البنوك المركزية تتحرك في آسيا سعيا لإنقاذ الأسواق العقارية من الانهيار

الروح تدب في أسواق أستراليا.. واليابان تعاني

جانب من مدينة شنغهاي وقد ألغت الصين الكثير من الشروط المفروضة على البنوك وسوق الإقراض العقاري والحد الأقصى للاستقراض، في محاولة للحفاظ على الاستقرار والنمو (رويترز)
TT

بدأت الأسواق العقارية في استراليا تستعيد عافيتها رويدا رويدا، حسبما أشارت الأرقام الرسمية الأخيرة حول شهر سبتمبر (أيلول) 2008 الماضي. وقد اكد مؤشر «داتا ـ ريسمارك» (Data-Rismark National Property Values Indices) الوطني، ان أسعار العقارات تراجعت منذ سبتمبر بنسبة 0.5 في المائة فقط، ولم تتعد نسبة التراجع على الأسعار في الأشهر التسعة السابقة لسبتمبر 1.4 في المائة، مما يدل على ان الأسواق العقارية، خصوصا سوق العقار السكني، أقوى مما كان متوقعا وقادرا على النهوض من التراجع الذي طرأ على الأسعار اثر أزمة الائتمان وشح التمويلات والقروض. ويقول المدير في مؤشر «داتا ـ ريسمارك» كريستوفر جوي، إن الشقة بين العرض والطلب تصب في النهاية لصالح الأسعار في المستقبل: «إذا نظرنا إلى الأمام علينا بناء ما لا يقل عن 190 ألف منزل سنويا، لكن السوق لا يؤمن أكثر من 145 ألف منزل سنويا». ويتوقع بعض الخبراء في أسواق العقار الاسترالية أن يرتفع الطلب السنوي على المنازل والعقارات عام 2012 ليصل الى 200 الف عقار. وهذا يعني ان أسعار العقارات في استراليا ستستعيد ارتفاعاتها على المديين المتوسط والبعيد، نتيجة النقص في عدد المنازل المطلوبة سنويا كما هو الحال في بريطانيا.

ويضيف جوي بأنه إذا ما ارتفعت أسعار العقارات بالتناغم مع معدل النمو الاقتصادي العام ستكون أسعار العقارات خلال عشر سنوات أغلى بنسبة 80 الى 90 في المائة عما هي عليه الآن. وهي نسبة عالية ومغرية للمستثمرين الأجانب. ويعتمد المؤشر الوطني على أكثر من سبعين في المائة من المكاتب العقارية والسماسرة في البلاد لتحصيل المعلومات الأولية عن حال أسواق العقار، وتشير هذه المكاتب الى ارتفاع عدد المتسائلين او الباحثين عن العقارات أخيرا، خصوصا في القطاعات الرخيصة نسبيا. ويبدو ان اديليدي تبقى أكثر المدن الاسترالية حظوظا في هذا المضمار، إذ تشير الأرقام إلى أن أسعار العقارات ارتفعت بنسبة 3 في المائة هذا العام، وبنسبة 7.8 في المائة من سبتمبر العام الماضي 2007 الى سبتمبر هذا العام. ومن ناحية أسواق الإيجار، تشير الأرقام إلى أن مدينة داروين هي الأفضل حاليا، إذ ان العائدات على إيجار الشقق والمنازل تتراوح بين 6.4 و6.5 في المائة. ويبدو ان مدينة بيرث هي الأسوأ من الناحية السعرية وعائدات الإيجار، رغم غلائها. وفي مالبورن لا يزال السوق راكدا منذ اشهر.

وعلى صعيد التطورات الإيجابية في القارة الآسيوية لمنع أسواق العقار من الانهيار بسبب ازمة الائتمان، تقول الأخبار الأخيرة إن البنوك الآسيوية تتخذ الكثير من الإجراءات لتخفيف حدة الأزمة الحالية، خصوصا توفير القروض وتخفيف الشروط عليها لتحريك الأسواق العقارية وتفعيلها. وقد ألغت الصين الكثير من الشروط المفروضة على البنوك وسوق الإقراض العقاري والحد الأقصى للاقتراض في محاولة للحفاظ على الاستقرار والنمو الاقتصاديين، حسبما أكد ناطق باسم البنك المركزي في بكين. وقد عانت الأسواق العقارية جميعها في الفترة الأخيرة في الصين من شح القروض خصوصا المطورين العقاريين والشركات الصغيرة، مما بدأ يضع ضغوطا كبيرة على الأسواق على خلفية أزمة الائتمان الدولية.

ويقول لي تشاو عن البنك المركزي: «للرد بطريقة فعالة على وطأة ما يحصل في الأسواق المالية حول العالم، والحفاظ على النمو والاستقرار الاقتصاديين، البنك لم يعد يفرض أي شروط على الإقراض». كما توقف البنك المركزي عن تفقد القروض للشركات والمؤسسات الصغيرة.

وفي الهند قام البنك المركزي ولتحسين الوضع العقاري، وتأمين المزيد من السيولة، بتخفيض معدلات الفائدة على إقراض البنوك والقروض المتوسطة المدى ليصل 7.5 في المائة. ويقول ناطق باسم البنك المركزي إن التخبط في الأسواق المالية في العالم له تأثير كبير في أسواق الهند المالية وما قامت به الحكومة يصب في هذا الاتجاه، أي تأمين الاستقرار المالي. وقد فاجأت الخطوة بعض المراقبين، لكن الهند التي تعتبر ثالث كتلة اقتصادية في آسيا، تشعر بقوة تأثير ما يحصل في الأسواق المالية حول العالم وبأزمة الائتمان وتبعاتها على الأسواق العقارية. وقد تبع البنك المركزي الهندي الكثير من البنوك الدولية من أميركا الى بريطانيا والصين وهونغ كونغ، تخفيض معدلات الفائدة وتأمين السيولة للبنوك للتخفيف من الأزمات المالية التي يمر بها الاقتصاد العالمي، وتجنب ركود عام. ورغم تراجع معدل التضخم في الفترة الأخيرة، فقد تواصلت الضربات التي يتعرض لها السوق العقاري، إذ أشارت الأرقام الأخيرة إلى أن أسعار العقارات في المدن الكبرى تراجعت بنسبة لا تقل عن 15 في المائة هذا العام مع تراجع كبير في عدد المشاريع الجديدة وعدد الصفقات العقارية. ويقول ام سي سون من مؤسسة (Mumbai-based National Builders) العقارية المعروفة في الهند، بأنه على الرغم من تراجع الأسعار في الكثير من المدن إلا أن بعض المناطق لا تزال في وضع صحي مثل ولاية كيرالا. كما ان المستثمرين مستعدين لتخفيض أسعارهم لجذب المشترين والزبائن وتحريك الأسواق، إلا أن غلاء مواد البناء وانعدام القروض او شحها، جعل من تحقيق ذلك أمرا مستحيلا. ويتوقع الكثير من الخبراء في أسواق العقار الهندية، ان أسعار العقارات ستواصل تراجعها وبنسب اكبر منذ بداية العام المقبل. ويتوقع ان تصل نسبة التراجع او التصحيح على الأسعار الى 20 في المائة في الربع الأول من العام المقبل 2009، حسب ما تؤكد مؤسسة «جونس لانغ لاسال» Jones Lang LaSalle. وكانت التقارير الأسبوع الماضي قد ركزت على المستثمرين الكبار الذين تأثروا مباشرة بأزمة الائتمان الدولية مثل «يونيتاك» Unitech و«دي ال اف» DLF، اللتين تجدان صعوبة في الحصول على تمويلات كافية لإكمال مشاريعهما. وتضطر بعض الشركات الى اللجوء الى الاستقراض الخاص مقابل نسبة معينة من أرباح المشاريع. لذا يتوقع ان يتم توقف العمل في الكثير من المشاريع السكنية والتطويرية ويتم إهمال البعض الآخر، ويتم التركيز لاحقا على المشاريع الموجهة للطبقات الدنيا والمتوسطة.

وفي هذا الإطار أيضا، حذر الكثير من الخبراء من تراجع أسعار العقارات التجارية بحدة نتيجة أزمة الائتمان وشح التمويلات. وتشير الأخبار الأخيرة من طوكيو إلى ان بعض المستثمرين الكبار سيضطرون الى بيع بعض عقاراتهم نتيجة أزمة الائتمان الدولية مما سيؤثر في الأسعار سلبا.

ويبدو انه سيتم إعادة ترتيب ديون عقارية بقيمة 18 مليار دولار خلال العامين المقبلين، مما يعني تأخيرا في الكثير من المشاريع. كما ان الكثير من البنوك اليابانية تحجم عن إقراض الكثير من المستثمرين، كما كانت تفعل بعض البنوك الأميركية (ليمان براذارز) في ظل الأوضاع الحالية مما يضع ضغوطا جمة على السوق العقاري التجاري ويهدد نموه. وتشير الأرقام إلى أن قيمة القروض الممنوحة في هذا المضمار تراجعت بنسبة 20 في المائة حتى منذ سنة حتى يونيو (حزيران) الماضي. ويتوقع ان يعجز مديرو الشركات العقارية عن إعادة ترتيب ما قيمته 40 مليار ين من القروض العقارية هذه السنة بسبب أزمة الائتمان الدولية. ولهذا يتوقع ان يؤدي الوضع الحالي أيضا الى تراجع أسعار الأراضي بسبب لجوء الكثير من المستثمرين إلى بيع عقاراتهم بسبب المخاوف من مواصلة الأزمة المالية الدولية حاليا لوقت طويل.

يقول المحلل في بنك «كريديت سويس» المعروف، ماساهيرو موشيزوكي، إن حجم الديون العقارية سيصل السنة المقبلة الى حوالي تريليون ين، وان اضطرار الكثيرين للبيع سيؤدي الى ضرب الأسعار وتراجعها. وفي تايلاند، طالب الكثير من العقاريين والمؤسسات المعروفة الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية سوق العقار من هزات أسواق المال الدولية، للتخفيف من حجم الضرائب المفروضة على العقارات لمنع تدهور الأسواق وانهيارها. وطالب الهيئة الوطنية للمكاتب العقارية والسماسرة في البلاد الحكومة أيضا بتخفيض معدل الفائدة العام وتخفيف شروط الإقراض العقاري لتحريك الأسواق، وتسريع عمليات الاستثمار في مشاريع تطوير البنى التحتية لتحفيز النمو الاقتصادي وإنعاش القطاعين العقاري والسياحي قبل فوات الأوان. ويقول وزير المال سوشارت ثامرونغفيتش في هذا الإطار، إن الحكومة ستواصل العمل بالكثير من التحفيزات الضريبية في القطاع العقاري، لأنه من أهم القطاعات المحفزة للنمو الاقتصادي في البلاد. ويضيف الوزير ان الحكومة غير متخوفة من تأثيرات أزمة الائتمان، وان معظم البنوك في البلاد لم تتأثر كثيرا بما حصل في الولايات المتحدة. ومع هذا فإن تايلاند تخسر الكثير من استثمارات العقارات الأجنبية بسبب عدم الاستقرار السياسي. ويتوقع أن يتم لاحقا إلغاء الكثير من الشروط المفروضة على الأجانب وفترات الصكوك العقارية وحق الت