جنوب أفريقيا.. سوق عقارية تستعد لكأس العالم

قريبة من الخليج وتقدم قيمة جيدة مع بعض المخاطر

سوق العقارات في جنوب أفريقيا تقدم فرصا جيدة وبعض المخاطر
TT

جنوب أفريقيا من أسواق العقار التي لا تعتبر مشهورة عربيا، على الرغم من ان لها جمهورا كبيرا من المعجبين الأوروبيين. وهي بحسب العديد من التقارير تشتهر بالقيمة العقارية الجيدة وموقعها الجغرافي الفريد، الذي يجعلها في نفس التوقيت الأوروبي، رغم وجودها على الجانب الآخر من العالم. وهي أيضا قريبة جغرافيا من منطقة الخليج، وتقدم للمستثمر العربي فرص استثمار بديلة وقيما عقارية مرشحة للزيادة بعيدا عن متاعب الأسواق الغربية. وتستعد جنوب أفريقيا عقاريا واستثماريا لاستقبال دورة كأس العالم لكرة القدم في عام 2010. وبغض النظر عن أي عوامل أخرى فإن كأس العالم وحدها تجعلها فرصة عقارية نادرة في عالم اليوم.

ولكنها أيضا سوق ذات مخاطر عالية، حيث تعاني من نسبة عالية من العنف أكثر من معظم الأسواق الأخرى، كما ان بها بعض المشاكل المتعلقة بالبنية التحتية بسبب تراجع الاستثمار الهيكلي فيها، وهي تعاني من انقطاع في التيار الكهربائي أحيانا ومن التوتر العرقي. ولكن هذا التعميم لا يسود بعض المدن والأحياء التي تتمتع مناطق فيها بالهدوء والأمان وتشهد الاسعار فيها تقدما مطردا طبقا للعديد من التقارير العقارية.

ووفقا لتقديرات جامعة جوهانسبيرغ كانت أسواق جنوب أفريقيا تنمو بنسب تصل الى 35 في المائة سنويا، في أيام الطفرة العقارية العالمية في عام 2004، وهي نسبة تراجعت كثيرا الان. ولكن الطلب العقاري لا يزال ينمو بقوة بفضل طبقة متوسطة تكبر بسرعة وقوانين التحرير الاقتصادي وتشجيع استخدام العمالة المحلية. ولا تزال الطبقة المتوسطة في جنوب أفريقيا تنمو بمعدلات عالية تصل الى 30 في المائة سنويا. وهي طبقة لها مواصفات مميزة تتكون من صغار المحترفين الذين خرجوا للمرة الأولى من مناطق السود المعروفة باسم «تاونشيبس»، ويمثلون في ما بينهم اول جيل من السود حاصل على درجة جامعية ويملك سيارة.

ويقول تقرير حديث من البنك الدولي عن الوضع الاقتصادي في جنوب أفريقيا ان الطبقة الوسطى الأفريقية الجديدة ضاعفت من دخلها في اقل من عشر سنوات حتى عام 2005.

وتمثل شريحة الطبقة الوسطى قطاعا مهما في نمو السوق العقاري، لان السود يمثلون نحو 80 في المائة من التعداد ويعتبرون المحرك الرئيسي لنمو سوق العقار في المستقبل طبقا للتقرير.

وينمو الطلب على كل قطاعات السوق، خصوصا قطاع المدخل مع نمو الطلب العالمي على المعادن والمصادر الطبيعية التي تصدرها جنوب أفريقيا. وخلال النصف الأول من هذا العام بلغ نمو فئة المدخل في سوق العقار نحو 11 في المائة، بينما كانت النسبة في الفئة المتوسطة نحو ثمانية في المائة. وكان الطلب المحلي هو المحرك الرئيسي لهذه الزيادات التي تخالف توجهات الأسواق العالمية الأخرى.

ورغم ان حكومة جنوب أفريقيا تأمل في تطوير مناطق السود مثل سويتو، إلا ان التيار السائد في هذه المناطق هو الإيجار وليس التملك، كما انها ما زالت مناطق غير مطورة وتستوعب هؤلاء الذين لا يستطيعون الشراء او الإيجار في المدن وفي المناطق التي كانت في السابق تقتصر على البيض فقط. وتحاول بعض شركات العقار المحلية تطوير مساكن في فئة المدخل تتيح للقطاع دون المتوسط الانتقال الى سكن أفضل مع البقاء في المناطق الريفية من دون النزوح الى المدن. ويجري الان في سويتو بناء ثالث مول تسوق لتشجيع السكان على الإنفاق في المنطقة المحلية التي يسكنون فيها، بدلا من الذهاب الى المدن للتسوق. ولكن هذا التوجه يبدو سابقا لأوانه، حيث البنية التحتية في هذه المناطق غير متطورة ولا تشجع على البقاء فيها.

وفي هذا السياق أشار تقرير عقاري من مؤسسة «أفريكا أنفست» الى عقد استثمارات عقارية كبيرة الحجم، منها ما حقق نسبة ارباح كبيرة للمستثمرين فيها، مثل صفقة بيع مول تسوق اسمه فيكتوريا وألبرت لمجموعة استثمار لندنية بسعر 700 مليون دولار. كما استكملت شركة يوروكيب العقارية مشروعا في كيب تاون لبناء 180 شقة و4500 متر مربع من المساحات التجارية. وبعد نجاح المشروع أقبلت الشركة على بناء فندق «تاج» في قلب المدينة، وهو مشروع هندي لبناء فندق من فئة الخمسة نجوم لصالح مجموعة تاتا.

من المزايا الأخرى التي يقدمها سوق جنوب أفريقيا بقاء معدلات التضخم وأسعار الفائدة تحت السيطرة، كما ان أسعار العقار منخفضة بالمقاييس العالمية. ولكن يلاحظ ان قطاع العقار التجاري الذي ظل ينمو بلا هوادة لمدة عشر سنوات يبدو الان منهكا وقد يكون مقبلا على تراجع، نظرا للتوسع الفائض عن الحاجة فيه طبقا لـ«أفريكا أنفست». ولا يزال قطاع المكاتب ينتظر الكثير من التوسع حيث معدل المكاتب الشاغرة يقل عن خمسة في المائة حاليا، واقل من اثنين في المائة في مدينة كيب تاون. وهناك توقعات بان ينمو قطاع المكاتب في جنوب أفريقيا بنسبة 20 في المائة سنويا في المدن الرئيسية.

وفي هذا الإطار ربما ترسم جوهانسبرغ صورة مصغرة أكثر وضوحا وتركيزا عن أحوال السوق العقاري في جنوب أفريقيا أكثر من اي موقع آخر. ففي وسط المدينة تنتشر البنايات المهجورة جنبا الى جنب مع ناطحات السحاب. وبين أبواب الجمعيات الخيرية ومحال بيع الأغراض المستعملة للفقراء والمهاجرين، تظهر لوحات قديمة لشركات او دور سينما كانت تزين شوارع المدينة في الماضي قبل ان تهجرها نحو الضواحي، حيث يعيش الأثرياء الان خلف حواجز وبوابات مكهربة.

ويصف سكان المدينة ان ما حدث هو نتيجة لنحو 15 عاما من هروب البيض منها، تحول معه وسط المدينة الى منطقة فقيرة. ومازالت الثروة في جنوب أفريقيا تقسم على خط عنصري منذ زمن حكم البيض لهذا البلد الأفريقي.

ولكن رغم مشاكل الجريمة والخوف في وسط جوهانسبرغ، إلا انها تمر الان بمرحلة إعادة النهضة إليها. فالعديد من أفراد الطبقة المتوسطة وشركات تطوير العقار والقادمين الجدد الى المدينة كلهم يشجعون فكرة إحياء وسط المدينة مرة أخرى. ويعتقد هؤلاء ان توجهاتهم ناجحة لسببين رئيسيين هما:

أولا – يشير هؤلاء الى جمال وسط المدينة الظاهر، رغم سنوات الشقاء التي مرت بها. فهناك شوارع رئيسية واسعة تسمى بوليفارد تحفها الأشجار وعقارات تاريخية من طراز «آرت ديكو» ومبان تزينها النقوش المعمارية والقباب التي تعود الى عصر تعدين الذهب. وهناك العديد من أبناء المدينة الأثرياء الذين يفضلون البقاء فيها على الذهاب الى الضواحي والمعيشة خلف أسوارها المكهربة.

ثانيا ـ تبدو المدينة حتى الان مقسمة على الخطوط العنصرية بمناطق للبيض وأخرى للسود، وهي أيضا مناطق مقسومة من حيث الثروة، ومغلقة الى حد ما وغير مفتوحة لغيرها. وتحاول المدينة الان، بالمشروعات الجديدة، استعادة روح المساحات العامة للجميع التي تأتي بالمشروعات المشتركة والتجديد العمراني المفتوح للجميع.

وهناك بعض المشاريع التي تحاول بها المدينة استعادة ماضيها، ومنها مشروع ترميم وإصلاح وإعادة بيع برج «بونت» المكون من 54 طابقا. فهذا البرج كان علامة معمارية على نجاح المدينة ويمكن رؤيته من كل ضاحية فيها، ولكنه مع انتقال الحكم في جنوب أفريقيا الى الأغلبية السوداء تحول الى مركز لعصابات السطو المسلح، وملجأ للعاطلين عن العمل والمهاجرين بعد ان هجره سكانه الاصليون. وبعد ان كان البرج عنوانا مرموقا في السبعينات أصبح مكانا مهجورا. ولا يزال المشروع تحت الترميم وتقع بعض الشقق في الطوابق العليا التي تطل على بانوراما المدينة. وتم إخلاء كل السكان في نهاية العام الماضي وإعادة تأهيل المبنى بالكامل. وتبدو الشقق جيدة المساحات وتبدأ أسعارها من حوالي 50 الف دولار لشقة من غرفة واحدة. وتعد الاسعار المنخفضة أهم ميزة في هذه الشقق التي تجعلها في متناول الطبقة المتوسطة الجديدة النازحة من مناطق السود. ويقدم البرج فرصة نادرة لمبنى سكني مختلط بين البيض والسود في مجتمع مفتوح تعد جوهانسبرغ في أمس الحاجة إليه.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لكل مستثمر في جوهانسبرغ وفي جنوب أفريقيا بوجه عام هو: هل يتمتع الموقع بالأمان فعلا وهل الخدمات الأساسية والبنية التحتية توفر مناخا مناسبا للاستثمار؟ تعتمد الإجابة على هذا السؤال على الجهة التي تجيب عليه. فالبعض يرى الكأس نصف مليئة والبعض الآخر يراها نصف فارغة. على الجانب الايجابي تقول بعض التقارير ان الوضع فيها أفضل مما كان عليه منذ بضع سنوات، وان التحسن مستمر في المدى المنظور. وقد بذلت المدينة جهدا ملحوظا في مكافحة الجريمة استعدادا لاستقبال مسابقات كأس العالم بعد اقل من عامين. ولكن المناخ العام مازال دون المتوقع بمقاييس المدن العصرية. فلا توجد مقاه ولا مطاعم ولا منافذ بيع حديثة تعمل في انفتاح وأمان مثل بقية المدن.

ولعل المشروع الوحيد الذي يضم كل هذه العناصر هو مشروع ستانلي في حي برامفونتين على طرف وسط المدينة. وهو مشروع متكامل ويقع في منطقة كانت عالية الخطورة منذ خمس سنوات فقط الى درجة الامتناع عن المشي فيها خلال ساعات الليل. أما الان فهي عامرة بالمقاهي ومشاريع البناء الحديثة والمكاتب التي يتم تشييدها على نحو تتغير معه ملامح المكان كل عدة اشهر. ويشعر المشاهد لقلب المدينة انها تتطور بسرعة، رغم التباطؤ الواضح في اقتصاد جنوب أفريقيا مثل بقية اقتصادات العالم. ويتركز النشاط المعماري حاليا في المدن الرئيسية وأهمها جوهانسبرغ. ويبدو ان النمو يخلق معه أيضا مشاكل افتقار المدينة الى التخطيط الجيد وازدحام شوارعها بالمرور، بينما تبقى ناطحات السحاب في وسط المدينة نصف شاغرة. وهناك كم هائل من الطاقة التي تتوجه الى نمو المدينة، وهي طاقة تبدو عشوائية في الوقت الحاضر ولكنها تمثل النبض لمدينة تسعى للنمو السريع وقد يكون الان هو الوقت الأفضل لخوض مغامرة الاستثمار فيها.