الأردنيون بين التفاؤل والحذر في ظل الأزمة العالمية وتداعياتها

سجال بين المستثمرين في قطاع العقار

مستثمرون أجانب يرغبون في نقل استثماراتهم إلى الأردن للاستفادة من مناخ الاستثمار المستقر («الشرق الأوسط»)
TT

أبدى عاملون ومستثمرون في القطاع العقاري الاردني تفاؤلا لجهة انتعاش سوق العقار المحلي خلال الشهور المقبلة وامتصاصه لتبعات الأزمة المالية العالمية والاستفادة من انخفاض أسعار المواد الأولية. وبلغ حجم التداول في سوق العقار الأردني خلال الأشهر التسعة الماضية بحدود خمسة مليارات دينار بزيادة نسبتها 11 بالمائة مقارنة بذات الفترة من العام الماضي.

واستبعدوا حدوث تأثيرات مباشرة للازمة المالية التي تعصف بالأسواق العالمية حاليا على القطاع لنجاعة الإجراءات التي يتبعها البنك المركزي الأردني بخصوص السياسة النقدية التي حمت البنوك المحلية من أي مخاطر قد تنتج عن التسهيلات والقروض حسب المعايير الدولية.

ونشأت الأزمة المالية العالمية نتيجة فشل بعض المؤسسات المالية الأمريكية الكبرى سرعان ما تطور إلى أزمة عالمية أدت لسقوط عدد من البنوك الأوروبية وهبوط حاد في أسعار الأسهم والسلع.

ويقدر صندوق النقد الدولي خسائر العالم من الرهون العقارية بنحو 1.4 تريليون دولار، كما قدر أيضا خسائر الأسهم على مستوى العالم والتي فقدت جزءا كبيرا من قيمتها بنحو 15 تريليون دولار.

وبينوا إن انخفاض أسعار النفط عالميا وما تبعه من تراجع على معظم أسعار المواد الأولية، خاصة مادة حديد التسليح التي انخفضت بمقدار النصف سينعكس إيجابا على كلف البناء التي ارتفعت بنسبة 35 بالمائة منذ بداية العام الحالي مما سيعيد الازدهار إلى القطاع من جديد.

وبلغ سعر بيع طن حديد التسليح محليا حسب التاجر محمد غازي أبو صوفة بحدود 600 دينار بعد ان كان 1100 دينار قبل شهر.

وكان رئيس جمعية مستثمري قطاع الإسكان المهندس زهير العمري أكثر المتفائلين بخصوص انتعاش القطاع مجددا بعد الاجتماع الذي ترأسه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وقدم خلاله رئيس الوزراء نادر الذهبي عرضا حول أداء الاقتصاد الوطني والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتحصينه ضد تداعيات الأزمة المالية العالمية.

وكشف العمري عن اتصالات مع مستثمرين أردنيين مقيمين في دول أجنبية يرغبون بنقل استثماراتهم إلى الأردن للاستفادة من مناخ الاستثمار والاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تعيشه متوقعا كذلك تحول صناديق استثمارية خليجية للأردن. وتوقف العمري عند قضية تشدد البنوك حاليا في منح القروض العقارية للمواطنين وارتفاع نسبة الفائدة التي تصل إلى 9 بالمائة + 1 وتسهيل شروط الحصول على القرض خاصة لذوي الدخل المحدود للمساهمة في أعادة النشاط للقطاع الذي يشغل ثلاثين قطاعا آخر.

وتستحوذ الشركات المنضوية تحت عضوية جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان البالغ عددها 800 شركة على حوالي 70 بالمائة من حجم قطاع العقار المحلي.

واستبعد خير الدين بسيسو مستثمر في القطاع حدوث أي تأثير للازمة على قطاع العقار المحلي كون إجراءات البنوك الأردنية في إعطاء القروض سليمة وليس فيها اي تهاون او مشاكل في السداد.

وقال إن القطاع قد يستفيد قريبا من الاستثمارات الخليجية التي تأثر أصحابها من الأزمة، مبينا أن دخول شركات كبرى عقارية إلى السوق المحلي يثبت للعالم ان السوق الأردني سليم وقادر على جذب المزيد من الاستثمارات.

وقال فواز الحسن صاحب شركة إسكان إن سوق العقار المحلي دخل قبل الأزمة في حالة من التباطؤ بسبب ارتفاع الأسعار الأمر الذي اثر بصورة كبيرة على تراجع قدرة المواطن الشرائية ومنها قدرته على شراء المسكن المناسب.

وتوقع إن يكون لتراجع أسواق المال انعكاس ايجابي على قطاع العقار الذي يوفر للجميع عنصر الأمان والاستقرار والملاذ الآمن للاستثمار، كما توقع دخول استثمارات جديدة إلى السوق المحلي لتوفر عناصر الجذب، واستبعد الحسن انخفاض أسعار العقار كون المستثمر الذي انشأ العقار بتكلفة عالية لن يخفض أسعاره وسيحافظ عليها بغض النظر عن الأوضاع الحالية وتراجع أسعار المواد الأولية.

وخالف الخبير الاقتصادي الدكتور مازن مرجي التوقعات بدخول استثمارات عقارية جديدة إلى السوق المحلي مشيرا إلى أن السوق لن يشهد جديدا العام المقبل باستثناء مشاريع مبادرة «سكن كريم لعيش كريم» نظرا للعوامل النفسية التي تسيطر على المستثمرين جراء الأزمة العالمية.

ويرى المحلل الاقتصادي حسن الشوبكي ان أسعار العقارات تأرجحت غير مرة منذ مطلع العام الحالي، وحتى قبل ذلك منذ صيف عام 2007، تارة تشهد ارتفاعا قياسيا بسبب زيادة الطلب، وأخرى تستقر عند مستويات مقبولة، وثالثة تسري في أوساط المشترين دعوات لخفض الأسعار، فيما الصورة الحالية والمقبلة للسوق العقاري تحمل مفاجآت لكثير من الباحثين عن عقار بأسعار زهيدة.

ويتحدث المستثمر في قطاع الإسكان، محمود السعودي، عن وجهة نظر مغايرة للدعوات المطالبة بخفض أسعار العقارات في أعقاب انخفاض أسعار الاسمنت والحديد محليا، ويقول عندما زادت اسعار الحديد والاسمنت في الآونة الاخيرة توقف المستثمرون عن البناء، مبينا ان المستثمرين في الاسكان، على حد قوله، لم يعكسوا ارتفاع الاسعار في مواد البناء على اسعار الشقق، اذ كانوا يبيعون بأسعار الكلف القديمة، واشار الى ان ارباح معظم هؤلاء المستثمرين لا تتجاوز 10% وهو ما يجعل فرضية خفض اسعار العقار في الفترة المقبلة، غير واردة على الاطلاق.

وتوقع السعودي حدوث ازمة سكن في البلاد خلال العام المقبل، موضحا ان المعروض سيكون اقل بنسب ملموسة من الطلب على الشقق، لا سيما وان عام 2007 شهد تراجعا بنسبة 15% على مستوى بيع الشقق السكنية، وانه منذ بداية العام الحالي تم بيع 20 الف شقة فيما حاجة السكان تزيد على 30 الف شقة، وتم على مدار العام بناء نحو 10 آلاف شقة، ويتوقع السعودي، الذي كان قد رأس سابقا جمعية مستثمري قطاع الاسكان، ان يكون الطلب المحلي على الشقق بمقدار 40 الف شقة العام المقبل ويجري حاليا تجهيز ربع هذه الحاجة السكانية – 10 آلاف شقة – وهو ما يدلل على ان ازمة السكن والطلب على الشقق مقبلة وان اسعار الشقق ستزيد.

ويرى خبراء محليون في العقار ان سعر الارض يشكل نحو 50% من سعر الشقة وهي التي تحافظ على مستوياتها او ترتفع، ووسط معروض محدود وفي اعقاب خسارات ناجمة عن تقلبات الاسعار بالنسبة للمستثمرين فإنه من غير المتوقع بالنسبة لكثيرين انخفاض اسعار الشقق ولو بنسب طفيفة.

وكانت الارقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزي الاردني اظهرت تراجع نشاط البناء في المملكة بشقيه السكني وغير السكني بنسبة 14% خلال النصف الاول من العام الحالي، غير ان متخصصين اكدوا ان التراجع في البناء السكني كان ضعف حجم التراجع في نشاط البناء غير السكني.

وفي اتجاه آخر يؤكد رجال اعمال ومستثمرون ان مبادرة «سكن كريم لعيش كريم» التي ستوفر اكثر من 10 آلاف شقة لفئة ذوي الدخول، ساهمت بشكل غير مباشر في تقليص حجم الطلب على الشقق خلال الأشهر الماضية بغية الحصول على شقة من هذه المبادرة وهو ما اوجد اختلالا في حركة العرض والطلب خلال هذا العام ويتوقع لهذا الاختلال ان يمتد ويظهر على نحو اكبر في العام المقبل.

وبين وجهتي النظر – الاولى المطالبة بخفض اسعار العقار نظرا لتراجع أسعار المواد الانشائية والثانية التي لا ترى مبررا لذلك– يبقى سوق العقار مرتبطا بعوامل داخلية وخارجية في تحديد مستويات السعر وبما يتحكم لاحقا في طبيعة البيع والشراء، فثمة من يشتري من المغتربين الأردنيين وهم الذين بدا دورهم واضحا في زيادة الطلب محليا خلال الآونة الأخيرة، إضافة إلى الأجانب، مع الأخذ بعين الاعتبار أيضا تأثير الازمات المالية في العالم والمنطقة على شح السيولة واتجاهات العرض والطلب في كل الاسواق ومنها اسواق العقار.