بعد طفرة استمرت 10 سنوات هل انتهى «عُرس إسبانيا العقاري»؟

الاسعار تتراجع بنسبة 25 % في بعض المناطق

جانب من احد الاحياء الحديثة البناء في اسبانيا («الشرق الاوسط»)
TT

أعلن بنك اسبانيا المركزي مؤخراً أن اسعار العقارات الاسبانية ارتفعت بنسبة 270% منذ عام 1997. لكن، وبعد عشرة أعوام من الانتعاش العقاري في أسبانيا، التي كانت تُعتبر القبلة الأولى للأوروبيين، بدأت الأسعار في الانخفاض منذ الربع الثاني من هذا العام. ويعود السبب في ذلك إلى كثرة المعروض من الشقق والفيلات التي تراجعت أسعارها في بعض المناطق بنسبة 25%. وللتدليل على ذلك فقد شهدت اسبانيا بناء 800,000 منزل جديد في العام الماضي وحده، أي أكثر من عدد المنازل التي بُنيت في فرنسا وألمانيا وإيطاليا مجتمعة، وهي أيضاً أكثر من عدد المنازل التي بُنيت في بريطانيا بأربعة أضعاف. ليس هذا فحسب، بل ان عدد المنازل تحت التشييد حالياً والتي ستُسلم لأصحابها بنهاية هذا العام يبلغ 600,000 منزل، أي نحو 1.5 مليون منزل جديد في عامين فقط. وشهد عام 2004 وحده تشييد 180 الف وحدة سكنية على سواحل اسبانيا الجنوبية. وتعد الحكومة لاستقبال مليون وحدة سكنية جديدة في منطقة "كوستا بلانكا" وحدها خلال السنوات العشر القادمة. وتوضح الصور الفضائية أن المساحات المأهولة في اسبانيا قد زادت بنسبة 25% خلال السنوات العشر الماضية، كما أن ثُلث الساحل الأسباني على البحر الأبيض المتوسط أصبح مرصوفاً بالمباني. ويقول أندرو لوبتان، من وكالة "ستاكس" العقارية، إن تراجع الأسعار يبدو أكثر وضوحاً في العقارات القريبة من البحر، حيث تحوّل شريط الشاطىء في جميع أنحاء اسبانيا إلى غابة اسمنتية خلال السنوات العشر الماضية. وكان عددٌ من الاقتصاديين وخبراء العقارات قد حذر من أن عمليات البناء المكثفة في اسبانيا ستؤدي إلى انهيار الأسعار اذا تواصلت بنفس الوتيرة التي سارت عليها طوال السنوات الماضية. وكانت هذه الطفرة العقارية قد بدأت عندما اكتشفت اسبانيا أن هناك اقبالاً كبيراً من الأوروبيين على عقاراتها، وأن الطلب يفوق كثيراً العرض، الأمر الذي أصبح بمثابة اكتشاف كنز جديد فدخلت البلاد في فورة بناء (خصوصاً حول الشواطىء حيث يكثر الطلب) لم تخرج منها حتى الآن. وقال لوبتان "للحق، فقد كانت تلك الطفرة العقارية أساسية في النمو الاقتصادي الكبير الذي شهدته اسبانيا خلال العقد الماضي. أما الآن فيبدو أن معادلة العرض والطلب قد بدأت تختل، وأن على اسبانيا وقف مبانيها الجديدة... ولو لحين." وأضاف أن الأسعار قد انخفضت في جميع عقارات أسبانيا،الرخيصة منها والغالية، بنحو 10 إلى 20 في المئة.

وأكدت هذا الانخفاض باربره وود، من وكالة "بروبرتي فايندرز"، الموجودة في مقاطعة أندلوسيا (الأندلس) قائلة إنها طلبت من جميع أصحاب المنازل المعروضة للبيع لدى وكالتها أن يخفّضوا اسعارهم بنسبة 25% إن أرادوا أن تُباع هذه العقارات. واوضحت أن تكدس الشقق والمنازل غير المُباعة يتركز في منطقة الشواطىء مثل: شاطىء "كوستا ديل سول" وشاطىء "كوستا دي لا لوز" وشاطىء "كوستا تروبيكال". وأضافت أنها اشتمت رائحة المشكلة (كثرة المعروض) منذ بداية العام الماضي، وعلمت أن الأسعار ستتراجع كثيراً خلال هذا العام. وأشارت إلى أن كثرة البناء أصبحت بدون تفكير أو تخطيط "كما لو أن شركات المقاولات تسعى إلى أخذ أكبر حصة من الكنز قبل أن يفنى. لذا فحتى شكل المباني اصبح قبيحاً ورخيصاً ومشكوكاً في مستوى جودته لأنه يتم على عجل. كما أن المناظر الطبيعية الجميلة التي اشتهرت بها اسبانيا وكانت أصلاً سبباً في اقبال الأوروبيين علينا، قد استُبدلت الآن بغابات من البنايات بحيث لا ترى شيئاً من النافذة غير مزيد من المباني، وليس البحر والأشجار كما كان في الماضي." وحتى على مستوى الفيلات الفاخرة البعيدة عن تكدس البنايات العالية المزدحمة، فيقول جيمس ستوارت، من وكالة "سوتوغراند" العقارية، إنه من بين 35 فيلا معروضة للبيع منذ العام الماضي بأسعار لا تقل عن 5 ملايين دولار، فقد بيعت منها 5 فيلات فقط. ومن جانبها تقول باربره وود إن أسعار الفيلات الفاخرة انخفضت بسبب قلة الطلب عليها مقارنة بالعرض. فالفيلا التي كانت تبلغ العام الماضي 4.1 مليون يورو (نحو 5.8 مليون دولار) انخفضت الآن الى 3.7 مليون يورو. وأضافت أن منزلاً كان معروضاً للبيع بـ 1.25 مليون يورو لكن صاحبه قبل عرضاً في نهاية الأمر بـ 950 الفاً.

ورغم أن هذا الانخفاض قد شمل غالبية مناطق اسبانيا فقد نجت منه بعض العقارات خصوصا في المدن الكبيرة، مثل "سافيل" و"برشلونة"، حيث لا تُوجد مشاريع بناء جديدة بينما يزيد الطلب والاقبال على المدينة. ويتوقع السماسرة أن تشهد هذه العقارات ارتفاعاً محدوداً تدريجياً. وبشكل عام تقول باربره وود إن ااأسبان يجب ألا يصبحوا متشائمين لأن تراجع الأسعار هذه المرة لا يشبه الانهيار الذي حدث في بداية التسعينات والذي كان سببه انخفاض الطلب على العقارات الأسبانية، أما هذه المرة فالطلب لا يزال عالياً لكن المشكلة أتت من اغراق السوق بالمباني الجديدة (1.5 مليون منزل في عامين). لذا فإن تصحيح الوضع يقع في أيدي الاسبان أنفسهم، وليس في معطيات السوق. وأشارت إلى أن انخفاض الأسعار في حد ذاته قد يُشعل موجة جديدة من زيادة الطلب بسبب الباحثين عن غنائم في سوق منخفض. وتعود الطفرة العقارية في اسبانيا خلال السنوات العشر الماضية الى عدة أسباب من بينها التوسع العمراني، وكذلك ارتفاع دخل الأفراد ومستوى معيشتهم. لكن السبب الأقوى هو الاستثمار الأجنبي الذي رأي في أسبانيا جنة على الأرض من حيث جمال الطبيعة والطقس المعتدل فضلا عن الأرباح الكبيرة التي يمكن تحقيقها. ومن بين المستثمرين الأجانب جاء البريطانيون على القمة، إذ بلغت نسبتهم من إجمالي مشتريات العقارات في اسبانيا العام الماضي 42%. وحالياً يملك أكثر من نصف مليون بريطاني عقاراً في اسبانيا، بينما يعيش نصف هذا العدد في اسبانيا والنصف الآخر في بريطانيا لكنه يستفيد من دخل الايجار. ولا يزال كثيرٌ من سماسرة العقارات الأوروبية يعتقدون أن الاستثمار في اسبانيا يحقق هدفين للمستثمرين: المتعة والترفيه، بالاضافة الى العائد المادي المجزي. لكنهم يشيرون الى ضرورة اختيار الموقع بعناية لأنه ليس صحيحاً أن أي عقار في اسبانيا سيحقق ربحاً بالضرورة. فمنطقة "كوستا ديل سول" الساحلية التي تعني "شاطئ الشمس" تشهد إقبالاً كبيرا من الأوروبيين ربما لأنها ترتبط بحركة طيران كثيفة. فسهولة الانتقال الجوي عادة ما تكون عاملاً أساسيا في انتعاش العقارات في منطقة أو بلدة معينة. ومن المناطق السياحية أيضا "مالاغا" و"بنالمدينة" و"توريمولينوس" و"نرخا" و"ميخاس" و"إستابونا" التي شهدت توسعاً عمرانياً كثيفاً بسبب الاقبال عليها. وقد أطلق البعض اسم "فلوريدا أوروبا" على اسبانيا تشبيهاً لها بولاية فلوريدا في الولايات المتحدة والمعروفة أيضا بالاقبال عليها بسبب طقسها المعتدل في خليج المكسيك. ونتيجة لهذه الموجة المعمارية فقد اصبح قطاع الإنشاء يشكل 16% من إجمالي الناتج المحلي في اسبانيا. وبشكل عام فإن إجراءات شراء العقار في اسبانيا سهلة وغير معقدة، لكنها مكلفة بعض الشيء، إذ تصل الى 10% من قيمة العقار. فعلى المشتري دفع ضريبة للدولة تبلغ 7% من قيمة العقار، بالاضافة الى 0.5% رسوم محلية، وأيضا تكاليف المحامي والرسوم الادارية الأخرى. وبمجرد التوصل الى اتفاق بين البائع والمشتري على سعر معين يدفع المشتري 5% من قيمة العقار كعربون حتى موعد انهاء الاجراءات وتوقيع العقد النهائي. واذا تراجع المشتري عن الصفقة فيحق للبائع الاحتفاظ بالعربون، أما اذا تراجع البائع فيلزمه القانون الاسباني بدفع 10% من قيمة العقار للمشتري المتضرر. كما ينصح سماسرة العقارات بضرورة اتمام الشراء عبر مكتب محاماة وليس عن طريق الاتفاق المباشر بين البائع والمشتري. فالقوانين الاسبانية المتعلقة بملكية الأرض وشروط البناء تتغير من حين الى آخر، كما أن المحامي يطلعك على خطط المجلس المحلي بشأن أي تعديلات في خدمات الكهرباء أو الصرف الصحي أو الطرق والشوارع التي يمكن أن تؤثر مستقبلاً على وضع وقيمة عقارك. وتتمتع اسبانيا بسجل قومي يدعى "ريجسترو دي بروبيداد" يوضح الملاّك الحقيقيين لأي عقار. لكن سماسرة العقارات ينصحون المستثمرين الأجانب بضرورة الاطلاع عبر محامِ على جميع الوثائق المتعلقة بالعقار الذي ترغب في شرائه، وذلك للتأكد من خلوه من أي موانع قانونية او نزاع بين الورثة أو الشركاء. لكن الشيء المهم في العقود الاسبانية والذي لا بد من الانتباه له فهو بنود مذكرة البيع الأولية حيث كثيرا ما يحاول البائعون تعطيل بعضها خصوصا البند الذي يمنح المشتري 10 ايام يُسمح له خلالها بتغيير رأيه. وتسمى هذه الفترة "فترة سماح" الهدف منها التأكد من أن المشتري لم يكن في حالة نفسية أو عقلية مضطربة عندما قدم عرضه للشراء. كما أنها أيضا تمنح المشتري مهلة للتأكد من صحة قراره بالشراء.