بريطانيا تستورد منازل عائمة حديثة الطراز من الدنمارك

تتحرك وفق ارتفاع مستوى الماء وانخفاضه

ليتفادى المنزل المائي مواسم الفيضانات فقد ثبت القارب بحلقات فولاذية على عامودين مغروسين في قاع الماء («الشرق الأوسط»)
TT

لم تكن المنازل العائمة في بريطانيا الخيار المفضّل لدى البريطانيين. فقد كان يسكنها فقط من يضطر إليها، بسبب انخفاض أسعارها. لكن الوضع سيتغيّر الآن بعد ظهور الجيل الجديد من المنازل الحديثة، التي تفادت عيوب المنازل العائمة القديمة. فالمنازل القديمة كانت تأخذ شكل القارب وتصبح طويلة ونحيفة وتفتقر للمساحة الكافية والإضاءة الطبيعية. أما اليوم فتستعد بريطانيا لاستقبال أول دفعة من المنازل الحديثة التصميم، التي أطلق عليها اسم «المنازل العائمة للقرن الـ 21».

وستصل هذه المنازل إلى بريطانيا في مطلع العام الجديد، قادمة من الدنمارك، حيث استُخدمت في مدينة نيكوبنغ، وأثبتت نجاحاً كبيراً واقبالاً وفيراً من المشترين. وستتراوح أسعار هذه المنازل بين 290 و400 ألف جنيه استرليني (نحو 580 و800 ألف دولار)، وهي من تصميم وبناء شركة «وواتر ليفينغ» الأميركية الدنماركية، التي يملكها عدد من المعماريين ورجال الأعمال من البلدين، ومقرها في كوبنهاغن. وتأتي هذه المنازل في أشكال واحجام مختلفة، أكبرها الطراز الذي أطلق عليه اسم «سوان» (البجعة) وتبلغ مساحته 246 متراً مربعاً، ويتكون من طابقين، بهما ثلاث غرف نوم وحمامان وصالون كبير ومطبخ متصل بغرفة طعام (سفرة) وعدد من البلكونات الخارجية، بدلاً من الحدائق. ولكي يتفادى المنزل المائي مواسم الفيضانات وصعود وهبوط سطح الماء فقد ثبت القارب بحلقات فولاذية على عامودين مغروسين في قاع الماء، بحيث لا يتحرك القارب الى اليسار أو اليمين، لكنه يصعد ويهبط مع ارتفاع مستوى الماء وهبوطه. وفي هذا الوضع ميزة تتفوق على جميع المنازل الأرضية القريبة من الأنهار التي أصبحت تعاني في السنوات الأخيرة في بريطانيا من الفيضانات الكثيفة، التي عادة ما تغمر المنازل المحيطة بالنهر وتسبب لها أضراراً بليغة. كما أن شركات التأمين تخفض أسعارها على المنازل العائمة ـ لأنها لا تغرق ـ بينما ترفعها للمنازل الأرضية الثابتة حول الأنهار والقنوات المائية الأخرى. أما المنزل العائلي الأكبر حجماً، فيقوم على ثلاثة طوابق ويصلح لسكن عائلة من 6 إلى 8 أشخاص. كما أن هناك منازل صغيرة تُقام على طابق واحد وبها غرفتان نوم وصالون صغير للأسر الأقل عدداً. وفي هذا الصدد يقول المعماري جوناثون بيكر، من الشركة المنتجة لهذه المنازل «وواتر ليفنغ»، إن كل مجموعة من المنازل العائمة ستشكل حياً صغيراً تتبع له حديقة أرضية مشتركة. وأضاف أن الشركة تعمل حالياً على تصميم حدائق عائمة تكون ملحقة بكل منزل في المستقبل. وتتميز هذه المنازل أيضاً بأنها تستمد الطاقة الكهربائية والتدفئة من الأنهار التي تسبح فيها. وأوضح بيكر أن الشيء الوحيد الذي يخشاه مسؤولو التسويق في الشركة هو «المفهوم التقليدي لدى البريطانيين عن المنازل المائية، التي عادة ما تكون سيئة التصميم ومتردية المستوى. لكن المنازل الجديدة ستغيّر هذا المفهوم تماماً». يذكر أن شدة اليأس الذي أصاب الجزء الأفقر من سكان المدن البريطانية دفع نحو 15 الف شخص إلى العيش في قوارب أو يخوت يتم تحويلها الى مساكن، لكي تصبح عوامات ترسو عند شواطئ أحد أنهر بريطانيا العديدة. ويقول أحد هؤلاء واسمه كريغ لويد، البالغ من العمر 26 عاماً ويعمل مهندساً للكومبيوتر، إنه وزوجته الممرضة قررا أنه من الأفضل أن ينفقا مبلغ 20 الف جنيه استرليني (40 ألف دولار) الذي كان بحوزتهما في شراء هذه العوامة، بدلاً من دفعه عربوناً لمنزل يكلف 100 الف جنيه إسترليني، ولا يزيد حجمه عن حجم القارب الذي يسكناه. وأكد أن القارب يُعتبر عنواناً رسمياً في بريطانيا، طالما كان مسجلاً لدى المجلس المحلي، لذا فإنك تتلقى البريد اليومي بشكل طبيعي، بل تتلقى أيضا الحليب والخبز اللذين يتم توصيلهما الى باب المنزل كل صباح، مثلنا مثل بقية المنازل المجاورة. وبالطبع هناك خدمات الكهرباء والهاتف، أما غاز التدفئة والطهي فنجلبه في أنابيب مضغوطة. ويعتقد لويد وزوجته أن هذه الظاهرة ستتسع بسرعة بين الأجيال القادمة التي ستبدأ التفكير في البدائل، مثل المنازل الجاهزة أو السكن في عوامات. واشار إلى أن دفع 50 جنيهاً استرلينياً كايجار شهري لهيئة المياه والأنهار لا تساوي شيئا مقارنة بسعر الأرض التي يشتريها الشخص ليقيم منزلاً عليها. وأشار الى أن الارتفاع الكبير في أسعار عقارات بريطانيا يعود اساساً إلى قيمة الأرض وموقعها، وليس لقيمة بناء المنزل نفسه. من جهة أخرى، قرر عمدة بلدية لندن في وقت سابق من العام الجاري، إعادة تأهيل وتحديث عدد ضخم من القنوات المائية الطبيعية والاصطناعية، بعدما كان عدد كبير منها مهملاً وتحيط به إما ميادين خالية تحولت إلى مجمع للأوساخ والنفايات، أو تحيط به مساكن بائسة ومخازن للمصانع. ورغم أن المدينة اشتهرت عبر التاريخ باهتمامها بالحدائق العامة والتشجير، إلا أنها لم تول نفس قدر الاهتمام بالأنهار والقنوات المائية. ويبدو أنها تعتزم الآن تعويض ما فاتها. وربما كان الهدف الرئيسي من تعمير الأنهار والقنوات المائية إدخالها كسبلٍ للمواصلات بغرض تخفيف الضائقة على شوارع المدينة. غير أن سوق العقارات انتهز الفرصة ورأى فيها استثماراً كبيراً.

وبالطبع، فقد انعكس هذا الاهتمام على سوق العقارات قبل غيره من الأسواق. وسجلت الوكالات العقارية اقبالاً واضحاً من المشترين والمستثمرين الذين يطلبون مسكناً مطلاً على أحد هذه الأنهار أو القنوات، رغم معرفتهم أن أسعارها ستكون أعلى من غيرها. كما أن الاطلال على الماء يضمن للساكن عدم قيام مبان جديدة في الواجهة تحجب عنه الشمس والهواء.

ومن جانبه أكد مات تشابيل من وكالة وينكورث، أن الاقبال على العقارات المطلة على الماء لم يكن في تاريخ لندن الحديث بهذا المستوى الذي هو عليه الآن.

وأضاف أن عدداً كبيراً من العمارات والبنايات الجديدة راحت تقوم على الأراضي التي كانت مهملة حول الأنهار والقنوات المائية الصناعية، بل إنها تُباع أحياناً قبل أن يكتمل بناؤها. وأشار تشابيل إلى أن السكن قرب الأنهار يوفر ميزة اضافية، وهي توفير سبيل جديد للمواصلات عبر استخدام القوارب النهرية (أو ما يُعرف في بعض البلدان بالتاكسي النهري). وفي مدينة مكتظة بالسكان والسيارات مثل لندن تصبح هذه الميزة ذات أهمية كبيرة. وإذا اتجهت نحو الغرب فهناك نهر برنت، أحد فروع نهر التيمز في لندن، وبالقرب منه هناك أيضاً قناة غراند يونيون، بحيث أصبحت هذه المنطقة جاذبة لكثير من المستثمرين. وعلى سبيل المثال تعرض وكالة «كينلي فوكارد آند هايوود» فيللا صغيرة من غرفتي نوم وحوض للسباحة وحديقة مطلة على نهر برنت بمليون دولار. وهناك أيضاً الأنهر والقنوات المائية الأقل شهرة، مثل نهر ليا في شرق لندن، حيث يعتقد بعض سماسرة العقارات أنه من الأسرار التي لم تُكتشف بعد في العاصمة البريطانية. فهو نهر يمر بحدائق عامة هادئة ومناخ عام يشبه المناخ الريفي. وتشتهر البنايات القليلة التي حوله بأنها تحتوي على شقق واسعة تصل مساحتها إلى ألف قدم مربع، وشرفات تطل على النهر. غير أن أحد أسرار بريطانيا التي لم تثر الاهتمام إلا أخيراً هو أنها مليئة بالأنهار والقنوات المائية الطبيعية والصناعية، بحيث أصبح مستثمرو العقارات يتسابقون على المساكن المطلة على هذه الأنهار والقنوات، فضلاً عن المنازل العائمة على سطح الأنهار، خصوصاً الحديثة المتوقع وصولها من الدنمارك.

وكان حب البريطانيين للمساكن المطلة على نهر التيمز، النهر الرئيسي الذي تقوم على ضفتيه مدينة لندن، واضحاً منذ قرون. لكن المواقع الجذابة على النهر سُكنت منذ عقود بعيدة وبقي أصحابها فيها يتوارثونها جيلاً بعد جيل. وفي هذه الأثناء أضحت بقية المواقع النائية من النهر وفروعه الصغيرة المتعددة والقنوات المائية الطبيعية والصناعية، مهملة مما قلل من جاذبيتها وأبعد المستثمرين عنها. أما الآن فإن مشروع نظافة الأنهار ومشروع المنازل الحديثة المستوردة من الدنمارك سيغيران من طبيعة وشكل الحياة على سطح الماء في بريطانيا.