أستراليا: ملبورن.. المال لا يكفي لشراء العقار الذي تريد

معظم الصفقات الكبيرة تحدث في هدوء حيث تنتقل العقارات بين العائلات الثرية في سرية

قلة العرض وتشبث الناس بعقاراتهم من الظواهر المعروفة في ملبورن (خدمة كي آر تي)
TT

في بادئ الأمر، لم تكن هناك تطلعات طموحة بشأن مستقبل تلك المقاطعة الآسرة التي تتمتع الآن بشاطئ جميل تزينه رمال بيضاء ومياه زرقاء وبها أغلى العقارات في ولاية فيكتوريا الاسترالية، فعندما وصلت مجموعة تضم بريطانيين وعددا من المجرمين المدانين إلى هذا المكان عام 1803، لم يلبثوا طويلا حتى قالوا إن هذه المنطقة ليست مناسبة ورحلوا بسفنهم إلى الجنوب بعد سبعة أشهر فقط من وصولهم. ولكن، في الوقت الحالي، لدى السكان رأي أفضل بشأن خليج «سوليفان» الذي يقع بالقرب من قرية «سورنتو» جنوب شرقي استراليا، لا سيما ذاك العقار الممتد على 1.2 هكتار الذي بيع في أبريل (نيسان) مقابل 18.4 مليون دولار استرالي (17.6 مليون دولار أميركي). تعد هذه العروض نادرة في هذا الامتداد الساحلي بشبه جزيرة مورنينجتون بولاية فيكتوريا، وكذا في عاصمة الولاية، ملبورن، فمن النادر أن يتم بيع العقارات الفخمة الغالية الثمن، وإذا ما حدث وبيع أحدها، فغالبا ما تجرى الصفقة سرا. وبالنسبة لهذا المبنى الذي يطل على الخليج، فقد كانت آخر مرة يعرض فيها في السوق عام 1890. وتم عرضه للبيع بعد نزاع قضائي استمر لمدة عشرة أعوام. وبعد كثير من التأخير، اشترى المكان في النهاية أعضاء عائلة شلمردين. ويقول ديفيد موريل، وهو متخصص في شؤون العقارات بهيئة «موريل آند كورن»:«في ملبورن، لا يتعلق الأمر بما تعرف، بل بمن تعرف. وفي سيدني، يبدو على وجهك مقدار ما تكسبه والمكان الذي تعيش فيه. فعن طريق المال يمكنك استغلال الفرص، ولكن ملبورن تهتم أكثر بالمؤسسات». وعلى الرغم من أن سوق العقارات التي كانت نشطة في تلك المدينة الساحلية تتراجع شيئا فشيئا تحت ضغط الزيادات المتعاقبة في معدلات الفائدة والاضطراب العالمي، فما زال قطاع العقارات الفخمة في ملبورن يحافظ على ثبات نسبي. وقد ارتفعت أسعار عقارات الإسكان بنسبة تبلغ أكثر من 4 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة المنتهية في 31 مارس (آذار). وما زالت ملبورن، التي يبلغ عدد سكانها 3.75 مليون نسمة، تجذب عددا أكبر من الوافدين مقارنة بسيدني التي يبلغ عدد سكانها 4.3 مليون، في الوقت الذي يقول فيه بعض المتخصصين انها من الممكن أن تكون أكبر مدينة في أستراليا بحلول عام 2020. ومبعث القلق الرئيس لدى سماسرة العقارات في مدينة ملبورن ليس هو كثرة الطلب ولكن في قلة العرض، خاصة أن العديد من أصحاب المنازل الأثرياء يتشبثون بما لديهم من عقارات. يقول موريل:«العديد من المشترين يأتون إلى من لديهم الكثير من المال، ولكن هؤلاء الناس لن يتحركوا لمجرد حفنة من الدولارات. في بعض الأحيان أعرض الملايين، فهناك أكثر من مكان يستحق هذا، ولكن يقول الملاك لي «مليونا دولار في هذه المرحلة من حياتي لن يصنعا فارقا بالنسبة لي». «لقد أمسى المال لا يسعفني».

ومعظم الصفقات الكبيرة التي يقوم بها موريل تحدث في هدوء، حيث تنتقل العقارات بين العائلات الثرية في سرية وتكتم، مثلما حدث في صفقة قصر كومارو في ضاحية توراك الذي بيع مقابل 8.4 مليون دولار إلى لين وارسون. وتحدث صفقات كبيرة أخرى على مائدة العشاء، حيث يقول موريل:«يبيع الكثيرون بعيدا عن السوق مقابل سعر أرخص لأنهم يريدون الحفاظ على خصوصيتهم ولا يريدون أن تتحدث الصحف عنهم. منذ 35 عاما، كانت المزادات نادرا ما تعقد، وكانت تجرى صفقات البيع في السر وأعتقد أننا نرى العجلة تعود للوراء مرة ثانية». ويتفق المؤرخ جريم دافيسون مع هذا الرأي، ويشير إلى أنه لم تعد هناك شعبية للمزادات. ويقول: «في الوقت الحالي، يجري السماسرة المتخصصون عددا أكبر من صفقات البيع بصورة سرية، وهناك عدد من الملاك يفضلون البيع سرا». ولكن تصبح بعض صفقات البيع السرية معروفة في نهاية المطاف، مثلما حدث مع الصفقة التي بلغت 12 مليون دولار العام الماضي وهي قيمة قصر بضاحية توراك يحتوي على ست حجرات نوم وكان يمتلكه دنيس روتش. وقد أعلن في يناير (كانون الثاني) عن أن المشتري هو ديفيد فوكس، ابن الملياردير ليندساي فوكس. وكان فوكس الأب قد دفع 21 مليون دولار عام 2005 لشراء أحد أشهر المنازل «بومرانج» بسيدني قرب الساحل من أجل ابنته كاترينا. وقد ساعد الرخاء الاقتصادي في استراليا على رفع العملة المحلية إلى أعلى قيمة لها خلال 25 عاما، حيث تقدر بأكثر من 96 سنتا أميركيا. ومن الاستثناءات البارزة العشرة ملايين دولار التي دفعها الرئيس الجديد لبنك «إيه إن زد» مايكل سميث مقابل قصر في ضاحية تورك به أربع حجرات نوم خلال العام الماضي. يذكر أنه لدى الكثير من العائلات المحلية مشاكل في العثور على مكان جيد لأبنائهم في المناطق الأكثر فخامة في ملبورن. ويقول جريمي فوكس من هيئة «أر تي إدجار» ، وهي لا علاقة لها بليندساي فوكس:«تعتني العائلات بأبنائها بصورة استثنائية في ملبورن. تقول بعض العائلات الثرية لأطفالها: « إليك بعض المال كي تحسن من منزلك» ، ولكن لا توجد فرص لشراء المنازل هناك». وقد دفع هذا الوضع بعض المشترين إلى ضواح بعيدة مثل مالفرن وهوثورن، حيث يقول السماسرة إن العقار قد ارتفع بشكل كبير ليصل لنحو ؟؟؟؟؟ دولار للمتر المربع بعد أن كان ؟؟؟؟؟ دولار للمتر المربع خلال الأعوام الأخيرة.

وحسب معهد العقارات بولاية فيكتوريا، فإن متوسط سعر العقارات السكنية خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في 31 مارس (آذار) بلغ 1.35 مليون دولار في مالفرن و1.2 مليون دولار في هاوثورن. ويفضل مشترون آخرون العقارات التي تقع على جانب الخليج في بريتون، حيث يبلغ السعر في المتوسط نحو 1.68 مليون، وفي سورنتو، حيث قرر المستوطنون البريطانيون الأوائل أن يرحلوا.

* خدمة «نيويورك تايمز»