رصد 555 مليون دولار لإقراض المستثمرين في الهند

باكستان سوقٌ عقاريٌ واعد بانتظار تطوير القوانين

يحاول سوق العقار الباكستاني اللحاق بالسوق الهندي من ناحية الانفتاح واستقطاب الاستثمارات ( «الشرق الاوسط»)
TT

إذا ما اردنا المقارنة بين سوق العقار الباكستاني وسوق العقار الهندي، نجد أن سوق العقارات هناك قد تفوّق على باكستان لأسباب مختلفة، لكن أهمها تخفيف القيود على الاستثمارات الأجنبية المباشرة منذ عام 2005. وتسمح القوانين الجديد للشركات الأجنبية بالدخول في شراكة مع مستثمرين محليين أو بتسجيل فروع محلية لها بشرط أن تبقى الأموال المستثمرة داخل الهند لمدة ثلاث سنوات. وتم رصد ما لا يقل عن 555 مليون دولار لمساعدة المستثمرين الحصول على القروض العقارية. اما على الجبهة الاخرى فيُقدر النقص في مساكن الباكستان بنحو ستة ملايين وحدة سكنية، الأمر الذي يدعو إلى الاعتقاد بأن الباكستان تمثل فرصة جيدة للاستثمار في سد الفجوة بين العرض والطلب. ونظرياً، فهذا هو نوع السوق الذي يبحث عنه عادة المستثمرون الأجانب لأنهم يعلمون أن الطلب يفوق العرض بكثير، وهي المعادلة المضمونة للربح.

غير أن الاستثمار في عقارات الباكستان ليس سهلاً، لأنه يواجه عدة مشاكل من بينها ضعف مردود الايجار، وقوانين الاستئجار المجحفة في حق المالك، والضرائب الحكومية المرتفعة. لكن الأهم من ذلك كله هو غياب التشريعات الواضحة التي تحدد ملكية العقار وتنظم سوق الاتجار في العقارات. ولأن الحكومة تعي هذه المشكلة فقد كلفت منذ عام 2005 هيئة سوق المال بوضع تصور تفصيلي لكل التشريعات المطلوبة لتنظيم سوق العقارات في الباكستان، خصوصاً نشاط الصناديق الاستثمارية الكبيرة. وبالفعل فقد شرعت الهيئة في عقد الاجتماعات والتشاور مع كلٍ من ملاّك العقارات ومكاتب السمسرة وصناديق الاستثمار والبنوك العقارية وكل من له مصلحة في هذا القطاع.

ولكن، لا يبدو أن توصيات الهيئة قد اقتربت من الانتهاء بعد، كما أن مسودة التشريعات والتوصيات المقترحة لم تتطرق إلى قضايا مهمة مثل: وضع المستثمرين الأجانب في ملكية صناديق الاستثمار العقارية، وأيضاً توزيع الأرباح خارج باكستان. ورغم أن المسودة الأولية التي أعدتها الهيئة تسمح للشركات الأجنبية بامتلاك حصة الأغلبية في مشاريع البنية التحتية والمناطق الصناعية والصناديق الاستثمارية العقارية إلا أنها في الوقت ذاته تشترط أن يُسجل العقار بأسم شريك محلي. كما أن القانون غامضٌ فيما يتعلق بتعريف "الشريك المحلي"، فهل مثلاً تستطيع شركة محلية - لكنها مملوكة للشركة الأم الأجنبية – أن تسجل العقار باسمها؟ فالقانون لا يقول صراحة إنها لا تستطيع، كما أنه لا يؤكد العكس. غير أن "مكاتب تسجيل الشركات" في كل من إسلام أباد وكراتشي ولاهور تسعى ما في جهدها لتقديم المشورة القانونية للمستثمرين الأجانب.

وإلى حين تنظيم وتطوير التشريعات العقارية في باكستان فإن المنفذ البديل المتوفر حالياً للمستثمرين الأجانب هو شراء أسهم في شركات للمقاولات - مثل "إعمار" الإماراتية – التي لها أعمال كبيرة داخل باكستان. وتتولى إعمار حالياً بناء مجمعات سكنية كبيرة قرب إسلام أباد تدعى "هايلاند أند كانيون فيوز"، وآخرى قرب مدينة كراتشي تدعى "بوندال" و"بودو" و"كريسنت باي". كما تملك "إعمار" فنادق في باكستان، وتسعى حالياً للدخول في مجال المحلات التجارية للتجزئة. وتسعى أيضاً شركة "هاميلتون برادشو" البريطانية إلى اقتحام سوق العقارات الباكستانية بمجرد أن ينجلي الوضع القانوني.

رغم ذلك فقد كانت أسعار العقارات ارتفعت كثيراً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وحرب الإرهاب التي تلتها، والتي كان للباكستان دورٌ مركزي فيها. ولأن تشريعات البلاد لم تكن مغرية للمستثمر الأجني، بينما كان المواطن العادي غير قادر على مواكبة الأسعار، فقد كان المستفيد الأول هم الباكستانيون المغتربون في أوروبا والولايات المتحدة والذين تبلغ أعدادهم بضعة ملايين. ويقدر بعض سماسرة العقارات المحليين أن هؤلاء المغتربين قد أدخلوا رؤوس أموال إلى الباكستان خلال السنوات الست الماضية تقدر بنحو 250 مليار روبيه (نحو 4.1 مليار دولار). لكن مكاتب السمسرة تتحدث الآن عن ركود في السوق يعتبره البعض حركة تصحيحية للارتفاع "غير المبرر" الذي شهدته السنوات الماضية، بينما يعتبره البعض الآخر مجرد هدنة قبل أن تعاود الأسعارارتفاعها. وفي كلا الحالتين فالشيء المؤكد هو أن هناك نقصاً في المباني السكنية، خصوصاً الحديثة منها، وأن ذلك النقص يمكن أن يتحوّل إلى مصدر كبير للاستثمار الأجنبي متى ما ترتب الوضع القانوني. ويُشار أيضاَ إلى أن ما يفاقم أزمة المساكن هو النمو السكاني السريع- الذي يبلغ معدله السنوي 2.4% ، وأيضاً الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن.

وبمقارنة الوضع مع الهند، فنجد أن سوق العقارات هناك قد تفوّق على باكستان لأسباب مختلفة، لكن أهمها تخفيف القيود على الاستثمارات الأجنبية المباشرة منذ فبراير ( شباط ) عام 2005. وتسمح القوانين الجديد للشركات الأجنبية بالدخول في شراكة مع مستثمرين محليين أو بتسجيل فروع محلية لها بشرط أن تبقى الأموال المستثمرة داخل الهند لمدة ثلاث سنوات، كما يُشترط أيضا حدٌ أدنى لمساحة الأرض أو العقار المُشترى كما سبق وذكرنا. وبالطبع فإن الشركات والمصارف الهندية نفسها لم تفت عليها الطفرة التي تمر بها بلادهم. لذا فقد أقام بنك "أتش دي أف سي" (أكبر بنك للقروض العقارية) بالتضامن بنك "ستيت بانك أوف أنديا" (أكبر بنك تجاري في الهند) صندوقا استثماريا لمدة 7 سنوات برأس مال يبلغ 10 مليارات روبية (نحو 255 مليون دولار)من أجل اقراض المستثمرين المحليين الراغبين في الاستثمار في سوق العقارات. كما أن أحد أكبر البنوك الهندية أيضا خصص 250 مليون دولار لصندوق يستثمر في العقارات التجارية والسكنية.

ورغم ذلك، يتخوف بعض المستثمرين الأجانب من أن سوق العقارات في الهند لا يزال غير منظم وغير متطور من حيث القوانين التي تحمي المستثمرين. وفي هذا الصدد يشير جاغان بنغا، أحد المديرين في شركة "إنديا بولز" الى أن صفقة بيع مصنع "ألفينستون" تمت في المحاكم لأن المالك الأصلي للأرض - قبل أن تأممها الحكومة لتبني عليها مصنع النسيج – تحدى قرار التأميم في المحاكم وطالب بإعادة الأرض له بدلاً من بيعها في مزاد علني. ومن بين الفوضى القانونية أيضاً انه من غير الواضح ما اذا كان المستثمرون عبر صناديق الاستثمار مطالبين بدفع الضرائب.

لكن الملفت للنظر في الهند هو الاهتمام الكبير الذي بدأت تبديه شركات العقارات الأجنبية. فشركة "إنديا بولز" الهندية مملوكة بنسبة 60% من قبل شركة "فارلون كابتل مانيجمنت" الأميركية والتي تعمل في مجال صناديق الاستثمار المالية في سان فرانسيسكو وكانت الشركة الأميركية قد أغلقت العام الماضي صناديق استثمارية في الولايات المتحدة بقيمة 150 مليون دولار لتحوّل هذا المبلغ الى سوق العقارات في الهند. كما من بين كبار المستثمرين الأجانب الذين اكتشفوا السوق الهندي للعقارات هم: بنك "غولدمان ساكس" وبنك "ميرل لينش" ومجموعة "فيديلتي". وقد بلغ معدل الارتفاع السنوي في عقارات بعض المناطق في الهند مثل ضواحي دلهي ومومباي أكثر من 30%. ويعتبر تجار العقارات أن هناك سببين أساسيين يقفان وراء الطفرة العقارية في الهند، خصوصا في العقارات التجارية. السبب الأول هو التحوّل نحو الاقتصاد المفتوح والاستهلاكي، الأمر الذي زاد بشدة الطلب على بناء المحلات التجارية الحديثة ومراكز التسّوق ومراكز الترفيه والرياضة والفنادق. كما يعتقد البعض أن سوق تجارة التجزئية سينفتح أيضا أمام المستثمرين الأجانب بحيث تدخل شركات كبرى مثل "وول مارت"، ومن ثم تشعل بدورها الطلب على العقارات التجارية. والسبب الثاني يعود لكون الهند تتحول تدريجياً لكي تصبح مركزاً تجارياً إقليمياً، خصوصاً وأن الصورة العامة للاقتصاد الهندي تبشر بانتعاشة غير مسبوقة، الأمر الذي سينعش بدوره سوق العقارات على المديين المتوسط والبعيد. فقد تخطى الاقتصاد الهندي جميع التوقعات، إذ نما خلال السنوات الماضية بمعدل 8.4% متفوقاً على التوقعات الحكومية لنموه بمعدل 8.1%. وتعنى زيادة النمو الاقتصادي أن الهند تقترب من معدلات النمو الصينية التي تتراوح ما بين 9% و10%. ومع ازدياد ثروة سكان المدن نتيجة الانتعاش الاقتصادي، أصبحت هناك وفرة في السيولة النقدية للإنفاق على السلع الاستهلاكية والإسكان والعقارات.