رياض فاس تخطف الأضواء من نظيرتها مراكش وتشد اهتمام المستثمرين

عمر بعضها تجاوز 900 سنة.. وكثرة الورثة أبرز معوقات الاستثمار فيها

فناء رياض في فاس («الشرق الأوسط»)
TT

تضاعفت أسعار العقار في مدينة فاس المغربية بسبب الإقبال الكبير للمستثمرين المغاربة والأجانب خلال السنوات الثلاث الماضية. ويرى سمير بنمخلوف، رئيس الفرع المغربي لمجموعة «سانتوري 21» العالمية، أن هذا الإقبال راجع من جهة إلى غلاء أسعار العقار في مدينة مراكش، والذي أدى إلى تحويل اهتمام المستثمرين الى فاس، والدعاية التي أطلقتها النخبة الفاسية حول المدينة، بمناسبة الإعداد لتخليد ذكرى مرور 1200 سنة على إنشائها، والتي ساهمت في إبراز مؤهلات ومزايا هذه المدينة العريقة التي تعتبر أول عاصمة تاريخية للغرب الإسلامي.

وتتميز فاس بحجم مدينتها العتيقة التي تقع على مساحة 250 هكتارا، وتضم أزقتها الضيقة، البالغ عددها 9600 زقاق، نحو 12 ألف دار مغربية عريقة (رياض) مصنفة من قبل منظمة اليونيسكو، مقابل 2000 دار عريقة مصنفة في مراكش. وتوجد من بين هذه الدور الفاسية العريقة مجموعة من التحف المعمارية الفريدة، والتي يتجاوز عمر بعضها 900 سنة، ومن بينها قصور جميلة كانت لشخصيات تاريخية بارزة، إذ لعبت فاس دور العاصمة السياسية للمغرب خلال فترات متفرقة بتناوب مع مراكش. وكانت فاس تضطلع بهذا الدور في بداية القرن العشرين قبل أن تقرر الحماية الفرنسية نقل العاصمة إلى الرباط، إضافة إلى الموقع الجغرافي المتميز للمدينة في مفترق الطرق التجارية القديمة بين أوروبا وأفريقيا والمشرق الإسلامي، الذي أهلها لتكون مقر إقامة تجار كبار من جنسيات مختلفة، والذين خلفوا بدورهم رياض من مستوى رفيع. ومن الناحية المعمارية، يغلب على رياض فاس الطابع الأندلسي من خلال استعمال الفسيفساء والزجاج الملون وأشغال النقش على الجبس والخشب. ويرجع هذا الطابع إلى نزوح العديد من العائلات الأندلسية إلى فاس خلال فترات مختلفة من تاريخها مختلف الفنون او الحرف الأندلسية. ففي سنة 817 ميلادية نزحت إلى فاس مئات العائلات الأندلسية الفارة من اضطهاد الأمويين في قرطبة، وخلال الفترة ما بين القرن 13 والقرن 17 الميلادي، استقطبت فاس أفواجا متتالية من العائلات المسلمة واليهودية الهاربة من الإكتساح المسيحي لإسبانيا، وسقوط الإمارات الإسلامية في الأندلس.

ورغم أن اهتمام المستثمرين برياض فاس جاء متأخرا، ولم يبدأ إلا أخيرا بعد أن أصبحت رياض مراكش نادرة وغالية جدا، فإن إحصائيات المركز الجهوي للاستثمار بفاس تشير إلى أن عدد الرياض الفاسية التي تم اقتناؤها من طرف مستثمرين مغاربة وأجانب، وتحويلها إلى دور ضيافة مصنفة من طرف مصالح وزارة السياحة المغربية بلغت نحو 300 روضة نهاية العام الماضي. ومع تزايد اهتمام المستثمرين وارتفاع أسعارها بدأت العديد من الرياض تخرج من وضعية الإهمال التي كانت ترزح فيها. فالعديد من الرياض الكبيرة والجميلة بفاس، والتي كانت تسكنها عائلات مرموقة، بقيت مغلقة طوال القرن العشرين مع انتقال العاصمة السياسية والإدارية من فاس إلى الرباط وبروز الدار البيضاء كعاصمة اقتصادية للمغرب، واستقطابهما للنخبة الفاسية. وتلاحظ اليوم حركة عكسية، إذ تعرف فاس عودة لأبنائها من مختلف الفئات، والذين يقبلون على شراء الشقق الجديدة في الأحياء العصرية للمدينة واتخاذها كسكن ثانوي. ورغم وفرة العرض من الرياض الفاسية، وتنوعها إلا أن المشكلة الكبيرة التي يواجهها المستثمرون في رياض فاس تتمثل في تعقد نظام الملكية. ويقول بنمخلوف «المشكلة الأولى تكمن في أن هذه الرياض ليست محفوظة بطريقة عصرية، والرسوم العدلية التي تثبت ملكيتها عريقة مثل العقار نفسه. ونظرا للعمر الطويل لهذه القصور الفريدة والمتوارثة جيلا بعد جيل على امتداد مئات السنين، فإن المشكلة التي يصادفها المستثمر الراغب في شرائها تكمن في كثرة الورثة الذين يصل عددهم أحيانا إلى 500 شخص موزعين على مدن وبلدان مختلفة. ولصحة عقد البيع يتطلب موافقة كل الملاك وتوقيعهم عليه، وهي مهمة تبدو مستحيلة في بعض الأحيان. إلا أن هناك العديد من الرياض المعروضة للبيع والتي تمت تصفية وضعيتها العقارية. ويرى مهنيو السياحة أن استغلال الرياض كمنشأة سياحية يعتبر أكثر مردودية من استغلال فندق، فأسعار الإقامة في الرياض أغلى من أسعار الإقامة في الفنادق فيما تبقى تكاليف استغلال الرياض أقل من تكاليف استغلال الفندق. غير أن كلفة امتلاك رياض تاريخي وترميمه عملية مكلفة للغاية. وذلك لتاريخيتها ومحدودية العدد والطلب المتزايد عليها، الذي يزيد من ارتفاع أسعارها إلى مستويات خيالية. كما أن تكاليف ترميمها، الذي يتطلب تدخل شركات متخصصة. لذلك ظهرت موضة الاستثمار في إنشاء رياض جديدة، والتي بدأت في مراكش وانتشرت إلى باقي مدن المغرب مثل فاس والدار البيضاء وغيرهما. ويتم البناء بالخرسانة والمواد العصرية، إلا أن الألوان المستعملة في الطلاء والديكور تعطي الإنطباع بأن المبنى قديم، وأن جدرانه مبنية بالتراب والحجارة وليس بالخرسانة.

ولم تقتصر الطفرة العقارية في فاس على رياضها التاريخية وتراثها المخزون داخل أسوارها القديمة. فخارج أسوار المدينة العتيقة تعرف فاس بنهضة عمرانية كبيرة من خلال إطلاق العديد من المشاريع الكبرى، أهمها مشروع إنشاء شارع محمد السادس على طول خمسة كيلومترات، والذي سيشهد إنجاز مشاريع عقارية من الجيل الجديد. ومشروع تهيئة واد فاس، الذي يتم إنجازه تحت إشراف «صندوق الإيداع والتدبير» على مساحة 171 هكتارا غير بعيد من القصر الملكي، ويتضمن ملعبا للغولف وفنادق فاخرة ومجمعات سكنية راقية، إضافة إلى فضاءات ترفيهية، ومجموعة من البحيرات والحدائق.

وتقدر الاستثمارات التي سيستقطبها هذا المشروع الضخم بنحو 2.5 مليار درهم (320 مليون دولار). وأعلنت مجموعة العمران التابعة لوزارة السكنى والتعمير عزمها على إطلاق 25 مشروعا جديدا على مساحة 283 هكتارا في مدينة فاس خلال السنة الجارية، والتي تستهدف إنشاء نحو 10 آلاف وحدة سكنية متنوعة تتضمن فللا راقية وفللا اقتصادية وإقامات سكنية ومشاريع اجتماعية لإعادة إسكان الأحياء القديمة الآيلة للسقوط وسكان الأحياء الفقيرة. كما أطلقت مجموعة «الضحى» العقارية المغربية الخاصة مشروعا سكنيا على مساحة 35 هكتارا وسط مدينة فاس بقيمة 800 مليون درهم (102.5 مليون دولار).

وفازت شركة «مارينا دور» الإسبانية اخيرا بصفقة مشروع حدائق واد فاس، الذي يتضمن إنشاء 230 شقة راقية و60 محلا تجاريا في إطار مجمع سكني يعوم في الخضرة. ولمواكبة هذه الطفرة تبحث سلطات فاس تحويل 5 الاف هكتار من الأراضي الزراعية في الضواحي إلى أراض حضرية لاستيعاب النمو العمراني للمدينة. وأكد مصدر مطلع لـ«الشرق الاوسط» أن غالبية هذه الأراضي توجد في ملكية تعاونيات زراعية، التي تجري معها سلطات المدينة مفاوضات من أجل تحرير العقار قبل فتحه أمام التمدن. وأضاف المصدر أن السلطات تسعى من خلال هذه العملية إلى التحكم في المخزون العقاري وتوفيره بسعر ملائم للمشاريع الكبرى لتوسع المدينة. وقال إن السلطات تخطط لجعل سنة 2008 سنة النهضة العمرانية بفاس بمناسبة مرور 1200 سنة على إنشائها.