كيف تقتنص الفرص في عصر الأزمة العقارية؟

مستثمرو الشرق الأوسط «ملوك السوق» وفرص بالجملة لمن يشتري نقدا

بريطانيا من بين الأسواق العقارية المغرية بالاستثمار الآن مع التراجع الملحوظ في أسعار المنازل فيها (تصوير: حاتم عويضة)
TT

توفر فترة عدم الاستقرار الحالية في اسواق العقار والاستثمار فرصا بالجملة لمن يتطلع الى المدى البعيد، وفقا لمدير استثمار صندوق كارلايل العقاري، روبرت هودجز، الذي يملك نحو 200 عقار موزعة في انحاء اوروبا. وفي الوقت الذي تعاني فيه البنوك من مرحلة انعدام سيولة في الاقراض، فإن المستثمر الذي يتقدم للشراء نقدا تتاح امامه فرص غير مسبوقة. ويخص هودجز مستثمرين من الشرق الاوسط يقبلون الان على الشراء العقاري بالجملة في تعاقدات نقدية. ويصفهم هودجز بأنهم «ملوك السوق» في المرحلة الحالية.

وهو يعترف بأن عوائد العقارات الايجارية تراجعت في الفترة الاخيرة بعدة نقاط نظرا لوجود فوائض عقارية معروضة للايجار بسبب عدم القدرة على البيع، ولكنه يعتقد ان الفترة الحالية مؤقتة وان الاسعار والعوائد سرعان ما ستعاود ارتفاعها خصوصا بعد هدوء الاسواق المالية النسبي عقب خطوة الانقاذ الهائلة التي اقبلت عليها الحكومة الاميركية. ولكن انتهاز الفرص المتاحة لا بد وان يكون مبنيا على معرفة جيدة بالسوق وبالفرص الجيدة المتاحة، خصوصا العقارات ذات النوعية العالية في مواقع متميزة.

وتعتمد الفرص المتاحة سواء في العقارات السكنية او المكتبية على اساسيات السوق من حيث التقييم وليس على براعة الادوات المالية كما في الماضي. وفي مجال المكاتب لا يشتري صندوق كارلايل مكاتب شاغرة لان فرص اقبال شركات عليها ضئيل في الوقت الحاضر، خصوصا في الاحياء المالية التي كانت حتى وقت قريب مزدحمة بشركات الخدمات المالية. وتعقد الصفقات حاليا بناء على قيمة الايجارات التي توفرها المكاتب وطول فترة التعاقدات الموثقة.

ومن الافكار التي يقدمها هودجز ان صناعة العقار هي في الاساس صناعة محلية ولا يجب الحكم عليها من بعيد. فلا بد من وجود خبراء محليين لتقييم العقارات وقيمتها وعوائدها. كما ان بعض المواقع لا تصلح للاستثمار في الوقت الحاضر لانها شبه منهارة من حيث القيمة، حيث تخشى الاسواق من مجرد تسعيرها حتى تنتهي موجة التدهور. ولكن في اسواق اخرى توجد فرص مربحة، منها مدن مثل باريس وستوكهولم وهامبورغ.

ومع ذلك يجري الصندوق ابحاثه باستمرار على الاسواق غير الملائمة الان للتعرف على الفرص فيها لاقتناصها في الوقت المناسب. ويدرس الصندوق عوامل مثل المواقع الجيدة وسهولة المواصلات ونواحي البيئة ايضا. وبعد استكمال الابحاث يتم ترتيب الاسواق المختلفة وفقا لاولوية الدخول في كل منها في التوقيت المناسب. ولكن اجراء الابحاث المطولة لا يعني التلكؤ في اتمام الصفقات حيث يقول هودجز ان صندوق كارلايل «انتهازي» وعندما يتم تحديد الفرص وتوقيتها يكون الانقضاض عليها سريعا.

وفي الشهور الستة الاخيرة اقتنص الصندوق العديد من الفرص منها مجمع تسوق بريطاني ومجموعة مكاتب في فنلندا وعدة فنادق في باريس. وهي جميعا استثمارات تقع ضمن صندوق استثمار واحد ضمن صناديق الشركة.

وهو يعترف بوجود خلاف بين الخبراء داخل الصندوق بين من يريد ان يشتري الان وبين من ينصح بالتريث حتى يصل السوق الى القاع وتظهر فرص افضل او تنخفض اسعار الصفقات المعروضة حاليا. ولكن هودجز يعترف ان من ينتظر قاع السوق قد يخطئ في حسابات التوقيت وبالتالي تفوته فرص سانحة الان. ولذلك فهو يتخذ القرار النهائي بالدخول في الاسواق الان حتى ولو لم تكن الاسعار قد وصلت الى ادنى مستوياتها. ولكنه يرجح ان تستمر الاسواق في تراجعها خلال الربع الاخير من العام الجاري الذي قد تصل خلاله الاسواق الى قاعها. وهناك العديد من المشاكل الموجودة في السوق منها تردد المستثمرين واستمرار تراجع قيمة العقار مع تشدد البنوك في الاقراض. كما تتوقع الاسواق زيادة الضغوط على الشركات بأنواعها مع تراجع اسعار الاسهم بالمقارنة مع قيمة الاصول. ويدفع هذا الوضع الى موجة من الاندماجات لحماية الشركات من السقوط وايضا لاقتناص الفرص، في مرحلة يسودها تدعيم الاوضاع في السوق.

ولكن تبقى صعوبة تمويل الصفقات من اي نوع مما يطرح اهمية المستثمر عالي السيولة مثل مستثمر الشرق الاوسط. وفي كل الاحوال ينصح هودجز بالصراحة التامة مع البنوك فيما يتعلق بمشاريع الاستثمار ونسبة الحاجة الى التمويل. ويميل هودجز الى الاعتقاد بأن موجة التصحيح جاءت عميقة ومؤثرة وانها لم تنته بعد. ولكنه يضيف ان التصحيح سوف يصل الى مداه ويعقبه انتعاش سوف يكون اقوى من توقعات كثيرين.

ولعل اهم العوامل التي تمنع عودة الانتعاش الى الاسواق حاليا هو صعوبة التمويل. وهذه الصعوبة الناتجة من ازمة الائتمان تمنع حتى هؤلاء الذين يكتشفون فرصا جيدة في السوق من العودة مما يضيف من ازمة الاسواق. وكان الائتمان الرخيص والسهل وراء موجة الانتعاش السابقة التي تحولت الى فقاعة انفجرت فجأة مع ظهور ازمة الرهن العقاري وما تبعها من ازمة ائتمان في الصيف الماضي.

وخلال الاشهر الستة الاخيرة تراجعت صفقات العقار الاوروبية الى النصف مقارنة بالفترة نفسها خلال عام 2007، وفقا لاحصاءات البنك المركزي الاوروبي. وقال مدير شركة عقار بريطانية ان لدية 30 صفقة عقار تجاري تنتظر موافقة البنوك على التمويل، ولكن لم يتم بعد الموافقة على اي منها. وفي حالات سبق الموافقة عليها سحبت البنوك موافقاتها على رغم ان الصفقات تخص صناديق استثمار من الحجم الكبير. وتشترط البنوك ان تزيد هذه الصناديق نسبة تمويلها الذاتي للصفقات والا فعليها البحث عن ممول اخر.

وتعمل معظم البنوك على تقليص تعرضها لمخاطر الائتمان في القطاع العقاري الذي تعتبره قطاعا ساما (Toxic)، وهي تريد تخفيض نسبة استثمارها في هذا القطاع وليس زيادتها. وتلجأ بعض البنوك الى زيادة اسعار الفائدة الخاصة بها او زيادة تكاليف تدبير القروض حتى تجبر المقترض على الذهاب الى جهات اخرى.

وفي دراسة قامت بها جامعة دي مونتفورد، كان تقدير حجم القروض العقارية التجارية في اوروبا بحوالي 500 مليار دولار تقريبا، وتريد البنوك تقليص قيمة هذه القروض بنسبة الثلثين خلال السنوات الخمس المقبلة.

ولكن رغم متاعب التمويل فإن السوق ليس مجمدا تماما. فهناك فرص للحصول على التمويل العقاري ولكن بشروط. وهناك بعض الصفقات التي تتم على اساس تمويل نسبة 75 في المائة من قيمة العقارات مع تحمل المستثمر نسبة الربع الباقية. وفي بعض الحالات ترفض البنوك تمويل صفقات تزيد في قيمتها على 50 مليون دولار. وتقول شركة سافيل العقارية انها اجرت مسحا على حوالي 120 بنكا لاستطلاع استعدادها للتمويل، فاكتشفت ان 22 بنكا فقط منها لديها استعداد لتمويل صفقات اكبر من مائة مليون دولار، بينما وافق 15 بنكا على قدرة تمويل صفقات تصل بين 30 و100 مليون دولار. ولكن الدراسة لاحظت ايضا دخول بنوك جديدة الى السوق قدرت عددها بنحو 16 بنكا، من بينها بنوك من الشرق الاوسط، وكلها تبحث عن فرص تمويل جديدة في السوق. وخلص التقرير الى ان السوق لا يعاني من نقص البنوك المستعدة للاقراض، ولكن البنوك تفرض شروطا قاسية وتكاليف باهظة، وكأنها تدفع المستثمر دفعا الى اعادة النظر في دخول المجال العقاري في الوقت الحاضر.

واحد جوانب المشكلة ان سوق المشتقات المالية المتعلقة بتداول الديون العقارية مغلق تماما حاليا، وهو السوق الذي استخدم في الماضي لتمويل موجة الانتعاش العقاري بائتمان سهل ورخيص. وتقدر جامعة دي مونتفورد حجم القروض العقارية المتراكمة لدى البنوك الاوروبية ولم تتحول الى مشتقات مالية في الوقت المناسب بحوالي 22 مليار دولار، وهي ديون ما زالت تكبل ميزانيات البنوك وتحد من قدرتها على الاقراض الجديد. ولذلك لن تكون هناك عودة قريبة للتمويل العقاري السهل كما كان الوضع قبل ازمة الائتمان، كما ان انعكاس ذلك على اسعار العقار يعني ان بداية صعود الاسعار مؤجلة ايضا الى بداية العام الجديد على الاقل.

من ناحية اخرى، هناك توجه جديد في الاسواق لاستبدال الاستثمار في العقار باستثمار ورقي من نوع آخر في ديون العقار. فالعديد من البنوك، ومنها بنوك مفلسة مثل ليهمان بروزرز، تعرض في السوق محافظ ديون بعضها رديء، او سام، والبعض الآخر متوسط او جيد النوعية. ويمكن اختيار درجة المخاطر المطلوبة والاستثمار في هذه المحافظ، خصوصا ان خطوة الانقاذ الاميركية تكاد تضمن الديون العقارية الاميركية في هذه المحافظ. وتدر هذه الاستثمارات حاليا عوائد تتراوح بين ثمانية و13 في المائة في القطاع جيد النوعية.

وهناك العديد من الجهات التي قلصت تعرضها للقطاع العقاري خلال العام الاخير منها صناديق المعاشات وصناديق الاستثمار والبنوك. وما زال هذا التوجه فاعلا في السوق حاليا مع تراكم المخزون النقدي لدى هذه الجهات في انتظار الفرص الملائمة. ويرى البعض ان الوقت قد بات قريبا لدخول بعض المستثمرين في السوق عندما تهبط الاسعار الى الحد المناسب الذي يتيح فرصا للربح من الاستثمار العقاري مرة اخرى.

ولكن القناعة السائدة في السوق حاليا هي ان هناك فجوة توقعات بين ما يريده المستثمرون وما يتوقعه البائعون. والوضع الحالي شبه مجمد مع تزايد الضغوط على البائعين وليس على المشترين. فالازمة الائتمانية خفضت من الطلب الخاص على الايجارات، سواء كانت في قطاع المكاتب او قطاع الاسكان. ومع هبوط العوائد الايجارية يزداد الضغط على اسعار العقار نفسها حتى تصل الى المستوى الذي يجعلها جذابة في منافسة فرص الاستثمار الاخرى. وتضع الشركات المستثمرة في حساباتها عامل خطورة آخر هو احتمال عدم قدرة المستأجرين على دفع ايجارات المكاتب.

ويقول كريستوفر كوبر رئيس قسم الاستثمار في شركة دي تي زد ان بعض المشترين في القطاع التجاري يتوقعون خسائر في الايرادات (يسميها عوائد سلبية) خلال هذا العام قبل تحقيق عوائد اقل من عشرة في المائة خلال عام 2009. وسوف يتعين على المستثمرين، وفقا لتوقعات كوبر، العمل الجاد للبحث عن الفرص الجيدة في المجال العقاري، وادارتها بفعالية حتى تحقق نسب الارباح المتوقعة.

وتعترف شركات الاستثمار العقاري بأن قاع السوق لم يتحقق بعد وان الاسعار ما زالت في طريقها الى اسفل. ولكنهم يحذرون المستثمرين من التأخر في دخول السوق لانهم قد يفقدون فرصا جيدة عندما يعود الانتعاش مرة اخرى. وتقول شركة فروست العقارية ان الافضل للمستثمر الشراء عند هوامش عشرة في المائة قبل بلوغ قاع السوق. وبالتالي تعتقد الشركة ان العديد من الفرص الجيدة سوف تظهر في الاسواق خلال العام المقبل.

ومن مزايا الاستثمار المبكر ان المنافسة تكون قليلة والعروض كثيرة وفرص التفاوض جيدة. ولكن مع بداية الصعود سوف تقل الفرص وتشتد المنافسة وتتقلص فرص التفاوض. ويتفوق الاستثمار المبكر، خصوصا اذا كان للمدى البعيد، واذا كانت العوائد الحالية تصل الى نسبة ستة في المائة فان الاستثمار في هذه الحالات يكون جيدا تماما.