بريطانيا: شراء غرف الفنادق الجديدة استثمار بديل للمنازل

للتحرر من أعباء العثور على مستأجرين وتكاليف وسطاء عقاريين

الفنادق تدخل المنافسة في مجال الاستثمار العقاري («الشرق الأوسط»)
TT

لا يعتبر الاستثمار في غرف الفنادق جديدا تماما في المجال العقاري، فهو معروف منذ عدة سنوات، لكنه تقدم خطوة أخرى في الأسابيع القليلة الماضية لإتاحته على مجال أوسع ولقطاع كبير من المستثمرين الذين يودون الخروج من مجال العقار التقليدي.

والفكرة الأصلية ما زالت جذابة وهي شراء غرفة أو جناح في فندق سياحي وترك مسألة الصيانة والإدارة لطاقم محترف في الفندق، ثم المشاركة في الأرباح السنوية. ويستفيد المستثمر أيضا في الاستمتاع بجناحه أو غرفته لفترات قد تصل إلى أربعة أسابيع كل عام.

أما الإضافة الجديدة للفكرة، فهي استقطاب شركات الاستثمار لمجموعات كبيرة من الراغبين في دخول هذا المجال واستخدام مشاركاتهم لبناء وتشغيل فنادق أو شقق فندقية جديدة تماما، ثم الاتفاق على مبدأ المناصفة في الأرباح. ويبدأ الاستثمار في هذا المجال بحوالي نصف مليون دولار ويمكن مضاعفة المساهمات لزيادة عدد الوحدات المملوكة.

ويحرر هذا الأسلوب المستثمر العقاري من الالتزام بساكن واحد أو عدد محدود من السكان الذين يدفعون إيجارات شهرية عن فترات طويلة يقضونها كمستأجرين في العقار. فضيوف الفنادق يتمتعون بقدر اكبر من الحرية في الإقامة في الغرف لليلة واحدة أو عدة أشهر. كما يتحرر المالك من أعباء العثور على مستأجرين أو تكليف شركة عقارية بإيجاد مستأجرين لقاء رسوم تصل في العادة إلى 10 في المائة من قيمة الإيجار السنوي.

من المزايا أيضا أن المستثمر يوكل مسألة الإدارة والصيانة وتجهيز الغرفة للنزلاء إلى إدارة الفندق، وهي إدارة محترفة تهدف إلى رفع نسبة الإشغال للغرف المتاحة لها إلى اكبر قدر ممكن. كما انه أيضا غير مضطر لإجراء حسابات سنوية أو محاسبات ضريبية، فجزء من مهام الفريق الإداري حساب كل العوائد وخصم التكاليف منها وبالتالي دفع نصف الربح الصافي إلى المستثمر. وتقول شركة استثمار لندنية تدير العديد من هذه الاستثمارات الفندقية حول العالم، تحت اسم «سيفين كونتننتس»، إن العوائد تدفع عن إشغال الغرف لكل ليلة وليس على نحو شهري مثل العقارات الموجهة للتأجير، حيث من الصعب أن تظل الغرف الفندقية شاغرة لمدة شهر كامل مثل العقارات الإسكانية. وتشير الشركة إلى أن نسبة العوائد تصل أحيانا إلى 15 في المائة من أصل الاستثمار.

ويتمتع هذا النوع من الاستثمار أيضا بقدر من السيولة، حيث تضمن شركات الاستثمار أن يجد المستثمر الذي يريد بيع حصته مشترين في أي وقت وبسهولة تامة. لكن بعض جهات الاستثمار العقاري تشكك في إمكانية تحقيق أرباح كبيرة على رأس المال عند إعادة البيع.

من المشروعات التي تقام حاليا بهذا الأسلوب، مشروع فندقي باسم «بارك بلازا»، يقام على الضفة الجنوبية لنهر التايمز في قلب لندن، في مواجهة ساعة بيغ بن الشهيرة. وتشرف على المشروع شركة بناء عقاري اسمها غاليارد. ويرتفع الفندق الجديد الذي يجري بناؤه إلى 14 طابقا ويضم 900 وحدة عقارية من غرف استوديو إلى أجنحة تضم ثلاث غرف نوم، بالإضافة إلى مطاعم، وناد رياضي وحمام سباحة. وتقول الشركة إن سوق الفنادق يختلف جذريا عن سوق العقارات السكنية ويقدم بديلا جيدا للمستثمر العقاري. فعملية الشراء مبسطة، وعملية الاستثمار واضحة.

ويقول مدير الشركة دافيد غالمان، إن الاستثمار في مشروع «بارك بلازا»، يقدم ضمانات عوائد إيجارية لمدة خمس سنوات بقيمة ستة في المائة، ويمكن الاستفادة من الإقامة في الفندق لمدة شهر كامل مع خفض نسبة العائد المضمون إلى خمسة في المائة. وتزيد نسبة العائد المتوقع عن متوسط عوائد التأجير العقاري في لندن حاليا التي لا تزيد على 4.9 في المائة في أفضل الأحوال. من ناحية أخرى، لا تصل العوائد إلى 15 في المائة كما تدعي بعض أوساط هذا المجال الاستثماري العقاري الجديد.

وتعزو الشركة ارتفاع العوائد إلى موقع المشروع الجديد في قلب لندن على ضفة النهر واستمرار التدفق السياحي على لندن طوال العام. ويدفع السياح علاوات إضافية لوجود فنادق مناسبة في وسط لندن بالقرب من المعالم التاريخية والسياحية التي يودون زيارتها. كما تستقبل لندن أيضا ملايين من زوار الأعمال الذين يودون الإقامة في وسط العاصمة أثناء أداء مهام زيارتهم.

وتدير الفندق شركة بارك بلازا الأوروبية للفنادق التي تتمتع بسمعة جيدة ولها زبائن يقبلون على فنادقها. ويبدأ الاستثمار في المشروع بحوالي 275 ألف جنيه استرليني (550 ألف دولار)، وهو ليس استثمارا صغيرا، لكن الشركة تعتقد انه يقدم فرصة جيدة واستقرارا للمدى البعيد للمستثمر العقاري الخاص، وتضيف أن قيمة الاستثمار سوف تتزايد في المستقبل بالتناسب مع ارتفاع أسعار الإقامة في الفنادق اللندنية. وتؤكد إحصاءات محايدة ارتفاع معدل أسعار الإقامة في فنادق لندن دوريا، فقد زادت الأسعار في العام الأخير في الفنادق الصغيرة من 158 في الليلة الى 167 جنيها استرلينيا في الليلة في نهاية عام 2007. كما زادت أيضا نسبة الإشغال الفندقي في المدينة، خصوصا خلال فصول السنة الثلاثة بخلاف فصل الشتاء. ومن المتوقع ان تستمر معدلات النمو الفندقي في المدى المنظور.

من الشركات الأخرى المتخصصة في الاستثمار العقاري الفندقي شركة «غيست انفست»، وهي الأكبر حجما في هذا المجال داخل بريطانيا. وكانت الشركة قد قدمت للسوق أول فندق يعمل بهذا الأسلوب الاستثماري في عام 2004، وبيعت كل وحداته خلال أسابيع. ويقع الفندق في منطقة نوتنغ هيل غيت غرب لندن، وهو بالقرب من مشروع الشركة الثاني في منطقة بايزووتر القريبة. ويستفيد المستثمرون في هذه المشاريع بعوائد تبلغ في المتوسط حوالي ثمانية في المائة من حجم الاستثمار. ويفتتح مشروع الشركة الثاني في نهاية العام، وقد بيعت أيضا كل وحداته في غضون أسابيع.

وهذا العام حولت الشركة انتباهها إلى حي الأعمال شرقي لندن المسمى الحي المالي، الذي يعاني من ندرة وجود الفنادق، وشرعت الشركة في تجديد مجموعة عقارات عتيقة متجاورة لكي تحولها إلى فندق من 200 غرفة. وهي تطرح هذه الوحدات للاستثمار بأسعار تبدأ من 291 ألف استرليني (نحو 580 ألف دولار). وتبيع الشركة وحداتها الفندقية على أساس الاستثمار للمدى البعيد، في تعاقدات يمتد اجلها إلى 999 عاما.

وتمنح المستثمر نصف الأرباح، بالإضافة إلى إمكانية الإقامة في الفندق لمدة 52 يوما سنويا.

وتضيف الشركة ميزة أخرى لهذا النوع من الاستثمار يستفيد من الوضع الضريبي في بريطانيا، حيث يعتبر هذا النوع من العقار عقارا تجاريا وليس عقارا سكنيا، لذلك يمكن التمتع بإعفاءات ضريبية عليه تصل إلى 40 في المائة خصما من الضرائب المستحقة. ويمكن اعتبار الاستثمار أيضا جزءا من ميزانية التقاعد في الوعاء الضريبي المناسب لها. لكن النقطة السلبية الوحيدة المترتبة على التمتع بهذا الإعفاء، هي أن المستثمر الذي يقيم في الغرفة الفندقية التي يملكها، عليه أن يدفع تكلفة إقامته بالكامل مثل أي ضيف آخر في الفندق!.

المستثمر الصغير: وحتى وقت قريب كان هذا المجال محتكرا من كبار الأثرياء الذين يتمتعون بدرجة سيولة عالية وتنوع استثماري عقاري. لكن دخول الشركات الاستثمارية هذا المجال وفر بعض الفرص للمستثمر الصغير أيضا. فاحد الاستثمارات الفندقية في إقليم يوركشير البريطاني، يقدم بعض الفرص في فنادق صغيرة لا تزيد تكلفة الاستثمار في غرفها الفندقية على 50 ألف استرليني (100 ألف دولار). ونفدت الغرف المتاحة للاستثمار في احد الفنادق، بينما توجد فرص متاحة في فندق آخر في يوركشير، مع توفير فرص تمويل تصل إلى 70 في المائة من رأس المال. وتقول شركة «سيفين كونتننتس» التي تدير المشروع إن العوائد تصل إلى 10 في المائة، وإن كانت الأرباح في صورتها النهائية تعتمد على أسعار غرف تقل كثيرا من تلك المتاحة في العاصمة.

وفي كل الأحوال هناك عدة قواعد لا بد من اتباعها عند الاستثمار بهذا الأسلوب، وأولها البحث في تاريخ شركات الاستثمار وشركات الإدارة الفندقية ومتابعة ما سبق وحققته في الماضي. كما يجب الاعتماد على تقارير محايدة عن نسب الإشغال الفندقي في المناطق التي تقع فيها الفنادق. وقد يكون هذا النوع من الاستثمار هو الأفضل في ظروف السوق الحالية التي تحاصر فيه المخاطر والخسائر المستثمر من كل جانب.

ومع ذلك لا بد من إضافة أن هذا النوع من الاستثمار هو جديد نوعا ما على أسواق العقار ولم تتحقق جدواه الاقتصادية بعد لكي ينصح به خبراء الاستثمار. ففي الولايات المتحدة مثلا تمنع هيئة الإشراف على الاستثمار كلا من الفنادق وشركات الاستثمار من الإعلان عن توقع عوائد معينة لهذا النوع من الاستثمار نظرا لان السوق غير مستقر ومتقلب دوما.

وإذا كان لا بد من هذا النوع من الاستثمار في الأوقات الصعبة، ينصح الخبراء باختيار المواقع الجيدة التي يحبذ ان تكون ضمن إطار منتجعات سياحية دائمة النشاط على مدار العام. وتقدم المدن السياحية ومنتجعات الغولف أفضل فرص الاستثمار الفندقي. ومن المفضل أن تكون الإدارة الفندقية تحت اسم عالمي مشهور وله سمعة طيبة. وهناك العديد من الفنادق العالمية مثل ريتز كارلتون، التي تدخل حاليا مجال تقديم الاستثمار الفندقي. وكلما زادت مغريات الإقامة في الفندق وتنوع الخدمات فيه، كانت فرصة تحقيق عوائد اكبر ممكنة. كما أن المستثمر يستخدم هو الآخر هذه الخدمات لدى استخدامه الفندق.

من المعوقات التي اكتشفها قدامى المستثمرين بهذا الأسلوب في الولايات المتحدة، أن استخدام الغرف من مستثمريها لا يتم في الأوقات التي يريدونها إنما في الأوقات التي لا يكون الإقبال خلالها كبيرا على الفندق. كما أن المستثمر يتكفل بتجديد تجهيزات الغرفة واستبدال القديم منها بجديد. وينصح المحامون بالتدقيق في تفاصيل التعاقدات حتى لا ينتهي الأمر بالخلاف القانوني بين الفندق والمستثمر حول مسؤوليات كل من الطرفين. من الأمور الغامضة أيضا في هذا المجال غياب السجل التاريخي لهذا النوع من العقار بحيث لا يمكن التكهن بمدى سيولة سوق البيع عندما يريد المستثمر إنهاء ارتباطه بالوحدة الفندقية. وعلى رغم تأكيد بعض الأوساط بسهولة البيع وتحقيق الأرباح، إلا أن السوق الثانوي في هذا المجال ما زال ناشئا وغير مؤكد.

وبالطبع يخضع هذا السوق لمعايير القطاع السياحي، بمعنى انه يتأثر من أي أزمة سياحية عابرة قد تقضي على معظم العوائد. وحتى في مدن عالمية مثل لندن ونيويورك قد تقع حوادث إرهابية تقضي على المواسم السياحية لفترات طويلة. ويجب أن تؤخذ تلك المخاطر أيضا في الحسبان عند اعتبار هذا النوع من الاستثمار العقاري غير المعهود.

من ناحية أخرى، قد يجد المستثمرون صعوبة في الاقتراض من اجل شراء غرفة في فندق، فالبنوك لا تعترف بقيمة رأسمال هذا النوع من الاستثمار، خصوصا في غضون الأزمة الائتمانية. ودائما ما تنظر البنوك إلى مسألة صعوبة استرجاع قرضها في حالات تخلف المستثمر عن دفع أقساط القرض أو تعثره ماليا.

ولا تعتقد البنوك ان عوائد ستة في المائة التي تعدها شركات العقار تعتبر واقعية، خصوصا مع توقعات الكساد الاقتصادي وتأثر القطاع الفندقي به. وما يزيد من صعوبة الموقف أن أسعار الفائدة التجارية الآن تصل إلى سبعة في المائة، مما يعني أن تمويل هذا النوع من الاستثمار بالاقتراض يعتبر عملية غير مجدية من الناحية الاقتصادية. لكن مع ذلك ما زال البعض يفضل الفنادق عن العقارات العادية لأنها تزيح عن كاهلهم أعباء الصيانة والتأجير والمحاسبة.