تعديلات ضريبية بريطانية لتشجيع الاستثمار العقاري.. ومزادات الإيجار لمن يدفع أكثر

أهمها رفع قيمة الأصول المعفاة من ضرائب الميراث إلى 1.2 مليون دولار

العوائد الايجارية ترتفع على الرغم من خمول اسعار العقار (تصوير: حاتم عويضة)
TT

في الوقت الذي كان يطالب فيه معهد الإدارة البريطاني بإلغاء حافز ضريبي حيوي على الاستثمار العقاري في بريطانيا لمساواة الاستثمار في العقار بالاستثمار في الاسهم، جاء مشروع الميزانية البريطانية الجديد بحوافز اضافية للمستثمر العقاري. فبالاضافة الى امكانية خصم الفوائد المصرفية من العوائد عند حساب الضرائب، انخفض معدل ضريبة القيمة المضافة من 24 الى 18 في المائة فقط للعقارات بعد استمرار الملكية لمدة تسع سنوات.

وسوف تفيد هذه الخطوة غير المتوقعة اسواق العقار المترنحة في الوقت الحاضر التي تعاني من سلبيات بالجملة دفعت العديد من اصحاب العقارات الاستثمارية لعرضها للبيع للتخلص من اعبائها. ففي الشهور الاخيرة تآكلت العوائد بسبب ارتفاع الفوائد وتراجعت فرص التمويل الى درجة ان بعض العقارات تغطي بالكاد تكاليفها. كما ان السوق مجمدة سعريا في المدى المنظور بسبب ازمة الديون العقارية الاميركية، بما يجعل انتظار تحسن الوضع العقاري عملية عالية المخاطر.

وكان من الحوافز الاخرى التي اضافتها الميزانية مضاعفة قيمة الاصول المعفاة من ضرائب الميراث الى 600 الف استرليني (1.2 مليون دولار)، الامر الذي يشجع على الاحتفاظ بالاستثمارات العقارية التي كانت تتعرض في الماضي الى ضرائب باهظة قيمتها 40 في المائة فوق معدل 300 الف استرليني. ويشجع هذا التعديل ايضا على الاحتفاظ بالعقارات الموروثة وتأجيرها بدلا من الاضطرار الى بيعها سدادا للضرائب المستحقة عليها.

وتقول شركات العقار ان السوق تغيرت معادلاته بحيث أُصيب مستثمرو العقار الهواة بالذعر واقبلوا على بيع عقاراتهم بالجملة، في الوقت الذي يستمر فيه المحترفون في الشراء. ويقدّر المحترفون ان الخوف من انهيار اسعار العقار يدفع الكثيرين الى الايجار وتأجيل قرار الشراء حتى تتضح الامور. ويوجد هذا الوضع طلبا اضافيا على استئجار العقار وانتعاشا لمعدلات ايجاره. ويعتبر مستثمرو العقار ان الوضع الحالي فرصة لرفع عوائد العقار، حيث ارتفعت الايجارات بنسبة 10 في المائة على الاقل هذا العام في بريطانيا وفقا لاحصاءات شركة "سافيل". وتتوقع الشركة زيادة مماثلة في العام المقبل.

وتواجه بريطانيا نقصا في العقارات المعروضة للايجار، وبنسب تصل الى 17 في المائة وتزيد في قطاع البيوت كبيرة الحجم ذات الثلاث او الاربع غرف نوم. وتشير احصاءات شركات العقار ان تجديد التعاقدات الايجارية انخفض بنسبة 7 في المائة نظرا لان اصحاب العقارات يفضلون انهاء التعاقدات واعادة التفاوض بمعدلات اعلى. ولجأت احدى الشركات في وسط لندن الى تقديم الشقق الصغيرة المعروضة للايجار في مزايدة للمستأجرين للايجار لمن يدفع سعرا اعلى، وهو اسلوب غير معهود في سوق الايجار اللندني، وكان مطبقا في السبعينات حينما كان العثور على عقار شاغر من الامور النادرة.

وتفسر شركات العقار هذه الظاهرة بأنها احدى سمات سوق عقاري متراجع. فحينما يخشى المستثمر من تراجع الاسعار ويحجم عن الشراء، يرتفع الاهتمام بسوق الايجار كبديل مؤقت حتى تستقر احوال السوق. ولا يعرف احد بعد طول الفترة التي تستمر عليها الاحوال المضطربة في اسواق العقار، وان كانت تقديراتها تتراوح بين ستة اشهر وست سنوات.

من بين المنتظرين لاستقرار احوال السوق بعض الذين باعوا عقاراتهم للاستفادة من الاسعار العالية ولجأوا الى الايجار كبديل للتسرع في الشراء. ويعتقد هؤلاء ان الايجار الآن يوفر اختيارات متعددة ونوعية جيدة من العقارات بأسعار لا تزيد الا قليلا عن فوائد القروض المصرفية في حالات الاقتراض لشراء العقار. وهناك زيادة في عدد الشقق ذات الغرفتين المتاحة للايجار. ولكن اسعار الايجار لم تتراجع حتى في هذا القطاع. ويصل ايجار الشقق ذات الغرفتين الى حوالي الف جنيه استرليني شهريا خارج لندن، بينما المبلغ نفسه لا يكاد يغطي ايجار شقة ستوديو داخل لندن.

وينصح الخبراء باجراء بعض العمليات الحسابية للعوائد والتكاليف قبل الاقبال على الاستثمار العقاري في الوقت الحاضر، نظرا لان احوال السوق تتغير بسرعة مع عدم وضوح في الرؤية للعوامل المؤثرة اكثر من غيرها في الاسواق. فشركات بيع العقار الجديد تقدم حاليا عروضا تبدو مغرية من حيث ضمان الايجارات في العام الاول بعد الشراء. ولكن هذا لا يعني بالضرورة ان هذه العقارات الجديدة مربحة او ان معدلات الايجار المعلنة يمكن المحافظة عليها في المدى المنظور. فشركات العقار لا تذكر كل الحقيقة احيانا فيما يتعلق بكيفية حساب الاسعار وتقدير الايجارات.

وتقدم بعض شركات العقار صورة وردية عن العوائد وتغفل ذكر بعض التكاليف، بحيث يبدو الاستثمار العقاري وكأن ارباحه مضمونة وهي ليست كذلك. والطريقة الوحيدة التي يمكن التأكد بها من جدوى الاستثمار في الظروف الحالية هو ان يحسب المستثمر حساباته بنفسه. وهي ليست عملية صعبة على الاطلاق، وتعتمد على ثلاث معادلات:

اولا – حساب نسبة العائد او الريع العقاري ويكون بقسمة قيمة العائد السنوي على قيمة العقار وضربها في 100. وعند حساب قيمة العائد يجب خصم بعض التكاليف من قيمة الايجار، وهي تشمل فوائد القرض العقاري ورسوم شركة تأجير العقار واي رسوم مفروضة على العقار والتأمين على العقار وتكلفة الصيانة وتجديد المنقولات في العقار. ويمكن ايضا حساب التكلفة على مالك العقار سواء كانت تكاليف السفر للعقار او تكاليف اي اعمال صيانة يقوم بها بنفسه بدلا من تكليف عمال بها. وفائدة حساب نسبة العائد تكمن في اتاحة فرصة المقارنة بين الاستثمار العقاري من ناحية وبين ايداع رأس المال في حساب توفير مصرفي. فاذا كان سعر الفائدة على المدخرات اعلى، فلماذا الاقبال على الاستثمار العقاري لو كانت اسعار العقار ثابتة او متراجعة في المدى المنظور؟

ثانيا – حساب اجمالي التكلفة المطلوبة في الاستثمار العقاري. ويخطئ البعض في اعتبار ان هذه التكلفة هي ثمن العقار فقط، فهناك العديد من التكاليف الاضافية مثل تكلفة تدبير التمويل او الرسوم المصرفية والتكاليف القانونية وضرائب شراء العقار وتكاليف المسح العقاري واحيانا تكاليف تجهيز العقار بالمنقولات. وبعد حساب هذه التكلفة يعرف المستثمر حجم الاقتراض الذي يلزمه وهنا عليه ان يقرر نوع القرض الذي يحتاجه. وبصفة عامة هناك اسلوبان للتمويل احدهما يتيح دفع الفوائد فقط والابقاء على اصل المبلغ حتى نهاية فترة الاقتراض، والثاني هو بتقسيط كامل المبلغ على فترات طويلة. ويفضل معظم مستثمري العقار الاقتراض بدفع الفوائد فقط. والاجابة التي يقولها مستثمرو العقار لدى سؤالهم عن تفضيل هذا الاسلوب من الاقتراض هي "لماذا يتعين علي ان ادفع اصل المبلغ، انني اربح من اموال مقترضة. فاذا كنت احقق عوائد قدرها 10 في المائة على اموال مقترضة بنسبة ستة في المائة، فلماذا ادفع اصل المبلغ لتوفير الستة في المائة؟" وعند الاقتراض لا بد من البحث جيدا عن افضل العروض التي تقدمها البنوك في هذا القطاع، وهو يختلف قليلا عن قطاع التمويل العقاري لاغراض السكن الشخصي.

ثالثا- حساب نسبة نمو رأس المال: وهي سعر البيع مطروح منها التكاليف القانونية والضرائب وتكاليف الشراء. وهنا يجب الانتباه الى عامل الضرائب لان البعض يعتبر ان الفارق بين سعري الشراء والبيع يمثل نسبة نمو رأس المال. وتختلف الضريبة بين حالة واخرى وتصل في بريطانيا في حدها الادنى الى 18 في المائة، وقد ترتفع في بعض الحالات الى 40 في المائة. ولا بد من الاشارة الى ان مجال الاستثمار العقاري لم يعد مجالا سهلا كما كان في النصف الاول من العام، فقد ارتفعت تكاليف الاقراض وزاد تشدد البنوك في مد القروض العقارية الى قطاعات كبيرة في السوق كما حددت نسبة قصوى لا تزيد عن 80 في المائة لتمويل شراء العقارات الاستثمارية. وليس من المتوقع ان تزيد نسبة قطاع الاستثمار بغرض التأجير عن معدلها الحالي الذي يصل الى 10 في المائة بعد ان كان لا يتعدى ثلاثة في المائة قبل خمس سنوات.

وتقول احصاءات هيئة شركات تأجير العقار البريطانية ان 67 في المائة من المستثمرين حققوا نسبة خمسة في المائة من العوائد او اقل في العام الاخير. وهذا يعني ان هؤلاء لا يغطون الآن تكاليفهم بعد وصول اسعار الفائدة الى اعلى من 5.5 في المائة الا في حالات رفع الايجارات.

والاستنتاج الوحيد من اوضاع السوق في الوقت الراهن هو ان البقاء اضحى للمحترفين فقط، بينما الهواة الذين لم يحسنوا ادارة استثماراتهم من حيث هوامش الربح والتكلفة وجدوا انفسهم في مواقف صعبة اضطروا معها الى بيع عقاراتهم والخروج من السوق. وتقول خبيرة العقار جوليا هايس من شركة "موني فاكتس: "إن بعض قطاع التأجير البريطاني يماثل وضع قطاع العقار الاميركي المنهار من حيث سحب عروض التمويل ورفع تكاليف الاقراض.

ولان مستثمري العقار يعتمدون على تصاعد قيمة الاصول العقارية لتحقيق الارباح، فانهم مع ارتفاع التكاليف وتراجع اسعار العقار يكتشفون ان استراتيجيتهم اصبحت فجأة غير مضمونة العواقب. ولكن المتمرسين في الاستثمار العقاري يعرفون ان موجات التراجع واردة وانها غير مستمرة على المدى البعيد، ولذلك فهم باقون في السوق حتى نهاية المرحلة الصعبة.

* نصائح لمستثمري العقار في مرحلة الاضطراب > ضرورة التزام المرونة وتجنب التكاليف المرتفعة > لا بد من اجراء الابحاث على الاسواق التي يجري فيها الاستثمار والحديث مع الخبراء المحليين للعثور على افضل انواع العقار المرغوبة للمستأجرين ضمن الامكانات المالية المتاحة.

> لا بد من سرعة الحركة بحيث يمكن بيع او شراء العقار والانتقال الى استثمار آخر وقت الحاجة، والتزام المرونة للتعامل مع متغيرات السوق.

> اختيار الموقع بدقة بحيث يكون قريبا من المواصلات العامة ومنافذ السلع والخدمات.

> تجنب التكاليف المرتفعة باختيار العقارات التي لا تتطلب رسوم صيانة لحدائق واسعة، حيث المساحات المشتركة لا تهم كثيرا الساكنين.

> لا بد من التميز في تقديم العقار باختلاف عن العقارات المماثلة سواء كان بالديكور الداخلي او اللمسات الفنية التي تجلب الطلب على العقار.

> لا بد من اختبار شركة العقار التي تتعامل معها لتسويق وتأجير عقارك، وذلك بسؤال المستأجرين عن نوعية الخدمة ومتابعة امورهم بالتوازي مع الشركة.

> اختيار المستأجرين الذين يريدون الاستئجار لفترات طويلة لانهم في العادة يحرصون على العقار اكثر من المستأجرين المؤقتين. واحرص على ان يتضمن التعاقد امكانية تعديل الايجار.

> ابحث عن المستأجرين التابعين لشركات بحيث تدفع الشركات الايجار لمستخدميها، فهؤلاء يوفرون نسبة ضمان اعلى.

> من الافضل فرض ايجارات اقل قليلا من معدل السوق عن معدلات اعلى من السوق، فهذا الوضع يتيح لك اختيار الساكن الملائم للعقار.

* ونصائح للمستأجرين أيضا:

> للعثور على العقار الجيد لا بد من توسيع دائرة البحث لتشمل الى جانب شركات العقار كلا من مواقع الانترنت والمطبوعات المحلية والسؤال المباشر لاصحاب العقارات.

> لا تستعجل في التعاقد واترك لنفسك فرصة بعض الوقت لبحث احوال السوق ونسبة توافر العقارات المختلفة وافضل الاختيارات المتاحة لك ضمن ميزانيتك.

> تجول في المنطقة التي تريد السكن فيها وتأكد ان بها الخدمات التي تريدها وانها منطقة تشعر فيها بالامان.

> استعد بتوفير خطابات توصية من اصحاب عقارات سابقين يعرفونك وتعاملوا معك، فهي تسهل لك مهمة استئجار العقار بالتفضيل على غيرك.

> تفاوض بقوة للحصول على تعاقد مناسب لك، خصوصا فيما يتعلق بقيمة الايجار مع طلب الفترة التي تريدها وليست الفترة التي يريدها مالك العقار. وسوف تكون فرصتك افضل كلما كان التعاقد على فترة اطول.