خليج جونية اللبناني يتهيأ ليكون «كان» الشرق

بعد أن يتجاوز بعض العقبات والحرمان الرسمي

الواجهة البحرية للخليج («الشرق الاوسط»)
TT

تشهد منطقة خليج جونية (إحدى مدن لبنان الساحلية الواقعة شمال بيروت)، الممتدة من «الكسليك» حتى بلدة «طبرجا» الساحلية، مرورا بـ «ادما» و«حارة صخر» و«ساحل علما» و«غادير» و«صربا»، حركة متنامية من البناء السكني والسياحي بفضل ما تتميز به من مقومات وعوامل جذب، حتى ان هذه المنطقة، كما يقول المدير العام لمؤسسة كونتوار الامانة العقارية، عضو مجلس نقابة اصحاب الفنادق وديع كنعان لـ«الشرق الاوسط»، مهيأة لأن تكون «كان» الشرق، اذا ما هيئ لها ان تتجاوز بعض العقبات، والحرمان الرسمي الذي عانت منه منذ مطلع التسعينات وحتى اليوم». ويقسم كنعان المنطقة فئتين: فئة سياحية تتمثل بالواجهة البحرية، وفئة سكنية تتمثل في المناطق البعيدة عن البحر، وهذه الفئة تنقسم بدورها الى فئتين، فئة السكن الفخم وهي التي تطل على البحر، وفئة السكن الشعبي التي تتمثل بالداخل.

وحول الجانب السياحي من المنطقة يقول كنعان: «تشهد المنطقة فورة فندقية وسياحية مميزة، بحيث بلغ عدد الفنادق فيها نحو 37 فندقاً من فئتي الاربعة والخمسة نجوم، وتضم هذه الفنادق اكثر من 1500 غرفة. صحيح ان المنطقة لا تزال تخلو من فنادق الخمسة نجوم، الا ان نسبة التشغيل في الفنادق القائمة آخذة في التزايد، حتى في السنوات الثلاث الاخيرة التي طبعت بازمة سياسية وامنية حادة، بقيت المنطقة بعيدة عن تأثيراتها السلبية الى حد كبير. ولا اكشف سراًً اذا قلت ان هناك مجموعة فندقية عالمية تدرس جدياً مشاريع فندقية في المنطقة من فئة الخمسة نجوم، وباستثمارات لبنانية وعربية، وهي تنتظر استقرار الاوضاع السياسية والأمنية لكي تنطلق بهذه المشاريع».

ويعيد كنعان هذه الفورة الى منتصف التسعينات «بعدما استتب الامن والسلم، وبدأت رؤوس الاموال تخرج من مخابئها في مصارف الداخل والخارج. وكان بناء هذه الفنادق يترافق مع ظهور مجموعة كبيرة ومتنوعة من المطاعم والملاهي الليلية البالغ عددها نحو 70 مؤسسة يضاف اليها 10 مؤسسات للشقق المفروشة وموتيلان اثنان، ونحو 11 مجمعاً بحرياً مميزاً، فضلاً عن عدة ابنية للشاليهات».

اما على صعيد الجانب السكني، فيقول رئيس «مجموعة الخويري العقارية» منصور الخويري لـ«الشرق الاوسط»: «يمكن تقسيم منطقة خليج جونية ثلاث مناطق: الشاطئ او الواجهة البحرية، المنطقة الوسطى، والداخل. ففي المنطقة الاولى يراوح سعر المتر المربع من العقارات البحرية غير المبنية، والتي باتت نادرة، بين 1500 و2000 دولار. المنطقة الوسطى، يراوح سعر المتر المربع غير المبني بين 700 و800 دولار، وفي الداخل يراوح سعر المتر المربع غير المبني بين 300 و600 دولار. اما سعر المتر المربع من البناء فيراوح بين 1300 و1400 دولار للبناء الفخم، والعادي نحو 1000 دولار، اما الشعبي، فلا يقل عن 800 دولار. واغلى الاسعار تسجل في ادما، كفرحباب، وساحل علما».

«اما الطلب على السكن في هذه المناطق فيأتي في معظمه من اللبنانيين، وبالاخص العاملين منهم في الخارج بسبب ارتفاع سعر اليورو، وتدني الفائدة على الدولار» على حد قول الخويري. ويعزو كنعان الفورة السياحية والسكنية في خليج جونية الى عدة عوامل جذب ابرزها:

أولا، قرب المنطقة من اهم المراكز السياحية العالمية كمغارة جعيتا التي سجل عدد زائريها خلال السنوات الثلاث الماضية معدل زيادة سنوية بلغت 15%، وكازينو لبنان الذي بامكانه ان يسوق نفسه في فنادق المنطقة وغير المنطقة بشكل افضل بعد حرمانها من عائداته. ولا ننسى بالطبع التلفريك الذي يعتبر الوحيد من نوعه في لبنان والمنطقة.

أما العامل الثاني فيتمثل في قرب المنطقة من معالم اثرية وتراثية مشهود لها باهميتها، مثل قلعة جبيل التاريخية، التي يتراجع عدد زائريها، مع الاسف الشديد، ربما لضعف التسويق لهذا المعلم الذي شهد ولادة اول ابجدية. والشيء نفسه بالنسبة الى قلعة فقرا التي تراجع عدد زائريها بنسبة تناهز 47% وللسبب نفسه ايضاً. فضلاً عن سوق الذوق القديم الذي صنف عالمياً، وسوق جونية القديم.

في حين ان القضية الثالثة تتعلق بتميز المنطقة بمعالم بيئية رائعة كوادي نهر الكلب بما يتضمنه من طبيعة اخاذة، ونقوش تذكارية على صخوره، ومحمية جبل حريصا الخضراء على مدار السنة، ووادي غزير الرائع. وأخيرا، تعدد المعالم الدينية في المنطقة والجوار من مزارات ومعابد.

وكون مجموعة كنعان، صاحبة تجربة مميزة في تسويق المنطقة سكنيا وسياحيا منذ أكثر من خمسين عاماً، يقول كنعان: «نحن نؤمن بان التسويق للجزء ليس له مفعول التسويق للكل. ومن هنا عندما اردنا ان نسوق فندق ـ اكواريوم ـ بعد تجديده وتطويره، اعتمدنا طريقة التسويق للمنطقة ككل، ايماناً منا بأن اي نمو في المنطقة لا بد من ان ينعكس على كل المؤسسات، والعكس قد لا يكون صحيحاً. ثم ان منطقة الخليج، بما تملكه من بنية تحتية متكاملة مؤهلة، لان تكون – كان- الشرق او – ماربيا- اللبنانية، خصوصا وانها بدأت تشهد استثمارات عربية واجنبية وقدوم رعايا عرب وسياح اجانب بشكل لافت. كما تستطيع المنطقة، اكثر من غيرها، تحقيق السياحة المستدامة، او سياحة كل الفصول بفضل عوامل الجذب المتوافرة فيها لكل انواع السياحات الاستجمامية منها والترفيهية والتراثية والبيئية والدينية والتسويقية والصحية والتعليمية وحتى الرياضية، مع وجود مجمع فؤاد شهاب الرياضي في وسط مدينة جونية، كما انها تتميز بموقع سكني فريد لقرب الجبل من ساحلها».

ويرى انه «لكي تصل المنطقة الى مرحلة السياحة المستدامة والمتلائمة مع النمو السكني ينبغي اعادة الاعتبار الى مرفأ جونية وجعله مرفأ سياحيا من الدرجة الاولى، خصوصا بعد تأكيد وزارة السياحة على قيام مرفأ سياحي بحري متخصص بدلاً من نصب الخيام لاستقبال السياح في محطة الحاويات في مرفأ بيروت، وفي ضوء التوقعات يتزايد عدد السياح البحريين».

والى جانب احياء المرفأ، ينبغي ايجاد حل موضوعي لمشكلة الايجارات في سوق جونية القديم، الامر الذي يسهل سياحة التسوق في هذه السوق، كما ينبغي انشاء «مول» كبير يساهم في انجاح هذا النوع من السياحة. ولا اكشف سراً اذا قلت ان بلدية جونية الحالية تنشط مع القطاع الخاص المحلي، وبالتعاون مع وزارة السياحة لتعويض المنطقة ما عانته من اهمال طوال السنوات الماضية، من خلال الاعداد لحدث عالمي سيكشف النقاب عن تفاصيله في حينه، بالإضافة الى التخطيط لإقامة اجمل حديقة لا في لبنان فحسب، بل في المنطقة العربية بأسرها، حيث ستنشأ على مساحة 10 آلاف متر مربع بين شاطئ البحر واوتوستراد المعاملتين».