لبنان: مستثمرون خليجيون يصطادون «المخططات»

أملا في عودة النشاط إلى السوق العقارية عقب تحسن الأحوال السياسية

العقارات الفخمة تجذب الخليجيين («الشرق الأوسط»)
TT

كشفت مصادر عقارية ان مستثمرين خليجيين وتحديدا من الإمارات والكويت، اشتروا أراضي في لبنان بمساحات وصلت إلى أكثر من 200 ألف متر مربع، بهدف إقامة مشروعات آجلة أو الاستفادة من تحسن أسعارها مستقبليا. وإذا كان المستثمرون الخليجيون يركزون حاليا على شراء الأراضي، آملا في استثمارها لاحقا والاستفادة من تحسن أسعارها باستمرار، فإن المستثمرين اللبنانيين يركزون على الاستثمار السكني والتجاري. وفي شارع سرسق الفخم في الاشرفية (شرق بيروت)، الذي حصل على سبعة تراخيص لإقامة أبراج سكنية فيه، ومن بين الذين فازوا بأحد هذه التراخيص المستثمر المعروف جميل إبراهيم، الذي اشترى قطعة ارض كبيرة أيضا في منطقة «جبل البحر» على الواجهة البحرية لمدينة بيروت.

ودلت كل المراحل السابقة على ان القطاع العقاري في لبنان انه قد يمر بفترات انتظار وترقب، وحتى بفترات جمود تبعا للظروف السياسية والأمنية التي تقاسيها لبنان بين الفترة والأخرى، غير ان هذا القطاع يبقى، بالرغم من كل شيء، محافظا على عناصر جاذبيته، بخلاف القطاعات الاخرى التي قد تفضي بها الازمات الى الافلاس او الانتقال الى الخارج تأمينا لديمومتها وبحثا عن أسواق أكثر استقرارا.

وخير دليل على جاذبية القطاع العقاري، استئناف الحركة على نطاق واسع كلما لاحت مرحلة انفراج، ومحافظته على حد مقبول من الحركة حتى انتهاء الأزمات.

واشار لـ «الشرق الأوسط»، وديع كنعان، المدير العام لمؤسسة «كونتوار الامانة» العقارية: «صحيح ان الأزمات السياسية والأمنية التي يمر بها لبنان تؤثر في القطاع العقاري، لكنها لا تعطله على الإطلاق، حتى ان الكثيرين من المستثمرين، عربا ومغتربين ومحليين، «تعايشوا» مع هذه الأزمات مراهنين على حاجة السوق، وعلى الامل بالانفراجات، والثقة بالمستقبل، بدليل تحول 98 في المائة من الاستثمارات العربــية فـي لبنان (تمثل 83 في المائة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة عام 2007)، الــى القطاع العقاري والقطاع السياحي، على ما بينهما من ترابط، وبدليل بقاء ورش البــناء قائمة في بيروت والضواحي والمــناطق، لا سيما مناطق الاصطياف، وبدليل استمرار أسعار الشقق والأراضي في الارتفاع».

ويتوقع ان تنجز شركة «عقارات لبنان» مجمعها «صيفي هوم» في بيروت قبل نهاية عام 2008. وفي المنطقة نفسها مجموعة من المباني الجديدة التي لا تزال قيد الإنشاء ومنها مبنى «سكاي نيو»، الذي يتكون من 16 طابقا. وتقوم شركة «بيبلوس» للاستثمار العقاري، بإقامة رابع مشروع سياحي لها في شارع غورو القريب من وسط بيروت التجاري الذي يتوقع انجازه في نهاية العام الجاري. وينفذ المستثمر إبراهيم صالح، مشروع الرجاء السكني في شارع «بلس» غرب بيروت، قرب الجامعة الاميركية، بالاضافة الى شراء «مجموعة ابشي» وهي الارض التي كانت تقوم عليها تعاونية «حزب الكتائب» على اوتوستراد جل الديب شمال بيروت لاقامة غاليري ضخم يحمل اسم «لافاييت» الفرنسية، كما اشترى اصحاب مؤسسة «شاركوتييه عون» نحو 5 آلاف متر مربع على الاوتوستراد نفسه لاقامة هايبر ماركت ضخم عليها.

ويتبين من هذه الصفقات والعمليات وغيرها ان سعر المتر المربع في وسط بيروت وعلى الواجهة البحرية للمدينة، يتراوح حاليا ما بين 2300 دولار و3100 دولار، اما في المناطق الداخلية للعاصمة، فيتراوح سعر المتر المربع بين 300 دولار والف دولار. واضاف كنعان ان هذه الاسعار وكذلك اسعار البناء، مرشحة للتصاعد، خصوصا مع ندرة العقارات الجذابة داخل العاصمة، وازداد طلب اللبنانيين العاملين في الخارج، لا سيما في الخليج. يضاف الى ذلك ان العقار في لبنان يبقى افضل ملاذ للمال. ويؤكد كنعان ان زوال الغيوم السياسية والأمنية الحالية، سيعيد كامل الحركة الى السوق العقارية، وان المرحلة الراهنة تغري الكثيرين على الشراء واصطياد الفرص الجيدة تحسبا للطفرات المقبلة، باعتبار ان الرهن العقاري هو رهان مستقبلي بامتياز.

ويؤكد سمير ضومط، نقيب المهندسين في بيروت لـ « الشرق الاوسط»، انه «علاوة على المناخ اللبناني المتميز، هناك عدة عوامل تجعل القطاع العقاري في لبنان جاذبا مهما لرؤوس الاموال» يحددها على الشكل الاتي: الفائض المالي الكبير في الدول العربية الخليجية للقطاعين العام والخاص بسبب ارتفاع اسعار النفط، التقلبات في اسواق الاسهم، وانخفاض الاستثمارات العربية في الاسواق الغربية بعد احداث 11 سبتمبر 2006.

ويضيف ضومط ان توجه معظم تحويلات اللبنانيين العاملين في الخليج الى القطاع العقاري وتسهيل معاملات تملك الاجانب، واختزال معاملة طلب نفي الملكية من 16 عملية الى عملية واحدة فقط، جعلت القطاع اللبناني اكثر جذبا. مضيفا ان عودة الطلب على السكن الخاص في مناطق الاصطياف اللبنانية من جانب المواطنين العرب، وطمأنة المجتمع الدولي، وفي مقدمته السعودية، الى الوضع المالي في لبنان، التي لها الاثر الكبير حتى على المواطنين اللبنانيين لدفعهم الى الاستثمار في سوق العقارات.

من جانبه، يعتبر شاهي يردانيان، المستثمر اللبناني، ان العقار في لبنان، ما زال منخفضا نسبيا.. «ومن هنا اقبال المستثمرين حتى إبان الازمات، وهذا ما فعلناه نحن اذ نقوم بعمليتين او ثلاث كل شهر وبسعر يراوح بين 1500 و1600 دولار للمتر المربع الواحد. ونقوم بتنفيذ مجمع «مارينا هيلز» حاليا في منطقة ضبية شمال بيروت على مساحة 17 الف متر مربع. كما نقوم بتنفيذ 11 فيلا في منتجع فقرا على ارتفاع 1700 متر، ونطمح، مستقبلا، الى اقامة قرى نموذجية صغيرة مع كامل بنيتها التحتية».

وفيما، يجتاح تجار البناء والمستثمرون بيوت بيروت القديمة، وحتى التراثية منها، كما يحصل حاليا في حي القنطاري غرب بيروت، حيث تسوي الجرافات الابنية التي يعود تاريخها الى نحو 100 سنة بالارض، تعمد جمعيات المحافظة على التراث على إدراج بعض الأبنية القديمة في لائحة التراث، كما تعمد الى ترتيب واجهات الأحياء القديمة، وقد أدلت حتى المصارف بدلوها في هذا المجال، كما فعل «البنك اللبناني الفرنسي» بالتعاون مع جمعية «هلب ليبانون»، حيث يقوم حاليا بتنفيذ المرحلة الاولى من ترميم «حي مار مخايل» في شرق العاصمة ويستمر هذا المشروع ثلاث سنوات.

وإذا ألقينا نظرة على القطاع العقاري عام 2007، لوجدنا انه تميز بمفارقات بارزة نتيجة سلسلة من الأحداث والأزمات التي عصفت بالبلاد أبرزها معارك «نهر البارد» بين الجيش اللبناني ومنظمة «فتح الاسلام»، واستئناف عمليات القتل والاغتيال، وتفاقم الأزمة السياسية التي تجسدت بعدم انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد الدستوري.

وفي هذا الجو المتسم بالبلبلة، توزعت المفارقات في القطاع العقاري على مدى الاثني عشر شهرا الماضية، وأبرزها ارتفاع أسعار الشقق بما بين 15 و20 في المائة في بيروت والضواحي، فيما استمر الطلب العقاري من الزبائن، كما استمرت شهية المســتثمريـن مفتوحة على شراء الأراضي. فعلى صعيد أسعار الشقق، عزا المهتمون بالشأن العقاري ارتفاع هذه الأسعار إلى ارتفاع سعر اليورو وانعكاسه على المواد الأولية المستوردة من أوروبا، والى ارتفاع تكاليف مواد البناء من حديد ويد عاملة ورواتب مهندسين.

أما طلب الزبائن وشهية المستثمرين فقد اتسمتا بلعبة الأرجوحة، تبعا للتوترات السياسية والطائفية. فالزبائن المحليون يعانون من ارتفاع الأسعار، بينما بقيت مداخيلهم على حالها من الجمود، ومن تجرأ على الشراء منهم فبدافع استدراك المزيد من الارتفاع. وربما كان المستثمرون العرب الأكثر تأثرا بالأجواء السلبية السائدة في لبنان، منذ فترة غير قصيرة. غير أن المغتربين اللبنانيين، لا سيما العاملين منهم في دول الخليج العربية، وكندا واستراليا كانوا أكثر الراغبين في الشراء.

وإذا انتقلنا إلى الأرقام لوجدنا أن عدد المعاملات العقارية من يناير (كانون الثاني) وحتى سبتمبر (ايلول) من العام الماضي، زاد بنسبة 29 في المائة، فيما لم يزد حجم المبيعات اكثر من 11 في المائة. ويستنتج من ذلك ان الوحدات السكنية المشتراة باتت اصغر فأصغر، بحيث يمكن القول إن الطلب تركز على الوحدات التي تراوح مــساحــتها بين 100 متر مربع و250 مترا مربعا، وفي المقابل، فإن الوحدات الكبيرة الحجم تأثرت بصورة رئيسية، لا سيما في وسط بيروت التجاري، حيث تقام مشاريع سكنية فخمة عدة تعاني جمود حركة البيع منذ نحو سنة ونصف السنة. غير ان بعض المشاريع الفخمة في الاشرفية ورأس بيروت، حيث يوازي سعر الطبقة العاشرة فيها سعر الطبقة الأولى في وسط بيروت، لا تزال تلقى إقبالا شرائيا.

وعلى صعيد المستثمرين في العقارات غير المبنية، لوحظ أن هؤلاء كانوا جاهزين على الدوام لـ «اصطياد» كل قطعة معروضة للبيع في بيروت، لكن القطع المميزة والمطلة آخذة في الندرة، وهذا من شأنه ان يرفع الاسعار. ويقول احد هؤلاء المستثمرين ان هناك نوعين من هذا الطلب:

ـ اولهما يتمثل في الميل نحو زيادة المحفظة، على أمل إطلاق المشاريع في المستقبل، وتحديدا عند استقرار الأوضاع.

ـ ثانيهما يتمثل في اقتناع الساعين الى توظيف أموالهم في العقار بأن خطر تراجع الأسعار طفيف جدا، من دون أن نغفل ان انخفاض سعر صرف الدولار حفز المستثمرين على التوجه نحو تكثيف التوظيف في العقار.

ومن المفارقات التي تميز بها عام 2007 تراجع مساحات البناء المرخص بها خلال الأشهر العشرة الأولى من العام بنسبة 12.7 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2006، في مقابل ارتفاع كميات الاسمنت المسلمة في الأشهر السبعة الأولى من عام 2007 بنسبة 10.6 في المائة، قياسا بالفترة نفسها من عام 2006، وهذا يدل على استمرار تهريب الاسمنت اللبناني الى سورية.

وعلى الصعيد التجاري برزت مفارقة تمثلت في شلل قسم من وسط بيروت التجاري (اقفال محال تجارية ومقاه ومطاعم)، بفعل اعتصام المعارضة منذ ما يزيد على السنة، مقابل عودة الفورة الى بعض الشوارع التي كانت تتميز بالازدهار، وأهمها شارع الحمراء الذي سجلت فيه بدلات الإيجار ارتفاعا بين 5 و10 في المائة.