دراسة مبدئية عن أزمة المال تتوقع هبوطا في أسعار العقارات بمصر والخليج

مكتب حماية المستثمر: ننتظر تراجعا في الطلب وفترة ركود قد تستمر إلى 2011

TT

من المتوقع أن يواجه السوق العقاري في مصر والخليج موجة من هبوط الأسعار وتراجع في الطلب قد يصل إلى أكثر من الثلث، خلال فترة ركود قد تستمر إلى عام 2011-2012. واطَّلعت «الشرق الأوسط» على دراسة مبدئية سيُعلن عنها بشكل نهائي قبل نهاية هذا الشهر، تتضمن مؤشرات على تأثير الأزمة المالية الراهنة الملحوظ في القطاع العقاري في مصر والبلدان العربية خاصة الخليجية منها، أعدها أسامة وجدي مدير مكتب البحوث بالمجلس الاقتصادي الأفريقي، فيما قال أحمد عفيفي، مدير مكتب حماية المستثمر: إن القطاع العقاري مهدد بسبب الضعف المتوقع في القوة الشرائية الناتجة من الأزمة المالية العالمية.

وبينما توقع وزير الإسكان والمجتمعات الجديدة المصري أحمد المغربي أن تكون مصر منطقة جاذبة للاستثمارات الخليجية قائلاً: إن صناعة التشييد في مصر تعد من أكثر الصناعات التي شهدت نموا كبيرا خلال العامين الماضيين، وأن 97 في المائة من العقارات في مصر مملوكة لرؤوس أموال مصرية.

ولاحظت الدراسة المبدئية لمدير مكتب البحوث أن شركات ومستثمرين مصريين وعربا يبدو أنه لم تصلهم العديد من المؤشرات التي تدل على ضعف القطاع العقاري في منطقة الخليج. وقال وجدي: إن معدل الزيادة في أسعار العقارات في دبي على سبيل المثال خلال الرُّبع الثاني من هذا العام، انخفض إلى 16%، مقارنة مع 42% خلال الرُّبع الأول من العام الحالي نفسه. وأضاف أن هذا يشير إلى تباطؤ الطلب في سوق الإمارات، الذي يعد أكثر الأسواق العقارية ارتفاعا في الأسعار.

وأضافت دراسة أسامة وجدي أيضاً ان الصورة تبدو أكثر سوءا في الكويت، لأن المبيعات العقارية شهدت هبوطا ملحوظا في الأشهر الخمسة الماضية ابتداءً من شهر أبريل (نيسان) 2008، مما يؤكد أن أزمة الركود العقاري ليست وليدة الأزمة المالية العالمية ولكن لهذه الأزمة مزيدا من الضغوط المسبقة على هذا القطاع.

وأشارت الدراسة فيما يتعلق بمشروعات القطاع العقاري في منطقة الخليج إلى أنه يتميز بأنه من النمط الفاخر الذي يعنى بمستويات مرتفعة من الرفاهية، مشيرة إلى أن المشكلة تتمثل في كون هذا القطاع ينمو بمعدلات تفوق معدل نمو السكان والمقيمين في تلك الدول، خاصة الإمارات.

وأوضح وجدي في دراسته أن الحالة المصرية هي الأكثر سوءا بسبب ما قال إنه تأثر القطاعات القائدة للنمو في البلاد بالأزمة المالية العالمية، أي على عائدات قناة السويس، وعلى تحويلات المصريين بالخارج، وعلى عائدات السياحة، وأخيرا انخفاضات الاستثمارات الأجنبية بمصر، سواء المباشرة أو غير المباشرة.

وبحسب الدراسة فإن معضلة القطاع العقاري المصري، تتمثل في عدم تماثل المعروض العقاري مع المطلوب، حيث نجد نقصا في الوحدات المعروضة للشباب الراغب في الزواج، وهو الذي يجد صعوبة حاليا في الحصول على وحدات سكنية، وأن أكثر المشروعات الكبرى، تتمثل في الإسكان الفاخر على أطراف القاهرة الكبرى كما هو الحال في مشروعات بالقرب من القاهرة الجديدة والمقطم (شرق العاصمة)، والسادس من أكتوبر (غرب العاصمة). وقالت الدراسة إنه في آخر تعداد لسكان مصر بلغ عدد الشباب في سن الزواج 13.7 مليون شاب وفتاة يمثلون 29% من سكان البلاد، ما يعني أن الطريق أمام الاستثمار العقاري ما زال مفتوحا لكن بمستويات محددة، إذ تحتاج مصر لبناء نحو 4 ملايين و300 ألف وحدة سكنية من الإسكان منخفض التكاليف والمتوسط بحلول عام 2010.

لكن يبدو أن الطريق أمام الاستثمار العقاري لن يكون بالسهولة التي يمكن العمل بها بعيدا عن تأثير الأزمة المالية العالمية، إذ توقعت الدراسة نفسها أن تتعدى المشكلة القطاع العقاري، لتصيب الجهاز المصرفي، باعتبار أن غالبية المشروعات العقارية ممولة من البنوك، رغم أن تلك المشروعات لا تولد قيمة مضافة إلى الاقتصاد.. وإنما تجمد أموال البنوك في أصول ثابتة، ولذلك نجد أنه في حالة حدوث توقعاتنا بانخفاض القطاع العقاري وحدوث الركود، ستكون هناك ضغوط على الجهاز المصرفي كما حدث بمصر عامي 1998 و1999، والذي كان متعثرا بديون بلغت حينها حوالي 32 مليار جنيه.

وأشارت الدراسة إلى أن الاقتصاد المصري وباقي الاقتصادات العربية قد تحركت من أعلى مستويات الدورة الاقتصادية (قمة الدورة الاقتصادية - الدخول في مراحل الركود - استهداف قاع الدورة الاقتصادية) ما يعني تأثر مستويات الدخول بالمنطقة سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما ينعكس على حركة النشاط العقاري بشكل عام. وقال مدير مكتب حماية المستثمر لـ«الشرق الأوسط» إن القطاع العقاري في مصر والدول العربية أصبح مهددا، بسبب الضعف المتوقع في القوة الشرائية الناتجة عن الأزمة المالية العالمية. وأضاف أن المشكلة لا تقف عند هذا الحد، لأن القطاع العقاري العربي يواجه نوعين من المشاكل: الأول هو ما يظهر لنا في منطقة الخليج من أن معدلات النمو في الوحدات العقارية الجديدة يفوق معدلات النمو السكانية لمواطني دول الخليج، والمشكلة الثانية توجد في مصر، حيث نجد عدم توافق المزيج المعروض من وحدات عقارية مع المزيج المطلوب منها.

وأشار عفيفي إلى تقديره أن السوق العقاري في المنطقة العربية بصفة عامة ومصر والخليج بصفة خاصة سيواجه موجة من هبوط الأسعار ومستويات الطلب.. وفي تقديري أن الانخفاض في الأسعار في قطاع العقارات سيكون بنسب تتراوح بين 25% إلى 40% خلال فترة ركود متوقع أن تستمر إلى عام 2011-2012.

وأضاف عفيفي أن القطاع العقاري يعتبر أحد أهم القطاعات القائدة للنمو في الدول العربية بصفة عامة ومصر بصفة خاصة، وقد استفاد هذا القطاع من العوائد المرتفعة للنمو الاقتصادي التي مرت بالمنطقة العربية منذ منتصف عام 2003، مشيراً إلى أنه، ومع بداية الارتفاعات المتتالية لأسعار البترول، والتي ناهزت مستوى الـ 150 دولارا للبرميل، إلا إن هذا الصورة حدث بها العديد من التغيرات في ملامحها نتيجة الأزمة المالية التي تهدد الكثير من عوامل النمو في مصر والمنطقة العربية.

وقال عفيفي إن للأزمة العقارية الكثير من الأسباب التي أثرت فيها قبل بدء الأزمة المالية العالمية أو أنها كانت بوادر لها، وأن أكثر ما أثر في أسواق العقارات في المنطقة العربية بصفة عامة والخليجية بصفة خاصة هو الانخفاض المتتالي لسعر البترول، الذي فقد أكثر من 50% من أعلى سعر سجله، ما يعني انخفاضا في تدفقات الأموال إلى الدول الخليجية التي تعتبر المحرك الرئيسي للنمو في المنطقة، إضافة إلى الخسائر الكبيرة التي تكبدها المستثمرون والشركات وصناديق الاستثمار والصناديق السيادية من الاستثمار في المؤسسات الأميركية والأوروبية الكبرى، كـ«سيتي كورب»، و«ميرلنش» و«اتش اس بي سي»، و«باركليز»، قائلاً: أسهمها انخفضت بمعدلات غير مسبوقة.

من جانبها توقعت وزارة الإسكان المصرية أن تكون مصر منطقة جاذبة للاستثمارات الخليجية وليس العكس، وذلك لشعور المستثمرين الخليجيين بالاطمئنان للأسواق المصرية، خاصة أن صناعة التشييد في مصر تعد من أكثر الصناعات التي شهدت نموا كبيرا خلال العامين الماضيين وتعد من الصناعات كثيفة العمالة وتوفر فرص عمل واسعة. وبحسب تصريحات لوزير الإسكان المصري أحمد المغربي، فإنه يجري بحث وسائل تنشيط صناعة التشييد في مصر في ظل الأزمة المالية العالمية وكيفية التعامل مع جزء من التباطؤ الذي قد يحدث وذلك من خلال تدخل الدولة في مشروعات البنية الأساسية حتى لا يحدث تباطؤ ملحوظ.

وقال المغربي: أيضاً إن ما تم من إصلاح هيكلي للقطاع المصرفي المصري في الفترة الأخيرة يؤثر بالإيجاب في النشاط الاستثماري في البلاد، وسيخلق فرصا ايجابية وليست سلبية ولن تؤدي أزمة المال العالمية لحدوث تباطؤ في الاقتصاد المصري.. معظم العقارات المصرية مملوكة لرؤوس أموال، وليست مدينة، على عكس ما يحدث في الولايات المتحدة، التي أدت فيها سياسة التوسع في الائتمان إلى جزء كبير من المشكلة الحالية، ولكن يوجد في مصر أكثر من 97% من 16 مليون عقار مملوكة لرؤوس أموال مصرية.

وأوضح مصدر في وزارة الإسكان ان المشروع القومي للإسكان الذي بدأ قبل نحو عامين بميزانية تقديرية حوالي 25 مليار جنيه، لن يتأثر بالأزمة المالية العالمية، قائلاً إنه يعتبر من أضخم المشروعات في مصر، ويستهدف الانتهاء من بناء نصف مليون وحدة سكنية قبل نهاية عام 2011، مؤكداً على أن القروض الخاصة بكل تلك الوحدات ما زالت متاحة من كل من بنك التعمير والإسكان، والبنك الأهلي وبنك مصر تحت مظلة البنك المركزي المصري، وذلك بواقع 30 ألف جنيه قرضا لكل وحدة، مرجعا السبب إلى توافر السيولة المالية في الجهاز المصرفي المصري.