143 مليار دولار قيمة المشاريع العقارية في منطقة الخليج العام الماضي

90 مليار دولار منها في دبي والإمارات

مستثمرون ينظرون الى مجسم لمشروع عقاري جديد اطلق في معرض «سيتي سكيب» في دبي (تصوير: جاك جبور).
TT

واجه قطاع العقارات في منطقة الخليج خلال المراحل الاولى من الطفرة التي انطلقت قبل اكثر من خمس سنوات وتحديدا من امارة دبي، عثرات عدة تتعلق بشفافية المشروعات والتمويل والقوانين الى درجة بروز ظاهرة خداع ونصب ادت الى الحاق خسائر فادحة بمستثمرين في الامارات والسعودية وغيرهما نتيجة قيام بعض المطورين العقاريين المزعومين ببيع الوهم على الخريطة للضحايا. وفيما يدخل هذا القطاع الاستراتيجي والحيوي مرحلة النضج خاصة في الامارات التي قادت طفرة النمو لتنتشر كالنار في الهشيم في انحاء منطقة الخليج، يتنادى الكثيرون الى المطالبة بشفافية اعمق للتعاملات والاطر التي تحكم هذا القطاع لحماية المستثمرين من مطورين ومستثمرين على حد سواء اولا واستقطاب الاستثمارات الخارجية الضرورية لإدامة نمو القطاع ثانيا. من احدث هذه الدعوات ما قاله محمد القرقاوي وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الاماراتي الاسبوع الماضي الذي طالب بضمان مزيد من الوضوح في القوانين العقارية في المنطقة للمحافظة على زخم تدفق الاستثمارات الخارجية للقطاع العقاري.

وقال القرقاوي "قطعنا خطوات واسعة عبر منطقة الشرق الأوسط لتبرز باعتبارها من الأسواق العقارية الرائدة القادرة على اجتذاب مستثمرين من مختلف أنحاء العالم"، مؤكدا على أن دعم استمرار تدفق هذه الاستثمارات يتطلب في المقام الاول ضمان المزيد من الوضوح في القوانين العقارية من خلال العمل على إنشاء هيئات تنظيمية في هذا المجال على غرار مؤسسة التنظيم العقاري في دبي، والقانون السلطاني رقم 12/2006 في سلطنة عمان. وأسست دبي هيئة التنظيم العقاري هذا العام كما فرضت على شركات التطوير العقاري في اغسطس (آب) فتح حسابات ثقة لايداع مدفوعات المشترين للوحدات العقارية التي تسوقها هذه الشركات لضمان حقوق جميع الاطراف. وقال القرقاوي ان القانون رقم 8 لدائرة الأراضي والأملاك في دبي قد ساهم في جعل هذا القطاع أكثر أماناً وجاذبية للمستثمرين، والمطورين، والمستهلكين النهائيين. ويقابل هذا ايضا دعوات لانشاء مراكز احصائية متخصصة تراقب القطاع العقاري بصورة اعمق وأدق مما تشهده السوق حاليا من "فوضى احصائية". ويتبين مدى خطورة هذه الفوضى على السوق من تضارب الارقام الاحصائية التي تخص العرض والطلب على الوحدات السكنية والمكتبية في اكثر البقاع العقارية سخونة في منطقة الشرق الاوسط، أي دبي. ففي السنوات الثلاث الماضية كثر الحديث عن اقتراب انفجار الفقاعة العقارية في دبي ثم تلاه الحديث عن قرب انهيار اسعار العقارات التي تضخمت كثيرا فيها ومن ثم تأجيل هاتين "الكارثتين" الى ما بعد نهاية العقد الحالي بسبب تضارب الارقام والاحاديث عن سوق العرض والطلب وايهما يتفوق على الآخر. وتدور على ارض الواقع "معارك" حقيقية على شكل تصريحات وتصريحات مضادة يقابلها في الطرف الثاني عدم لامبالاه ظاهرية من مستثمرين ومطورين لا يملون من الاعلان عن اطلاق مشاريع جديدة وبمليارات الدراهم ايضا في ارض الامارات الواسعة (احدثها مشروع "مدن" في دبي لاند بقيمة 40 مليار درهم (11 مليار دولار) الاسبوع الماضي فقط). ومن اشد المعارك ضراوة في الوقت الحالي التي لا يمكن حسمها بسبب ضبابية المعلومات والبيانات الدقيقة والرسمية على الاقل معركة عرض وطلب الوحدات السكنية في دبي وتأثير ذلك على اسعار العقارات خلال العامين المقبلين.

ففي تقرير العام الماضي توقعت المجموعة المالية "هيرميس" ان تشهد سوق العقارات في الامارات موجة تصحيح سعري في العام الحالي نتيجة موجات بيع للوحدات السكنية بنهاية العام بسبب هبوط معدلات اشغالها مع دخول المزيد من الوحدات للسوق وخاصة في امارة دبي. ومع العدد الكبير من الوحدات السكنية التي سيتم تسليمها بين العامين 2007-2009، توقع البنك حدوث هبوط في معدلات إشغال العقارات بسبب عمليات البيع الكبيرة التي سيقوم بها من سبق أن اشترى دون تخطيط، مفضلاً البيع على المخاطرة بالاحتفاظ بمسكن فارغ في سوق ضعيفة نسبياً. وحذر البنك من ان يفرض هذا السلوك ضغوطاً تدفع نحو هبوط أسعار العقارات، ما ينتج عنه حركة تصحيحية للسوق في عام 2008، مع توقع البدء في انخفاض الأسعار قليلاً أواخر عام 2007.

الا ان تقديرات لشركة "استيكو" العقارية في دبي اشارت الى ان ارتفاع ايجارات الشقق السكنية في دبي بنهاية الربع الثاني تراوح بين 7.6% و 26%.

وقال مراقبون ان اسعار الوحدات السكنية بدبي شهدت ارتفاعا حادا بنهاية الربع الثاني من العام الحالي مقارنة مع اسعار العام الماضي.

وبلغ متوسط ايجار شقة من غرفة نوم واحدة في المدينة بنهاية الربع الثاني 89 الف درهم سنويا ومتوسط ايجار شقة من ثلاث غرف نوم في الفترة نفسها 158 الف درهم.

واظهرت البيانات ان اسعار ايجار الفلل شهدت ارتفاعا أكبر حدة في الفترة نفسها، حيث تراوح الارتفاع بين 7.7% و44.3.% خلال الفترة بين نهاية 2006 ونهاية الربع الثاني من العام الحالي.

وبلغ متوسط ايجار فيلا من غرفتي نوم في نهاية الربع الثاني 140 الف درهم سنويا وفيلا من 6 غرف 505 آلاف درهم سنويا. وقال خبراء ان اسعار الايجارات مرشحة لمزيد من الارتفاع خلال الفترة المقبلة في ظل ازدياد الطلب وقلة المعروض من الوحدات السكنية. وتشير ارقام الى ان التباطؤ المحتمل للقطاع العقاري في دبي قد يحدث بعد عام 2010، حيث من المتوقع ان يبلغ معروض الوحدات السكنية بحلول ذلك العام 175 الف وحدة أي اقل من الطلب المقدر بحوالي 181 الف وحدة.

وعاد البنك الاستثماري وعدل من توقعاته قبل شهر تقريبا حينما توقع في تقرير ان تبدأ اسعار العقارات بدبي بالهبوط التدريجي، ابتداء من عام 2009 لتصل الى ذروتها في عام 2012 متوقعا ان يبلغ معدل التراجع المجمع في ذلك العام 20%. وشهدت اسعار العقارات في الامارة ارتفاعات قوية خلال الاعوام الاربعة الماضية تجاوزت اربعة اضعاف اسعار الطرح الاصلية في بعض الاحيان. وقال تقرير للمجموعة المالية "هيرميس" إن عام 2009 من المفترض ان يكون عام الذروة في تسليم الوحدات السكنية وبالتالي من المتوقع ان تبدأ الاسعار بالهبوط في 2009 وان تصل نسبة الهبوط المجمع الى ما بين 15-20% بحلول 2011. وتوقع التقرير ان تتراوح نسبة ارتفاع اسعار العقارات في دبي العام الحالي بين 10-15% وما بين 5-10% في 2008 على ان تصل الاسعار للذروة في النصف الثاني من 2008 مع طرح مزيد من الوحدات السكنية في السوق. واعتبر التقرير ان التصحيح السعري المتوقع للعقارات في 2009 يعتمد اساسا على مدى سرعة تسليم الوحدات ومرونة الطلب المعتمد على الاسعار. وقال التقرير ان هبوط الاسعار سيزيد الطلب. ولاحظ التقرير ان تباطؤ تسليم المشاريع في موعدها يؤثر في التوقعات بالنسبة للعرض مشيرا الى انه تم تسليم 11 الف وحدة سكنية فقط خلال العام الحالي من اصل 57 الف وحدة كان من المفترض ان تكون جاهزة وان هذه الفجوة تخلق طلبا يفوق العرض بكثير. وقال التقرير: إن هذه الفجوة في المعروض جعلت المجموعة المالية "هيرميس" تعدل من توقعاتها بالنسبة لحجم المعروض من الوحدات السكنية للسنوات الثلاث الى الاربع المقبلة لتبلغ 25 الف وحدة لعام 2007 بكامله و64 الف وحدة في 2008 و 68 الف وحدة في 2009. وتوقع التقرير ان تبدأ اسعار الايجارات المرتفعة بالانخفاض في 2008 مع طرح وحدات سكنية جديدة في السوق. ولاحظ التقرير ان الطلب على الوحدات السكنية في دبي يتواصل صعودا مع نمو السكان بسبب الهجرة. وحافظ التقرير على توقعاته بأن يصل عدد سكان الامارة الى حوالي 1.9 مليون نسمة بحلول 2010 مقابل 1.4 مليون حاليا أي بمعدل نمو سكاني سنوي يبلغ 7.9% ومن شأن هذا النمو ان يرفع الطلب على الوحدات السكنية الى ما بين 45 - 50 الف وحدة سنويا.

إلا ان عادل الشيراوي الرئيس التنفيذي لشركة تمويل شراء المنازل "تمويل" الاماراتية قال ان بحثا أجرته شركته توقع أن تبلغ زيادة طلب العقارات السكنية على العرض في امارة دبي وحدها 37200 وحدة سكنية.

وذكر الشيراوي ان قطاع التطوير العقاري في منطقة الشرق الأوسط يحظى بمستقبل واعد، مدفوعا بارتفاع أسعار النفط من جهة، في حين يواجه العديد من التحديات الناتجة عن الأزمة الائتمانية العالمية من جهة أخرى. واشار الى ان معظم أسواق منطقة الشرق الأوسط لا تزال في مرحلة مبكرة من النمو والتوسع، حيث تجتذب رؤوس الأموال الكبيرة وتدفع المزيد من الخبراء والمحللين إلى الاهتمام بها. واشار خبراء إلى أن الشكوك بانخفاض مستويات الطلب بحلول عامي 2008 و2009 لا تستند إلى حقائق ملموسة.

واعتبر مهدي أمجد، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة"أمنيات القابضة" و"أمنيات للعقارات" أن النمو الاقتصادي الذي تحققه دبي واستقطاب قطاع العقارات موجات جديدة من المستثمرين، سيضمن إستمرار حالة عدم التوازن بين العرض والطلب في سوق العقارات خلال السنوات المقبلة. وربط أمجد تواصل نمو الطلب على الوحدات العقارية مع التوقعات التي تتحدث عن مضاعفة أعداد سكان دبي خلال السنوات الثماني المقبلة، رافضاً الأقوال التي تتحدث عن أن ما يعيشه سوق دبي هو مجرد فقاعة.

وأضاف: "الأشخاص الذين يسوقون لمقولة أن عامي 2008 و2009 سيشهدان نوعاً من التوازن بين العرض والطلب لا يدركون جيداً حقيقة سوق دبي، فهم يعتمدون على خبراتهم في الأسواق الأخرى التي لا تشبه أبداً السوق هنا". وأشار إلى أنه مهما يوفر السوق العقاري الآن من وحدات عقارية، فإنها لن تكون كافية للسنوات المقبلة.

الا ان منتقدين يرون بأن هناك نقصا واضحا في قدرة شركات المقاولات على تسليم المشاريع في الوقت المحدد. واعتبر مسؤول في شركة "ارابتك" التي تعتبر واحدة من اكبر شركات المقاولات في البلاد ان العائق الاكبر الذي يحد من طاقة شركات المقاولات في دبي هو نقص الاداريين وليس عمال البناء.

وحول طاقة شركات المقاولات في دبي في تسليم وحدات سكنية، قال مسؤول في "ارابتك": إن دبي تحتاج الى 150 الف وحدة سكنية سنويا بين 2007 و2009 فيما تبلغ طاقة التسليم الحالية 50 الف وحدة سكنية.

ووفقا لتقارير متعددة فقد بلغت قيمة المشروعات العقارية التي اعلن عنها في دبي والامارات خلال الاشهر الـ12 الماضية 90 مليار دولار فيما بلغت قيمة المشاريع العقارية في مجمل منطقة الخليج خلال العام الماضي 143 مليار دولار.