضخمها بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ بريطانيا الحديث. وفيما كانت الكثير من العلامات تشير الى وجود سوق قوي ومتطور مرتبط بحركة انتقال الاموال الخارجية والاغنياء، خصوصا في العاصمة لندن، ظل البعض يشكك في امكانية استمرار السوق على هذه الوتيرة ويراهن على مواجهة مرحلة من الركود او التصحيح بعد رفع البنك المركزي معدل الفائدة العام خمس مرات لكبح جماح التضخم، وتقلص حجم المتوفر من العقارات سنويا على المستوى الوطني. ولكن لم يخطر على بال أحد ان يواجه العالم أزمة كالأزمة الحالية في الاسواق بسبب كارثة الرهون العقارية العالية المخاطر في الولايات المتحدة، ولذلك بدأت التساؤلات الآن حول مدى تأثير الازمة الحالية على حركة السوق العقاري وطبيعة هذا التأثير الذي يصعب تفاديه كما سيحصل في كل اسواق العالم قاطبة.

وقد بدأت بوادر تأثر سوق العقار البريطاني بما يجري في الاسواق العالمية بمراجعة المؤسسات المالية البريطانية حسابتها بشأن معدلات الفائدة التي تمنحها على القروض وتشديد الإجراءات على الاشخاص الذين لا يتمتعون بتاريخ ائتماني جيد.

كما اظهرت ارقام مؤسسة "رايت موف" ان اسعار المنازل في لندن تراجعت بنحو 30 الف جنيه استرليني (58 الف دولار) عما كانت عليه الشهر الماضي. ويعود هذا التراجع كما يبدو الى حاجة الناس لبيع منازلها بأسعار اقل قليلا مما كانت تتوقعه قبل ازمة الرهون العقارية الاميركية. واوضحت "رايت موف" أن اسعار المنازل تراجعت بنسبة 0.1 في المائة عما كانت عليه الشهر الماضي، وأن المنازل المعروضة للبيع في بريطانيا اصبحت تستغرق وقتا اطول من الماضي لتصريفها والتخلص منها، وأن ما يحصل ليس الا علامة على اتجاه السوق نحو وتيرة تصاعدية هادئة بعد سنوات من الارتفاع الجنوني والتضخمي للأسعار. وقد تراجع سعر المنزل في شرق لندن في تاور هاملت التي يبلغ معدل سعر المنزل فيها 404 آلاف جنيه بنحو 30 ألف جنيه (58 الف دولار) وهي اعلى نسبة تراجع في لندن، وفي الشمال ككامد تاون التي يبلغ معدل سعر المنزل فيها 662 الف جنيه ( 1.3 مليون دولار ) بنحو 26 الف جنيه (50 الف دولار)، وبرنت بنحو 19.3 الف جنيه وهامرسميث وفولهام بنحو 17.4 الف جنيه، وكينزينغتون وتشلسي بنحو 14 الف جنيه، اما هاكني وريتشموند بنحو 5 آلاف جنيه.

كما اكدت بعض المؤشرات العقارية، ان معدل سعر المنزل في لندن تراجع من 400 الف جنيه (780 الف دولار) الى 394 الف جنيه (768 الف دولار) ، ويتوقع ان يتواصل التراجع في الأشهر القليلة المقبلة.

ويقول ميلز شيبزايد المدير التجاري لمؤسسة "رايت موف" الخاصة بحركة الاسواق العقارية البريطانية، :" التراجع في الاسعار عبارة عن تحذير مبكر بأن بعض الاقتصادات عرضة لتأثيرات قوى السوق حتى ولو كانت قوية كاقتصاد لندن.. وان مكانة لندن الدولية تعني ان الاسعار ستقاوم على المدى البعيد الا إذا اثرت الازمة الحالية للاسواق العالمية على معدل البطالة او تحصيل الثروة سلبا".

اما روزماري كاليندار عن بنك "نيشنوايد" فقد حذرت في حوار مع "الشرق الاوسط" من الاخذ الحرفي بتقرير "رايت موف" قائلة: "ان التقرير يعتمد في استنتاجاته على وجهة نظر اصحاب العقارات. كما يجب التذكر اننا في فصل الصيف وعادة ما تهدأ حركة السوق في هذه الفترة، كما ان التقرير يتعاطى مع شهر واحد لا فترة زمنية طويلة يمكن من خلالها تقييم الاسعار بشكل اصح". وتوضح الاقتصادية فيونولا ايرلي من "نيشنوايد " بشكل عام قائلة: "تمكنت اسعار المنازل فصليا من الارتفاع بنسبة 1 في المائة في يوليو (تموز) وهو ابطأ نمو للأسعار منذ ابريل (نيسان) عام 2006. وقد ادى هذا الى تراجع معدل التضخم على اسعار العقارات 9.9 في المائة بعد ثلاثة اشهر من الارتفاعات.. ووصل معدل سعر المنزل في البلاد 184 الف جنيه (360 الف دولار) أي بزيادة لا تقل عن 16 الف جنيه عن العام الماضي.. الملاكون اصبحوا تحت ضغوط مالية كبيرة، ولذا يتوقع ان تتراجع نسبة الإنفاق الاستهلاكي في النصف الثاني من هذا العام. وأن التراجع في معدلات التضخم العقارية دليل على تردد الزبائن الجدد الدخول في السوق وسط معدلات عالية للفائدة وتراجع كبير في نسبة الادخار الى 2.1 في المائة وهي اقل نسبة تشهدها بريطانيا منذ الستينات".

كما اكدت بعض الهيئات البريطانية المصرفية ان ارتفاع معدل الفائدة العام ولاول مرة خلال ست سنوات الى 5.75 في المائة قد اثر قليلا على حركة السوق وحجم القروض العقارية الموافق عليها. وقد حصل تراجع من 5.5 مليار جنيه منحتها المصارف كقروض في يوليو (تموز) العام الماضي الى 4 مليارات جنيه الشهر الماضي.

وأدى ارتفاع معدل الفائدة الى زيادة 160 جنيها استرلينيا (312 دولارا) شهريا على مدفوعات اصحاب المنازل التي تصل قيمة قرضها 200 الف جنيه.

هناك مخاوف من قبل الخبراء بأن تؤثر أزمة الاسواق المالية العالمية المدفوعة بأزمة الرهون العقارية العالية المخاطر في الولايات المتحدة، على حجم العلاوات المالية التي يتلقاها سنويا موظفو الوسط التجاري وتصل احيانا الى 10 مليارات جنيه(20 مليار دولار). وعادة ما تحرك هذه العلاوات السوق العقاري في لندن والمدن الاخرى بداية كل سنة أي بعد تلقي الموظفين مكافآتهم. وذكر فيليب اينمان في صحيفة الغارديان ان الازمة الائتمانية التي سببتها قضية الرهون العقارية العالية المخاطر، بدأت تتطرق باب الاسواق البريطانية وخصوصا العقارية منها.

وجاء في تقرير اينمان انه يتوقع ان ترتفع اسعار القروض العقارية لعدد كبير من الزبائن خلال الاسابيع القليلة المقبلة في محاولة من قبل البنوك والمؤسسات المالية المقرضة لاستيعاب وامتصاص آثار الأزمة التي سببتها القروض العقارية الممنوحة لأفراد ذي تاريخ ائتماني سيئ في الولايات المتحدة. ويقوم عدد من البنوك بالإضافة الى الكثير من المؤسسات المالية حاليا بإعادة تسعير منتجاتها المالية وخصوصا القروض العقارية. ويتوقع الخبراء ان تطال الزيادة أولا اسعار قطاع القروض العقارية ذات المعدلات الثابتة للفائدة والتي عادة ما تكون طويلة الامد، رغم ان حجم الزيادة على الاسعار سيعتمد على كل مؤسسة مالية اقراضية على حدة.

وعلى الارجح ان تتأخر المؤسسات المالية حاليا بعرض منتجاتها حتى تنقشع الغيمة في الاسواق والبورصات العالمية وتتبين كلفة القروض التجارية.

وعلى الارجح ان يتأثر المشترون الجدد واصحاب التاريخ الائتماني السيئ، من ارتفاع معدلات الفائدة العامة على القروض العقارية اكثر من غيرهم من الزبائن. وقد لجأت المؤسسات المالية الاسبوع الماضي الى رفع سعر القروض الخاصة بأصحاب التاريخ الائتماني السيئ بنسبة 1 في المائة وربما ستلجأ هذه المؤسسات الى زيادات اخرى على معدلات الفائدة تفاديا للخسائر الجمة التي خلفتها ازمة الرهون العقارية العالية المخاطر.

ويقول سايمون روبينسون عن هيئة المساحين الملكية في بريطانيا بهذا الصدد: "رغم ان سوق العقار لا يزال قويا، فإن الفوضى في الاسواق المالية ستؤدي الى زيادة سعر القروض العقارية ذات معدلات الفائدة الثابتة وبالتالي إبطاء حركة سوق العقار".

وتقول الاقتصادية فيونولا ايرلي في هذا الإطار: "بالنسبة الى عواقب ازمة الرهون العقارية العالية المخاطر على سوق العقار البريطاني سنرى تأثيرا مباشرا على اسعار تمويل اسواق الجملة التي لا بد لها من الارتفاع وسنرى تشديدا من قبل المقرضين على شروط الاستقراض، وخصوصا الذين يعتمدون على تمويلات هذه الاسواق. بأي حال فإن بنك انجلترا لن يجازف برفع جديد لمعدل الفائدة العام إذا ما شعر ان مثل هذا النوع من التطورات ستؤثر على الحركة الاقتصادية في الوسط التجاري في لندن".

ومع هذا فإن بعض البنوك المعروفة في بريطانيا مثل "آبي ناشونال" و"اللاينس اند لاستر" و"نوريتش" تفكر في خفض معدلات الفائدة لديها على بعض المنتجات المالية والعقارية رغبة في استغلال الاوضاع في الاسواق وتثبيت اقدامها فيه على حساب البعض الاخر من البنوك.

وعلى صعيد آخر، فقد ارتفع حجم القروض العقارية في بريطانيا من 5.4 مليار جنيه في يونيو (حزيران) الى 5.7 مليار جنيه في يوليو (تموز) الماضي. ووصل حجم القروض العقارية عامة الى 34.4 مليار جنيه. ويعود ذلك الى محاولة بعض المستقرضين تجنب التورط في قروض ذات معدلات عالية للفائدة العامة كما هو متوقع حصوله في المستقبل القريب، رغم اتجاه البنك المركزي في لندن الى عدم اضافة أي زيادة على معدل الفائدة العام تأقلما مع ازمة الرهون العقارية الاميركية.

لكن ما يعزز هذا التوجه، أي رفع جديد لمعدل الفائدة العامة، هو ارتفاع معدل اسعار المنازل السنوي في بريطانيا بنسبة 12.8 في المائة بين يوليو واغسطس (آب) أي بزيادة 2.5 في المائة عن نفس الفترة من العام الماضي.