إيطاليا.. سوق لا تعاني من أزمة الائتمان

مناطق استثمار جديدة وجزر بحرية تقدم فرص نمو جيدة

لم تتأثر سوق العقار الايطالية كثيرا بأزمة الائتمان الدولية («الشرق الاوسط»)
TT

لم تتأثر سوق العقار الايطالية كثيرا بأزمة الائتمان الدولية، لأنها سوق لا يتوجه فيها الايطاليون كثيرا الى ملكية العقار واقتراض مئات الآلاف من الدولارات من اجل تحقيق حلم الشراء. ويجعل هذا الوضع السوق الايطالية مثالية للاستثمار لانها تحتفظ بالقيمة وبها العديد من المناطق المقيمة بأقل من قيمتها كما انها تقدم الكثير من المزايا مثل اسلوب المعيشة والتاريخ وجمال الطبيعة.

وما زالت منطقة توسكاني في الطليعة من حيث الجذب العقاري الاستثماري على الرغم من انها الاعلى في الاسعار. ولكن العديد من المناطق الاخرى تنافسها بعقارات مماثلة في المساحة وجمال الطبيعة والمناخ وبأسعار اقل، مثل اومبريا وابروزو وبوغليا. وتؤكد شركات العقار الايطالية ان الطلب الاجنبي على العقار الايطالي لم يتراجع، بل ان المزيد من شركات تطوير العقار الاجنبية تبحث عن مواقع مناسبة في ايطاليا لبداية مشروعات سياحية واسكانية توقعا لمزيد من انتعاش الاسواق. وتتوقع هذه الشركات استمرار ارتفاع الاسعار بنسب تتراوح بين 10 و15 في المائة سنويا.

وتنصح مديرة شركة «بروبرتي كليك» العقارية المتخصصة في ايطاليا، واسمها كلير ستردي، بأن يجري المشتري ابحاثه بدقة على السوق وعلى من يتعامل معهم قبل اتخاذ اي قرار او دفع اي مبالغ مالية.

فهناك الكثير من الشركات العقارية والافراد الذين يتعاملون في السوق من دون ترخيص قانوني، الامر الذي يعرض من يتعامل معهم الى المتاعب في حالات مخالفة الاتفاق. ولا يوجد هناك تأمين يحمي من هؤلاء، والافضل ان يتم التعامل فقط مع الشركات المعتمدة بعد الاطلاع على ترخيصها.

وتقوم شركات العقار الايطالية في العادة بعملية المسح الهيكلي على العقارات التي تعرضها للبيع كما تقوم بكتابة التعاقدات، فالمحامي ليس ضروريا في عمليات شراء العقار الايطالي.

ولذلك من الضروري ان يتم التعامل مع شركات عالية الاحتراف وان تكون الحماية القانونية مكفولة لكل من البائع والمشتري ضد الاخطاء التي قد ترتكبها الشركات.

ويجب الانتباه اكثر الى الشركات التي تبيع العقارات الايطالية من خارج ايطاليا لانها قد لا تكون مخولة لذلك قانونا. ولا بد ايضا من اتباع الخطوات القانونية الايطالية التي قد تختلف عنها في العديد من الدول الاخرى. النصيحة الاساسية هي الحذر عند التعاقد، خصوصا اذا كان المشتري واقعا تحت تأثير سحر المكان والخوف من فقدان عقار الاحلام. ولا بد من الاستعانة بمحامٍ متعدد اللغات للتعامل معه ودفع اي مبالغ نقدية في صندوق خاص يكفل الحماية القانونية وليس لشركات العقار او البائع.

وبعد العثور على شركة العقار المناسبة يمكنها ان تقوم بكل الاجراءات التي يطلبها المشتري بداية من مشاهدة العقار وحتى توقيع التعاقد. كما يمكنها ايضا ترشيح شركات البناء المناسبة وشركات المحاسبة والبنوك من اجل تغيير العملة والاقتراض او فتح الحسابات المحلية.

وهناك بعض المناطق التي تحولت الى مزارات سياحية مما يجعل الاستثمار فيها صعبا نظرا لارتفاع اسعارها، والافضل التوجه الى مناطق ريفية وتاريخية تقدم قيمة افضل، خصوصا في المناطق المفتوحة امام رحلات الطيران الرخيصة من خارج ايطاليا.

أومبريا: وتعد منطقة اومبريا احدى المناطق الاكثر جذبا للاستثمار العقاري المتنوع لانها تجذب مشترين محليين من روما ومناطق قريبة ارتفعت فيها الاسعار الى مستويات غير محتملة محليا. وهي ايضا تجذب المستثمر الدولي من انحاء اوروبا ومن روسيا ودول الشرق الاوسط، لأنها من المناطق غير المكتشفة التي تقدم قيمة سعرية جيدة.

وهناك العديد من الصفقات المربحة التي ما زالت متاحة في اومبريا. وهي من المناطق القليلة في اوروبا التي ما زالت فيها العقارات تباع من على الخريطة. وحتى في هذا الوقت الصعب هناك من يتوقع زيادات سنوية تصل الى 20 في المائة، ولكن لا بد من الحذر من مثل هذه التقديرات. وتتميز اومبريا بمشاهد خلابة على الرغم من انها منطقة لا سواحل لها. ولكنها تتمتع بطبيعة ثرية ومدن عتيقة بها قلاع تاريخية والعديد من المقاهي والمطاعم. وتقدم عاصمة الاقليم بروغيا سنويا مهرجان الجاز العالمي الذي يلقى اقبالا سياحيا طوال شهر يوليو (تموز) من كل عام. وخلال السنوات الماضية ظل التقدم السعري مطردا في اقليم اومبريا، ولكنه تباطأ في العام الى حد التجمد، ولكنه على الاقل لم يتراجع. وتساهم في استقرار الاسعار قيود البناء في اومبريا التي تعتبر اكثر تشددا من مقاطعة توسكاني المجاورة. وتعد المشاريع الاسكانية الجديدة نادرة نسبيا في اومبريا الامر الذي يبقي على معدل الاسعار مستقرا.

وما زال من الممكن العثور على عقارات بأسعار لا تزيد عن مائة الف يورو، وهي عقارات تحتاج في الغالب الى تجديد شامل. ويصل الانفاق في المتوسط الى ما يعادل سعر الشراء لتجديد وصيانة العقارات العتيقة. وهناك العديد من الشركات المتخصصة التي يمكنها ان تتولى عملية تجديد العقارات القديمة بالنيابة عن المشتري، خصوصا اذا كان المستثمر مقيما خارج ايطاليا، مما يجنبه الكثير من الجهد والوقت ومتاعب اللغة في متابعة عمليات تجديد العقار.

ويبلغ متوسط سعر العقار بعد تجديده حوالي 250 الف يورو، وتختلف الاسعار باختلاف الموقع والمساحة، ويشترط ان تلجأ شركات البناء الى استخدام مواد محلية في الصيانة وان تراعي عوامل البيئة في عمليات الترميم.

ويستفيد معظم العقارات المعروضة للبيع من مزايا متعددة مثل ملاعب التنس والغولف وحمامات السباحة الساخنة. وبالمقارنة مع توسكاني ما زالت المنطقة تقل في معدل اسعارها بنسبة تصل الى حوالي 40 في المائة.

وترتفع الاسعار باقتراب العقار من المدن الرئيسية في اومبريا مثل بروغيا وأسيسي وسبوليتو. كما ترتفع بنسبة 20 في المائة على الاقل على شواطئ بحيرة تراسيمينو.

ويقول مستثمرون اشتروا على ضفاف البحيرة، ان المنطقة افضل من توسكاني لانها تقدم الروح الايطالية الاصيلة من دون التأثير الاجنبي المتزايد في توسكاني. كما ان اختيار الموقع يعني ان مدنا مثل العاصمة روما ومدينة فلورنسا لا يبعدان اكثر من 70 ميلا، مما يعني امكانية زيارتهما في رحلات لا تستغرق اكثر من يوم واحد. ولكن السلبية الوحيدة لمنطقة ايطالية اصيلة كهذه ان معظم سكانها لا يتحدثون غير اللغة الايطالية، لكنهم على الاقل يشجعون غيرهم على تعلمها واستخدامها.

مونت فلترو: في منطقة مونت فلترو المجاورة لاومبريا تتكرر الفرص الجيدة مع اضافة الساحل البحري ايضا الذي يطل على البحر الادرياتيكي. وفي المناطق الداخلية يمكن العثور على عقارات تاريخية باسعار مشابهة لما تقدمه اومبريا، ولكن الاسعار تميل الى الارتفاع على السواحل التي يرتادها الايطاليون انفسهم في فصل الصيف. وكان الفنان الشهير بافاروتي يملك فيلا بحرية على شاطئ بيزارو، وتقع بجوارها فيلا مماثلة معروضة للبيع الآن بسعر 7.5 مليون يورو.

وعلى مقربة عشرة اميال من الساحل توجد مدينة فينتور التي تقدم نموذجا خلابا من الريف الايطالي حيث الخضرة على مدى النظر تختلط فيها الحقول بالغابات والتلال مع الوديان. ويقع العديد من القلاع التاريخية على قمم التلال في مشاهد تتكرر في توسكاني واومبريا مع اضافة ميزة الساحل البحري القريب. ويمكن للمشتري الذي يرغب بعقار ريفي من الطراز الذي يسمى «كاسولاري» ان يعثر على بعضها متاحا بأسعار لا تزيد عن مائة الف يورو لمساحات تصل الى مائة متر مربع. وهي في الغالب مشيدة بالاحجار وتتميز بمشاهد خلابة ولكنها تحتاج الى تجديد شامل. وبالمقارنة مع توسكاني، فالاسعار جيدة حيث يصل سعر شقة بغرفة نوم واحدة في مزرعة تم تجديدها في توسكاني الى حوالي 150 الف يورو.

وتجتذب المنطقة معظم المستثمرين بفضل تاريخها العريق الذي يعود الى القرون الوسطى، وايضا جغرافيتها الساحرة. فمعظم العقارات لها سجل تاريخي وحكايات تروى بينما تتمتع كلها بمناظر ريفية خلابة. وكانت المنطقة في العصور الوسطى منطقة نزاع بين عائلتين اقطاعيتين واحدة تحمل اسم مونت فلترو والاخرى اسمها مالاتستاس. وفي منطقة بيزارو هناك مئات القلاع المشيدة على التلال تشهد بهذا الصراع التاريخي بين العائلتين.

وهناك العديد من المشترين الاوروبيين المقيمين في عقارات احلامهم الايطالية ويذهبون بين الحين والآخر لمتابعة اعمالهم، سواء في ميونيخ او في لندن. وتتيح التقنيات الحديثة امكانية متابعة بعض الاعمال من ايطاليا بواسطة الانترنت. وهي ايضا منطقة تتيح السفر السريع الى ارجاء اوروبا من مطار انكونا الذي يبعد 40 دقيقة بالسيارة. وتتراوح مسافات السفر الجوي بين ساعتين لالمانيا الى ثلاث ساعات الى لندن. وتتفوق المنطقة بقربها من المطار عن المناطق النائية الاخرى في توسكاني واومبريا التي تماثلها في الاسعار.

جزر البندقية: تنتشر الجزر الصغيرة حول مدينة البندقية (فينيسا) وهي جزر توفر الهدوء مع الطبيعة نظرا لصعوبة الوصول اليها. وهناك تفاوت كبير في الاسعار بين الجزر المختلفة وبين انواع العقارات المتاحة. وتتميز كل جزيرة بطابع معماري خاص ومزايا تختلف عن غيرها، واهم الجزر المتاحة للاستثمار هي مورانو وتورسيللو وبورانو ومازوربو.

ويحتاج المشتري للوصول الى هذه الجزر الى رحلات بحرية بالزوارق تستغرق ما بين 20 الى 40 دقيقة من الساحل الايطالي. وهي ليست الاستثمار المثالي للتأجير وانما للاحتفاظ بها لفترة وتوقع ارتفاع القيمة. وتقل الاسعار في الجزر النائية بنسبة النصف تقريبا عن اسعار مدينة البندقية السياحية المشهورة. وتبدأ الاسعار من حوالي 3700 يورو للمتر المربع مقارنة بحوالي ثمانية آلاف الى 18 الف يورو للمتر المربع في البندقية.

وتتيح هذه الجزر ايضا انواعا متعددة من العقارات بداية من اكواخ الصيادين الى المنازل الريفية والمزارع. ويفضل الكثير من المشترين البقاء بالقرب من المدن الايطالية الرئيسية. ولذلك فان المستثمرين في عقارات هذه الجزر هم فئة خاصة جدا من المشترين الذين يفضلون الجمال الطبيعي لذاته. وفي بورانو، تعتمد الجزيرة على السياحة اليومية من الشواطئ القريبة وما زال العديد من ابنائها يعملون في الصيد البحري وتحتفظ الجزيرة بطابع القرية لتعداد لا يزيد عن 30 الفا. وهي تشتهر ايضا بزيارات المشاهير لها كما ترتبط بجزيرة مازوربو المجاورة بجسر بحري.

وهناك مشاريع تطوير في جزيرة مازوربو لجذب المزيد من السياح ولكنها تعتمد اكثر على الدخل الزراعي وتنتشر فيها مزارع الكروم. وتشتهر الجزيرة بالعقارات الريفية التي تضم خلفها حدائق او مزارع كروم، وهي ما زالت بأسعار معقولة تبدأ من 3700 يورو للمتر المربع.

وبالقرب من البندقية تقع جزيرة مورانو التي تشتهر بصناعة الزجاج والبلور والمرايا والحرف اليدوية. وتعود هذه الصناعات الى القرن الثالث عشر وهي تجذب الآن اعدادا متزايدة من السياح.

ورغم ان الطلب العقاري الاجنبي في مورانو يقل عما هو عليه في بورانو الا ان الاسعار فيها اعلى. ويعتمد العقار فيها على الطلب المحلي من العاملين في مصانع الزجاج وايضا من القائمين على مشروعات سياحية. وتباع شقة من غرفتين بحديقة بالقرب من محطة الزوارق المركزية بحوالي 350 الف يورو. وهي تختلف عن بورانو بتنوع نماذجها العقارية واختلاط نمط الحياة فيها بين الزراعة والصناعة.

اما الجزيرة التي تشبه البندقية في نموذج مصغر فهي جزيرة تورسيللو، وهي ايضا الابعد عنها بحريا. وهي تشتهر بأنها جذبت المشاهير في الماضي مثل ايرنست هيمنغواي الذي اقام فيها فترة في الاربعينات كما زارها كل من الملكة اليزابيث الثانية وونستون تشرشل والفنان مارك شاغال والممثلة كيم نوفاك وايضا تشارلي شابلن. وهي جزيرة سياحية من الطراز الاول بها العديد من القصور التي تعود في تاريخها الى القرن الخامس عشر.

وتقول شركات العقار المحلية ان العثور على عقار في تورسيللو ليس مهمة سهلة، ويحتاج المشتري الى زورقه الخاص لكي يصل اليها. وهي الموقع المفضل لمن يريد العزلة والابتعاد عن زحام المناطق الاخرى. وتستفيد جميع جزر المنطقة من سمعة البندقية السياحية وقوة اسعار عقاراتها، وهي جميعا تعد باستمرار النمو على المدى البعيد.