الأردن: الطلب على العقارات والاستثمار والتطوير العقاري يعود إلى نموه الطبيعي

1.9 مليار دولار قيمة استثمارات النصف الأول

قطاع العقارات الاردني يساهم جديا في النمو الاقتصادي العام («الشرق الاوسط»)
TT

أعدت شركة "أموال انفست" تقريرا هو الثاني من نوعه جاء لاحقا لدراسة سابقة كانت قد قامت بها الشركة العام الماضي وتناولت بها جوانب مهمة تخص النمو العقاري الكبير وما رافقه من قفزة كبيرة باسعار العقارات شهدتها المملكة الأردنية آنذاك مما زاد من اسعار العقارات الى اكثر من الضعف في بعض الاحيان . وتم تفسير ذلك - حسب تقرير العام الماضي - الى عدة عوامل كان اولها العامل السياسي واثره في منطقة الشرق الاوسط عموما والعراق خصوصا لما شهدت ساحة العراق من اضطرابات سياسية وامنية جعلت من الاردن ملاذا آمنا، اما ثاني هذه العوامل فهو العامل الاقتصادي المتمثل بقيام العديد من المستثمرين الخليجيين بضخ سيولة مالية عالية في الاردن، نتيجة لارتفاع اسعار النفط آنذاك الامر الذي جعل من الاردن بقعة استثمارية عقارية خصبة يسعى اصحاب رؤوس الاموال إلى الاستثمار العقاري فيها. وكان للعامل الديمغرافي اثر ملموس في هذه المعادلة كمفسر آخر للتوسع العمراني في الاردن حيث بلغ معدل النمو السكاني في عام 2006 ما نسبته 3.2 في المائة مما اثر ايجابيا في المخطط البياني للنمو العقاري في الاردن. وكان للسياسة المتبعة من قبل البنك المركزي الاردني والمتعلقة بخدمات التمويل العقاري المقدمة من البنوك وما لها من ايجابيات في تسهيل عملية التملك العقاري لاغلب شرائح المجتمع دور في هذه الظاهرة كذلك. وعلى الصعيد التجاري فقد تم تأسيس وانشاء عدد كبير من المراكز التجارية ومرافق التسوق من منطلق العمل على استيعاب المعدلات الاستهلاكية العالية للمجتمع الاردني عموما وللمغتربين الاردنيين والزائرين والمصطافين العرب القادمين الى الاردن خصوصا.

أما على المستوى الاقتصادي فقد رفع قطاع العقارات الناتج المحلي الاجمالي في الربع الاول من العام الحالي بما قيمته 8.74 مليون دينار حيث انعكس ذلك ايجابيا على الايرادات الحكومية التي شهدت زيادة نسبتها 14% عن ذات الفترة من العام السابق حيث كان المنبع الاساسي لهذه الزيادات هو الرسوم الناتجة عن عمليات تسجيل الاراضي المتزايدة لدى دائرة الاراضي والمساحة.

وحول اداء القطاع العقاري في الفترة السابقة، فقد شهدت دائرة مراقبة الشركات في وزارة الصناعة والتجارة في الاردن نموا في عدد من شركات الاستثمار والتطوير والانشاء العقاري المسجلة خلال السنوات السابقة. حيث كان للنمو العقاري الذي شهده الاردن دور مهم في تحفيز العديد من رجال الاعمال الاردنيين وغير الاردنيين للاستثمار في مجال التطوير العقاري باشكاله المختلفة عن طريق تسجيل الشركات التجارية في الاردن والتي وصل عددها في الربع الاول من العام الحالي الى 152 شركة استثمار وتطوير عقاري، مقارنة بـ 145 شركة تجارية سجلت في دائرة مراقبة الشركات في ذات الفترة من العام السابق. من جهة اخرى كان هناك نقص واضح في عدد الرخص والتصاريح الممنوحة للافراد والشركات للفترة الواقعة بين عام 2004 وعام 2005، الا ان المساحات التي منحت تراخيص وتصاريح بنائها وإنشائها كانت بازدياد مطرد في النصف الاول من عام 2007 مقارنة بالنصف الثاني من العام السابق. وفي مفارقة واضحة يلاحظ الامر ذاته على عقود بيع و شراء العقارات والمسجلة في دائرة الاراضي والمساحة خلال الاعوام الثلاثة السابقة حيث وصلت في النصف الاول من العام الحالي الى 494657 عقدا مسجلا لدى دائرة الاراضي والمساحة مقارنة بـ 433624 عقدا مسجلا لدى دائرة الاراضي والمساحة لذات الفترة من العام السابق، ومما يجدر ذكره ايضا ان مؤشر عقود بيع العقارات لغير الاردنيين شهد اتجاها تنازليا ابتداء من عام 2005 والذي تم تسجيل 1591 عقدا في نصفه الاول ليصل الى 965 عقدا فقط تم تسجيلها لدى دائرة الاراضي والمساحة في الفترة المماثلة في العام الحالي.

وبنظرة متعمقة في القطاع العقاري بشكل خاص نتحدث عن المواد الاولية اللازمة والداخلة في عملية الصناعات الانشائية. ان ما نسبته حوالي 90% من المواد الاولية الداخلة في صناعة الحديد يتم الحصول عليها بشكل اساسي من خلال استيرادها من تركيا والصين واكرانيا وغيرها، حيث ان اسعار هذه المواد في ازدياد مستمر نظرا للطلب العالمي الكبير على مادة الحديد.

من جهة اخرى تقوم شركات صناعة الحديد بالبحث عن بدائل للنفط كوقود اساسي لهذه الصناعة مثل الغاز وانتظار نتائج الدراسات وموافقة الحكومة على استخدام الصخر الزيتي حيث ان احتياطي الاردن من الصخر الزيتي يصل الى 40 مليون طن.

ومن المتوقع ان يصل الطلب على الحديد الى 700 الف طن لهذا العام في الوقت الذي يبلغ الناتج المحلي منه 570 الف طن فقط.

وبالحديث عن المواد الداخلة في الصناعات الانشائية فلا بد أن نتطرق لمادة الاسمنت التي زاد عليها الطلب بشكل ملحوظ في الفترة السابقة نتيجة لزيادة التوسع العمراني الذي واكب ورافق نمو القطاع العقاري الامر الذي ادى بدوره الى زيادة اسعارالاسمنت من 74 دينارا للطن الواحد في الربع الاول من عام 2005 لتصل في الربع الاول من العام الحالي الى حوالي 87 دينارا للطن الواحد، كما سيطرت شركة الاسمنت الاردنية على الاسمنت في السوق الاردني لما تتمتع به من عقد احتكارا لانتاج هذه المادة الاساسية في مجال الانشاءات، الا ان هذه السيطرة لن تدوم طويلا حيث ستكون المنافسة خلال العامين المقبلين على اشدها بين الشركات المنتجة للاسمنت كونه دخلت شركات جديدة مضمار المنافسة في صناعة الاسمنت الامر الذي سيعيد الاسعار الى مستويات تنافسية معقولة. وفي نفس السياق فقد أشارت شركة الاسمنت الاردنية لدى حديثها مع "اموال انفست" ان خططها التوسعية المتعلقة بمصانعها ستستهدف مصنع الرشادية اساسا واستبعدت مصنع الفحيص من خطط التوسعة، كما تأمل الشركة ان توسع نشاطها الانتاجي والتسويقي ليشمل الجمهورية السورية في المستقبل القريب. وقد استخلصت "اموال انفست" لدى لقائها مع الشركة ان سعر الطن الواحد من الاسمنت قد يصل الى 100 دينار مع حلول عام 2009 وسيرتبط بشكل اساسي بالسعر العالمي للنفط والتضخم في الاقتصاد العالمي.

وتناول التقرير ايضا اسعار الاراضي كأحد اهم العوامل التي تؤثر في اسعار العقارات حيث تشير الاحصاءات الى انخفاض عدد عقود بيع الاراضي داخل حدود محافظة العاصمة عمان في النصف الاول من هذا العام بنسبة 19% عن ذات الفترة من العام السابق، وفي الوقت ذاته زاد عدد عقود شراء الاراضي في المحافظات الاردنية الاخرى لترتفع بنسبة 15% في النصف الاول من هذا العام، مقارنة مع ذات الفترة من العام السابق. اما بالنسبة للمصادر الطبيعية كاسأس لنمو الصناعات الانشائية فإن الماء والطاقة يعدان مصدراً أساسياً. ويعي اصحاب القرار جيدا بأن الزيادة السكانية والنمو الاقتصادي يشكلان ضغطا متزايدا على مصادر المياه والطاقة، لهذا فقد تبنت الحكومة خططا مستقبلية شمولية لترشيد استهلاكهما، حيث تبنت الحكومه 58 مشروعا تتعلق بتوفير مصادر المياه، بحيث من المتوقع ان يصل الفائض الى 202 مليون سنتيمتر مكعب في عام 2022 اذا تم تطبيق جميع المشاريع المخطط لها. الشيء ذاته ينطبق على الكهرباء من حيث الاستهلاك العالي والتكلفة المتصاعدة المرتبطة بأسعار النفط العالمية، حيث تطمح الحكومة كذلك الى تنويع مصادر الطاقة الكهربائية، فقد قامت بتوقيع اتفاقيات استيراد الغاز الطبيعي مع مصر من خلال خط الغاز العربي الذي بدأ بالعمل عام 2003، وانشأت محطات توزيع للكهرباء في عمان و الزرقاء والعقبة التي من المتوقع ان تبدأ عملها في عام 2009. الى جانب آخر فإن القوانين والتشريعات المتعلقة بالاستثمار لعبت دورا اساسيا في تحريك القطاع العقاري، حيث تقوم مؤسسة تشجيع الاستثمار بتحسين المناخ الاستثماري من خلال تسهيل ترخيص المشاريع الجديدة وتقديم الاعفاءات الضريبية لها والترويج للفرص الاستثمارية المتاحة، حيث بلغت قيمة الاستثمارات المستفيدة من قانون تشجيع الاستثمار في النصف الاول من هذا العام 1352 مليون دينار (1.9 مليار دولار)، مقارنة مع 1456 مليون دينار (2 مليار دولار) لذات الفترة من العام السابق.والغني عن الذكر هو ان القطاع العقاري من القطاعات المهمة المستفيدة من هذا القانون، خاصة بما يتعلق بالاعفاءات الضريبية على المدى البعيد. وفيما يتعلق بمشاريع البنية التحتية، فقد قامت امانة عمان الكبرى بوضع خطط تطويرية من خلال المخطط الشمولي الذي سيمتد على مدى عشرين عاما المقبلة.

تم البدء بالمراحل الثلاث الاولى لذلك المخطط الشمولي وتتطلع الامانة في المرحلة الرابعة الى تنظيم اقامة المشاريع السكنية، حيث تتناول هذه المراحل في مجملها تطوير مناطق حيوية جديدة بعيدة عن مراكز الازدحام وتحديد مناطق اقامة وتشييد الابراج واعادة تنظيم الشوارع الرئيسية في العاصمة عمان، كما تطمح امانة عمان من خلال هذه المشاريع الى ضمان فصل المناطق الصناعية عن المناطق الحيوية من خلال تحديد مدن صناعية مثل سحاب والجيزة والقسطل لحماية المجتمعات المحلية من التلوث.بالنسبة للبيئة الاقتصادية، فكما هو معروف فإن الاقتصاديات المختلفة متفاعلة فيما بينها، فالطلب في جزئية اقتصادية ما تشجع العرض في جزئية اخرى. هذه الحقيقة قد تكون مدخلا اوليا لتفسير بدايات النمو العقاري عندما بدأ طلب حاملي الجنسية العراقية على العقارات السكنية في الاردن نتيجة الظروف السياسية والامنية التي يعاني منها العراق، ولذلك قام المغتربون الاردنيون - كردة فعل- بالاستثمار في مساكنهم الخاصة بالبلاد قبل ان تقفز اسعار العقارات كما هو كان متوقعا، جاء ذلك متزامنا مع انخفاض سعر صرف الدولار امام اليورو، الامر الذي ادى الى ارتفاع اسعار المواد الاولية الداخلة بالصناعات الانشائية. ذلك كله وتفاعل العوامل الاقتصادية فيما بينها أدى الى قفزة ملحوظة في اسعار العقارات. إن الحكومات تسعى الى ايجاد اقتصاد متوازن قائم على اداء متزن لجميع القطاعات ولا يقوم على نمو كبير بقطاع واحد على حساب القطاعات الاخرى. ان تنمية قطاعات اقتصادية اخرى كالقطاع الصناعي من خلال خطة تنموية شاملة لتعمل - جنبا الى جنب وبشكل متسق - مع القطاع العقاري يقوم برفع الناتج المحلي الاجمالي ومستوى التوظيف.

لكن الاقتصاد الاردني لا يزال تحت وطأة الدين الخارجي وعجز الميزان التجاري، مما يكبح جماح الخطط التنموية لهذه القطاعات، وسيبقى الامر كذلك اذا لم يتم اعادة صياغة السياسات الاستثمارية المعززة من مساهمة قطاعات الاقتصاد المختلفة في الناتج المحلي الاجمالي. على المنحنى السياسي لم تدخر الحكومة الاردنية جهدا للترويج عن الاردن كبقعة مستقرة سياسيا، الاستقرار السياسي والدعم الخارجي من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي جعل الاردن هدفا لرؤوس الاموال الباحثة عن الاستقرار والامان. هذا ومع تدفق المهاجرين من العراق عمدت الحكومة الاردنية - مدعومة بالجهات الخارجية - الى تعديل السياسات الاستثمارية للاستفادة من تدفق رؤوس الاموال الجديدة لرفع الاداء الاقتصادي على صعيد القطاع العام والخاص. وبحيث نستطيع القول ان العوامل الاقتصادية والسياسية كانت داعمة اساسية للنمو الذي شهده القطاع العقاري، حيث ان هذا النمو سرعان ما انعكس على اداء الاقتصاد الكلي للاردن، الامر الذي جعل من الاردن موقعا جاذبا للاستثمارت الخارجية. ونهاية فقد بدأت علامات الاستقرار تظهر على اداء القطاع العقاري ككل تزامنا مع استقرار الظروف المحيطة، فقد بدأ الطلب على العقارات والاستثمار والتطوير العقاري بالنمو بشكل طبيعي ومستقر.