سويسرا «الملجأ الآمن» في زمن الاضطراب العقاري

بحيرات ساحرة وجبال شاهقة وقيمة عقارية متزايدة

TT

فيما تنطلق موجة الكساد العقاري شرقا في اوروبا، فإنها على ما يبدو تتوقف عند حدود جبال الالب السويسرية حيث أسعار العقار ما زالت تحافظ على قيمتها، خصوصا في الجانب الشرقي من سويسرا بالقرب من مدينة لوغانو.

وهي تعتبر منطقة تتحدث اللغة الايطالية. وتتمتع المنطقة التي تعرف باسم «تيتشينو» بأنها تجمع بين جمال الطبيعة والبحيرات والجبال، حيث توصف بأنها الجانب المشمس من سويسرا.

وتنتشر في المنطقة الفلل على سفوح التلال التي تقدم مناظر خلابة من الجنوب على الحدود الايطالية وحتى مدينة لوكارنو شمالا، وهي منطقة تتمتع بالتلال الجبلية التي توفر حماية من الرياح الشمالية وتستقطب اشعة الشمس لكي توفر الدفء، كما انها تتميز بالاسلوب الايطالي في المعيشة وبانخفاض الضرائب. وعلى مر السنين اجتذبت المنطقة الاثرياء من انحاء اوروبا الذين وجدوا فيها الملجأ الآمن في أوقات الاضطراب السياسي والمالي. ويعتبر الوقت الحالي هو التوقيت المناسب لكي يعاود الاثرياء البحث عن ملاجئ آمنة في عصر الازمة المالية غير المسبوقة.

احدى اكبر وكالات العقار السويسرية في المنطقة واسمها «ويتاغ الاستشارية» تشير في تقرير فرعها في مدينة لوكارنو الى ان معظم المشترين الاجانب لا يعرفون المنطقة ويبحثون عن عقار سويسري في عدة مواقع لان سويسرا تستهويهم كموقع استثماري. وبعض هؤلاء يبحث عن عقارات في منطقة بحيرة جنيف والبعض الآخر في مناطق جبلية مثل سان موريتز او غيشتاد. ولكن من يعثر منهم على منطقة «تيتشيني» لا يرضى بغيرها.

وتمتد المنطقة، وتعرف باسم «كانتون تيتشيني»، من جبال الالب شمالا الى حدود ايطاليا الشمالية جنوبا بالقرب من مدينة ميلانو. ولكن مناطق جذب العقار في المنطقة للاثرياء الاجانب تتركز في ثلاث مناطق فقط هي لوغانو واسكونا ولوكارنو. وهي مناطق قريبة من بعضها بعضا ولكنها تختلف في طبيعتها واسلوب الحياة فيها. وتعد اسكونا هي اصغر المناطق الثلاث واكثرها جمالا ولكنها تصلح اكثر كمنتجع سياحي كما انها تعج بالالمان من داخل سويسرا وخارجها خلال شهور الصيف. وتعود جذور الصلة بين اسكونا والالمان الى بدايات القرن الماضي نظرا لطبيعة المكان واسلوب الحياة الهادئة التي لا يعكرها صخب مواقع السياحة الاوروبية الاخرى. كما ان الاثرياء يعرفون انهم في اسكونا لن يواجهوا اي متاعب في حياتهم اليومية من حيث الأمن.

اما لوغانو فهي مدينة اعمال وأحد المراكز المالية السويسرية. كما انها تتميز بمطار دولي هو الوحيد في المنطقة وايضا بمدارس دولية تجذب الاجانب. وبها ايضا مراكز تجارية ومناطق اعمال ومناخ يجذب المستثمرين على الاقامة فيها بصفة دائمة، بخلاف اسكونا التي تعد سوقا للعقارات الموسمية السياحية. ولا تغلق لوغانو ابوابها خلال فصل الشتاء بل تزدحم بالنشاط طوال شهور العام.

وتنطبق مواصفات لوغانو على لوكارنو ايضا ولكن الاخيرة تشتهر بصفاتها الايطالية السويسرية ولكنها ليست دولية مثل لوغانو. وهي تشتهر بمهرجان السينما الذي تقيمه في الصيف وتعرض فيه الافلام على جداريات كبيرة الحجم. ولكنها خارج المقر التجاري في وسطها تشتهر بالطبيعة المحلية التي تمثلها العمارات العادية التي يسكنها اهل المدينة.

وتعود هذه المنطقة الى الواجهة العقارية مرة اخرى بعد سنوات من الاهمال خلال الثمانينات حين تحول الاهتمام الى مناطق اخرى خصوصا نحو ايطاليا على ضفاف بحيرة كومو. وكانت المنطقة تعرف في ذلك الوقت بانها لا تصلح الا للتقاعد والاسترخاء بعيدا عن صخب الحياة الاوروبية. كذلك فقدت البحيرات السويسرية جاذبيتها لفترة تحول خلالها المستثمرون الى مواقع اخرى شملت ضفاف البحر المتوسط وفلوريدا ومناطق البحر الكاريبي. ولكنها تعود الان الى الواجهة بعد اقبال بعض المشاهير، مثل جورج كلوني، على شراء عقارات فيها.

وتقول شركات العقار المحلية انها تشهد الان موجة نشاط جديدة قوامها الاستثمار الاجنبي والعائلات التي تود ان تقضي في المنطقة بعض الوقت او تقيم فيها. ويتسم هؤلاء بالثراء والرغبة في الحياة الهادئة ولكن مع الوجود في موقع مناسب سهل المواصلات والاتصالات مع فوائد امنية وضريبية ايضا.

ويدفع هؤلاء في المتوسط حوالي ستة الى ثمانية ملايين دولار ثمنا لعقارات تتراوح مساحاتها من 400 الى 600 متر مربع في موقع جيد. ويتركز انتباه هؤلاء على الفلل التي تتمتع بمشاهد طبيعية على البحيرات والجبال. وفي العادة لا تعرض في الاسواق العقارات المطلة على البحيرات مباشرة، حيث اصحابها الاثرياء يعرفون جيدا ندرتها وقيمتها. وهي في العادة عقارات توّرث داخل العائلات ولا تباع. وحينما تصل احدى هذه الفلل الى السوق يمكن للسعر ان يصل الى 20 مليون دولار. ولكن الحل الافضل هو شراء الفلل التي تطل على البحيرة من اعلى التلال حيث المناظر الطبيعية للمنطقة.

وتعرض شركة ويتاغ العقارية فيلا في منطقة اورسلينا مساحتها 460 مترا مربعا من تصميم مهندسة معمارية مشهورة محليا ومبنية بمواد سويسرية خالصة من الغرانيت والاخشاب الصلبة، بسعر يصل الى 3.7 مليون دولار. وهناك فلل اصغر حجما معروضة بأسعار اقل قليلا. وترتبط الاسعار دوما بالموقع والمساحة ونوعية التجهيز الداخلي.

والامر المهم في العقارات السويسرية هو انها تكتسب سمعة متزايدة وتعود الى الواجهة كمجال استثماري مرغوب. وبالتالي فإن تيار الاسعار يخالف الانهيار السائد في اسواق اخرى ويستمر في الارتفاع. وخلال السنوات الخمس الاخيرة ارتفعت الاسعار في المنطقة بنسبة 20 في المائة تقريبا. وتختلف نسبة الارتفاع بين موقع وآخر، فيما تؤكد شركات العقار المحلية ان لديها قوائم انتظار للفلل التي تطل على البحيرات مباشرة. وبعض هؤلاء المنتظرين لفرصة الشراء لديهم الاستعداد لدفع اي مبلغ مطلوب. ورغم جمال الفلل التي تقع على السفوح الجبلية الا ان معظم المشترين من كبار السن لا يريدون المواقع الجبلية التي تربط بينها طرق ملتوية صعبة القيادة ويفضلون عليها المواقع القريبة من قلب المدن ومن البحيرات.

من ناحية اخرى هناك العديد من المستثمرين الاجانب في سويسرا من ذوي الموارد المحدودة الذين لا يريدون عقارات على البحيرات تتكلف ملايين الدولارات. ولهؤلاء تقدم سويسرا المنازل الريفية الصغيرة التي تحتاج الى ترميم والتي يعود تاريخ بعضها الى العصور الوسطى. وتوجد عدة آلاف من هذه المنازل الريفية المهجورة في انحاء سويسرا، وبعضها يصلح لتحويله الى عقارات سياحية بعد التجديد. وتقدم الحكومة السويسرية اعانات للمستثمرين لتجديد هذه العقارات بنسب تصل الى 30 في المائة من التكاليف. ويصل الحد الاقصى من الاعانات الى حدود 150 الف دولار ولكنْ قليلون هم الذين يتقدمون للحصول على هذه الاعانات لان شروطها تتضمن الالتزام بتقديم العقارات المرممة للاستخدام السياحي لمدة خمسة اشهر كل عام ولمدة 15 عاما. وهناك ايضا العديد من الشروط حول كيفية الترميم وفقا للقواعد المحلية وباستخدام المواد المتاحة في المنطقة.

وتوفر هذه المنازل الريفية فرص الاختلاء بالطبيعة بعض الوقت بعيدا عن مظاهرالمدنية سريعة الايقاع. وهي تلقى اقبالا كبيرا من قطاعات متزايدة من السياح الاوروبيين. وتتاح حرية التصميم داخل المنازل بحيث يمكن تحويلها الى شقق حديثة مع الاحتفاظ بطابعها التقليدي في الخارج. وتتوقف الاسعار على المساحة والموقع وقيمة التحديث الداخلي. ويستغرق تجديد المنزل الريفي في العادة حوالي العام الكامل.

وتحتوي هذه العقارات في العادة على الهواتف المنزلية وتوصيلات للانترنت بالاضافة الى مطابخ وحمامات حديثة مزودة بالمياه الساخنة. وهي تصلح للسكن طوال شهور العام ولكن تراكم الجليد في الشتاء يجعلها مواقع موسمية لفصل الصيف فقط. ولا يتوقع المستثمرون تأجير هذه العقارات لاطول من شهور الصيف سنويا. ويتوزع المستثمرون في هذه المنازل الريفية بين السويسريين انفسهم، ويمثلون نصف المستثمرين تقريبا، والاوروبيين الآخرين.

* قانون جديد يتيح ملكية العقار للأجانب في سويسرا

* المنتجعات السويسرية مستقرة الأسعار في عصر التراجع العقاري («الشرق الأوسط»)

* لندن: «الشرق الأوسط»

* من التطورات القانونية التي جرت أخيرا في سويسرا فتح اسواق العقار جزئيا للاجانب، وان كانت لا تزال المعوقات والشروط تقصر هذا الامتياز على عدد قليل من الاجانب سنويا، وتحدد لهم المناطق التي يمكنهم الاستثمار فيها. ويتيح القانون السويسري الجديد ملكية العقار بحد اقصى عقار واحد لكل اجنبي. وجاء القانون في الوقت الذي تطور فيه شركات العقار المزيد من المنتجعات السياحية في مواقع قريبة من ساحات التزلج على الجليد، وهي مشاريع قد تزيد عن الطلب المتاح في الاسواق اليوم. وتهدف معظم المشاريع الجديدة لاستقطاب المستثمر متوسط الميزانية وليس فقط فائقي الثراء، وهي تتوسع في مناطق قريبة من المواقع المركزية باهظة الثمن، وتسوق سويسرا على انها استثمار عقاري وليس فقط مقرا لاقامة النخبة الثرية.

وحتى وقت قريب كانت سويسرا تمنع الاجانب من شراء العقارات قبل التجنس بالجنسية السويسرية والاقامة في سويسرا معظم فترات العام. ولكنها في القانون الجديد سمحت بـ «كوتا» سنوية للاجانب يبلغ عددها 1450 اجنبيا يمكن لكل منهم ان يملك عقارا واحدا في سويسرا، وفي مناطق او كانتونات معينة.

وتقليديا تكره سويسرا المضاربين على العقار، وكان هذا هو سبب منعها الاجانب من شراء العقارات فيها. كما انها تترك للكانتونات المحلية حرية وضع الشروط الملائمة لكل منها لمنع نشاطات المضاربة. ويشترط بعض الكانتونات ملكية العقار لمدة خمس سنوات على الاقل. وتمنع جميع الكانتونات حاليا ملكية الاجانب لاكثر من عقار الا في حالات خاصة.

وعلى رغم فتح ابواب الاستثمار في العقار السويسري، يحذر الخبراء من التسرع ودخول السوق السويسرية قبل دراسة اوضاع السوق من حيث ملاءمتها لاغراض الاستثمار من ناحية القيمة واختيار المنطقة المناسبة بعناية. وتختلف الكانتونات السويسرية فيما بينها في شروط الاستثمار الاجنبي فيسمح بعضها للاجانب بشراء شاليهات، وهي عقارات اكبر حجما من المنازل، وتقتصر كانتونات اخرى على الشقق او المنازل. وتحدد الكانتونات مناطق بيع العقار للاجانب فيها، كما يحظر بعضها بيع الاجنبي لعقاره قبل مضي ثلاث الى خمس سنوات على عملية الشراء.

وبالمقابل هناك ايضا كانتونات متحررة لا تضع شروطا لا على المكان ولا زمن الملكية وتنهي اجراءات الشراء في فترات وجيزة لا تتجاوز عدة اشهر.

وتختلف ايضا تكاليف التسجيل والتكاليف القانونية بين كانتون واخر. في بعض المناطق لا تتخطى هذه التكلفة نسبة 2.5 في المائة من ثمن الشراء، بينما تصل الى خمسة في المائة في مناطق اخرى. وفي كل الاحوال لا بد ان تجرى عملية الشراء باسماء اشخاص وليس بأسماء شركات.

وبالاضافة الى تكاليف شراء العقار يجب حساب تكاليف صيانة وملكية العقار في سويسرا، وهي تنقسم الى نوعين. الاول رسوم خدمات لحكومة الكانتون والاخر رسوم صيانة لادارة المنتجعات او العقار نفسه. وهي تختلف بين منطقة واخرى وتعتمد على مواصفات العقار والمنطقة التي يقع فيها.

وتتميز اسعار الفائدة في سويسرا بأنها متدنية ومستقرة، كما ان البنوك السويسرية تتسم بالمرونة في التعامل وتسمح بأسلوب التمويل العقاري الذي يناسب العميل. فمن البنوك من يقدم قروضا مرنة يمكن من خلالها دفع الفوائد مرتين سنويا ودفع الاقساط بما يناسب العميل خلال العام، وتحسب الفوائد على باقي القرض المتبقي وقت حساب الفوائد. كما يمكن دفع اي نسبة من اصل القرض في اي وقت. وتقدم البنوك السويسرية في العادة قروض التمويل بنسبة 65 في المائة من قيمة العقار، وتمتد القروض حتى 25 عاما ويمكن مدها ايضا لفترات اطول تصل الى 50 عاما.

وتاريخيا تعتبر العقارات السويسرية مستقرة سعريا، وفي العام الاخير لم ترتفع قيمتها بأكثر من 2.3 في المائة. ولكنها على الاقل لم تنهار مثلما الحال في اسواق اخرى. ويكون التركيز الاستثماري في العادة على العوائد الايجارية. وتقدم المشروعات الجديدة القريبة من المنتجعات السياحية للتزلج على الجليد فرصا جيدة، بالمقاييس السويسرية، لاكبر نسبة عائد ايجاري لانها تؤجر لمواسم طويلة خلال العام. وتطمح مناطق الاستثمار العقاري الجديدة المفتوحة للاجانب ان تكون منتجعات سياحية طوال العام، بخلاف المناطق السويسرية التقليدية التي تفتح ابوابها فقط خلال مواسم التزلج الشتوي على الجليد. كما انها تتميز برخص الاسعار نسبيا عن المناطق التقليدية التي يرتادها في العادة الاثرياء الذين اعتادوا عليها موسميا.