بريطانيا: سوق القروض يواصل تراجعه مع ارتفاع مصادرات المنازل وانخفاض الأسعار

مشروع عربي لبناء أعلى برج في وسط لندن بحلول 2012

سوق العقار في بريطانيا عموما ولندن خصوصا يشهد تباطؤا ملحوظا
TT

تفاوتت التوقعات والترجيحات بشأن أسواق العقار البريطانية والدولية ومستقبلها مع التراجعات المهمة الحاصلة على صعيد الأسعار والطلب في ظل الانهيارات المالية للمصارف وشركات او مؤسسات الإقراض العقارية وغيرها. وقد أكدت التقارير البريطانية الأخيرة، ان سوق القروض العقارية يواصل انهياره منذ أشهر، إذ كشفت الأرقام الصادرة عن البنوك وجمعيات الإقراض، أن حجم القروض العقارية الممنوحة الشهر الماضي (سبتمبر 2008)، وصل الى 17.7 مليار جنيه فقط (33 مليار دولار)، ما يعتبر الأقل منذ أكثر من سبع سنوات تقريبا، واقل بـ10 في المائة مما كان عليه الشهر السابق، وبنسبة 42 في المائة عما كان عليه في نفس الفترة من العام الماضي. وهي نسبة ضخمة جدا تعكس التدهور السريع والمذهل في الأسواق العقارية وشرايين تمويلها وتحريكها. ويقول تقرير مجلس المقرضين العقاريين (CML) الأخير، إن حجم القروض العقارية التي تم منحها منذ بداية العام الحالي وصل الى 62 مليار جنيه (118 مليار دولار)، أي بتراجع نسبته 16 في المائة عما كان عليه في النصف الأول من العام الحالي، وبـ37 في المائة عما كان عليه في نفس الفترة من العام الماضي. وقد كان متوقعا ان تؤثر الهزات التي تتعرض لها البنوك والمؤسسات المالية وأزمة الائتمان بشكل عام، في سوق القروض بشكل اكبر مما هو عليه الآن، عبر الانكماش المتواصل يوما بعد يوم وارتفاع عدد المصادرات العقارية من قبل البنوك.

ويقول رئيس المجلس مايكل كوغان معلقا، بأن سوق القروض لا يزال مفتوحا امام الزبائن ويعمل بشكل طبيعي، رغم الصعوبات الأخيرة. وحول سوق العقار السكني، يقول كوغان إن التردد يزداد لدى المشترين مع التراجعات المتواصلة على الأسعار مما يؤدي الى ضعف الطلب على القروض. ويتوقع كوغان ان يصل حجم القروض العقارية نهاية العام الحالي الى 255 مليار جنيه (450 مليار دولار)، مقارنة بـ363 مليار جنيه (700 مليار دولار) العام الماضي 2007.

وتشير الأرقام الأخيرة، الى ان مليوني مالك عقار سيجدون أنفسهم في الخانة السلبية وستكون أسعار عقاراتهم اقل من القروض التي حصلوا عليها نهاية عام 2010. ومن شأن هذا التفاوت بين سعر العقار وحجم القرض، ان يؤدي عادة الى ارتفاع عدد المصادرات من قِبل البنوك للعقارات التي يعجز أصحابها عن الوفاء بأقساطهم الشهرية المترتبة للبنوك ومؤسسات الإقراض العقاري. وقد وصل عدد الذين يقعون في هذه الخانة السلبية شهريا الى 60 ألفا بسبب التراجع المتواصل على أسعار العقارات في الكثير من المناطق. وعلى هذا الأساس سيكون الوضع والسوق العقاري البريطاني في حال أسوأ مما كانا عليه نهاية أزمة او انهيار التسعينات، حيث لم يتعد العدد الـ1.8 مليون. ويترافق هذا بالطبع مع لجوء البنوك التي تمر بأسوأ مرحلة لها منذ سنوات طويلة، الى اعتماد مصادرة العقارات كخيار أول لها في حال عجز المستقرض عن الوفاء بقسطه الشهري، ومن دون رحمة، لذا يطالب الكثير من السياسيين ورجال الأعمال الحكومة بوقف هذه التصرفات التي من شأنها زيادة حمل دافعي الضرائب. ومن المعروف ان الحكومة تحركت لإنقاذ النظام المصرفي والبنوك الكبيرة على حساب دافعي الضرائب ومن الخزينة العامة.

عدد المصادرات وصل الى 19 ألف حالة في النصف الأول من هذا العام أي بزيادة نسبتها 40 في المائة عما كانت عليه خلال الأشهر الستة الماضية. ويتوقع ان يرتفع عدد المصادرات في النصف الثاني من هذا العام ليصل الى 26 الف حالة.

ويقول العارفون بأحوال السوق إن أسعار العقارات ستتراجع بين الوقت الحالي وعام 2010، بنسبة لا تقل عن 35 في المائة، فيما لم تصل نسبة التراجع أيام أزمة التسعينات الحادة الى أكثر من 20 في المائة.

وتؤكد الكثير من التقارير ان الحكومة تحضر نفسها لبرنامج مماثل لبرنامج الثلاثينات لإخراج الاقتصاد الوطني من الركود الحاد المتوقع، وذلك عبر القيام بالكثير من المشاريع المعمارية للمدارس والمنازل وغيرها من القطاعات كقطاع المواصلات. ويقول مصدر حكومي بهذا الصدد «لا يمكننا المخاطرة بحصول انهيار تام لقطاع البناء، وعلينا ان نعمل للحفاظ على الخبرات الموجودة في الأسواق، لأننا سنحتاجها ساعة الخروج من الأزمة». مؤسسة «ستاندردد اند بورز» Standard & Poor’s المعروفة في الوسط المالي، تقول إن عدد الذين سيدخلون الخانة السلبية (عندما يتراجع سعر المنزل وتصبح قيمته اقل من قيمة القرض عليه) من أصحاب العقارات، سيصل الى 335 ألفا نهاية الشهر الحالي، أي بزيادة 226 ألف حالة منذ أربعة أشهر. وخلال التسعة أشهر الماضية صادر بنك «نورذرن روك» وحده ما لا يقل عن 2 عقار من أصحابها. ومع هذا، فقد أكدت التقارير، ان مشروع إنشاء برج بيناكلPinnacle tower وسط العاصمة لندن، قد حصل على الضوء الأخضر من الممولين، إذ مدد بنك «جيرمان نوردبانك» German HSH Nordbank قرضه لشركة «ارب انفستمنتس» Arab Investments، التي ستقوم بتنفيذ المشروع في منطقة بيشوبسغيت المعروفة. ويضم كونسورتيوم المستثمرين بالمشروع الضخم، شركة «براميركا ريل استيت» Pramerica Real Estate، التي تساهم في 18 في المائة من التكاليف.

ويهدف المشروع الى بناء أطول برج تجاري في لندن، بطول 945 قدما. وسيتألف البرج من 63 طابقا، وسينتشر على مساحة لا تقل عن مليون قدم مربع معظمها مخصص للمكاتب التجارية الحديثة. ورغم التأخير هذا العام، يتوقع ان يكتمل المشروع ويتم الانتهاء منه في النصف الأول من عام 2012، أي خلال أربع سنوات. وسيشمل البرج فرعا خاصا لمطعم «وولسلي» (Wolseley ) ـ منطقة البيكاديلي، في الطوابق العليا للبرج. وفي الطوابق العليا ايضا سيتم فتح فروع أخرى لبعض المطاعم المشهورة في المدينة، وستكون هذه المطاعم المطلة على لندن عبر 360 درجة، مفتوحة أمام العوام وموظفي المكاتب على حد سواء.

ورغم مواصلة التمويل العربي والدولي لبعض المشاريع العقارية الكبرى، فإن بعض التقارير الأخيرة تشير إلى أن الكثير من المشاريع الضخمة في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي التي تم الإعلان عنها في معرض «سيتيسكيب» في دبي، معرضة لمخاطر أزمة الائتمان والهزات التي تتعرض لها أسواق المال والمصارف. ويقول تقرير صادر بهذا الشأن من «مركز البحوث الخليجية»Gulf Research Centre، إن الآثار السلبية لأزمة القروض العالية المخاطر في الولايات المتحدة التي أدت الى أزمة الائتمان الدولية قد تصل قريبا الى دول الخليج التي يتوقع ان تعاني بنوكها قريبا من أزمة في السيولة. وحذر التقرير من الآثار السلبية غير المباشرة لأزمة الائتمان على دول الخليج، خصوصا من تراجع حجم القروض والتمويلات للمشاريع وغلاء أسعار القروض وارتفاع معدلات الفائدة عليها. ويؤكد التقرير انه لا بد من التدخل المباشر من قِبل الحكومات الخليجية في المستقبل ما إذا صحت التوقعات بحصول ركود اقتصادي عالمي، إذ ان الطلب على النفط الخام والبتروكيميائيات والألمنيوم سيتعرض للتراجع. كما انتقد الكثير من المؤسسات المالية وبنوك المنطقة بعض الأفكار والمشاريع التي تم الإعلان عنها في معرض دبي الأخير، في ظل الظروف المالية الحالية على الساحة الدولية. ومن المشاريع التي قام الخبراء بالتساؤل حول جدواها في هذه الظروف، مشروعا بناء برج بطول 1000 متر بكلفة 38 مليار دولار، ومشروع آخر تحت اسم Jumeirah Garden City، بكلفة 95 مليار دولار. وتقول «نخيل» المسؤولة عن المشروع الأول، إن تأثير ما يحصل في الأسواق العالمية في الوضع العقاري في الشرق الأوسط سيكون محدودا. وتقول الدراسات الأخيرة بهذا الشأن، إن الإمارات العربية المتحدة ثالث اكبر مستثمر في العقارات في العالم بعد بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية. ويقول تقرير صادر عن المؤسسة الاستشارية العقارية الدوليةReal Capital Analytics، إن وضع البحرين وقطر في هذه الظروف من الولايات المتحدة وبريطانيا بسبب أزمة الائتمان. ويعتبر ستيف وليام من المؤسسة التي استثمرت ما قيمته 55 مليار دولار في المشاريع الإماراتية والخليجية، ان المشاريع التي أطلقت عبر معرض دبي الأخير ايجابية وتعني مواصلة الحركة في الأسواق. ويؤكد وليام ان الفرص الاستثمارية لا تزال كبيرة وكثيرة في عدد من البلدان والمناطق وخص منها المملكة العربية السعودية وابوظبي والدوحة في قطر والمغرب ودبي. ورغم التقلبات المالية هذه الأيام، يؤكد وليام ان نسبة العائدات الربحية لمؤسسته تصل الى عشرين في المائة سنويا وهي نسبة لا بأس بها مقارنة بما يحصل في أوروبا. وفي ما يشير الكثير من الخبراء إلى ان توفر القروض الإسلامية والتمويلات الاستثمارية الإسلامية سيساعد على تهوين أي أزمة محتملة، تواصل ارتفاع عدد الموظفين في الوسط المالي في لندن وول ستريت الذين يقصدون دول الخليج للعمل في أسواقها المالية ونقل خبراتهم إليها في ظل ارتفاع عدد البطالة في الدول الغربية. وفي هذا الإطار تشير المؤسسات الدولية المعنية، الى ان البحرين وعكسا للتيار ولما يحصل في العالم تشهد طفرة عقارية خاصة بها، مع تزايد الحركة والنشاط في سوق الائتمان والقروض والنمو السكاني وغيره. وهناك ما قيمته 15 مليار دولار من المشاريع العقارية الحالية في البلاد. ورغم ان تسعين في المائة من المستثمرين في هذه المشاريع من السكان المحليين فإن الأرقام تشير الى ارتفاع عدد المستثمرين الأجانب وبشكل مطرد. وتتوقع الحكومة في البحرين ان تتواصل الطفرة بسبب السياسات العقارية والمالية المفتوحة التي تبنتها في الفترة الأخيرة لاستقطاب المستثمرين الأجانب. ومن هذه السياسات والقوانين الجديدة حق ملكية الأجنبي لعقاره بالتمام والكمال. وتتوقع مؤسسات الأبحاث ان يتواصل النمو في القطاعين العقاري السكني والتجاري في البلاد الى عام 2021. ويتوقع ان تشارك 70 شركة دولية في المعرض العقاري الدولي في البلاد هذا الشهر، أو ما قيمته 37 مليار دولار من الاستثمارات. وينطبق الأمر هذه الأيام على الصين والهند اللتين تصلهما حاليا الكثير من الاستثمارات العقارية من قِبل صناديق التحوط وغيرها من الصناديق الاستثمارية. وتشير مؤسسة «ميريل لينش» الدولية إلى أنها رفعت حجم استثماراتها في هذين البلدين الى حوالي 3 مليارات دولار. ومن المساهمين في هذه المشاريع الكثير من الأسماء العربية الخليجية والأميركية والأوروبية.