السعودية: توجه حكومي لتطوير الأحياء القديمة والعشوائية

لإعادة التنمية الحضارية والاجتماعية في المناطق الحيوية

تسعى السعودية إلى البحث عن سبل إعادة تنظيم المناطق العشوائية في أوساط المدن («الشرق الأوسط»)
TT

تدخل السعودية منعطفاً جديداً في إعادة تطوير الأحياء العشوائية التي تعتبر من القضايا الأساسية للدولة، وذلك لإعادة توازن التنمية الحضارية في البلاد، الأمر الذي رصدت له الحكومة حلولاً متعددة للعمل على إعادة تأهيل المناطق العشوائية في مختلف المدن والمناطق. وتعكف الحكومة بالتعاون مع شركات تطوير عقاري على بحث سبل إعادة تنظيم تلك المناطق العشوائية في المدن وحل المشاكل العاجلة بها، وذلك من خلال المحافظة على البيئة العمرانية التقليدية وتطوير الأحياء القديمة، والمحافظة على المناطق التاريخية والأثرية، بالإضافة إلى معالجة المناطق والمحاور التجارية، وربط الحركة بين أجزاء المناطق العشوائية، وبين أجزاء المدينة. وتشير دراسة أجراها المعهد العربي لإنماء المدن إلى أن نحو 60 في المائة من العشوائيات في المجتمع العربي توجد على أطراف المدن و 30 في المائة توجد خارج النطاق العمراني، وتوجد 8 في المائة وسط العاصمة، كما ذكرت الدراسة أن 70 في المائة من تلك العشوائيات قد شيدت بطريقة فردية و 22 في المائة شيدت بطريقة جماعية. ولا تزيد نسبة المباني المستأجرة في الأحياء العشوائية عن 70 في المائة، مشيرة إلى أن معظم العشوائيات في الدول العربية تفتقر لعدد من خدمات البنى التحتية. وتعتبر العاصمة الرياض، اقل المناطق العشوائية في البلاد من مساحة الأراضي العمرانية، وذلك حسب دراسة للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، والتي توصلت إلى أن ظاهرة المناطق العشوائية في مدينة الرياض تعتبر ضئيلة جداً، حيث تصل نسبة هذه المناطق إلى أقل من 1 في المائة من مساحة المدينة العمرانية. وتعمل الجهات الحكومية في العاصمة السعودية الرياض إلى التشديد في إجراءات المراقبة وذلك لإيقاف نمو المناطق العشوائية القائمة أو نشوء مواقع جديدة وتشكيل فرق دائمة من أمانة منطقة الرياض وشرطة المنطقة ودعم تجهيزها بالمتطلبات اللازمة للقيام بمهامها.

كما تعمل أمانة مدينة الرياض لإنشاء صندوق لنزع ملكيات المباني القديمة في وسط الرياض، مما يساهم في تطوير تلك المواقع وإعادة إعمارها للتحول إلى مراكز شاملة وحيوية مثل تطوير منطقة الظهيرة الواقعة في قلب مدينة الرياض والتي تبلغ مساحتها حوالي 750 ألف متر مربع. وتم إنشاء تحالف بقيادة شركة الرياض للتعمير لتطوير منطقة الظهيرة، يتكون من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والمؤسسة العامة للتقاعد والشركة السعودية لمركز المعيقلية التجاري والشركة العقارية السعودية وشركة فواز الحكير العقارية وشركة دار الأركان للتطوير العقاري، وشركة سوليدير انترناشيونال ليميتيد، بالإضافة إلى شركات أخرى. وعرضت الشركة الرئيسية فرص المشاركة لمن يرغب من ملاك الأراضي والعقارات في المنطقة، وكذلك المستثمرين والشركات العقارية الراغبة.

ويهدف المشروع إلى تحويل الظهيرة إلى مركز تجاري رئيسي ذي مستوى عال يضم المرافق التجارية والمكتبية والسكنية وغيرها من المرافق الخدمية ويؤدي إلى اتصال البيئة العمرانية الحضرية بين المركز الإداري والمتمثل في منطقة قصر الحكم والمركز الثقافي والمتمثل في مركز الملك عبد العزيز التاريخي ويكون في مجمله محققاً للرؤية العامة لتطوير وسط مدينة الرياض.

ويشير محمد القحطاني خبير عقاري في مدينة الرياض إلى أن تطوير المناطق العشوائية في وسط المدن يحقق أهدافاً أفضل من التوسع في أطراف المدينة، لما فيه من فرص استثمارية متعددة، ووجود سكاني، والتحول من منطقة طاردة إلى منطقة جاذبة على مختلف المستويات.

مبيناً أن تلك المناطق بنيت بجهود فردية على مر التاريخ، ومن الممكن إعادة تأهيلها بما يتناسب مع طبيعة المدينة التخطيطية.

وأشار إلى أن العمل سيكون صعباً كونها ستدخل ضمن عدد من التحديات منها نزع الملكيات وهدم المباني السابقة، بالإضافة إلى حاجة إقناع السكان بالهدف من تطوير المنطقة العشوائية، وعمل دراسات للتواكب مع التطلعات المستقبلية خاصة في المدن التي تشهد نسبة هجرة كبيرة لها. وذكر أن من أسباب وجود المناطق العشوائية هو بناؤها بطرق عشوائية من دون تخطيط، ازدياد الهجرة إلى المدن من سكان المناطق الريفية، العمل على بناء مبانٍ وقتية وعدم إزالتها لبنائها من جديد وفق المخطط العام. وفي مكة المكرمة عملت الحكومة السعودية على إنشاء منظومة متكاملة بهدف وضع الخطط الاستراتيجية التطويرية بالعاصمة المقدسة، وبالتحديد في المنطقة المركزية، والتي يسير بها العمل بشكل سريع في التنفيذ، وذلك لمعالجة مجمل القضايا التنظيمية والتخطيطية.

وحسب إحصاءات سابقة فإن إعادة تنظيم المنطقة المركزية قد تتجاوز تكلفته 100 مليار ريال (26.6 مليار دولار) من خلال حجم تكلفة التطوير في الشركات صاحبة الامتياز للتطوير في المنطقة المركزية، ويأتي ذلك في إطار التنمية المستقبلية للعاصمة المقدسة بكافة جوانبها، ليتوافق مع المتغيرات والظروف الحالية والمستقبلية. وتأتي إعادة بناء منطقة جبل عمر الذي تقوم شركة جبل عمر المدرجة في سوق الأسهم السعودية لإيجاد منطقة جديدة حول الحرم الشريف وفق أنسب معايير التخطيط، والمحافظة على الميزات المعمارية الأكثر ملاءمة، مما يقوي من شخصية المدينة وخصائصها الفريدة، ويصلح في المستقبل كنموذج تعليمي تقتدي به مناطق أخرى، بالإضافة إلى تأمين أقصى رؤية للحرم من الموقع، واستحداث منطقة سكنية وتجارية نموذجية وفق معايير التخطيط الحديث مع مراعاة ترابط النسيج العمراني وطبوغرافية الموقع. كما تعمل الهيئة العليا على تطوير مشاريع جبل الكعبة، جبل خندمة ومشروع طريق الملك عبد العزيز، ومشروع تطوير مستشفى أجياد، ودرب الخليل، بالإضافة إلى اكبر المشاريع وهو مشروع تطوير الشامية الذي يهدف إلى خلق حي ديناميكي، ذي طابع متغير مع الزمن، يعمل على خدمة زوار الحرم المكي الشريف في العاصمة المقدسة.

في المدينة المنورة سعت الجهات المختصة في المنطقة المركزية حول الحرم النبوي الشريف إلى ضبط التطوير في المنطقة المركزية، وذلك من خلال تصاريح الأمانة التي تشترط مواصفات معينة لضمان بناء منطقة منظمة تتناغم مع أهمية المكان والزمان.

في جدة غرب السعودية ذكر المهندس عادل فقيه أمين محافظة جدة أن الأمانة تعمل على مجموعة مشاريع لتطوير عدد من المناطق في المدينة وذلك من خلال شركة جدة للتنمية والتعمير. حيث أشار إلى أن المشروع الأول سيكون لتطوير منطقتي قصر خزام والسبيل والذي يهدف إلى تطوير كامل المنطقة بدءاً من قصر خزام ووصولاً إلى وسط البلد، وتطوير محور الملك عبد الله الثقافي إضافة إلى تخصيص مقر دائم لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وتخصيص مساحة لتوسعة البنك الإسلامي، والتجديد الحضري للمناطق العفوية إلى جانب زيادة رقعة المساحة الخضراء ، ولحل المشاكل الأمنية والمرورية بالمنطقة ودعم التنمية الاقتصادية. وأوضح فقيه أن مشروع منطقتي قصر خزام والسبيل يدخل ضمن تطوير مناطق ذات مقومات استثمارية وضعت لها إستراتيجية عشوائية رغم أنه تتوفر بها مقومات محفزة للتطوير من قبل القطاع الخاص والقيمة المضافة للعقارات بعد التطوير تتجاوز تكاليف النزع والإزالة والتطوير. ولكن المقومات تغطي أهمية الموقع والقرب من مناطق الجذب وتوفر الخدمات، إضافة إلى اعتماد آلية التطوير على مشاركة شركة جدة لمطورين من القطاع الخاص، واختيار منطقة قصر خزام والسبيل كمرحلة أولى للمشاريع. وقسمت خريطة عرض المشاريع المناطق إلى أربع مناطق بالألوان مختلفة حسب قربها من وسط المدينة.

وأكد أمين محافظة مدينة جدة أن المشروع الثاني هو تطوير منطقة حي الشرفية والذي يدخل قائمة مشاريع تطوير مناطق ليست لها مقومات استثمارية، إضافة إلى المشروع الثالث هو مشروع ضاحية جدة الشرقية الذي يدخل ضمن قائمة المشاريع الريادية، ويتكون المشروع من مجموعة عناصر منطقة الخدمات المركزية ومجمعات سكنية إضافة إلى مطار محلي إلى جانب مركز خدمات الحجاج ومجمع الخدمات اللوجستية والمدينة الصناعية، إضافة إلى مجمعات استثمارية ومركز المعارض الدولية.

وأوضح فقيه أن المشروع الرابع هو الإسكان الميسر في ثلاثة مواقع الأول جنوب خليج سلمان والثاني يقع بحي روابي الجنوبية والأخير جنوب القاعدة البحرية. ويقسم المشروع إلى عدة وحدات، منها وحدات للتأجير مخصصة لإسكان العزاب من كافة المستويات، وحدات للتأجير مخصصة لإسكان العائلات من كافة المستويات، إضافة إلى وحدات ملائمة تمنح للمستحقين المؤهّلين طبقاً للوائح وزارة الشؤون الاجتماعية. إلى جانب وحدات ملائمة تمنح لمن يتم تعويضهم عن ممتلكاتهم في الأحياء العشوائية ووحدات ملائمة للتمليك للمستحقين المؤهّلين لقرض صندوق التنمية العقاري، إضافة إلى وحدات ملائمة للتمليك لكافة شرائح المجتمع على أقساط شهرية ميسرة.

وأضاف أن المشاريع الأخرى التي تقوم بها الأمانة تتمثل مشروع شارع فلسطين، إضافة إلى مشروع شارع التحلية ومشروع مجرى السيل، إلى جانب مشروع الكورنيش الأوسط ومشروع الكورنيش الشمالي، وتهدف المشاريع الأخرى لإيصال الشوارع الرئيسية لأرقى المستويات العالمية، وتحفيز إمكانياتها كمواقع جذب سياحية وتوفير بيئة مريحة للمشاة والمركبات للتسوق وممارسة الأنشطة المصاحبة لذلك، إضافة إلى توفير مساحات مفتوحة للعائلات للأنشطة الترفيهية ولممارسة الرياضات المختلفة، إلى جانب تحسين الوضع الاستثماري والاقتصادي للمناطق المختارة وتحسين البيئة المبنية وتعزيز مكانة جدة كمدينة بحرية مفعمة بالحياة.

وأكد أن الهدف من هذه المشروعات جعل جدة منطقة ذات تنمية بيئية مستدامة وتحسين فرص الاستثمار في محافظة جدة وتعزيز مكانة جدة التاريخية كبوابة للحرمين الشريفين، إضافة إلى إيجاد واجهة مائية جديدة وأماكن ترفيهية واستغلال المقومات الطبيعية في محافظة جدة وتعزيز المساحات العامة والخضراء، إلى جانب تجديد المناطق العشوائية وتطويرها ورفع المستوى المعيشي للفرد بتوفير أرقى الخدمات والبُنى التحتية وتوفير فرص العمل.