خريطة طريق «للتعامل مع أسواق العقار المتراجعة»

المصادرات في بريطانيا سترتفع إلى أعلى معدل لها منذ 15 عاما.. و40% من المبيعات تحصل على الإنترنت

اختيار الموقع بدقة ضروري للحفاظ على قيمة العقار ( «الشرق الأوسط»)
TT

يتفق خبراء العقار على ان الانهيار العقاري غير وارد في المرحلة المقبلة في الاسواق الدولية نظرا لوجود طلب وسيولة في السوق. ولكنهم مع ذلك يرون ان المستقبل صعب مع وجود ازمة الرهن العقاري التي عصفت بأرباح البنوك وجعلتها اكثر حرصا في الإقراض. وهم يتفقون على ان السوق في الوقت الراهن هي «سوق المشتري» حيث يتعدد الاختيار وتتأرجح الاسعار بين الثبات والهبوط. وهو تغير جذري عما كانت عليه الاسواق منذ شهور قليلة حيث كان البائع يملي شروطه ويضع الاسعار التي تروق له.

ومن المتفق عليه ايضا ان ازمة الائتمان سوف تنعكس على الجميع بصورة او بأخرى، ولا سيما في سوق العقار. فالبنوك لم تعد سخية في تقديم قروضها وتستبعد من الاقراض هؤلاء الذين تقل درجة ملاءتهم المالية عن الحد المقبول. كما تفرض البنوك شروطاً قاسية في التكاليف واحيانا تفرض اسعار فائدة اكثر بكثير من اسعار الفائدة الاساسية المعلنة من البنوك المركزية. وتخشى الشركات التجارية ان يمتد التجمد الائتماني الى قطاعات اخرى في السوق وتؤثر على نشاط البيع للسلع المعمرة والسيارات والمشتريات غالية الثمن. ويقول كبير الاقتصاديين في شركة قروض عقارية بريطانية اسمها «برايم لوكيشن» ان هناك الكثير من عدم الثقة في الاسواق حاليا وان هذا الوضع قد يؤدي الى شلل الكثير من القطاعات في السوق ويسبب المشاكل للبائعين والمشترين على السواء.

ويبدو ان المعادلة القديمة لضرورة القفز على السلم العقاري في اسرع وقت ممكن للحاق بركب الاسعار المتزايدة، لم تعد هي النصيحة الجيدة في الوقت الحاضر. وعلى الرغم من عدم وضوح الرؤية الا ان الامر الواضح هو ضرورة ايجاد استراتيجيات جديدة للمستقبل. فالمطلوب في هذه الاوقات الصعبة هو تحجيم الاضرار والاستفادة من الاوضاع السائدة.

وفي الاسبوع الماضي سجلت بعض الشركات التي تعرض العقار على مواقعها الالكترونية كما كبيرا من العقارات غير المباعة كما تراجعت الاسعار بنسب كبيرة وصلت الى انخفاض متوسط قدره 20 الف استرليني للعقار في بعض انحاء لندن. وتتوقع شركات الائتمان تراجع الاسعار في اوروبا بنسباً كبيرة مع بلوغ معدلات استيلاء البنوك على العقارات نسب قياسية لم تبلغها خلال 15 عاما.

هذه المتغيرات جعلت التعامل في اسواق العقار في مرحلة التغيير حاليا مسألة صعبة وتحتاج الى «خريطة طريق» تترصد الفرص المتاحة وتتجنب المخاطر وتفتح للمستثمر فرص القراءة الصحيحة لمتغيرات السوق. وتعتمد خريطة الطريق العقاري على عدد من النصائح التي يجب ان يلتفت اليها المستثمر ولكن من دون التزام في كل الاحوال، فالخبرة الشخصية تأتي اولا في اختيار شراء العقار المناسب وتوقيت هذا الشراء.

وتلك هي ابرز النصائح للتعامل مع اسواق العقار المتقلبة التي تميل الى التراجع:

* ضرورة الانتظار حتى وصول تراجع الاسعار الى غايته: ويشمل هذا العقارات القائمة وتلك المباعة على الخريطة. وتحذر اكثر من شركة تطوير عقاري ان مستويات المبيعات والاسعار حاليا دون المستوى، كما يعلن مسوقو العقار عن تخفيضات دورية على الاسعار الى درجة ان موقعا عقاريا يسمى (www.propertysnake.co.uk) يتخصص حاليا في عرض العقارات المخفضة الاسعار وهو يحتوي على اكثر من مائة الف عقار. وتصل التخفيضات في بعضها الى 44 في المائة من الثمن الاصلي. والعديد من البائعين عمليون ويريدون البيع حتى ولو بتخفيضات كبيرة على اساس ان الاسعار المخفضة فيها نسبة كبيرة من الارباح لهم بالمقارنة الى ما دفعوه في العقار قبل سنوات. وتعم هذه التخفيضات على كافة قطاعات السوق حتى القطاع الفاخر فيها. فهناك قصر في شمال لندن كان معروضا من شركة سافيل بمبلغ 8.8 مليون استرليني وتراجع سعره الان الى 7.7 مليون استرليني. وهناك العديد من النماذج المتاحة في السوق لعقارات تراجعت في اسواقها. والنصيحة هي اذا اردت دخول السوق فانتظر السعر المخفض او اطلبه من البائع، فالسوق حاليا تتبع قرار المشتري وليس البائع.

* التمويل: الامر الواضح تماما حاليا هو ان التمويل حاليا يتم بمبالغ اقل وبتكاليف اعلى. وتقول مصادر السوق البريطاني ان اسعار العقار لن تزيد في العام المقبل عن معدلاتها الحالية وان مبالغ التمويل سوف تقل بمعدلات تصل ما بين 10 و20 في المائة. ولن يبيع العقار في العام الجديد الا من يضطر الى ذلك في سوق متراجعة. ولا يعني هذا بالطبع نهاية عصر الاستثمار العقاري الذي ما زال يعتبر احد محركات السوق الرئيسية حيث الايجارات ما زالت الى صعود وبنسبة 10 في المائة هذا العام ومثلها في العام المقبل. ويدعو بعض المحللين الى ضرورة الاتفاق مع البنوك مسبقا على ضمان اكبر حد ممكن من الاقراض قبل البحث عن العقارات الاستثمارية المناسبة، كما يصل البعض الى حد النصح بالاقتراض بأكبر حد ممكن الان حيث الاقراض في المستقبل يسير الى مراحل اصعب. وعلى الرغم من توقعات البعض بأن معدلات الفائدة الاساسية في طريقها الى الانخفاض حاليا الا ان انعكاس هذا التخفيض على القروض العقارية غير مضمون وقد لا يعني قروضا ارخص.

* ضرورة البحث عن المناطق المنتعشة: حتى في اوقات التراجع هناك بعض المناطق التي تستفيد من مشروعات تنمية خاصة ترفع الثمن فيها في معارضة للتيار العام. وتنصح شركة «نايت فرانك» مستثمريها بالتوجه الى منطقة سان بانكراس في شمالي لندن حيث يستفيد الحي من بداية خط السكك الحديدية المباشر الى اوروبا. وكذلك يبحث المستثمرون في المناطق التي ستقام فيها دورة الالعاب الاوليمبية المقبلة في لندن في عام 2012 وبعض مناطق شرق لندن التي يجري الانفاق فيها حاليا على مشروعات تجميل واعادة تطوير للاحياء.

* الهواة يمتنعون: في ذروة اسواق العقار البريطانية لاحظت شركة «نايت فرانك» اقبالا كبيرا من الهواة والمضاربين وغير المتفرغين لشراء الاراضي والعقارات باسعار متضخمة على اساس توقعات المستقبل وليس على اساس قيمتها الفعلية حاليا. وتنصح الشركة هؤلاء بالخروج من السوق او تلقي النصيحة لان احوال السوق تغيرت. ولم تعد السوق واعدة، خصوصا في المناطق البعيدة والريفية التي من المتوقع ان تنخفض بشدة في الشهور والسنوات المقبلة. ولا بد في كل الاحوال استشارة الخبراء قبل الشراء حتى لا يتحول الاستثمار العقاري الى خسارة.

احذر اضعف حلقات السوق: الحلقة الضعيفة في السوق حاليا هي العقارات العائلية التي يتراوح سعرها بين مليون وثلاثة ملايين استرليني. وعلى حد قول رئيس فرع لندني في شركة «نايت فرانك» فهو يصف الوضع الحالي بأنه مجمد ويقول انه منذ عدة شهور كان يمكنه ان يبيع منزلا عائليا في لندن بسعر مليون استرليني في غضون ساعات ويختار من بين اكثر من 20 مشتريا، اما الآن فإن عدد هذه العقارات المعروضة للبيع زاد في الوقت الذي سكت فيها الهاتف عن الرنين تماما. والحل كما يراه هو ان يخفض البائعون اسعار عقاراتهم بنسبة كبيرة حتى يتمكنوا من بيعها في سوق صعب. ومع ذلك تقول الشركة ان العقارات الجيدة في مواقع استراتيجية سوف تستمر في جذب الطلب على الرغم من تراجع معدلات المكافآت في حي السيتي هذا العام بنسب كبيرة وتوجه المصرفيين الى مجالات استثمارية اخرى غير العقار لانفاق مكافآتهم.

* ابحث عن التميز: في بعض المدن البريطانية مثل مانشستر وبرمنغهام وليدز جرى بناء مئات الشقق التي تشبه بعضها بعضا الامر الذي افرز زيادة غير طبيعية في العرض بينما بقى الطلب ضعيفا. وتنظر وحدات الابحاث في شركات العقار الى هذه المشروعات على انها الاكثر خطورة استثماريا في السوق، حيث ظلت الاسعار بلا تغيير خلال السنوات الخمس الاخيرة في الوقت الذي ارتفعت فيه اسعار العقارات الاخرى. وتريد الحكومة البريطانية الاستفادة من هذه التجربة في بناء منازل متشابهة لكي تخلق وضعا مماثلا في المنازل للمساهمة في الاستقرار السعري للعقارات. ولذلك ينصح الخبراء باختيار العقارات المميزة لانها تحافظ وتضيف الى قيمتها اكثر من غيرها.

* الاستغناء عن شركات تسويق العقار: يزداد الاعتماد تدريجيا على التسويق المباشر للعقار على الانترنت لانها المجال المثالي لتسويق العقار ليس فقط في الاوساط المحلية ولكن على نطاق عالمي بأقل التكلفة. وتقول بعض المصادر الالكترونية ان عمليات البيع والشراء المباشر على الانترنت زادت بنسبة 40 في المائة في العام الاخير وانها مرشحة للصعود. وتشير ابحاث شركة تعرض بيع وشراء العقار مجانا على الانترنت الى ان نسبة 77 في المائة من المشترين و69 في المائة من البائعين لا يثقون في شركات العقار ويعتبرون ان تكاليفها غير مبررة. وتصل نسبة الصفقات الحقيقية التي تتم عبر الانترنت حاليا حوالي 10 في المائة من حجم السوق ويوفر فيها البائع في المتوسط نحو خمسة آلاف استرليني (10 الاف دولار).

* التعامل في قمة السوق: يتبع قطاع قمة سوق العقار منطقا مختلفا عن بقية سوق العقار، حيث يتعامل فيه الاثرياء من كل انحاء العالم. وشهد هذا القطاع زيادة بنسبة 35 في المائة هذا العام وحده. ومن المتوقع ان يستمر هذا القطاع من اقوى قطاعات السوق في المستقبل المنظور لمن يتعامل في عشرة ملايين دولار فأكثر. وكان حجم الطلب العالمي على عقارات لندن وحدها في العام الاخير 9.5 مليار استرليني (19 مليار دولار). ومع ذلك يتعرض هذا القطاع لهزات بين الحين والآخر بسبب متغيرات اسواق الاستثمار والمال العالمية. وفي الآونة الاخيرة ساد القلق هذا القطاع بعد اقتراح فرض ضرائب ورسوم على الاثرياء غير المقيمين في بريطانيا. ويفكر بعض غير المقيمين في بيع عقاراتهم في لندن والاستقرار في مناطق اوروبية حرة مثل موناكو، واذا حدث ذلك بحجم مؤثر فسوف تهبط اسعار هذا القطاع.

القطاع المربح: في بريطانيا يقع القطاع الاكثر استقرارا وربحا في الفئة السعرية التي تصل الى نصف مليون استرليني. ويستوعب هذا القطاع معظم المشترين في السوق ومنهم بعض الجدد. كما تعرض فيه افضل الفرص لهؤلاء الذين يضطرون للبيع لعقبات مالية او للهجرة. وتوجد نسبة كبيرة من هذه العقارات في بيوت المزاد تبيعها البنوك سدادا للقروض بأسعار تقل احيانا عن معدلات السوق. ايضا تعرض شركات العقار احياناً كماً كبيراً من هذه العقارات في نهاية السنة المالية للتخلص منها لمن يشتري بالجملة. وتوفر هذه الفرص هوامش ربح جيدة. ورغم تراجع الاسعار بشكل عام إلا ان لندن وبعض مناطق جنوب انجلترا مرشحة لزيادات سعرية تصل في المتوسط بين ثلاثة واربعة في المائة.

ولا بد من التزام الحكمة التقليدية في اسواق العقار المضطرية حاليا وهي الاستعانة باستشارة الخبراء في السوق وضرورة معاينة العقار على الطبيعة قبل الشراء واجراء الابحاث الضرورية حول العقار والمنطقة المحيطة واختيار الموقع بدقة والاستثمار للمدى البعيد بحيث لا تثير تقلبات الشهور المقبلة قلق المستثمر من تحول الاسعار. فالعقار استثمار مربح دائما ولكن على المدى البعيد.