دعم صندوق العقار بـ6.6 مليار دولار ينعش المخططات ويقفز بالأسعار

قرب تسليم القروض يدفع السعوديين للبحث عن قطع أراضي لبناء المنازل

دعم صندوق التنمية العقارية زاد من أسعار العقارات والأراضي («الشرق الأوسط»)
TT

ينتظر آلاف السعوديين أن يترجم صندوق التنمية العقارية، القرارات الجديدة والدعم المالي الحكومي إلى واقع يعيشونه، بعد انتظار دام لسنوات تصل إلى 20 عاما، إذ حملت ميزانية 2008 السعودية التي أعلنت بداية الشهر الجاري عن تخصيص 25 مليار ريال (6.6 مليار دولار) لدعم الصندوق.

إلا أنه مع إعلان زيادة مخصصات الصندوق العقاري تكشفت إشكالية للكثير من السعوديين، لاسيما من لا يملكون أراضي لبناء منازل لهم، خاصة أن البعض منهم تقدم قبل أكثر من 15 سنة ليصل حالياً دوره في استلام القرض، إذ يلجأ البعض إلى تقديم صكوك أراض تقع في مناطق منخفضة الأسعار، تحسبا لإدراج اسمه في قائمة الانتظار، لكنه في حال اقترب موعد حصوله على القرض يبدأ رحلة البحث عن موقع مناسب يمكن أن يؤسس فيه منزل العائلة. وهنا يصطدم الكثير منهم بقفزة أسعار العقارات والأراضي بشكل كبير خلال الفترة الماضية، مما يجعلهم في سباق مع الزمن لتوفير الأرض، فيما يضطر بعضهم إلى التنازل عن الحصول على القرض لأحد المستفيدين الآخرين مقابل سعر يتفقان عليه. ولا تقتصر العراقيل التي تواجه صاحب القرض عند ارتفاع أسعار الأراضي، بل تتجاوزه إلى زيادة هائلة في أسعار مواد البناء والأيدي العاملة، مع موجة التضخم التي تعيشها البلاد.

ويتمثل الهدف الأساسي للصندوق في توفير المساكن الصحية الحديثة للمواطنين، وبصفة خاصة أصحاب الدخول الثابتة والمحدودة، وذلك على مستوى كافة مناطق البلاد. ويقدم الصندوق نوعين من القروض، حسب دارسة اعدت اخيراً، وهي قروض طويلة الأجل تقدم للمواطنين لتمويل 70 في المائة من المساكن الخاصة بهم، وتتراوح قيمة القرض بين 200 ألف ريال و300 ألف ريال (53.3 ألف و80 ألف دولار)، ويتم سدادها على مدار 25 عاماً.

والنوع الثاني من القروض التي يقدمها الصندوق هي قروض الاستثمار، وهي متوسطة الأجل تقدم إلى المستثمرين السعوديين لبناء المجمعات السكنية والمكتبية والمعارض التجارية، ويمولها الصندوق بنسبة 50 في المائة بحد أقصى 10 ملايين ريال (2.6 مليون دولار). وأشارت الدراسة الى أن حجم هذه القروض لم يتجاوز 4 في المائة من إجمالي الإقراض السنوي، مما يشير إلى أن القروض الخاصة تستحوذ على 96 في المائة من إجمالي قروض الصندوق السنوية.

وتعتبر الدراسة أن من أهم أسباب المشكلة العقارية الحالية بمختلف جوانبها سواء التنظيمية او التشريعية او التمويلية، وجود فراغ تنظيمي منذ إلغاء وزارة الأشغال والإسكان، فلم تعد هناك جهة مسؤولة عن قطاع الإسكان والعقار، حيث توزعت المسؤولية على عدد من الجهات، إذ لا توجد جهة محددة منوط بها مسؤولية التنسيق والإشراف العام على قطاع الإسكان والعقار بشكل متكامل، بل توجد عدة جهات عامة وخاصة تنشط في مجالات محددة في هذا القطاع، الا أن الحكومة السعودية أعلنت أخيرا، ومن خلال مجلس الوزراء، عن إنشاء هيئة عليا للاسكان بهدف معالجة مشكلة الارتفاع الكبير في اسعار العقار الذي تشهده السعودية.

وذكرت الدراسة أن العقار ثابت لا يتحرك او ينتقل، لذا فإن الطلب عليه يتاثر بتغير العوامل المحلية المحيطة بالموقع الموجود به العقار وتختلف العوامل من موقع الى اخر. لكن الدراسة أوضحت أن هناك عوامل مشتركة تؤثر فى الطلب على العقار، حيث أشارت إلى النمو السكاني، الذي كلما ارتفع عدد السكان وزاد نموهم فان ذلك يشير إلى طلب متزايد على العقار، بالإضافة إلى الحراك السكاني والتغير الديموغرافي للسكان وانتقالهم من منطقة إلى أخرى، والذي يؤثر في الطلب على العقار.

وبينت الدراسة أن التغير في متوسط الأعمار والسن يؤثر في حجم الطلب على العقار، والتغير في متوسط عدد أفراد الأسرة من منطقة لأخرى يؤثر في نوعية الطلب على العقار، ونوعية السكان والتركيبة السكانية.

وأضافت الدراسة أن معدلات الأجور والرواتب ومستويات البطالة تؤثر في الطلب، حيث يتأثر الطلب على العقار بمتوسط الأجور ومعدلات البطالة، من خلال علاقة مباشرة بين الاستقرار المادي والوظيفي وعمليات بيع وشراء العقارات، كذلك ارتفاع معدلات التوظيف بالقطاع الحكومي والخاص. ومن العوامل المؤثرة معدل استغلال العقارات، كما أشارت إليه الدراسة التي يقصد بها معدل الأشغال، وهو نسبة العقارات المستخدمة إلى نسبة العقارات الموجودة بالسوق، وكذلك يتأثر الطلب بنسبة العقارات غير المستغلة أو المستخدمة إلى العقارات الموجودة بالسوق. ويؤثر المناخ الاستثماري، فكلما كان منتعشا ونشيطا ومحكوما بضوابط جيدة ساعد على تحرك العقارات، بالإضافة إلى سهولة عمليات منح التمويل والائتمان من الجهات التمويلية من بنوك وشركات تمويل فان ذلك يؤثر في الطلب على العقار. في حين أشارت الدراسة إلى أن عرض العقار يتأثر بعديد من العوامل المختلفة، سواء المتعلقة مباشرة بالقطاع العقاري أو بأنشطة اقتصادية أخرى، إذ أن توفر القوى العاملة الفنية والمدربة على أعمال التشييد والبناء تؤثر في عرض العقار، وتكلفة وأجور الايدى العاملة، ومدى توفر مواد البناء والتشييد، وأسعار وتكلفة مواد البناء والتشييد. كذلك حجم السوق من خلال عدد الوحدات السكنية أو العقارات الجاهزة للبيع (المخزون العقاري) المتاح في السوق، والمنافسة السعرية للعقارات المتاحة ومدى المرونة السعرية في السوق.

وتضمنت العوامل التي أشارت إليها الدراسة إلى مدى توفر أراض للبناء عليها، سواء للتوسع الافقي أو توفر عقارات في مناطق تسمح بالتوسع الرأسي. وأخيرا القرارات الحكومية من خلال صدور أنظمة وتشريعات متعلقة بالقطاع العقاري، مثل التسجيل العيني أو فرض ضرائب عقارية أو رسوم لتسجيل العقار أو إعفاءات جمركية على المعدات التي تستخدم في البناء والتشييد توثر في عرض العقار، سواء بالسلب أو الإيجاب. كما أن التغير في شروط البناء أو الشروط المساحية للبناء تؤثر في عرض العقار، والشروط الائتمانية في شركات التمويل والبنوك، مثل معدل العائد ومدة التمويل والضمانات كلها تؤثر بصورة مباشرة على الشركات التي تقوم ببناء العقارات، وبالتالي على عرض العقار. وأضافت أن مدى توفر البنية الأساسية وسهولة توصيل الكهرباء والماء والصرف الصحي إلى الاراضي كلها عوامل تؤثر على العرض في السوق العقاري.

وحسب تقرير لمؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) فإن البلاد تمر حالياً بموجة تضخم، خاصة في قطاع العقارات، بلغت في الايجارات تحديدا 9.5 في المائة، الامر الذي يعكس واقع العقارات وارتفاع اسعارها، في ظل محدودية العرض، مما يشكل عائقا آخر في بحث الفرد عن اراضي او عقارات.

وهنا يقول لـ«الشرق الأوسط» سلطان اللويحق رئيس مجلس إدارة شركة الجزيرة المتحدة، إن ما حملته الميزانية من دعم لصندوق التنمية العقاري أنعش المخططات العقارية، خاصة في شمال العاصمة الرياض.

وأضاف أن تلك المواقع تعتبر من المناطق الأكثر نمواً في العاصمة التي تتجه اغلب المخططات العقارية فيها نحو التطوير في جميع الخدمات، والتي بدأت تأخذ الاهتمام الاكبر من قبل المستثمرين، خاصة انه تم عقد العديد من الصفقات العقارية وسط توقعات بإعلان مشاريع عقارية خلال العام الجاري، وبالتالي ازدهار المنطقة عموما بعد تكامل وصول الخدمات اليها.

ويبين اللويحق أنه مع إعلان دعم صندوق التنمية العقارية بدأ انتعاش عقاري للكثير من المناطق السعودية، خاصة انه أعلن عن أول دفعة تجاوزت 90 ألف مقترض، ويتوقع أن تزيد خلال السنوات الخمس المقبلة، إلا أنه شدد على أن قرار دعم الصندوق يسهل لكثير من المواطنين بناء مساكن لهم، خاصة أن أغلبهم يمتلكون أراضي.

من جانبه، ما زال خالد المرزوق يتوقع أن يتم تسليمه القرض العقاري بعد شهور في رحلة من البحث عن أرض ليقيم عليها منزل العائلة، إلا انه صدم بارتفاع أسعار العقارات بشكل كبير، وصلت قيمة بعضها إلى كامل القرض البالغ 300 ألف ريال (80 ألف دولار)، ويشير المرزوق الى أنه مع موجه الغلاء والتضخم أصبح القرض لا يفي ببناء منزل، بعد ان وصلت تكلفة بناء منزل، لا تتجاوز مساحته 300 متر مربع، الى أكثر من 600 ألف ريال (160 ألف دولار).

ويطالب المرزوق بضرورة إعادة النظر من قبل صندوق التنمية العقاري ووزارة المالية في آلية رفع قيمة القروض الممنوحة لبناء المنازل، خاصة مع ارتفاع أسعار تكلفة البناء، مستشهداً بمبادرة الحكومة السعودية بزيادة رواتب الموظفين ودعم بعض السلع المهمة لإيمانها بضرورة مساعدة المواطنين مع موجة التضخم العالي.

فيما يؤكد عبد الإله محمد هداس، وهو أيضا ما زال ينتظر دوره للحصول على قرض من صندوق التنمية العقارية، على ضرورة إجراء دراسة حديثة من قبل الجهات الحكومية بدعم أسعار مواد البناء للممنوحين قروضا من قبل الصندوق، أو بتخصيص مخططات حكومية متكاملة الخدمات بمنح أراض فيها للمواطنين. ويستند في ذلك الى أن السعودية حباها الله بمساحات شاسعة تكفي الكثير من المواطنين، على أن يتم توفير خدمات متكاملة لها.

يذكر أنه تمت، قبل سنوات، الموافقة على رفع رأسمال الصندوق إلى الضعف ليصل إلى 18 مليار ريال (4.8 مليار دولار) لتسهيل مهمة عمل الصندوق المتعثرة بسبب عجز الكثير من المواطنين عن دفع الأقساط المستحقة للصندوق، على الرغم من الفتاوى الدينية التي تدعو لذلك، وكذلك التخفيض الذي يحصل عليه المنتظم بالسداد.

ويعد صندوق التنمية العقارية الجهة الوحيدة في السعودية التي تمنح القروض العقارية بشروط ميسرة، إلا أن موارد الصندوق عجزت في السنوات الأخيرة عن مواكبة الطلب المتزايد على القروض. وأصبحت الفجوة بين الطلبات المقدمة ومعدل استجابة الصندوق لها تزداد اتساعا. وتقدر طلبات التمويل التي تنتظر الاستجابة بنحو 400 ألف طلب. وأدى ذلك الى إطالة مدة الانتظار للحصول على قروض جديدة. ويرجع ذلك إلى العقبات التي تواجه الصندوق في تحصيل ديونه المستحقة، إضافة إلى محدودية الوسائل البديلة أو المكملة لتمويل الإسكان بشكل عام، والإسكان المتعلق بتلك الفئات من المواطنين ذوي الإمكانيات المحدودة بشكل خاص، مما يتطلب تكثيف الجهود خلال السنوات القادمة للتغلب على هذه المعوقات، وتقليص فترة الانتظار للحصول على قروض الصندوق.

وفي عام 2004 صدرت قرارات حكومية بدعم رأسمال صندوق التنمية العقارية بتسعة مليارات ريال من فائض الميزانية، لمواجهة الزيادة المطردة في الطلب على قروض الصندوق وتقليص مدة الانتظار، كما تمت في نفس العام الموافقة على عدد من الإجراءات الإضافية لأساليب التحصيل الاعتيادية للصندوق من أجل تحسينها وزيادة كفاءتها. ومن المؤمل أن تسهم هذه الزيادة لرأسمال الصندوق وتلك الإجراءات الإضافية للتحصيل في تذليل المعوقات التي يعاني منها المواطنون محدودو الدخل في الحصول على السكن الملائم، فضلا عن إزالة العقبات التي تحد من قيام المصارف التجارية والشركات الخاصة بتوفير التمويل طويل الأجل للإسكان بشروط تعاقدية ميسرة واعتماد آليات وضوابط يمكن في إطارها ضمان حقوق الأطراف المتعاقدة.

ووفقا لآخر إحصائية للقروض التي قدمها الصندوق فإن عدد القروض الخاصة الممولة منذ بدأ صندوق التنمية العقارية نشاطه حتى نهاية العام المالي 2006 بلغت 493.6 ألف قرض خاص بقيمة إجمالية بلغت 130.7 مليون ريال (34.8 مليون دولار)، وفرت ما يزيد على 568.3 ألف وحدة سكنية، تضاف إليها قروض الاستثمار والبالغ عددها 2488 قرضا بقيمة إجمالية بلغت 5180 مليون ريال ساهمت في بناء 29.39 ألف وحدة سكنية و5159 معرضا تجاريا و2857 مكتبا إداريا. كما تولى الصندوق توزيع وحدات مشاريع الإسكان في السعودية التي شيدتها وزارة الأشغال العامة والإسكان سابقا، بعد اتصال جميع الخدمات إليها وتهيئتها لاستقبال السكان من خلال عرضها على الراغبين في الحصول عليها بدلا من القروض النقدية وبلغ عدد الحاصلين عليها 20.4 ألف مواطن.