سوق العقارات في بريطانيا يترنح وسط تدخل حكومي لإنقاذه

البنوك تواصل رفع تكلفة قروضها العقارية رغم تخفيض المركزي لمعدل الفائدة

أصبح التراجع في سوق العقارات البريطاني هو السمة السائدة («الشرق الأوسط»)
TT

أصبح التراجع في سوق العقارات البريطاني هو السمة السائدة، حيث توالت التقارير المتخصصة لتؤكد هبوط الاسعار وسط تشاؤم يعم مجمل الاقتصاد. وفي هذا الاطار أكد تقرير مؤسسة «رايتموف» العقارية المختصة بحركة السوق العقاري السكني، ان اسعار العرض، أي الاسعار التي يطلبها اصحاب العقارات تراجع هذا الشهر من 5 في المائة الى 0.1 في المائة ما يعتبر اكبر نسبة تراجع منذ عام 2005. وبلغت نسبة التراجع السنوية في نمو اسعار العرض ايضا 1.3 في المائة، بعدما كانت 3.7 في المائة قبل ذلك. وتقول المؤسسة ان هذا مؤشر جيد، ويساعد على تصحح حركة السوق والاسعار بأسرع مما هو متوقع وقد ينعكس التغيير في توقعات باعة العقارات ايجابا على السوق. وعلى هذا الاساس يكون المعدل السنوي لسعر الطلب 239.5 الف جنيه. ويقول تقرير رايتموف، ان معدل عدد العقارات غير المباعة لدى السماسرة والمكاتب العقارية ارتفع من 67 الى 70 عقارا. وارتفع عدد الايام المطلوبة لاتمام أي صفقة عقارية من 82 الى 85 يوما. وفي الاتجاه ذاته اكد تقرير بنك «هاليفاكس»، اكبر مؤسسة اقراض عقاري في بريطانية الاخير، ان اسعار العقارات في بريطانيا تراجعت وانخفضت بنسبة 2.5 في المائة خلال شهر الشهر الماضي مارس (اذار) 2008).

كما تراجعت اسعار العقارات في الربع الاول من هذا العام بنسبة 1 في المائة عن اسعار الربع الاخير لعام 2007. الا ان الاسعار بشكل عام في مارس تبقى اعلى من اسعار العام الماضي للشهر ذاته بنسبة 1.1 في المائة. وكان اكبر انخفاض للاسعار، في الربع الاول، قد سجل في «وست ميلاندز» ( المناطق الغربية في الوسط حيث ارتفعت الاسعار خلال العقد الماضي بنسبة 150 في المائة)، إذ وصلت الى 5 في المائة، وفي مقاطعة ويلز (ارتفعت الاسعار خلال العقد الماضي بنسبة 188 في المائة) بنسبة 4.7 في المائة. الا ان اسعار العقارات ارتفعت خلال الربع الاول، في منطقة لندن الكبرى بنسبة 1.6 في المائة (المعدل السنوي 2% ارتفاعا)، وفي «ايست انغيليا» (انغليا الشرقية) خلال الربع ذاته، بنسبة 1.4 في المائة و«ايست ميدلاندز» (المناطق الشرقية في الوسط) بنسبة 2.2 في المائة، والمناطق الإنكليزية الشمالية بنسبة 1.2 في المائة واسكوتلندا بنسبة 0.2 في المائة، من دون حصول تغيير عل أسعار المناطق الجنوبية الشرقية القريبة من العاصمة لندن. ويوضح التقرير، ان التراجع الكبير للاسعار حصل في 6 مقاطعات، وعلى رأسها «وست ميدلادز» (المناطق الجنوبية الغربية) بنسبة ناقص 2.6 في المائة وايرلندا الشمالية بنسبة ناقص 1.5 في المائة وفي منطقة «يوركشر وهامبر» بنسبة 0.5 في المائة وفي المناطق الشمالية الغربية بنسبة مماثلة.

ومع هذا فقد سجل التقرير ارتفاعا او نموا للاسعار خلال السنة الماضية في 9 مناطق او مقاطعات من اصل 12 مقاطعة، وعلى رأسها اسكوتلندا بنسبة 5.3 في المائة وايرلندا الشمالية بنسبة 3.5 في المائة. ولم يسجل أي تراجع (تراجع بسيط) خلال العام الماضي الا في ثلاث مناطق وهي: «المناطق الجنوبية الغربية» بنسبة 3.3 في المائة و«وست ميدلاندز» بنسبة 3.7 في المائة، ومقاطعة ويلز بنسبة 5.3 في المائة.

ويتوقع التقرير ان تتراجع اسعار العقارات في البلاد بشكل عام لكن التراجع سيكون تدريجيا وبطيئا على عكس ما روج له بعض الخبراء في الاسابيع القليلة الماضية.

ويؤكد التقرير ان التراجعات او الارتفاعات الحالية، يجب ان تقرأ في إطار الارتفاعات الكبيرة للاسعار التي حصلت خلال السنوات العشر الاخيرة، إذ ارتفعت اسعار العقارات بنسبة 171 في المائة، وفي السنوات الخمس الماضية بنسبة 51 في المائة. وعلى أية حال فإن معدل سعر العقار خلال العقد الماضي ارتفع من 70.6 الف جنيه استرليني (135 الف دولار) الى 191.5 الف جنيه (175 الف دولار)، أي بقيمة 120.8 الف جنيه (138 الف دولار).

ويبدو ان الوضع الاقصادي الجيد في بريطانيا لا يزال يدعم اسعار العقارات (سوق العمل القوي بالإضافة الى معدل الفائدة العام المتدنى والنقص في عدد العقارات المطلوبة)، رغم التطورات السلبية الاخيرة والكثيرة على صعيد ازمة الائتمان الدولية، واحجام البنوك عن منح القروض العقارية الجديدة.

ويقول التقرير ان سوق العمل في اقوى حال له منذ سنوات وان البطالة في تراجع دائم. ويصل عدد الوظائف حتى الآن الى 29.5 مليون وظيفة بارتفاع قدره 370 الف وظيفة العام الماضي.

وتراجع عدد العاطلين عن العمل الى ما قدره 125 الف وظيفة، ليستقر عدد العاطلين عن العامل الى اقل من 800 الف وظيفة. ومع هذا فإن التوقعات تقول بأن معدل البطالة العام سيرتفع قليلا هذا العام، من دون ان يؤثر على الحركة الاقتصادية على المستوى الوطني.

ويقول الخبير الاقتصادي في «هاليفاكس» مارتين إليس في هذا الإطار: «ان من شأن سوق العمل القوي ومعدل الفائدة العام المتدني والنقص في عدد المنازل الجديدة، دعم اسعار العقارات وتقديراتها. ابحاثنا تشير الى ان سوق العمل احد اهم القطاعات الداعمة لسوق العقارات، وكما نعرف ان البطالة تتراجع وعدد الوظائف هو الاعلى منذ سنوات طويلة».

ويوضح التقرير، ان السوق الحالي يعتبر لصالح المشترين «للمرة الاولى» او للاستثمار، رغم اضطرارهم لدفع نسبة من سعر العقار (دفعة اولى) كمقدمة للحصول على أي قرض. ويقول التقرير، ان 82 في المائة من المشترين الجدد دفعوا 10 في المائة من قيمة العقارات التي يرغبونها في الربع الاخير من العام الماضي، وكانت هذه النسبة تصل الى 56 في المائة خلال عامي 1989 ـ 1990.

ويصل معدل قيمة الدفعة الاولى التي دفعها «المشترون للمرة الاولى» خلال العام الماضي (2007) الى 34 الف جنيه أي بنسبة 20 في المائة من المعدل العام لسعر العقار، مقارنة بـ12 في المائة عام 1989. وهنا فقد حصل 5 في المائة فقط من المقترضين الجدد، حصلوا على قروضهم كاملة مائة في المائة من دون دفعة اولى، مقارنة بـ35 في المائة عام 1990.

وفي إطار الحصار الذي يتعرض له «المشترون للمرة الاولى»، فرض كل من بنك «الايانس اند لاستر» (Alliance & Leiceste) وبنك «تشالتنام اند كلوستر» (Cheltenham & Gloucester) وبنك بريتانيا (Britannia)، على اصحاب القروض الجدد دفع 10 في المائة من قيمة العقار قبل الحصول على القرض، وهذا في إطار الخطوات الكثيرة التي تتخذها البنوك في الفترة الاخيرة للتهرب من تقديم قروض كاملة 100 في المائة، تحت وطأة ازمة الإئتمان وشحة التمويلات. ورفعت مجموعة «اتش بي او اس» (HBOS) التي تضم بنكي «هاليفاكس» و«بنك اوف اسكوتلند»، النسبة المفروضة لديها من 3 الى 5 في المائة من قيمة العقار. واكدت المجموعة انها لن تتسامح او تتهاون مع الزبائن الذين يدفعون «دفعة اولى» اقل من نسبة 25 في المائة من قيمة العقار. ويقول تقرير «هاليفاكس»، ان 35 في المائة من السكان في بريطانيا يملكون عقاراتهم. ويوضح، بأن هناك 6.3 مليون عقار ملك لسكانها، ويصل عدد العقارات المرهونة للقروض العقارية الى 11.8 مليون عقار، أي ان هناك ما لا يقل عن 12 مليون قرض عقاري سكني في بريطانيا. ويكشف التقرير بأن 25 في المائة من العقارات التي تباع في السنة تباع نقدا، ولا يضطر اصحابها للجوء الى استخدام سوق القروض. ومع هذا لا يزال هناك الكثير من البنوك التي تقدم قروضا كاملة 100 في المائة ومنها نيشن وايد (Nationwide). ويصل عدد هذه البنوك تقريبا 20 بنكا. لكن بنك «نيشن وايد» حدد سقف قروضه حاليا بمليون جنيه فقط لا غير، بسبب الطلب الكبير على القروض الكبيرة في الفترة الاخيرة. والاهم من هذا، ان عدد الصفقات العقارية السكنية خلال السنوات القليلة الماضية كان اقل من ايام طفرة الثمانينيات، إذ ابرمت 1.15 مليون صفقة فقط خلال السنوات الثلاث الماضية (2005 ـ 2007) في انكلترا وويلز، مقارنة بـ1.71 مليون صفقة عن عام 1988، أي بتراجع بنسبة الثلث و560 الف صفقة.

من جهة اخرى، وعدت بعض البنوك والمؤسسات المالية المعنية بسوق القروض العقارية، بتخفيض معدل الفائدة على قروض زبائنها بالنسبة ذاتها التي قررها البنك المركزي في انكلترا على معدل الفائدة العام وهي 0.25 في المائة، ليستقر معدل الفائدة العام في البلاد على 5 في المائة. وكان البنك قد اتخذ قراره الخميس الماضي تحت ضغوط ازمة الائتمان الدولية والركود الذي يسود السوق العقاري وشحة القروض وارتفاع كلفتها بشكل لم يسبق له مثيل منذ سنوات طويلة. ويتوقع ان يلجأ البنك المركزي الى اتخاذ خطوات تخفيضية مماثلة في المستقبل لحماية سوق العقارات ومنعه من الإنهيار تحت وطئة ازمة الإئتمان. ويتوقع بعض الخبراء العارفين بتفاصيل السوق العقاري في بريطانيا ان البنك المركزي سيضطر الى مواصلة تخفيض معدل الفائدة العام حتى يصل هذا المعدل الى 3.5 في المائة العام المقبل دعما للسوق العقاري ومنعه من الانهيار، ودعما الاقتصاد وقطاع البنوك، خصوصا إذا ما ساءت ازمة الائتمان الدولية خلال الفترة المقبلة. ولهذا طالب البنك الدولي الاسبوع الماضي المركزي بالتدخل لدعم استقرار سوق العقار ومنع الاقتصاد من الركود. ومن البنوك التي وعدت بتمرر التخفيض على معدل الفائدة العام الى زبائنها وتطبيقه على قروضها العقارية: بنك «هاليفاكس»، بنك «نيشن وايد» (Nationwide)، بنك «ووليتش» (Woolwich)، بنك «لويدز تي اس بي» (Lloyds TSB)، بنك Sفيرست دايركت» (First Direct). وهذا يعني ان المواطن سيوفر 16 جنيها شهريا على قرض تبلغ قيمته 100 الف جنيه (من 722.8 جنيه الى 706.7 جنيه). ويقول الخبير الاقتصادي المعروف في لندن هيوارد آرشرمحذرا «يمكن ألا يكون لهذه الخطوة من البنك المركزي أي تأثير كبير على تخفيض معدلات الفائدة على القروض العقارية».

وتشير التقارير الأخيرة الى ان البنوك لن تمرر التخفيض لزبئانها كما وعدت، وقد رفعت اربعة منها تكلفة قروضها ومعدلات الفائدة عليها بعد ساعات على قرار البنك المركزي. وعلى صعيد آخر، ذكرت صحيفة «الفاينانشال تايمز» ان عدد الصفقات العقارية يتراجع باضطراد، إذ ترفض البنوك وتتراجع عن صفقة واحدة من اصل كل ثلاث صفقات. والمشكلة التي تواجهها هذه الصفقات الفاشلة تكمن في التباين الكبير بين تقديرات البنوك لاسعار العقار وحجم الصفقة المبرمة بين الزبائن. كما ان البنوك سحبت ما نسبته 22 في المائة من المنتجات والعروض العقارية التي كانت متوفرة للمواطنين حسب ما اكدت مؤسسة «ماني فاكتس». وكان «مجلس المقرضين العقاريين» (Council of Mortgage Lenders (CML))، قد حذر من ان عدد القروض العقارية قد يتناقص تقريبا الى النصف أي بنسبة 50 في المائة، وقد ترفض البنوك الآف الطلبات على القروض،إذا لم يتدخل البنك المركزي ويعمل على تأمين القروض للبنوك باسعار فائد مقبولة، بسبب رفض البنوك الكبيرة منح قروضها للبنوك الصغيرة التي لا تتمتع برصيد كبير. وحذر المجلس من ان قيمة سوق القروض قد تتراجع من 108 مليارات جنيه (200 مليار دولار) عام 2007 الى اقل من 60 مليار جنيه (115 مليار دولار) هذا العام.

كما سجل ارتفاع في عدد «مكاتب السمسرة العقارية» التي اغلقت هذا العام بنسبة كبيرة وصلت الى 10 في المائة، في انعكاس خطير لحركة السوق البطيئة والراكدة نسبيا. وهي اعلى نسبة تسجل منذ سنوات طويلة.