موجة الكساد العقاري تجتاح أوروبا وفي طريقها إلى الشرق الأوسط

مهما كانت تفاعلات جهود الإنقاذ العالمية

الكثير من مشروعات العقار الجديدة غير مبيعة (الشرق الاوسط)
TT

أثناء موجة الكساد الماضية في بداية التسعينات، كانت البداية في بريطانيا وبعدها بشهور انتقل الكساد الى انحاء اوروبا. وهذه المرة اطاح الكساد بأكثر من ربع قيمة العقار البريطاني ولكن تأثيراته لم تصل بعد الى اوروبا بهذا الحجم بعد. ومع ذلك فإن المؤشرات التي ترصدها صناديق الاستثمار العقاري تؤكد ان الموجه تتجه شرقا وان بعض الاسواق الاوروبية تعاني مما كانت تعاني منه بريطانيا في بداية الازمة. ومن ملامح هذه الازمة تجمد اسواق وصفقات العقار مع تراجع في نشاط البنوك من حيث تقديم الائتمان والقروض العقارية والضمانات.

ولكن من الخطأ تعميم الكساد او النشاط على الاسواق الاوروبية بنسب متساوية، فبعضها يعاني معاناة قد تكون اشد من الصعوبات البريطانية، مثل اسبانيا، ولكن البعض الآخر، خصوصا في شرق ووسط اوروبا لم يصل الى مرحلة التراجع بعد وما زال مستمرا في النمو ببطء. وليس من المعروف بعد نسبة تراجع الاسعار في اوروبا وهل ستصل الى النسبة البريطانية. ويقول روب بروك مدير صندوق عقار استثماري في اوروبا اسمه «كينمور» ان بداية التراجع اضحت واضحة للجميع، حيث تراجعت اسعار محفظة العقار الاوروبي في الصندوق الى ما كانت عليه منذ عامين. ويشير بروك الى ان الاسواق الاوروبية تتبع الاسواق البريطانية تقليديا صعودا وهبوطا بعد حين. وفي الوقت الحاضر تظهر آثار المرض العقاري البريطاني على الكثير من الاسواق الاوروبية.

وكانت اول مؤشرات وصول الازمة الى مشارف اسواق الشرق الاوسط ايضا تعميم البنك المركزي في الامارات على البنوك التجارية لكي تشدد قيود الائتمان في تقديم القروض للافراد والشركات على السواء. وكان الائتمان السهل في الماضي هو محرك انتعاش اسعار العقار. ومع تقلص الائتمان سوف يتراجع الطلب العقاري وقد ينعكس ذلك سلبا على اسعار العقار ثم على الايجارات ايضا. ويرحب البعض من المقيمين في دبي بهذه التطورات التي من شأنها تجميد الانتعاش العقاري، ولو لفترة.

ولكن الموقف ليس واضحا تماما في اوروبا لعدم وجود مؤشرات اسعار عقارية شفافة كما هو الوضع في بريطانيا. وكانت المؤشرات السلبية اكثر وضوحا في سوقين على الاقل هما اسبانيا وايرلندا، حيث تراجعت العوائد الايجارية بحوالي 15 في المائة في العام الاخير. وهما ايضا السوقان اللذان كانت الاسعار فيهما الاكثر تضخما بالمقارنة مع عوائد السندات الحكومية.

اما الوضع في الاسواق الاوروبية الاخرى فليس واضحا تماما. وتتراوح فيها نسب التراجع او الاستقرار بين المناطق والمدن وقطاعات العقار المختلفة. ولكن بوجه عام، على الاقل في دول اوروبا الغربية، عانت الاسواق بنسب مختلفة من التراجع في الاسعار والعوائد العقارية. ومع ذلك سجل قطاع المكاتب زيادة في العوائد خلال النصف الاول من العام في بعض المدن الاوروبية. ولكن اكثر المدن تأثرا بموجة التراجع التي بدأت في الاسابيع الاخيرة كانت اوسلو وادنبرة ومدريد وبرشلونة وباريس ودبلن.

وكان العامل المشترك بين هذه المدن، وفقا لمدير الاستثمار في شركة لاسال العقارية، جيمس لانغ، انها جميعا كانت في قمة الانتعاش السعري في السنوات الماضية. وهذا في رأيه يدل على ان المستثمر لم يعد مقتنعا بدفع قيمة اعلى في المدن الرئيسية وبدأ يتحول للبحث عن مواقع اخرى حيث القيمة افضل. اما في المدن التي لم تتراجع كثيرا، مثل بروكسل ولوكسمبورغ، فهي لم ترتفع كثيرا في موجة الانتعاش السابقة. وهناك مناطق مشابهة لم تتراجع كثيرا منها اليونان والبرتغال وسويسرا والدول الاسكندنافية.

وهناك بعض المستثمرين الذين يعتقدون ان الوضع الاوروبي لن يكون بسوء الحال في بريطانيا. من هؤلاء نيكولاس بيرنيل من صندوق راتلاند كابيتال الذي يقول ان الاسواق الاوروبية اقل نضجا من السوق البريطاني، وان تراجع بعض العوائد العقارية فيها لا يعني انها سوف تتعرض لموجة تصحيح مشابهة في قسوتها للموجة البريطانية. وهو يعلل رأية بأن الاسواق في وسط وشرق اوروبا ما زالت متماسكة والعوائد فيها لم تتراجع بعد. ومن اسباب هذا التماسك قوة الطلب على العقار بانواعه وعدم كفاية المشروعات القائمة على تلبية الطلب في السوق. وتلجأ بعض الشركات العقارية الاوروبية الى المحافظة على معدل نشاطها في اوروبا مع خفضه في بريطانيا.

وتؤكد ابحاث من صندوق «سكوتيش ويدوز» الاستثماري ان العديد من مدن شرق ووسط اوروبا سوف تتفوق على مدن غرب اوروبا خلال السنوات الخمس المقبلة. ولكن الصندوق يضيف ان هذا الانجاز قد لا يبرر المخاطر الاضافية من الاستثمار في هذه المدن. وهذا التقييم في حد ذاته من شأنه ان ينعكس سلبا في المستقبل على اسواق شرق اوروبا. من ناحية اخرى، فان تراجع الاسعار في بريطانيا يسحب بعض الاستثمارات من شرق اوروبا مرة اخرى. فأسعار المخازن التجارية في شرق اوروبا الآن يكاد يتعادل مع مثيلها في بريطانيا الامر الذي يشجع على جذب الاقبال الى بريطانيا كمركز مالي وتجاري مهم في اوروبا. ومن ناحية العوائد تتماثل ايضا العقارات التجارية حيث تصل عوائد المكاتب في لندن الى اقل قليلا من سبعة في المائة بينما هي اكثر قليلا من سبعة في المائة في وارسو. وهذا قد يعني ان لندن قد تكون تراجعت في اسعارها اكثر مما يجب او ان وارسو مقومة بأكثر من قيمتها.

وتزيد جاذبية بريطانيا تدريجيا ايضا مع تراجع قيمة الاسترليني مقابل اليورو، وهو تيار مستمر منذ العام الماضي.

ولكن مدير الاستثمار في صندوق كارلايل العقاري، ايريك ساسون، يقول ان المسألة ليست اختيار اسواق وانما اختيار فرص، فهناك فرص متاحة في الكثير من الاسواق الاوروبية ولكن العديد من كبار المستثمرين ينتظرون على هامش السوق حاليا حتى تتضح توجهات الاسواق الاوروبية وعما اذا كانت فعلا تسير خلف السوق البريطاني نحو المزيد من التراجع.

وفي اسبانيا اعلنت الحكومة خطة انقاذ حجمها ثلاثة مليارات يورو لعلاج مشاكل قطاع العقار الذي يعاني من ارتفاع الديون وتراكم العقارات غير المباعة وصعوبة الحصول على الائتمان وفقدان الوظائف بالجملة. وقال رئيس الوزراء الاسباني ثاباتيرو ان اولوية الحكومة الاسبانية هي المحافظة على الوظائف، وتوقع نمو الاقتصاد الاسباني بنسبة تصل الى 1.6 في المائة هذا العام تنخفض الى واحد في المائة في عام 2009. ولكن احصاءات الاتحاد الاوروبي تشير الى نسبة نمو اقل في اسبانيا هذا العام لا تزيد عن 1.5 في المائة مع كساد في العام المقبل. وتؤكد الازمة الاقتصادية العالمية مؤشرات الاتحاد الاوروبي وقد تكون النتائج اسوأ من التوقعات.

وتقدم الحكومة الاسبانية تسهيلات ائتمانية سخية للشركات العقارية، منها امكانية استخدام القروض المخصصة للبناء في اغراض اخرى بشرط عرض وحدات العقار غير المباعة للايجار بتكاليف محددة لفترة متفق عليها. وقد تزيد الحكومة حجم خطوط الائتمان المتاحة لقطاع العقار عن ثلاثة مليارات يورو، كما تأمل في تشجيع كفاءة الشركات الاسبانية خصوصا في قطاعات الحفاظ على البيئة والاستثمار في الطاقة المتجددة.

وبعد شهور من اتهامات موجهة الى الحكومة الاسبانية بأنها لا تتعامل بالمستوى المطلوب مع الازمة العقارية المحلية، رحبت مصادر صناعة العقار بالاجراءات الحكومية الاخيرة. وقال بيدرو بيريز، امين عام هيئة شركات العقار الاسبانية ان هذه الاجراءات من شأنها ان تعيد بعض النشاط الى السوق الذي يعاني من مائة الف عقار جديد على الاقل غير مباع.

وهاجمت المعارضة الاسبانية اجراءات ثاباتيرو بأنها غير كافية ولا جديد فيها. ولكن الواضح ان الحكومة الاسبانية ليس لديها العديد من الخيارات إزاء ازمة عالمية الحقت الخسائر الجسيمة بالاقتصاد الاسباني في وقت كان قطاع العقار فيه ينطلق في موجة نشاط عشوائي غير مدروسة. وتصل نسبة البطالة في اسبانيا الآن الى حوالي 10 في المائة اي اكثر من 2.5 مليون عاطل، وهي نسبة اعلى من معدلات الدول الاوروبية الاخرى. وتأمل اسبانيا في خفض نسبة التضخم من خمسة الى اربعة في المائة خلال الربع الاول من 2009 مع انخفاض اسعار النفط عالميا.