دبي: مشاريع عقارية بـ 272 مليار دولار تتجه الى مصالحة البيئة

تطبق معايير صارمة على المباني.. والحكومة المحلية لا تتخوف من تأثير القرار في جذب الاستثمارات

دبي ستكون أول مدينة عربية تحول جميع مبانيها الجديدة لتتوافق مع المواصفات البيئية («الشرق الاوسط»)
TT

70 مبنى فقط هي حصيلة دبي من المباني الخضراء، هذا الرقم المتواضع لن يبقى في هذه الحدود، ابتداء من العام الجديد 2008، بعد أن أقرت حكومة دبي، وبشكل نهائي، تطبيق معايير بيئية صارمة على المباني الحديثة، ابتداء من مطلع يناير (كانون الثاني) الجاري. حيث ستكون إمارة دبي بذلك الأولى على مستوى العالم العربي التي تطبق هذه المعايير البيئية التي ستصل بها ومبانيها، الحديثة، إلى عالم المباني الخضراء.

وإذا كانت عشرات الآلاف من المباني الحالية في دبي لاتعرف حتى الآن مفهوم المباني الخضراء، شأنها شأن كافة المباني في المنطقة العربية، فإن قصة المباني الخضراء ليست جديدة في العالم، وإن كانت كذلك في العالم العربي ودول الخليج. حيث أضحت معظم المدن الأميركية مثل مدن: بوسطن، سياتل، نيويورك، وشيكاغو مجبرة للحصول على موافقة مسبقة قبل بناء أية مبان متعددة الأدوار. عبر مواصفات تمس أكثر من 70 عنصرا ومادة بناء وتبدأ من أنظمة التخلص من النفايات أو تخفيضها إلى عمر المبنى وجودة المواد إلى نوع الزجاج العازل ومواد العزل. والتأكد من آكام مجاري الهواء والتوصيلات وتقديم منتجات إضاءة لا تبعث على رفع الحرارة مثل السبوت لايت. للحصول على جو داخلي مريح وبأقل التكاليف للطاقة. وفي حديث مع «الشرق الأوسط» لا يعتقد محمد بن عبدالله القرقاوي وزير الدولة الاماراتي لشؤون مجلس الوزراء ورئيس المكتب التنفيذي في امارة دبي أن تطبيق امارته لهذه المواصفات البيئية الصارمة، سيكون له تأثير سلبي على استقطاب الاستثمارات العقارية الضخمة على دبي، التي عرفت بقوة الاستثمارات العقارية على أرضها. مؤكدا أن تطبيق هذه المعايير سيكون ذا تأثير إيجابي في مالك العقار نفسه، «بل انه سيكون أقل تكلفة وسيقلل التكاليف على المستثمر أو المالك بنسب تصل في بعض الأحايين إلى 30 بالمائة». ويدلل القرقاوي على ذلك بأنه بدأ هو بنفسه تطبيقه على منزله الخاص فيقول: «لقد ابتدأت بنفسي مبكرا بعد أن لمست الفائدة الكبرى للمباني الخضراء، وحاليا أقوم بتنفيذ منزلي الخاص، ليكون متوافقا مع هذه المواصفات، بالرغم من أنني ابتدأت قبل تطبيق القرار رسميا».

ويؤكد القرقاوي أن تطبيق معايير المباني الخضراء لن يحد من جاذبية القطاع العقاري في دبي، «بل العكس هو ما نتوقعه، فهذه المعايير بالرغم من حداثتها على مستوى المنطقة، إلا أنها في الوقت ذاته مطبقة عالميا، بل اننا نتوقع أن يكون تطبيق القرار مساعدا على سهولة إقامة المشاريع في الفترة المقبلة، باعتبار أن الشركات العالمية هي أساسا تطبق هذه المعايير». ويهدف مشروع المباني الخضراء، الذي ستطبقه دبي على جميع مبانيها من فلل وأبراج سكنية ومكتبية وكافة الأنواع الأخرى من المباني، الى توفير استهلاك الطاقة الكهربائية بشكل عام والطاقة المستخدمة للتبريد والاضاءة وتسخين المياه بشكل خاص. كما أنها اضافة الى ذلك ستسهم في ترشيد استهلاك المياه مما يقلل من انبعاث الكربونات ويحسن من جودة البيئة الداخلية والهواء في المنزل وبالتالي تحسين صحة المجتمع وزيادة العمر الافتراضي للمباني والحفاظ على النظام الايكولوجي، الامر الذي يؤدي في النهاية الى رفع الانتاجية ودعم الاقتصاد في مختلف القطاعات.

وسينعكس تطبيق المعايير الخضراء على مباني دبي، في تغيير الآلية التي يتم فيها إدارة القطاع العقاري، الذي سيدخل على خط جديد من الاستثمار عبر تطبيق المباني الخضراء. وإذا كانت التوقعات عن حجم المبالغ المستثمرة في هذا القطاع الوليد ما زالت بعيدة المنال، فإن نظرة واحدة على حجم الاستثمارات الهائلة المقبلة عليها دبي، تعطي فكرة عن استثمارات ضخمة بمليارات الدولارات في الاستثمار بتنفيذ المشاريع الجديدة عبر مواصفات المباني الخضراء الجديدة كليا.

ووفقا لتقارير اقتصادية، فسيبلغ حجم الاستثمارات العقارية الجديدة بدبي خلال السنوات الست المقبلة ما يقارب التريليون درهم ( 272 مليار دولار). حيث قدرت تكاليف المشروعات التي تنفذها شركة نخيل حالياً أكثر من 120 مليار درهم، في حين بلغت تكاليف المشاريع التي أعلنتها شركة دبي للعقارات 350 مليار درهم، وأكدت شركة تطوير أنها ستطرح نحو 30 مليار درهم كاستثمارات خاصة خلال السنوات الخمس المقبلة تتنوع في مجالات اقتصادية عدة. في حين قدرت قيمة المحفظة الاستثمارية العقارية لـ «سما دبي» داخل الامارات وخارجها بأكثر من 86 مليار درهم، وخلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أطلقت «دبي للعقارات» مشروع «مدن» بقيمة 40 مليار درهم، وأعلنت «ليمتلس» عن تنفيذ مشروع «قناة العرب» الذي يعد من أضخم مشاريع التطوير العمراني المزمع تنفيذها في المنطقة. وتبلغ تكلفة المشروع 40 مليار درهم.

ويقول خبراء: ان القانون البيئي الجديد، سيجبر ملاك المباني والمنشآت الجديدة في دبي على اتباع معايير بيئية، مما يساهم في الدفع بقطاع أعمال جديد، يستفيد من شركات المقاولات المتخصصة في هذه المعايير البيئية، والتي بالتأكيد ستكون شركات أجنبية، وسط توقعات أن يبلغ حجم هذا السوق الجديد بنحو مليارات الدولارات خلال السنوات الخمس المقبلة.

وسيضطر المطورون العقاريون، والذين لا بد أن يكونوا ضمن قائمة معتمدة من سلطات دبي العقارية، بالدخول لتطبيق المعايير البيئية أو ما يعرف بمواصفات المباني الخضراء في مشاريعهم، وهو ما يعني ظهور قطاع أعمال خاص بتنفيذ وتطبيق هذه المعايير، سيضم شركات تقنية واستشارية.

ووفقا لتقرير هيئة كهرباء ومياه دبي 2006 فإن دبي تملك اعلى معدل في العالم لاستهلاك المياه داخل المباني، حيث تبين ان الامارة الصغيرة التي تقع على ساحل الخليج العربي وتستهلك 515 لترا لكل شخص في اليوم، مقارنة بمعدل استهلاك الفرد في الولايات المتحدة الى 360 لترا في اليوم، وهي من اعلى النسب مقارنة بدول اخرى مثل كندا ودول اوروبية واليابان.

المؤيدون للعمارة المستدامة الخضراء يراهنون على المنافع والفوائد الكثيرة لهذا الاتجاه. ففي حالة المباني الإدارية الكبرى، فإن إدماج أساليب التصميم الخضراء Green Design Techniques والتقنيات الذكية Clever Technology في المبنى، لا يعمل فقط على خفض استهلاك الطاقة وتقليل الأثر البيئي، ولكنه أيضاً يقلل من تكاليف الإنشاء وتكاليف الصيانة، ويخلق بيئة عمل سارة ومريحة، ويحسن من صحة المستخدمين ويرفع من معدلات انتاجيتهم، وهو ما يعني أن هذه المواصفات ستنعكس على المطورين العقاريين على المدى الطويل. ولمساعدة المطورين العقاريين على المضي في هذا التنظيم الجديد، أطلقت شركة دبي العالمية، «مركز الشرق الأوسط للتنمية المستدامة» بالشراكة مع شركة باسيفيك كونترول سيستمز، في إطار توحيد جهودهما الهادفة إلى إدخال تحسينات تسهم في التطوير البيئي للمباني.

ووفقا للمدير التنفيذي لـ «البيئة والصحة والسلامة» أحمد عبد الحسين فإن هدف هذا المركز هو تزويد الشركات داخل مجموعة دبي العالمية «وشركات أخرى في مرحلة لاحقة بالأدوات الضرورية لجعل مبانيها اقتصادية في استهلاك الطاقة وأكثر صحة وخضراء».

ويؤكد احمد عبد الحسين «أن مفهوم البناء الأخضر المستدام يصبح أكثر فأكثر ضرورة ملحة للشركات في الشرق الأوسط، حيث إنها تسعى للحفاظ على المصادر البيئية، وبينما يتزايد نشاط البناء في المنطقة، فإن اعتناق هذا المفهوم سينتشر بشكل لافت».

وأضاف «نحن مدركون أن التدليل على مدى التزامنا بتجسيد الفلسفة الخضراء من خلال مبان مستدامة سيكون القوة الاضافية لشركات أخرى في الصناعة، لتبني تدابير مماثلة من خلال المركز الجديد».

وانتهت «البيئة والصحة والسلامة» اخيرا من إعداد اللوائح الخاصة بالمباني الخضراء في مشاريع دبي المتلائمة مع خطة دبي الاستراتيجية لعام 2015 قبل الموعد المحدد لتسليمها. وتقضي هذه القوانين بإنشاء مباني دبي وفق معايير المباني الخضراء الصديقة للبيئة ابتداء من يناير (كانون الثاني) 2008. وتشمل كافة المرافق التجارية والسكنية الجديدة، وبموجبها سيتعين على كافة المباني الخضراء المرخصة تقديم ما يثبت التزامها التشغيلي سنوياً من الهيئات المعنية بمنح هذه التراخيص لمزاولة نشاطات البناء في الأماكن التي حددتها بلدية دبي على أنها أراضٍ زراعية أو ضمن الحدود الواقعة على مسافة 100 قدم من أي حوض مائي. كما أن موقع البناء يجب أن يكون بعيداً مسافة 50 قدماً على الأقل من البحر.

وتغطي لوائح «البيئة والصحة والسلامة» الخاصة بالمباني الخضراء نطاقاً واسعاً من المواصفات ابتداءً من اختيار الموقع للبناء وحالات التربة وتلوث الجو والمياه والتلوث بالضوضاء وانتهاءً بالاستخدام الأمثل لموارد الطاقة ومواد البناء وإعادة تدوير النفايات والنقل.

وقد قررت«البيئة والصحة والسلامة» استحداث فئة جديدة للملتزمين بمعايير المباني الخضراء، تضاف إلى فئات جوائزها لعام 2008 لتكريم المتميزين في هذا المجال.

وفي إطار المحافظة على الطاقة، تقتضي اللوائح ضرورة قيام مطوري المباني السكنية بتقديم برامج للبنى التحتية والدعم من أجل تسهيل الاستخدام المشترك للمركبات مثل مواقف السيارات والمناطق المخصصة لتنزيل ركاب النقل المشترك وخدمات النقل الجماعي. يشار إلى أنه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أصدر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء بصفته حاكما لإمارة دبي قرارا بتطبيق معايير «المباني الخضراء» على كل المباني والمنشآت في إمارة دبي. وجاء في قرار حاكم دبي أن على أصحاب وملاك المباني السكنية والتجارية وشتى المنشآت، أن يلتزموا بتطبيق هذا القرار وفق أفضل المعايير العالمية الصديقة للبيئة، التي تتواءم والواقع المحلي لإمارة دبي، «من أجل أن تبقى مدينة صحية تتبع أعلى معايير التنمية المستدامة وذات بيئة نظيفة خالية من الملوثات». ويضع هذا القرار دبي ضمن أوائل المدن في الشرق الأوسط ومن المدن القليلة في العالم التي تتبع استراتيجية خضراء.

* بوسطن أول مدينة تطبق نظام المباني > تعد مدينة بوسطن الأميركية أول مدينة تطبق نظام المباني الخضراء لكل مبنى بمساحة أكبر من خمسة آلاف متر مربع. وترتكز فكرة المدن أو المباني الخضراء على محاولة الاستفادة من الطاقة البديلة، التي لا تبعث غاز ثاني أوكسيد الكربون في الجو. وبذلك فإن بوسطن تحاول التوفير في الطاقة بمحاولة التخفيف من الاستهلاك عن طريق مواصفات قياسية لبعض مواد البناء مثل الأسطح العازلة لحرارة الشمس أو برودة الجو حسب موقع كل دولة من خط الاستواء أو القطبين.

* عقد بـ 1.3 مليار دولار لتوفير «الحلول الخضراء» والتحكم بالطاقة في دبي > أعلنت شركتا خدمات إدارة الطاقة وإسكان العقارية الإماراتيتان، توقيعهما عقد شراكة بهدف مساعدة الأخيرة على الحصول على شهادة القيادة والطاقة في التصميم البيئي LEED الخاصة بمشاريعها في مجال التطوير العقاري، بقيمة 5 مليارات درهم (1.36 مليار دولار) والواقعة في كل من أبوظبي والفجيرة ودبي. وستعمل «خدمات إدارة الطاقة» بموجب هذه الاتفاقية على إجراء تحليلها الخاص بالتصاميم المعمارية، التي تحد من استهلاك الطاقة EEA، وتطوير تدابير التحكم بالطاقة لمراحل التصميم والبناء والعمليات والصيانة لكافة مشاريع شركة «إسكان». ويتوقع أن تنتج اتفاقية الشراكة فوائد اقتصادية وبيئية طويلة الأمد من خلال الاعتماد على معايير «القيادة والطاقة في التصميم البيئي» المتعلقة بأنظمة البناء المستدامة بيئياً.