بورصة العقارات في بغداد تتنفس الصعداء.. والمهجرون يرفضون بيع عقاراتهم بأسعار متدنية

تكاليف البناء داخل العراق تتضاعف 3 مرات

TT

عادت بورصة بغداد العقارية لتتنفس الصعداء، إذ بدأت عمليات بيع وشراء وعرض واستئجار فعلية بعد أن توقفت بشكل كامل خلال العشرة أشهر الماضية، بشكل اضطرت معها مكاتب وشركات وسماسرة الى بيع وشراء الدور بتغيير مجال عملهم. ان ظاهرة البيوت المشاعة من الظواهر الغريبة التي بدأ التعامل بها بعد أحداث التهجير الجماعية التي قادتها الجماعات المسلحة لأسباب طائفية في اغلب مناطق بغداد، والتي بدأت معها حركة انتقال سكانية ضخمة جدا بين مختلف مناطق العاصمة بغداد. ولهذا صحت اغلب المناطق لتجد بيوتها من دون سكان بعد ان اصبحت مقرات واوكار للجماعات المسلحة أو بقيت على حالها أو أعطيت لعائلة نازحة من منطقة أخرى من دون مقابل، إذ كل ما على العائلة القيام به هو اثبات انفسهم كمهجرين وإنهم من نفس الطائفة التي تنتمي اليها الجماعة المتنفذة.

بعض العائلات وصفت الجماعات المسلحة بأنها ارحم من غيرها فسمحت لها بنقل أثاثها وتأجير البيت لكن بمبلغ 100 ألف دينار أي 70 دولارا أمريكيا، وهو مبلغ زهيد جدا مقارنة بالأسعار التي سادت قبل الأحداث والتي وصلت إلى 700 دولار شهريا في المناطق الحديثة. وهنا كانت الـ100 ألف دينار محط اتفاق بين الجماعات المتناحرة فيجب تطبيق التعامل بالمثل فما يحصل عليه الشيعي مقابل بيته في السيدية مثلا سيدفعه ايجار لمواطن سني في شارع فلسطين، مع الأخذ بعين الاعتبار تفضيل العائلات البغدادية للنزوح خارج العاصمة وحتى لدول أخرى لأنها تعي أن أكثر المناطق المحمية وهي المنطقة الخضراء لا تسلم من الاستهداف والاعتداءات وبشكل مستمر، ولا توجد اسوار مسورة يمكن الاختفاء خلفها.

وحول هذه الظاهرة حاورت "الشرق الأوسط" عدنان الزبيدي صاحب شركة "الخضراء للعقارات" والذي أكد أن ما حدث لسوق العقارات في بغداد أشبه بالأزمة التي حدثت بسبب الوضع الأمني، وظاهرة البيوت المشاعة ليست قياسا للمرحلة الاستثنائية التي نمر بها، فهناك مناطق وصل حجم التهجير فيها أكثر من 80% مثل السيدية والبياع وحي العامل والغزالية ومناطق في جانب الرصافة من بغداد. وان اغلب العائلات التي تركت عقاراتها وما تحويه من أثاث ونزحت لمناطق أخرى اعتبرت الأمر خسارة وقدرا مكتوبا عليها، ولهذا نسبة قليلة فقط من هذه العائلات فكرت ببيع عقاراتها وخصوصا التي هاجرت لخارج العراق لكن بخسارة اكبر من تلك التي تحملتها عند تركها منازلها. أسعار العقارات في السيدية كانت تصل إلى أكثر من مليار دينار عراقي أي ما يعادل 700 ألف دولار عام 2004، وكانت تصل الى اكثر من ذلك في المناطق التجارية، لكن خلال الأحداث هبطت الاسعار إلى اقل من النصف بكثير فعرضت بـ400 مليون دينار، وعلى هذا الاساس لم يفكر الملاك بالبيع وتحمل أي شيء املا بالاحتفاظ بعقاراتهم بعد انتهاء ألازمة أو بيعه بنفس قيمته السابقة.

وأضاف الزبيدي ان البلاد -خلال الأسابيع القليلة الماضية – شهدت حركة نشطة من العرض والطلب على العقارات حيث عادت نسبة من السكان لبيوتها أو تمكنت من تفقد دورها وعرضها للبيع مقابل شراء عقار بديل في المناطق التي نزحوا اليها. أما الأسعار فتصاعدت تدريجيا وبحسب الوضع الأمني للمناطق، فدور السيدية مثلا تعرض الآن بأكثر من 600 مليون ومنطقة البياع ما بين 100 إلى 200 مليون دينار.

وتوقع الزبيدي أن تعود أسعار العقارات في بغداد الى سابق عهدها، بالرغم من وجود مشاريع بناء جديدة في هذا القطاع بسبب الانتعاش الاقتصادي العام للأفراد. ولأن تكاليف البناء الآن وبظل أسعار السوق هي أعلى من الجاهز بكثير، يفضل الزبائن الخيار الأخير. المهندس عمار النعيمي المتخصص بمشاريع بناء الدور، أكد في حديث لـ"الشرق الأوسط" انه غير نمط عمله من بناء الدور إلى المشاريع الحكومية، بعد أن تراجع عمله بسبب الأحداث الأمنية. وبين النعيمي أن الوضع الأمني هو جزء من المشكلة التي تسببت بها عوامل أخرى، من بينها تراجع معدلات توزيع الأراضي السكنية على المواطنين من قبل الدولة وضعف الادخار الفردي وارتفاع أسعار البناء. "ان اغلب المواطنين لا يستطيعون انجاز دورهم أو الشروع ببنائها لكون أسعار المواد تضاعفت ثلاث مرات عن العام الماضي فكان سعر الـ4000 طابوقة (قرميدة) مثلا لا يتجاوز 400 ألف دينار اما الآن فهي تباع بأكثر من مليون وهكذا الحال لسعر الاسمنت وحديد التسليح وأجور العمال وبالتالي فالمنزل الصغير الذي كنا نبنيه بـ20 مليون دينار اصبح يكلف الآن أكثر من 80 مليون دينار وكل هذا بسبب الاستيراد وعدم توفر الانتاج المحلي الذي لو أمنته الدولة أو القطاع الخاص بأسعار اقل سيكون عاملا في خفض التكاليف وزيادة في الإقبال على مشاريع البناء الفردية". أما بشأن المحافظات الأخرى فقد ادت تكاليف البناء المرتفعة الى زيادة الأسعار، لكنها وبحسب النعيمي أكثر نشاطا من بغداد بسبب الأوضاع الأمنية الهادئة وتوفر الأيدي العاملة.