العقاريون الأميركيون يشعرون بالإحباط بعد ركود أسعار المنازل

بيع وشراء المنازل يماثل تأثيرات الطلاق بل الوفاة

أسعار المنازل في هبوط شديد ما زالت وتسببت في خسارة الأسهم العادية لآلاف الدولارات
TT

هناك سبب منطقي لوجود قلعة في كل حكاية نحكيها عن الجن. فحلم المسكن يلعب دورا رئيسا في حكاياتنا الخيالية المتعلقة بالعثور على الحب الحقيقي، ومن ثم العيش في سعادة غامرة إلى الأبد. وربما يكون ذلك من أحد الأسباب المنطقية التي تجعل الحقيقة أمرًا محبطًا للغاية دوما.

فما زالت أسعار المنازل في هبوط شديد. وتسببت في خسارة الأسهم العادية لآلاف الدولارات. وبناء عليه، أوقفت بنوك الإقراض تعاملاتها مع المشترين المحتملين. وتنفق الحكومة مبلغا قوامه 700 مليار دولار في تحرك سريع لإنقاذ اقتصاد البلاد - ومع ذلك، فليس هناك أي ضمان بأن الخطة قد تفضي إلى النتيجة المرجوة. ففي الحقيقة ليست هذه الأعمال كتلك التي نراها في أفلام والت ديزني. إن الأزمة المالية التي نواجهها الآن ما هي إلا صحوة شديدة بعد سنوات من الأسعار الجذابة والمبهجة، وعمليات البيع السريعة. وقد أُصيب البائعون بالإحباط بعد أن ركدت أسعار منازلهم، حيث تجرعوا طعم المرارة بعدما تم بخس أسعار منازلهم. فالمشترون يشعرون بأنهم مؤهلون للتوصل إلى اتفاق ويخشون من الحصول على أدنى سعر ممكن أثناء عملية العرض والطلب. وقد أصبحت تلك العملية بالغة الحساسية بالنسبة لكلا الجانبين، إلى الدرجة التي جعلت الأطباء النفسيين يدرجونها على قدم المساواة مع مصائب الطلاق بل وحتى الوفاة. وفي هذا الصدد، يقول دافيد إيغن العالم النفسي من كاليفورنيا بعد دراسة سوق الإسكان «في هذا المناخ على وجه الخصوص، أعتقد أن العواطف والأحاسيس تعتبر عاملاً رئيسًا. فهذه العواطف والأحاسيس تعتبر أقصى درجات الخوف». وأنا أشعر بالخوف. فعلى مدار 6 أشهر نبحث أنا وزوجتي عن منزل. لقد رأينا أسعار المنازل وهي تتهاوى بشدة أكثر من الصبية المخمورين الذين يتساقطون في شارع آدمز مورغان. كما أنني خائف للغاية من مجرد فتح كشف حساب 401(k) الخاص بي. إن الأسئلة التي اعتدنا الإجابة عنها – كم ثمن (المنزل) الذي يمكننا بالفعل تحمل نفقاته- بدت الآن متلاشية. ومشكلة الخوف هي أنه يجعلنا نتصرف دون عقلانية، الأمر الذي ينبئ بحدوث مواقف وأوضاع شديدة الخطورة. وبالنسبة للبائعين، فإن أول وأكبر عقبة يواجهونها هي السعر الذي سيحددونه لمنازلهم. فالكثير منهم يتذكر الثمن الذي كانت تُقدر به منازلهم وما كان من الممكن أن يحصلوا عليه منذ 3 أعوام. والأسوأ من ذلك، أن بعضهم اشترى بتلك الأسعار المرتفعة في الماضي، والآن يواجهون مغبة البيع بخسارة مهولة. وهذا ما وصفه خبير السلوك الاقتصادي روم برافمان الذي قال ان «كراهية الخسارة» قد بدأت. وقد شرح برافمان – المؤلف المشارك لكتاب «التأرجح: الشد غير المقاوم للسلوك غير العقلاني»- نظرية كراهية الخسارة موضحًا: أن الألم الذي يصاحب دومًا الخسارة يعتبر أعظم من حيث شدته من الفرحة التي تعود علينا من المكسب المكافئ. فعلى سبيل المثال، أشار برافمان إلى أنه إذا انخفض سعر البيض قليلاً، فمن الممكن أن يطهو الأفراد الكثير من البيض المقلي (في إشارة إلى زيادة العملية الشرائية). وفي المقابل إذا ما ارتفع سعر البيض نفس مقدار الانخفاض، فسيحجم المستهلكون بصورة كبيرة عن شرائه. وفي دراسة نُشرت عام 2001 للسوق السكنية في بوسطن، اكتشف الاقتصاديان دافيد غينسوف وكريستوفر مايور أن البائعين الذين يتوقعون تكبد الخسائر في ممتلكاتهم عادة ما يطلبون أسعارا أعلى من منافسيهم. بل إنهم ربما يتركون ممتلكاتهم دون بيع لفترات طويلة أملاً في تخفيف الخسارة التي سيتكبدونها. وقد أدى هذا الأمر إلى إحداث نوع من الركود في عملية توفير المنازل التي عملت بدورها على استمرارية الانخفاض فقط - كما أنها أدت أيضًا إلى إحباط المشترين. وقد اكتشفت أليشيا كاين من هياتسفيل هذه الظاهرة أخيرًا وعانت منها كثيرا. فمنذ قرابة 10 أشهر ماضية انتقلت إلى السكن في منطقة واشنطن واستطاعت حينها العثور على منزل قيمته 300.000 دولار في مقاطعة برينس جورج.

ومنذ شهرين ماضيين، عثرت على منزل آخر في ريفيرديل. وكان مطروحًا في السوق منذ فترة، وقد انخفض سعره بالطبع. وحينها عرضت كاين سعرًا أقل من السعر المحدد له بحوالي 5000 دولار ثم ناشدت العون للوصول إلى السعر الأساسي للمنزل. إلا أن السعر الذي قدمته قوبل بالرفض، ثم اتجهت بعد ذلك إلى رفع السعر إلى 4000 دولار إضافية أي ما يقل عن السعر المطلوب بـ1000 دولار فقط، ومع ذلك ما زالت تبحث عن مساعدة للوصول إلى السعر المطلوب. لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق.

وتقول كاين: «إن لم تكن عازمًا على الأخذ بالسعر المطلوب، فلست بحاجة إلى تخفيضه. إنني أشعر بأنه قد تم استغلالي».

بعد ذلك، ذهبت لمعاينة المنزل ووجدت أن صاحب المنزل قد رفع من الثمن المطلوب، وأصبح المنزل ملازمًا للتغيرات التي تحدث في السوق. منذ ذلك الحين، بدأت كاين تشعر بالقلق البالغ بشأن حالة الاقتصاد التي ستؤثر بالسلب عليها، حيث انها لم تعد تتطلع إلى الانتقال من المنزل الذي تقيم فيه. وتقول كاثرين هيغنز – عميلة العقارات بولاية نيويورك والحاصلة على درجة الماجستير في علم النفس- ان البائعين المصرين على الحصول على الأسعار المرتفعة لمنازلهم يحتاجون إلى شهر على الأقل حتى يدركوا ما يحدث أمامهم. وبعد ذلك، يبدأون في سؤال أنفسهم لماذا لا يتوقف الكثير من الأشخاص لمعاينة منازلهم المعروضة للبيع، ولماذا ما زالت منازلهم معروضة في السوق دون الفصل فيها. وفيما يتعلق بهذا الأمر بدأت هيغنز في توضيح حقائق الأمور. حيث تستفيض قائلة: «إنهم يميلون إلى العيش في الماضي، وليس الحاضر. فأنت يمكنك الحديث حتى تصل إلى مرحلة الغضب العارم. ومع ذلك يبدأ (المشترون) في ترتيب المعلومات، وحينها يتعين عليك أيضًا أن يكون بمقدورك مواجهة (تلك المعلومات والحقائق)». من ناحية أخرى، لا يعتبر المشترون وحدهم من لديهم الكثير من التوقعات المغالى فيها. ففي هذا الصدد، تقول هيغنز ان المشترين أيضًا أصبحوا أكثر أنانية خلال فترات الركود هذه. وتضيف أن من يملكون الأموال لتقديم عربون للشراء وهؤلاء الذين تمت الموافقة عليهم مسبقًا للحصول على قروض يشعرون أنهم «جزء من الفئة المميزة». وعلى هذا الأساس، حذرت المشترين من أن يصبحوا أكثر رغبة في الشراء. حيث توضح قائلة: «إن البائع لن يقدم لك المنزل كهدية لمجرد أنك تملك الأموال ولديك الرهن العقاري. ولنفس السبب يتعين عليك أن تعيش (المشتري) الحقيقة أيضًا، فهذا الأمر يعد جديرًا بالاحترام أيضًا». ومنذ بضعة أشهر، قدم دان شيك عرضًا لشراء منزل، ثم حاول حينها تخفيض سعر المنزل بشدة. فقد كان يعيش في بالتيمور وأراد الانتقال إلى المقاطعة التي تعيش فيها صديقته. وأدت الأخبار السيئة التي يسمعها عن الاضطراب الحادث في الأسواق المالية إلى أن يظن أن بمقدوره تحقيق صفقة أو اتفاق مذهل في صفّه. وقد وجد بالفعل منزلاً في الكابيتول هيل تم الإعلان عن سعره بـ900.000 دولار، إلا أنه حاول تخفيض سعره إلى 850.000 دولار، وبالتقسيط على أربعة أشهر. وبالتالي يكون قد عرض سعرًا أقل 15% من السعر المطلوب فعليًا. حينها انفجر وكيل البائع ضاحكًا من هذا الأمر. ثم كتب في رسالة بريد إلكتروني قائلاً: «في الحقيقة، لقد كان عرض عميلك مزحة». وقد جلب المنزل بالفعل سعرًا أفضل من هذا الذي عرضه شيك، وبالتالي خسر الأخير المنزل. وفي هذا السياق أفاد شيك بقوله: «إن هذا الأمر علمني على الأقل أن سوق واشنطن العقارية ليست سيئة إلى الدرجة التي تجعل الأفراد يبيعون منازلهم بأسعار أقل من تلك التي يطلبونها». وفي بعض الأحيان، يصبح المشترون مصممين على العثور على تحقيق اتفاق نظرًا إلى أنهم على وشك خسارة هدفهم الحقيقي؛ ألا وهو البحث عن بيت آخر. ويوضح برافمان، لقد أصبحت عملية البحث عن منزل أقرب إلى المقامرة. فقد أخبره الوكلاء أن عملاءهم أصبحوا أكثر استهتارًا وبهجة، حيث ينظرون إلى الأسعار المنخفضة للمنازل على أنها فرصة لتحقيق جميع الفرص الضائعة بالنسبة لهم في الماضي، حيث بدأ هؤلاء العملاء في تجاهل أسئلة مهمة تتعلق بثمن المنزل الذي يمكن لهم شراؤه، وما إذا كان هذا الاستثمار ذا معنى أم لا. فبدلاً من تلك الأسئلة أصبحوا يفكرون في: كيف لي أن أعرف أن هذا هو السعر الأدنى؟ وماذا إذا لم يكن هذا أدنى سعر ممكن؟ وهل سيصبح منزلي ذا قيمة مالية أعلى في غضون 6 أشهر من الآن؟ ويقول برافمان: طالما أن القلب يخفق، فستظل عملية اقتناص المنازل. «ويتعين على المشترين أن تكون لهم نظرة بعيدة المدى، وألا يعتقدوا أن سوق الإسكان مثل الكازينو». إنني وزوجي حذران للغاية من الناحية العاطفية من بيع المنزل وشراء آخر. وقد شعرت بالغضب من استهزاء أحد المشترين من لون حوائط حجرة المعيشة الأرجوانية، وهي التي قررت دهانها به بدلاً من اللون البني الكئيب. ولقد شعرت بالقلق من أن يكون السعر المعروض للبيع مرتفعا للغاية، ولكن بعد ما بيع في غضون 4 أيام، شعرت بالقلق من أن يكون سعره قد كان منخفضًا بشدة.

والآن، نحن على الجانب الآخر، فكل شخص يقابلنا يقول انه وقت ممتاز للشراء. بينما نحن غير مقتنعين بذلك. إن أسئلة برافمان تدور في خلدنا جميعًا، فالمنازل التي أحببناها قد بيعت، ونحن غير مقتنعين بالمبالغ التي بقيت أو خلفتها عملية البيع. فما هي أكثر الآمال الزائفة التي كنت أحلم بها؟ إنها أن تكون أي من تلك الحقائق باعثة على الفرح. وتقول روث بيتر – العالمة النفسية التي عملت من قبل في شركة كولدويل بانكر للسمسرة: «إن الأشخاص عادة ما يكون لديهم اقتناع مسبق بأن تلك العملية (شراء منزل) مثل الذهاب إلى المتجر، وحينها يمكنك رؤية ما يروقك والقيام بشرائه. ومثل هذه التوقعات ليست واقعية. فمثل هذا الأمر يستهلك عملاً عاطفيًا وبدنيًا».

أما الأخبار الجيدة فتشير إلى أن الأفراد يكون لديهم تفكير آخر غير عقلاني: ألا وهو أن أي قرار سيئ سيجعلنا غير مسرورين. وطبقًا لدانيال غيلبرت – عالم النفس بجامعة هارفارد - فإن الحقيقة هي أننا عادة ما نعتقد أن التبعات دومًا سوف تكون سيئة أكثر مما هو عليه الحال بالفعل. فنحن نقلل من قدرتنا على التصرف. ومن المحتمل أن يكون من اللازم علينا أن نترك أحلامنا بشأن العيش في قلعة أو قصر وأن نعيش على أرض الواقع.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»