مصر: بعد موجة اعتراضات.. الحكومة تلمح بتقديم تنازلات في قانون الضرائب العقارية

وزارة المالية تحاول تهدئة مخاوف المطورين العقاريين والصناعيين وتؤكد أنه لن يطال إلا 10% من الوحدات

جهود من الحكومة لفرض تيسيرات على ضريبة المنازل («الشرق الأوسط»)
TT

رصد المراقبون اتجاه الحكومة المصرية لتقديم تنازلات في مشروع قانون الضرائب العقارية الجاري بحثه حاليا في اروقة لجان البرلمان المصري، لضمان تمريره بعد موجة الاعتراضات الواسعة التي لازمت المشروع منذ الإعلان عن مناقشته في مجلس الشورى.

وذكر لـ«الشرق الأوسط» الدكتور يوسف بطرس غالي أن معدل الضريبة العقارية سيكون 10 في المائة، ويصل عمليا الى 8 في المائة بعد خصم مصروفات الصيانة، إلا ان المشروع المقدم حاليا رفع المعدل الى 14 في المائة.

وأشارت مصادر إلى ان ذلك قد يكون للمناورة السياسية حتى يصل الوزير الى الحد الذي يريده بعد ان يكون أوحى للبرلمان بالتجاوب مع مطالب النواب بتخفيف العبء على المواطنين. وقال المراقبون ان وزير المالية المسؤول عن مشروع القانون ورئيس المجموعة الوزارية الاقتصادية في مجلس الوزراء في نفس الوقت، قد أجرى خلال الأيام الماضية اتصالات مع ممثلي شركات التطوير العقاري والسكني، ومع اتحاد الصناعات وممثلي الصناع، باعتبارهما الطرفين اللذين ابديا اقوى اعتراضات على المشروع.

وللوصول معهما الى توافق بشأن القضايا محل الخلافات، والتي تركزت في فرض الضرائب على الوحدات التي ما زالت قيد التشطيب وفي حوزة شركات التطوير. وكذلك فرض ضرائب على مباني المصانع والمساكن التي تقام للعاملين بها.

وأشارت المصادر إلى أن الوزارة سعت أيضا خلال الفترة الماضية لتهدئة مخاوف الرأي العام من أن يؤدي إطلاق هذا القانون إلى موجة من الزيادات في اسعار الوحدات سواء بنظام الايجار او التمليك.

وألمحت المصادر إلى أن بطرس غالي وزير المالية المصري، جدد التأكيد على ان القانون لن يطال إلا 10 في المائة من السكان وأن تطبيقه سيبدأ بالمناطق الراقية، كما انه سيساعد على طرح نحو 500 الف وحدة سكنية من المساكن المغلقة والجاهزة للسكن حاليا في السوق تفاديا لتحمل عبء تكلفة تخزينها. مما سيؤدي في النهاية الى خفض الأسعار.

من جانبه أشار سامر سليمان الأستاذ بالجامعة الأميركية، إلى أن الأسعار لن يتم خفضها كما يتوقع القائمون على القانون نظراً لأن المعروض من الوحدات لن يزيد نظرا لان الوحدات المخزنة هي أهم مخزن للقيمة بالنسبة لملاكها في ظل انخفاض معدل الفائدة على الودائع المقدر بـ 8 في المائة مع ارتفاع نسبة التضخم الى 11.3 في المائة، مضيفاً ان الذهب والعقار ما زالا أهم ما يلجأ إليه المدخرون من الطبقة المتوسطة ودون المتوسطة لاستثمار فوائض أموالهم بأقل قدر من المخاطر.

وكان وزير المالية قد أعلن أخيراً تيسيرات منها أن الوحدة السكنية التي تقدر قيمتها السوقية بمليون جنيه لن تسدد ضريبة عقارية سوى 700 جنيه سنويا، بما في ذلك الوحدات التي تدخل حيز كردون المدن او خارجها.

وعلى سبيل المثال، الساحل الشمالي والقرى السياحية. كما أعلن انه سيتم إعفاء مشروعات النفع العام والمباني الحكومية ومراكز الشباب ومباني النقابات المهنية والجمعيات الخيرية ومساكن القبور والعشوائيات من سداد الضريبة. وحسبما أشارت مصادر في وزارة المالية الى ان الوحدة التي تقل قيمتها عن 250 الف جنيه (45.4 ألف دولار) ستعفى نهائيا من دفع الضريبة، وكذلك سيتم إعفاء الوحدات التي يقيمها اصحاب المصانع للعاملين، والوحدات السكنية في الريف وبيوت العبادة من مساجد وكنائس. وقال المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة الخارجية والصناعة في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» انه تحدث لزميله يوسف بطرس غالي بشأن مطالب الصناعيين بالتشاور معهم قبل اقرار القانون ومراعاة عدم المساس بالقدرة التنافسية للصناعة المصرية، واشار رشيد الى انه يساند هذه المطالب، ويقدر صعوبة فرض الضريبة على المصانع المتعثرة مؤكداً ان وزير المالية وعد بتبنيها عند طرح القانون للتداول في جلسة البرلمان.

وأشار غالي لاحقا إلى أن تقدير الضريبة على ارض المنشآت الصناعية سيتم وفقا لأسعار التخصيص التي تقل كثيرا عن سعر السوق مع مضاعفة قيمة الأرض المقامة عليها المباني الصناعية ذاتها عند حساب قيمتها الايجارية والتي سيتم فرض الضريبة على أساسها، مشيرا الى ان الضريبة في المجمل لن تؤثر في التكاليف.

وفي نفس السياق، أشار رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات نبيل فريد حسنين، إلى ان ما ذكر بشأن تيسيرات للصناعة ما هي إلا أقوال شكلية فقط، وتساءل ماذا عن المصانع التي تخسر؟ وماذا عن المستثمرين الذين دفعوا ملايين في شراء الاراضي بالمزاد العلني؟ موضحا ان هناك تفاوتا كبيرا بين في أثمان الأرض للمشاريع الصناعية، فماذا تفعل الدولة اذا؟؟ مشيرا إلى ان من البديهي تمييز الصناعيين لان الصناعة أساس الرهان، بالإضافة إلى اهتمام الدولة بجذب المزيد من الاستثمارات في هذا القطاع، وتوقع حسنين مزيدا من ارتفاع الاسعار في القطاع الصناعي بعد اقرار هذا القانون.

وأوضح حسنين انه سجل اعتراضه مع اعضاء الاتحاد فى وقت سابق، وسيتم خلال الفترة المقبلة تسجيل موقف اخر بالتشاور مع الاتحاد، الا انه لم يكن متفائلا، معتبرا أن الدولة تحاول جذب مزيد من الايرادات لميزانية الدولة لمعالجة العجز والقصور فى المالية العامة، دون النظر لاعتبارات أخرى.

وبالرغم من هذه التيسيرات على القطاع الصناعي التي يبدو انها ستظل تثير جدلا حتى بعد اقرار القانون الا ان اعتراضات المطورين على فرض الضرائب على الوحدات قيد التشطيب لم تحظ بنفس التيسيرات، حيث أكدت مصادر وزارية أنه سيتم إخضاعها للقانون الجديد بفرض الضرائب عليها بهدف سرعة الانتهاء من تشطيبها وتسكينها منعا لتسقيع الوحدات، موضحة أن مالك العقار ملتزم أمام مصلحة الضرائب العقارية بدفع الضريبة المستحقة على العقار وأنه في حالة عدم وجوده يقوم المستأجر بتسديدها على أن يتم خصمها من القيمة الإيجارية التي يسددها للمالك.

وذلك باعتبار أن إيصال سداد الضريبة سند قانوني للتعامل مع صاحب العقار. وأضاف انه في حالة تعدد الملكية في أكثر من منطقة سيكون هناك ملف واحد لصاحب هذه العقارات ومحاسبة كل وحدة سكنية على حدة ليحصل مالك العقار على الإعفاء المقرر، وينتظر مطورو العقارات خاصة من الشركات الاستثمارية الكبيرة إصدار هذا القانون لكيفية التعامل معه خاصة أن المشروعات المعلن عنها من الوحدات الفاخرة التي تتعدى المليون بكثير، وتتم على مراحل معينة تصل من 5 إلى 20 سنة في بعض المشاريع.

وأبان زياد الشعراني المدير التنفيذي لـ«داماك – مصر» انهم يترقبون إصدار القانون لدراسته وكيفية التعامل معه، موضحا أن الوقت ما زال مبكرا للحديث عن مشروع قانون لم يصدر بعد.

واعتبر الدكتور صفوت قابل عميد تجارة المنوفية فرع السادات أن عدم المساس بضرائب الأطيان الزراعية المعمول به حاليا، جاء نتيجة ضغوط من كبار ملاك الأطيان الزراعية، وفي نفس السياق، جاء سامر سليمان مشيرا إلى أن موقف الوزير بطرس غالي من الأطيان الزراعية غير مفهوم ويجب تفسيره.

وأوضح أن السياسة المالية للدولة خلال سنوات الإصلاح الاقتصادي تركز على جلب إيرادات أكثر لسداد عجز الموازنة العامة، فلماذا تجاهل الضريبة الزراعية؟ تفسيري أن الدولة لا تريد دخول عش الدبابير مع كبار الشركات والاستثمارات الزراعية التي زادت فى الآونة الأخيرة وعلى شبكات المصالح المرتبطة بذلك؟؟ وتوقع سليمان ان تؤدى تيسيرات غالي الى تفريغ القانون من مضمونه، نظراً لان الهدف الرئيسي من إصداره هو القضاء على تخزين الوحدات التي تقدرها المالية بنحو 1.3 مليون وحدة سكنية خالية، لان معدل الضريبة البالغ 14 في المائة والذي يتوقع خفضه في البرلمان فضلا عن خصم تكاليف الصيانة، سيجعل الوحدة التي تساوي مليون جنيه تدفع ضريبة قيمتها 700 جنيه، وذلك مبلغ ضئيل لا يشكل حافزا لدفع المالك الى تأجيرها أو بيعها.

ولا ننسى ان قيمة العقار المخزن تزداد يوما بعد آخر، ومن جانبه أشار أستاذ الضرائب العامة بجامعة عين شمس وعضو مجلس الشورى سعيد عبد المنعم، أن فرض الضرائب العقارية لا غبار عليه، إلا أن الإجراءات ليست عملية، نظرا لأنه يشوبها بعض السلبيات التي لا بد من تمحيصها قبل إصدار قانون سليم، موضحا أن سعر الضريبة ستحدده لجنة خاصة، فالحديث عن 700 جنيه لوحدة قيمتها مليون جنيه ليس له اي أساس من الصحة، لان الوزير نفسه لا يعلم القيمة الايجارية التي ستحددها اللجنة خلال الفترة المقبلة، مضيفا أيضا أن فرض الضرائب العقارية يجب أن يشمل المباني والأطيان، فكيف يتم استثناء الأطيان؟؟

وأوضح أن الوزير يسعى إلى تمرير القانون أولا من مجلس الشعب، متوقعا ان يسعى الى إصدار قانون فرض الضرائب على الأطيان الزراعية في المستقبل القريب.