قوانين شراء العقارات في أوروبا.. حالة المشتري «النفسية» تتدخل أحيانا

تختلف من بلد إلى آخر وتبدأ من توقيع مذكرة تفاهم وتستغرق عدة أشهر لإتمام التعاقد

يفضل غالبية الأوروبيين المنازل والمباني العريقة أكثر من تفضيلهم للمنازل الحديثة («الشرق الأوسط»)
TT

كثيراً ما ينظر المستثمر الأجنبي إلى فرص الربح في العقارات الأوروبية دون أن يلتفت إلى القوانين والإجراءات المصاحبة لعملية الشراء أو البيع، فضلاً عن الاعتبارات التي يجب أن يهتم بها لكي يختار العقار الصحيح. ونستعرض بعض هذه الإجراءات والاعتبارات على سبيل المثال، فإن الإجراءات القانونية التي يجب الانتباه اليها عند شراء العقارات في فرنسا وأسبانيا وايطاليا خاصة، تختلف عن بريطانيا وأميركا، وتتلخص في أن يقدم الراغب في الشراء عرضا بسعر معين، واذا قبل البائع السعر فيوقع الطرفان مذكرة مبدئية تلزمهما بإكمال الصفقة خلال فترة أقصاها 60 يوماً، مع إعطاء المشتري فترة سماح مدتها 10 أيام إذا أراد تغيير رأيه. وعلى عكس ذلك ففي بريطانيا يسمح القانون لأي من الطرفين بالانسحاب في أي وقت دون الوقوع في خسائر حتى لحظة توقيع العقد النهائي، وهو ما يمكن أن يستغرق شهرين إلى ثلاثة أشهر.

وعلى المشتري في فرنسا أيضا دفع مقدمة (عربون) عند توقيع المذكرة المبدئية تتراوح نسبتها بين 5 إلى 10 في المائة من قيمة العقار. وفي حال غيّر المشتري رأيه فبالطبع يخسر العربون، أما اذا غير البائع رأيه فيلزمه القانون بسداد قيمة العربون مضاعفة. لكن الشيء المهم في العقود الفرنسية والأسبانية والتي لا بد من الانتباه لها هي بنود مذكرة البيع الأولية حيث كثيرا ما يحاول البائعون تعطيل بعضها، خصوصا البند الذي يمنح المشتري 10 أيام في بداية الـ60 يوما يُسمح له خلالها بتغيير رأيه.

وتسمى هذه الفترة «فترة هدوء»الهدف منها التأكد من أن المشتري لم يكن في حالة نفسية أو عقلية مضطربة عندما قدم عرضه للشراء. كما أنها أيضا تمنح المشتري مهلة للتأكد من صحة قراره بالشراء. وكما اسلفنا الذكر فإن هذه الفترة في بريطانيا تمتد لأشهر قد تصل الى ثلاثة، رغم أن المشتري يكون خلالها قد أنفق قدراً لا يستهان به من المصاريف المتعلقة بالمساحين والمهندسين الذين يعاينون العقار قبل شرائه للتأكد من سلامته الهندسية والإنشائية، وكذلك مصاريف المحامين الذين يتحققون من تاريخ الوثائق القانونية المتعلقة بالعقار للتثبت من أنه خالٍ من أية موانع قانونية. لكن البائع (صاحب العقار) لا ينفق شيئا خلال هذه الفترة، ورغم ذلك فهو يستطيع أن يتراجع عن الصفقة حتى اليوم الأخير قبل توقيع العقد النهائي (الذي يُسمى تبادل العقود) دون أن يلزمه القانون بدفع اي تعويض للمشتري.

العوامل التي تحدد سعر العقار يتحدد سعر العقار في غالبية الدول الأوروبية وفق معايير معينة من أهمها:

* الموقع الجغرافي- وهذا يعتبر العامل الحاسم والأهم في تحديد السعر بغض النظر عن حال العقار. وبالطبع فإن وقوع العقار بالقرب من المحلات التجارية الشهيرة أو المدارس الجيدة يعتبر عامل جذب كبيرا يؤدي أحيانا الى زيادة ضخمة في السعر. وعلى سبيل المثال، فإن المنطقة المحيطة بالمدرسة العربية "أكاديمية الملك فهد» في منطقة «أكتون» في غرب لندن قد شهدت ارتفاعاً ملحوظا في أسعارها بسبب إقبال عدد كبير من الأسر العربية على السكن قربها.

* وسط المدينة: أما بالنسبة للعقارات التجارية، فبطبيعة الحال يتمتع وسط المدينة بجاذبية خاصة وبالتالي بأسعار لا تشبه أسعار بقية المناطق.

* تاريخ العقار: يفضل غالبية الأوروبيين المنازل والمباني العريقة أكثر من تفضيلهم للمنازل الحديثة. وبالطبع ينعكس هذا التفضيل على أسعار العقارات، إذ إن القديم يعتبر بشكل عام أغلى سعراً من الحديث، ولكن هذه ليست قاعدة قاطعة، ففي بعض الأحيان يحدث العكس اعتمادا على حال العقار نفسه. وبالقديم أو الحديث يعني الأوروبيون التصميم المعماري للمبنى من الخارج. أما من الداخل فالمباني كلها حديثة.

* حال العقار: ربما على عكس كثير من الدول العربية، فإن حالة العقار - أي مستوى «التشطيب» - ليس أمراً ذا أهمية قصوى في تحديد سعر العقار، وذلك لأن مستوى التشطيب يمكن تغييره بسهولة بينما لا يمكن تغيير موقع العقار أو الحي الذي يقع فيه أو تاريخه أو المحلات التجارية القريبة منه. كما أن تكلفة أعمال التشطيب عادة تكون كسراً صغيراً من قيمة البناء والأرض، فضلا عن أن غالبية المشترين يحصلون على قرض إضافي من البنك العقاري للقيام بهذه الإصلاحات.

* قابلية العقار للبيع أو الإيجار: إن العقار الذي يمكن تأجيره بسهولة أو إعادة بيعه بسرعة يصبح أقيم تجارياً من العقار الذي ليس له هذه القابلية حتى لو كان أجمل من العقار الأول. فهذه القابلية ترفع سعر العقار في السوق نظراً لأنه يصبح استثماراً تجارياً بالإضافة الى كوّنه مسكنا أو مكتباً.

من جهة أخرى، ينبغي على المستثمرين الأجانب الراغبين في شراء عقار في دول أوروبا الشرقية (مثل بولندا) أن يكونوا قادرين على تحمل الإجراءات البيروقراطية المكثفة. فمثلاً يلزم القانون البولندي كل من لا يحمل الجنسية البولندية أن يتقدم بطلب للحصول على موافقة من وزارة الداخلية أو أن يكون مستعداً لتأسيس شركة أو شراء العقار عن طريق شركة بولندية. لكن شراء شقة أسهل كثيراً من شراء منزل لأن المنزل يتطلب ملكية حرة للأرض. كما أن على الراغبين في شراء عقار في بولندا توقع المصروفات من بينها رسوم لوكالة العقارات تبلغ 3 في المائة من قيمة العقار، ورسوم محام مقدارها 285 دولاراً أو نسبة 1 في المائة من العقار الذي تزيد قيمته عن 18 الف دولار. كما على المشترين دفع 10 بالمائة من قيمة العقار مقدماً (عربون) ثم دفع الباقي عند اكتمال العقد. أما الضرائب فقيمتها 5 في المائة من سعر البيع، ثم رسوم محكمة بغرض التسجيل تبلغ 2 في المائة من سعر البيع أيضاً. وفي حالة إعادة بيع العقار فقد تصل الرسوم الضريبية إلى 10 في المائة لأي عقار يُعاد بيعه خلال 5 سنوات إلا إذا كان البائع سيستثمر العائد في شراء عقار آخر داخل بولندا. لكن المستثمرين الأجانب عادة ما يدفعون نسبة الـ 10 في المائة العربون نقداً ثم يموّلون بقية المبلغ من دخل الإيجار الشهري للعقار. أما في بريطانيا، فقد شرعت الحكومة في تطبيق قانون جديد يتعلق بالبيئة والاقتصاد في الطاقة داخل المنازل والمباني. وسيلزم القانون الجديد كل من يريد بيع عقار أن يقدم للمشتري تقريرا عن حالة العقار من حيث المواد المستخدمة في بنائه وما اذا كانت مضرة بالبيئة، وأيضا من حيث استخدام الطاقة وما اذا كانت مهدرة داخل المبنى. وتتوقع شركات العقارات أن يكون لهذا القانون أثرٌ كبير في تغيير وتحديد أسعار العقارات وفقاً لمعايير جديدة ستصنف المباني الى 5 درجات تبدأ بحرف A وهو الأفضل وتنتهي بحرف F وهو الأدنى. وستشكل هذه التصنيفات عاملا جديدا مهماً في تحديد سعر العقار، بعدما كان السعر يتحدد وفق حجم المنزل وموقعه وحالته العامة. وبالطبع ستظل هذه العوامل أيضا فعالة، لكن المعايير الجديدة ستغير المعادلة التقليدية. فالمنزل مثلا الذي يستخدم على سطحه شرائح معدنية لجذب وتخزين الطاقة الشمسية سيكون أغلى سعرا من الذي يعتمد كلية على الكهرباء الخارجية. ونفس الشيء ينطبق على المنزل أو العمارة التي تستخدم مصابيح الإضاءة الاقتصادية، وتخزن مياه الأمطار التي تتجمع من سطح البناية في مستودعات أرضية. أما التدفئة، التي تعتبر البند الأكبر في استهلاك الطاقة خلال فصل الشتاء الطويل.

فإن البنايات التي ستستخدم عازلا طبيعيا داخل جدرانها (ومن ثم تمنع تسرب الحرارة) ستكون الأكثر اقبالا وأعلى سعراً. كما أن للنوافذ دوراً كبيرا في توفير الطاقة، إذ أصبحت النوافذ البلاستيكية الحديثة أكثر شعبية من نظيراتها الخشبية التقليدية لأنها تمنع التسرب وتكون محكمة الإغلاق. ويذهب البعض الى حد اشتراط ألا تكون أنواع الطلاء المستخدمة على الجدار تتضمن مواد كيماوية يؤدي إنتاجها إلى زيادة ثاني أكسيد الكربون في الفضاء. من جهتهم، أشار عدد من المهندسين المعماريين والمساحين العقاريين إن غالبية المنازل والمباني المبنية قبل السبعينات – وهي تمثل الغالبية العظمى من مباني بريطانيا- ستكون بحاجة الى تعديلات كثيرة لكي تستوفي الشروط البيئية الجديدة. وأضافوا أن هذا الأمر سيؤدي بدوره الى انعاش سوق مواد البناء وزيادة الطلب على شركات الصيانة خلال السنوات القليلة المقبلة.